الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -مراحيل- ... العودة إلى الكهف في أنظمة -الربيع العربي-

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2013 / 10 / 29
الادب والفن


لم تزل فكرة التأريخ حاضرة في العقل العربي ، على الرغم من خطورة التعاطي مع ذلك الماضي وإعادة إنتاجه ،كما هو الحال مع فرضية العرض المسرحي (مراحيل) تأليف (علي دب) سينوغرافيا وإخراج (حافظ خليفة) والذي قدم ضمن فعاليات مهرجان أربيل الدولي وحصل على جائزة الإخراج في المهرجان.
وتكمن الخطورة في تشعباته وتفرعاته التي تدفع المشتغلين عليه إلى الإلتزام بمضامينه الإيقونية إلا ان فريق (المراحيل) كان قادراً على الإطاحة بالمضامين التقليدية والعمل على الإفادة من المنطوق التاريخي في عرض مسرحي معاصر.
فقد إعتمد صانعو العرض على قصة أهل الكهف التي كانت للوهلة الأولى حاضرة في ذاكرتنا الجمعية، ويعود ذلك إلى ورود الحكاية في (القرآن الكريم) ، فضلا عن ذلك فإن السرديات العربية تناولت تلك الحكاية في أكثر من موضع، كما في مسرحية (أهل الكهف) للكاتب توفيق الحكيم .
إلا ان مؤلف (مراحيل ) لم يتكئ على معرفتنا القريبة بالحكاية بل إنه لجأ إلى البحث في التأريخ عن أصولها ومرجعياتها في الحضارة الإنسانية ، الأمر الذي منحه خيارات عدة في التعاطي مع الحكاية /الأسطورة، حتى بدا للمتلقي أن المؤلف قد أنتج حكاية عن اهل الكهف تنسجم مع الواقع العربي المعاصر، ذلك أن المؤلف عمل على تقديم (مونتاج) للحكايات وصولا إلى حكايته الخاصة بما حملت من رموز وإحالات إمتزجت فيها هيمنة السلطة من جهة والمشاركة الإجتماعية من جهة اخرى، فضلا عن حضور فاعل للمرأة التي نعتقد انها من إنتاجات المؤلف الذي أراد أن يكون لها وجودها المستقل داخل المجتمع بعيدا عن سلطة الرجل ، كما ان المؤلف إشتغل على تهشيم الكهف/المقدس والعمل على إنتاج كهوف متعددة المعنى ، وقد بدا واضحاً أن المؤلف ومن ورائه الاخراج لم يعمدا إلى تجسيد الكهف مادياً بل إتجها إلى التعاطي مع
المفهوم الفلسفي لما يكون منغلقا داخل الكهف ومنفتحاً على الآخر خارج الكهف ، إلا ان المخرج في إشتغالاته البصرية لم يركن إلى تلك الفكرة بل إكتفى بالإشارة إليها ، وسرعان ما عمل على الإطاحة بها من أجل التعاطي مع فكرة مغايرة تماماً ، كشف عنها بعد رحلة طويلة مع المنطوق السردي الذي بدا مترهلاً في مواضع عدة ،إلاأن المخرج سارع في معالجاته البصرية التي كانت أكثر فاعلية في تشكيل الرؤية الإخراجية ، وعلى الرغم من إختلاف الفكرة التي تعاطى معها العرض مع المنطوق الأسطوري للحكاية المتمثلة بأن يكون الكهف مكاناً يلجأ إليه الهاربون على نحو إضطراري ، إلا اننا في (مراحيل) نكتشف أن أهل الكهف قرروا العودة إليه طوعاً بعد ان كانوا يختبئون فيه قسراً، على الرغم من أن هروبهم في الماضي كان بسبب إضطهاد القيصر الروماني ،وإعتقادهم ان الحال قد تغير بعد سنوات عزلتهم الطويلة داخل الكهف ، إلا أن السلطة لم تزل تفرض هيمنتها على المجتمعات في الزمن الحاضر وتستفيد من أدوات القمع ذاتها التي كانت متوافرة في الزمن الماضي ، وتتستر تحت عباءة الدين كما فعل قياصرة روما وكما هو حال رجال السلطة في مجتمعات "الربيع العربي".

التنوع البصري في إنتاج الرؤية الإخراجية
إعتمد المخرج في تشكيل رؤيته الإخراجية على قطع من القماش كانت موزعة على خشبة المسرح ، حيث إمتلكت كل منها تنويعات دلالية اسهمت في الكشف عن فرضيات العرض الفكرية والجمالية ، سواء على مستوى الشكل البصري أو الدلالي، المتمثل في الألوان التي كان إختيارها فاعلاً، أو الوظيفي الذي إعتمد فيه المخرج على قدرة الممثلين في التعامل مع قطع القماش التي كانت في بداية العرض تشير إلى الكهف حيث بدا واضحاً ان المخرج قد قسم خشبة المسرح إلى قسمين احدهما داخل الكهف والآخر خارجه ، ولكنها سرعان ماتحولت إلى جدران ساعدت في تخفي الشخصيات ، وفي مشاهد لاحقة عمل المخرج على تحويل تلك الجدران القماشية إلى مشانق للشخصيات في تشكيل جمالي ، كما ان دلالة اللون الاحمر كانت حاضرة في مشاهد عدة منها هروب الشخصيات من السلطة القمعية التي حولت الشوارع إلى أنهار من الدم، أفقدت اهل الكهف السكّينة والأمان، وقد أسهمت الإضاءة في الإشتغال السينوغرافي وبخاصة في عملها مع الدخان الإصطناعي الذي كان ضرورة بصرية في العرض المسرحي ، لتكون بمجملها عناصر الإخراج البصرية ، التي باتت تشكل بمجملها إسلوباً في عمل المخرج ، كما هو الحال في عمله السابق (طواسين) مع الإختلاف في الوظيفة والتشكيل البصري عن العرض المسرحي (مراحيل ).

الأداء التمثيلي بين الإنضباط والإحتراف
إختار المخرج العمل مع فريق من الممثلين الشباب الذين لم تتوافر لديهم تجربة سابقة في إختبار خشبة المسرح ، وربما يكون المتلقي غير معني بتلك الفكرة ،ذلك ان المناسبة التي قدم فيها العرض المسرحي هي مهرجان دولي بمعنى انه مهرجان (إحترافي) على مستوى التمثيل والإخراج وجميع التقنيات الاخرى ، إلا ان ذلك لم يمنع من وجود تباين في الاداء التمثيلي ويقع التباين في إشتغال المخرج على ممثليه على نحو اساس ، ذلك ان المخرج لم يعمل مع ممثليه على تبني الشخصيات التي حملت كل واحدة منها ملفوظاً يختلف عن الأخرى ، فقد كان هناك (المعلم ، والشيخ ، والراعية ، والصائغ ، والنجار، والابكم، والراهبة) على الرغم من تمييز بعضهم من خلال الأزياء التي كانت تحيلنا إلى شخصياتهم كما هو الحال مع شخصية (الشيخ) التي جسدها (علي قياد) والذي تفاعل مع الأزياء مستفيداً من قدرته الصوتية في تجسيد الشخصية.
إلا ان ذلك لم يكن حاضراً مع الشخصيات الاخرى التي لم تدخر جهداً في التعاطي مع الرؤية الإخراجية والتشكيلات التي إعتمدها المخرج وبخاصة في المشاهد البصرية المتنوعة ، في حين نجد ان الاداء التمثيلي غير ممتلك لخصوصيته مع كل شخصية ، بإستثناء شخصية (الأبكم ) التي جسدها (محمد امين قمعون) والذي اجاد في توظيف التعبير الجسدي بوصفه بديلاً عن المنطوق الصوتي ، إلا ان المساحة الادائية التي اتاحها المخرج لتلك الشخصية لم تكن منسجمة مع القدرة التعبيرية التي كشف عنها الممثل على خشبة المسرح، في حين لم تكن هناك قدرة للممثلين على الإمساك بشخصياتهم التي كانت تتماهى مع بعضها لتكون شخصاً واحدا يعتمد على الملفوظ الحواري ، ويعود ذلك إلى رؤية المخرج في الكشف عن إنسجام سكان الكهف وتبني سلوكاً موحداً للشخصيات في العديد من المشاهد التي كان الممثلون فيها يقفون بخط مستقيم ويتبدلون الحوار فيما بينهم على التعاقب ، وقد اطاح ذلك بإيقاع المسرحية في مواضع عدة وبخاصة في المشاهد التي تعتمد الحوار اللفظي الذي إعتمد المؤلف فيه على اللغة المحلية التونسية ، الأمر الذي صعّب من مهمة المتلقي في التواصل مع العرض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج