الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتفاء بالشاعِر الفرنسي جورج بونه

رابحة مجيد الناشئ

2013 / 10 / 24
الادب والفن



الاحتفاء بشاعر مرتين في نفس العام، أمر قليل الحدوث، لكن مدينة ﭙ-;-واتيه الفرنسية لها الحق في التفرد.

،جورج بونه -Georges Bonnet ، شاعر، روائي وقصصي فرنسي، في الخامسة والتسعين مِن عمرِه يصدر ديوانه الجديد في حزيران 2013 والموسوم:

تعرُّج الأَيام - La claudication des jours،بعد أن كان قد أصدر في حزيران 2012 قصته الرائعة ‹‹ بين كلمتين الليل ››.

مكتبة جيبرت لمدينة ﭙ-;-واتيه الفرنسية - La librairie Gibert-Poitiers - فتحت أَبوابها من جديد لمحبي الشعر والأدب لتكريم هذا الشاعر بمناسبة صدور كتابه الجديد، واستضافت
لتقديمه وَلِقراءة أَشعارهِ، الكاتب والشاعر الفرنسي ﭙ-;-يير ﭬ-;-ينود-Pierre Vignaud .

حضر جورج بونه برفقة ناشر كِتابه، كلود روكيه - Claude Rouquet

مسؤولة المكتبة، إِيزابَل باروييه - Isabelle Barrouillet حاورت الشاعر المحتفى به.

بدأت إيزابَل بالتحدث عن مسيرة جورج الأدبية، عن إبداعاته الشعرية والروائية واسلوبه الهادئ ذو البساطة الحاذقة. كما تطرقت للموضوعات التي عالجها على مَدى هذهِ المسيرة.

جورج بونه مِن مواليد 1919، في قرية سانتونجه التابعة لإقليم ‹‹ شارونت ماريتيم›› في الجنوب الغربي من فرنسا.

تركَ جورج دراسة الفلسفة مُؤَثراً الالتحاق بالقسم الرياضي وليصبح فيما بَعد بَطلاً في الفريق الرياضي الفرنسي، وأستاذاً للرياضة والتربية البدنية في جامعة ﭙ-;-واتيه التي بقي فيها حتى وصوله للتقاعد عام 1979. منذ حَداثتهِ المبكِرة شغف جورج بالشعر والأدب، وكان يكتب ولا ينشر. ولم ترَ أشعاره النور إلا في سنة 1965، وكان آنذاك في الخامسة والأربعين من عمره.

في عمر أﻟ-;- 81 سنة، نَشرَ جورج بونه أول رواية له بعنوان ‹‹ ذات صيف جميل ›› في سنة 2000، وهي الرواية التي أَحدثت ضجة أَدبية كبيرة وحازت على جائزة الكتّاب في إقليم ‹‹ ﭙ-;-واتو شارونت ›› ونفدت سريعاً من الأسواق. تبع هذهِ الرواية العديد من الروايات والقصص والدواوين الشعرية.

أولَ سؤال وجِّه لجورج كان عن كيفية تنقُله ما بين الشعر والرواية والقصة....:

‹‹ أحب أن أكتب روايات وقصص، إِلا أَنني شاعِر قبل كل شيء، والكتابة هي رَفيقة وِحدَتي في بيتي الكبير الذي أَعيشُ فيه وَحيداً بَعدَ أَن رَحلت الحبيبة››.

وعن عنوان ديوانه الجديد ــــ تعرُّج الأيام ــــ يجيب جورج: ‹‹ كَتبتً قصائدي ولم أَضع عنواناً لكتابي، قرأها الناشر واقترحَ عليَّ هذا العنوان فوجدته مُلائماً...››. أَمّا ناشر الكتاب كلود روكية فقد انبرى يقول: ‹‹ لقد وجدت شعر جورج رائعاً مَملوءً بالصور، طافحاً بالعواطف،وجدته شِعراً يذهب إلى أعمق أعماق القارئ، فوضعتُ له هذا العنوان ونَشرته في الحال ››.

في مائة قَصيدة، مَكتوبة بصيغة الماضي، يتطرق جورج إلى المواضيع العزيزة عليه: الطفولة، القرية، الطبيعة، المواسم والزمن الماضي.

كتابه هذا ‹‹ تعرُّج الأيام ›› هو نوع من الاستمرارية المكملة لمؤلفاته السابقة في الشعر والرواية والقصة والتي يعود فيها جميعاً لجذوره القروية.

في هذا الديوان يلعب جورج بالكلمات وبالصور، فيثير المشاعر، يُحيي الذكريات ويوقظ الأحاسيس في مائة قصيدة لذيذة، بأسلوبه البسيط الخالي من الزخارف والمحسنات.

في ديوانه الشعري هذا يتحدث جورج بونه عن الحُب والكراهية، عن الصدق والكذب، عن الخوف والشجاعة، عن النبل والدناءَة...يتحدث كذلك فيه عن شخوص وعن أَحداث عاشها في طفولته....عن أولئكَ الذين عايشهم...عن علاقاتهم الاجتماعية، عن صباحاتهم وَمساءاتهم، عن مَخاوِفَهم وعن أحلامهم...وَعن أحاديثهم التي يعيدون بها الحياة للأحداث وللمكانات، حتى لكأنه يعيش الريف في المدينة ويعيش الطفولة في الشيخوخة:

كانَ أَحدهُم يَسكن الآخر وكل كلمة
كانت يداً ممدودة

ذاكرتهم مُبتهجة دون عَناء
عَرَفت مُداعبات الجذور
وَحفاوة الينابيع

كانَ بإمكانِهم ترحيل جِراحاتهم
وكانت أحاديثهم تذهَبُ حتى الأرض

كل احتفال بالطبع كانت له أَحزانه
كانت النساء تتنفسُ كالليل
وتنسج الشتاءات
باللون الرمادي لليمام.

وفي قَصيدة أخرى يقول جورج:
لم تَكن لديهم مَخاوِف في التحدُث
أَو في البكاء
القلقُ قد يكون أَحياناً

مَعَ ذلك أَشجار الزيزفون المُزهِرة
لا تُخفي سَعادتها عنهم
وتبقى كلماتهم مُتوقِدَة مثلما
تُستَخرَج النار

الكلمة المنسيَّة تبقى حَزينة كَطفلٍ
لم يأتِ أَحد للبحثِ عنه

مَساءً يطوونَ حَركاتهم
الليلُ مُستلقٍ في مُستَهل العتبة.

وفي القصيدة التالية يقول:
عندما يغادرهم أَبدياً أَحد الأَقرباء
يُغيرَهمُ الحُزن
خطواتهم لا تتلاقى
المتوفى في قبره يستسلِمُ للاحتضان

يتواجدون من جديد
في صِدَف الزمان العابر وبالأَحاديث
يُنعِشون الأَحداث والأماكِن
في يوم الأحد يلاقون في طريقهم
سلسلة من الأزهار محاذية
لِضفة النهر
حيث لا تحلم الأشجار إلا في مِرآة

عندَ الغَسَق
كل أُغنية طير تصبح وداع.

الضمير " هُم - Ils " يتردد كثيراً في قصائد هذهِ المجموعة الشعرية، ويجيب جورج عَمّا يعني بالضمير " هم ": ‹‹ أعني البشر، أعني نحنُ جميعاً ››.

في سؤال آخر عن الضمير" هي - Elle " أجاب جورج برقةٍ متناهية:‹‹ إِنها والدتي، امرأة رائعة، ذكية، مَفتوحة على العالم، وقد أَثرت على كل ميادين حياتي وبالذات على الميدان الشعري ››. ثم يستطرد وبملامح أَلم وحزن:‹‹ كنتُ أشعر بأن أُمي لا ترغب في أن أكبر يوماً... للأسف توفيت في عام 1965، ولم تَرَ ديواني الشعري الأول ( الرأسُ في حدائقه ) الذي ظهر بعد وَفاتها بشهر››.

في إِحدى قصائد هذا الديوان يتحدث جورج عن والدته:

لم تعد ترى أحداً مُمتنعة عن الظهور، إنها بالكاد تحتمِل الديك الخزفي ذو العين الحمراء، الذي يتابع كل حركة من حركاتها طول النهار، في عالمها السري الخفي وفي السكون.

لم تزل جميلة رغم التجاعيد الطفيفة، والتي كانت على يقين بأنها تحوم ليلاً حول وجهها.

ولا ينسى جورج الأطفال وعن واحة الطفولة يقول: ‹‹ هنا نحتفظ بالذكريات حيث يمكننا اللجوء عندما نشعر بالبرودة ››.

وفي القصيدة التالية يتحدث عن رفاق الطفولة:

كانَ للأَطفال
النظرة المبسوطة للطير
ليلاً نوم الهاوِيات
وَنهاراً هيجان الانعكاسات

كانت تُنبئَهُم
بِغَد الطيور العاشِقة للقمَم

أَحلاماً تُرافِقُ طريقَهم
مِثلمَا يُكتَبُ في هامِشِ كِتاب

كُل سَعادة مُتاحة سكون رَملً دَقيق
في ظهيرات الصيف بِجدران بيضاء منحوتة شاقولياً

بأحشاء الشمس
والظلال الساكِنة.

وللنساء عند جورج مَنزلة كبيرة وهو يتحدث عنهن دائماً بحميمية وبمنتهى الرقة والظرافة:

النساء كنَّ يَنحتنَ جدائلهُنَ
في سِحرِ مِرآةٍ بروحيةٍ عابرة
وكانت حَلاوة وجوههِنَّ
كَمثلِ سِرِ أُكتُشِفَ مُؤَخراً

عِندَما تَنهَض إِحداهُنَ
تُغني حَمامة رَمادية

تحدثَ جورج للجمهور عن وَلعهِ اللامتناهي بالقراءة، وعن مُعاناته من خيانة عينيه له:

‹‹ أحب أَن أَقرأ كثيراً... أَعشق القراءة ولا أستطيع العيش بدونها، لكن بصري ضعف كثيراً، والقراءة أصبحت رَهيبة، مُروِّعة، كأَلمِ صَلب المسيح. أقرأ الآن باستعمال المكبِّرة، وأكتبُ
أَشعاري على آلة قديمة للكتابة، وصديقتي الشاعرة أُوديل كارادَك – Odile Carade تأتي دائماً وتقرأ لي، وتستمع لقصائدي وَتنتقِدها ››.

في الختام أعلن جورج بونه للجمهور مَوعد صدور مجموعته الشعرية القادمة( بعدَ ثلاثة أشهر)

والتي ستكون بعنوان: " خلف ستارة من الظِلال " وسيكون جزءاً منها هايكُو- Haikou ( أَشعار قصيرة جداً، من أَصل ياباني ). كما أَكد بأنه يَعِدُ لكتابٍ جديد آخر.

فيما يلي إِحدى قصائد المجموعة الشعرية القادمة:

قيلَ بأننا ندخلُ دائماً عُراة للمرآة
وَكذلكَ
إنه لأمر حسن الاحتفاظ للذات

بمرجٍ باقٍ في الطفولة
ببابٍ مُنخفضة حيث تنزلق الظِلال
بارتعاشٍ لوردةٍ
يمكن أن نظنها روحاً

هكذا يواصل جورج بونه إدهاشنا بِعطائهِ الجزيل المتواصل، وهكذا يبقى نموذجاً وَمثالاً بقدراته الغير عادية على مَزج الشعر بالتجربة الحياتية، وَبجعل كل كتاب انطلاقة جديدة للحياة، للطفولة المتجددة، للسعادة وللعاطفة...للعاطفة العميقة.

إن المشهود لهذا الشاعر، هو سعيه المستمر للبحث عن الكلمة الحقة الصادِقة والأكثر بساطة قَدرِ الإمكان، والعمل على تجريد قَصائدِهِ من كل ثقلٍ أَو تَضخيم من أَجل أَن يبقى قريباً منَ القراء.

جورج بونه أديبٌ مِنَ الصعب تَصنيفه...مُشعٌّ، معطاءٌ، ينبوعٌ وفيرٌ غير قابل للجفاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير