الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أنا الحكاية- في مقبرة جماعية

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2013 / 10 / 27
الادب والفن


لم تزل الجرائم التي إرتكبتها السلطات القمعية المتعاقبة ؛ حاضرة في الوعي البشري لاسيما تلك التي تتخذها السلطات مساراً وأسلوباً ومنهجاً في إقصاء الآخر المختلف عنها في الفكر، والرأي والعقيدة ، وتعد جريمة الإبادة الجماعية إحد أبشع الجرائم التي تصنفها المنظمات الدولية بوصفها (جرائم ضد الإنسانية) ، والتي تم الكشف عن بعضها من خلال المقابر الجماعية ، بينما لم يزل غيرها مجهولاً حتى قيام الساعة، وعلى الرغم من ان هذا النوع من الجرائم لايقتصر على أمة دون سواها ، حيث تتشارك المجتمعات التي يهيمن عليها الحكم الشمولي في الأوجاع ذاتها ، ويعد المجتمع العراقي في طليعة تلك الدول التي تنوعت فيها جرائم الإبادة الجماعية ومقابرها التي تنتشر من الشمال إلى الجنوب.. سواء تلك التي تم إكتشافها أو تلك التي لم تزل في غيابة الجُبْ .
وقد جاء سقوط النظام التسلطي بعد( 2003 ) لكي يكون بداية للكشف عن (المقابر الجماعية ) التي بدأت حملات الكشف عنها تنتشر في طول البلاد وعرضها ، لتبدأ مراسيم النواح الأبدي للعوائل المنكوبة في أزمنة الوجع اللانهائي.
المقابر الجماعية في النص الدرامي:
تنوعت الإشتغالات النصية التي تتعاطى مع فكرة (المقابر الجماعية) إلا أن العديد من التجارب المسرحية لم يمتلك صانعوها القدرة على توظيف الماساة على نحو درامي يمنح المتلقي فرصة في إعادة إنتاج المأساة ، بل إقتصر الأمر على تقديمها كما كشفتها حفريات المنقبين .
وقد بدا ذلك حاضراً في مسرحية (انا الحكاية) تأليف(سعد هدابي) سينوغرافيا واخراج (فلاح إبراهيم) تمثيل (عواطف السلمان – فلاح إبراهيم ) والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني ضمن فعاليات (ايام مسرحية عراقية ) التي أقامها المركز العراقي للمسرح .
أن المؤلف ظل حبيس الواقعة التي بات المتلقي مدركاً لها .. لاسيما وان هذه المقابر لم تتوقف عند الزمن الماضي بل أن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العراقي اليوم لاتمنح المتلقي فرصة النظر إلى ذلك التأريخ الدامي .. لتتحول المقابر الجماعية في الماضي القريب إلى (مقابر مجهولي الهوية) في الحاضر وربما في المستقبل الغامض؟
الامر الذي بدا فيه النص معتمداً على ذاكرة المتلقي من دون ان يقدم له طروحات درامية تنسجم مع حجم المأساة التي ادركها المتلقي سمعياً وبصريا، من خلال القنوات الفضائية والأفلام الوثائقية .. فضلا عن الحكايات والشهادات التي يتناقلها أهل الضحايا .
إعتمد المؤلف في (انا الحكاية) على ثنائية الأم الباحثة الأزلية عن إبنها في رفات المقابر الجماعية ، وعلى الغريزة الحيوانية ممثلة بشخصية (الرجل) الذي بدا سلوكه التعبيري خالياً من الصفات الإنسانية، وإقتصرت رغبته الجامحة على إصطياد (الأم / الأنثى) إلا أن المؤلف لم يمنح المتلقي فرصة إكتشاف شخصية (الرجل) ،الأمر الذي جعل المتلقي يبحث عن ماهية ذلك الشخص الذي إرتضى ان يسكن في حفرة تتناثر فيها الجثث او ماتبقى من أعضائها التي منحت الباحثين عن ابنائهم فرصة في التعرف عليهم من خلالها.. فضلا عن ذلك فإن المؤلف إرتضى الإعتماد على اللهجة المحلية مستفيداً من تعاطف المتلقي معها ، من دون أن يكون لها فعل دلالي يمنح النص الدرامي فرصاً في القراءة والتأويل والبحث في ثنايا المتن النصي عن إشتغالات توليدية سعياً وراء ثيمات جمالية تمنح الواقعة المأساوية روحاً درامية.
سينوغرافيا العرض :
إعتمد المخرج السينوغراف على المتن النصي في صياغة فضاء العرض مستفيداً من البيئة التي يحققها فضاء المقبرة الجماعية ، بوصفه مقترحاً مكانياً ،إلا ان ذلك اوقع العرض في سينوغرافيا ثابتة وغير متحولة ، إذا ما إستثنينا حركة الإضاءة في إشارة إلى وجود (البلدوزر) وماعداها فإن الشكل البصري والمفردات التي إعتمدها المخرج ظلت ساكنة من دون أن يتم التعامل معها على الرغم من ان بعضها كان يمتلك حضوراً دلالياً كما هو الحال مع (براميل النفط – إطارات السيارات) إلا انها جميعا ظلت أسيرة البيئة المفترضة .
فضلا عن ذلك إن إشتغال المخرج السينوغراف على الإضاءة التي جاءت منسجمة بشكل ما مع فكرة النص إلا انها وقعت في محنة تطبيق الوظائف الاساسية للإضاءة في العرض المسرحي والتي تتمثل في كشف الشخصية ، ذلك أن المخرج عمل على تأسيس جو بصري ينسجم مع زمن الحدث الذي كان يحيل المتلقي إلى الليل ، اما اذا كان المخرج قاصداً لتلك الظلمة من اجل تحقيق فرضية تتمثل في وحشة المقابر وظلمتها ، فإنه قد إستطاع إيصال تلك الفكرة التي بدت مهيمنة على العرض لدرجة انها لم تمنح المتلقي فرصة التواصل مع الممثلين الذين تحولوا في احيان كثيرة إلى أشكال شبحية خالية من التعبير.
الاداء التمثيلي والأحداث المتفجرة:
عملت الفنانة (عواطف السلمان) في مشوارها الفني على تكوين علاقة جمالية مع المتلقي ، وقد بدا ذلك واضحاً في العديد من العروض المسرحية التي يمكن ان نذكر منها (أب للبيع او للأيجار) إخراج الراحل (قاسم محمد) والتي جسدت فيها شخصيات متنوعة ، فضلا عن أداءها في مسرحية (النهضة) إخراج ( عباس الحربي) الذي ظل حاضراً في ذاكرة المتلقي العراقي ، وعلى الرغم من أن الفكرة التي تصدى لها فريق العمل في (انا الحكاية) ليست ببعيدة عن اوجاع (النهضة) إلا ان الاداء التمثيلي لم يكن منسجماً مع الشكل الدرامي للماساة ، وقد بدا واضحاً في غياب فعل الممثل في العديد من المشاهد ، وبخاصة (المرأة) والتي نذكر منها ، عدم تفاعلها مع أصوات الحفارات (البلدوزرات) التي كانت حركاتها تسبب جراحاً لاتندمل في قلوب الأمهات، فضلا عن ذلك فإن سلوك الممثلة لم يكن حاضرا في المشهد الذي تجد فيه حقيبة طفلها ، حيث إقتصر أداؤها على المنطوق النصي ،الذي لم يكن بحجم الانفجار المشهدي، الأمر الذي جعل من الممثلة بعيدة عن سلوك الشخصية التي هي بالإساس حاضرة في ذاكرتنا الجمعية، وعلى الرغم من محاولة المخرج تكرار الشخصية في المشهد الأخير إلا إنها لم تتعد عن كونها أشكالا لشخصيات يدرك المتلقي حجم المأساة التي تعيش في فضاءها، ومن جهة اخرى نجد الفنان (فلاح إبراهيم ) الذي لعب دور الرجل حاول جاهداً أن يتفاعل مع المكان إلا ان حركاته ظلت مقتصرة على اماكن محددة في فضاء العرض ، فضلا عن الإجهاد الذي بدا واضحاً في الاداء الصوتي لكلا الممثلين اللذين ظلا يحاولان إيصال الجمل الدرامية التي كان المتلقي يفقد الكثير منها قبل ان تصل إليه، إلا أن محاولتهما ظلت محدودة ومتواضعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم