الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب العربية بين الاستبداد الداخلي والتدخل الخارجي

فؤاد خليل

2013 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


1

لا ينزل الحديث عن موضوع "الشعوب العربية بين الاستبداد والتدخل الخارجي" ، منزلة موضوعية إذا لم يجرِ وعي العلاقة بين الداخل والخارج، وعياً علمياً يحرِّرها من سطوة الأيديولوجيا التي طبعت المساحة الأوسع من الكتابة السياسية العربية فيها. فالسائد في هذه العلاقة اتجاهان، وكل منهما يقع في حبائل الأيديولوجيا بكيفية خاصة به.

الأول، يغلِّب الداخل على الخارج. إذ يرى إلى الاستبداد أنَّه صناعة عربية. فيقلِّل من أهمية النضال الشعبي العربي من أجل التحرر والاستقلال ولا يضعه في نصابه التاريخي المخصوص. فتراه ينزلق إلى المقولة الإستشراقية التي تفيد بأنَّ العربي مفطور على الاستبداد، وهو يحتاج إلى قوة من الخارج لتحريره من قدره الاستبدادي.
هنا يكون هذا الاتجاه قد وقع في دهرية لاواعية حين طمس التاريخ وعلّق مجراه على محرِّك خارجي...
والثاني، يقدِّم الخارج على الداخل. إذ يصوِّر الاستبداد أنَّه نتاج للتدخُّل الخارجي. فيغالي في النضال الشعبي التحرري والاستقلالي، ولا يقرأه في سياقه التاريخي الملموس. فتلقاه ينزع نحو تعظيم الذات العربية وتمجيدها، ولا يعود يرى في فشلها أو في إخفاقاتها، إلاَّ فعل الخارج وتآمره. إذّاك يكون هذا الاتجاه قد وقع في قدرية ماكرة حين هرَّب المجرى التاريخي الواقعي، أي عندما أحلَّ الخارجي عليه مكان محرِّكه الداخلي...

إذن، الاتجاهان ينطبعان بأدلجة صريحة قوامها التعليق والحجْب والإخفاء للتاريخ بصفته مجرى مجتمعياً معقداً تتجادل فيه الصراعات والتناقضات والعوامل الداخلية والخارجية بكيفيات وأشكال مختلفة. ولذلك، فكل مقاربة لموضوع بحثنا الراهن، تفترض فهماً ينظر إلى طرفيه "الاستبداد والتدخل الخارجي"، على أنَّهما يندرجان في جدلية تاريخية واحدة، قد يغلب الداخلي فيها على الخارجي في لحظة صراعية ما؛ وقد يظهر الخارجي على الداخلي فيها، في لحظة صراعية مغايرة.

لكن في الحالتين يبقى الداخلي يحدِّد شكل غلبته على الخارجي كما شكَّل ظهور الخارجي عليه...
من منطلق هذا الفهم سوف نقف على مسار تشكيل العلاقة بين الاستبداد والتدخل الخارجي من خلال محطات دالّة. ومن ثم نحاول تحديد أشكال الاستبداد العربي لكي نستخلص منها نموذجاً عربياً عاماً ونعاين تبدياته المجتمعية على غير صعيد...


2

محطات دالة

1- بعد أن ضرب الغرب الكولونيالي مشروع محمد علي باشا في أربعينيات القرن التاسع عشر، وضع استراتيجية للتدخل في بلادنا تقوم على مرتكزات عدَّة من أبرزها:
أ- إجهاض أي محاولة تحديثية يجري بناؤها في البلاد العربية. وقد دلَّ هذا على أنَّ الغرب ينادي بتحديث الآخر غير الغربي وفاق نموذجه ويحول دون تحديثه بشتى الوسائل في الوقت ذاته.
ب- منع قيام أي وحدة بين بلدين عربيين أو أكثر. ذلك أنَّ الوحدة تهدِّد مصالح الغرب في إعادة رسم خريطة المنطقة ضداً على خريطته المطلوبة.
ج- استتباع اقتصادي وسياسي للكيانات العربية من أجل توفير أفضل الشروط لاستمرار سيطرة الغرب عليها..

2- ومع انهيار السلطنة أخذ الغرب الكولونيالي يطبِّق استراتيجيته في التدخل في ظروف جديدة. فلم يتأخَّر في أن يرسم من خلال إتفاق سايكس بيكو سنة 1916 خريطة بلاد المشرق تلبية لمصالحه وأطماعه. ثم تخلَّى عن دعمه لمشروع الشريف حسين واندفع إلى ضربه في ميسلون 1920، وجعله يندرج في خطة التجزئة وفاق موازين القوى في تلك اللحظة التاريخية.. هذه الخطة قامت على مرتكزات ذات أولوية استراتيجية منها:
أ- رفض أي مشروع توحيدي وٕ-;-اسقاطه بالقوة العسكرية. إذ مثلما تخلَّت فرنسا عن محمد علي، تخلَّت بريطانيا عن الشريف حسين.فالإخلاص عند الغرب هو للخطة وليس للأصدقاء.. إنَّها طبيعة قد بناها منذ التراكم الأول للرأسمال ...
ب- معاداة العروبة، الرابطة الجامعة للبلاد العربية، وتغذية الهويات الإقليمية والكيانية والمفردة التي تتساوق بشكل أو بآخر مع خريطة التجزئة..
3- ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين دعم الغرب الكولونيالي نشوء الممالك والإمارات في شبه الجزيرة العربية؛ وأرسى معها تسوية تاريخية ما زالت مفاعيلها قائمة إلى اليوم. وقد ارتكزت على حماية أنظمتها، في مقابل أن تؤمِّن له مصالحه الاقتصادية والسياسية.
4- واستدعت خطة التدخل الخارجي الأصلية أن ينفِّذ الغرب وعد بلفور الصادر سنة 1917، في دولة عظمى بحماية كولونيالية. فكانت دولة الكيان الصهيوني في فلسطين، التي شكَّلت "الحاجز الدولي" بين المشرق والمغرب العربيين، ولعبت دور الأداة لتأمين مصالحه الإستراتيجية، وذلك بعد أن ضمن لها السيطرة العسكرية على المنطقة.
ما عرض من محطات للتدخل الخارجي لن يكون كافياً بالطبع إذا لم نقف على نوع التجادل الذي أقامه الداخل معها، أو الدينامية التي حكمت البيئة العربية في التعامل مع كل محطة منها:
أ- إنَّ مشروع محمد علي باشا التحديثي اقتصر أساساً على تحديث الجيش والإدارة وانحكم إلى نوع من الاستبداد السلطاني. ولم يبنِ الحامل المجتمعي التحديثي، أو بمعنى آخر، لم يوفِّر المشاركة الشعبية في عملية التحديث. ولعلَّ هذا ما سهَّل على الخارج الغربي أن يقوم بضربه، وتالياً إسقاطه.
ب- أثبت مآل المشروع الشريفي أنَّ القوى التقليدية، القبلية والإقطاعية، لا تشكِّل بسبب طبيعتها قوى توحيدية، بل هي قوى تنتهج المساومة بغية تأمين مصالحها الفئوية. وقد أدرك الغرب هذا النهج عن كثب. فأمكنه أن يدرج "المشروع التوحيدي" في خريطة التجزئة المرسومة للمشرق العربي.
ج- أنتج انخراط المشروع الشريفي في خريطة التجزئة؛ شكلاً تاريخياً للعروبة، هو العروبة الرسمية. وهذا شكل يتلفَّظ بالوحدة ويمارس التجزئة. أي أنه بالإجمال يتساوق مع التجزئة مثلما يتساوق مع التبعية إلى الخارج...
د- إنَّ فعل الاستتباع الاقتصادي والسياسي، وجد بيئة سلطوية ملائمة. وقد ترسَّخ في ظل دينامية التابع والمتبوع. وهي دينامية تأمين المصالح المتبادلة على حساب نهضة الشعوب وتقدّمها...

3

الجدلية تجدِّد نفسها

تلك هي الجدلية التاريخية التي حكمت مسار العلاقة بين الخارج الغربي والداخل العربي على امتداد قرن من الزمن. والجدلية نفسها ما لبثت (منذ المنتصف الثاني للقرن العشرين إلى نهاية 2010، وتحديداً إلى 14 كانون الثاني 2011؛) ما لبثت أن تجدَّدت بكيفيات مختلفة.
لقد شهدت البلاد العربية بعد نكبة فلسطين، موجة من التحولات السياسية والانقلابات العسكرية. فنشأت في ظلِّها أنظمة "وطنية وقومية"، مثلما نشأت أنظمة طائفية، ومشيخية. وكان ذلك يترافق مع تنامي المد القومي في الخمسينيات والستينيات. ثم تغيَّر المشهد في أعقاب معاهدة كامب ديفيد سنة 1978، ودخل العالم العربي في الثمانينيات في حالة قصوى من الإضطراب السياسي الذي اتخذ مع مطلع التسعينيات شكل الحرب الأهلية تارة (الجزائر)، والحرب البينية (العراق والكويت)
تارة أخرى.. ومع بداية الألفية الثالثة، كان النظام العربي الرسمي يخسر رهانه على السلام، وكانت بلاد الخليج تخضع للاستعمار المباشر في نطاق عملية احتلال العراق، بوابة العرب الشرقية... وبالتزامن مع هذه المجريات، كان التدخل الخارجي يُكيِّف خطته الأصلية وفاق أشكال تلائم كل مرحلة من مراحل التطور في الواقع العربي..
1- أنشأ الغرب الكولونيالي حلف بغداد في منتصف الخمسينيات للرد على المناخ الوحدوي وقت ذاك، ولتطويق الحدود الجنوبية للاتحاد السوفياتي درءاً للخطر الشيوعي المزعوم على المنطقة. ولقد وجد الحلف أرضاً خصبة، في بلادنا، إذ انخرط فيه نظام مشيخي أو مللي من هنا، ولقي الدعم من نظام طائفي أو قبلي من هناك.
2- عمل الغرب على ضرب الوحدة بين مصر وسوريا. فدعم حركة الانفصال سنة 1961 ولم يكن للدعم الخارجي أن يؤتيَ ثماره، لولا إنَّه وجد قوى سلطوية ذات طبيعة كيانية انفصالية، وأنظمة عربية تؤيِّد الكيانية وتقف ضد الوحدة.
3- كشفت هزيمة حزيران سنة 1967، أنَّ التدخل الغربي في الحرب إلى جانب إسرائيل، لم يكن هدفه احتلال الأرض، على أهمية الأرض القصوى؛ بل كان يهدف أيضاً إلى ضرب المشروع النهضوي التحديثي في صيغته الناصرية. ولقد أفاد التدخل من عيوب المشروع واختلالاته البنيوية لكي يحوِّل هدفه إلى فعل واقعي...
4- وكانت ذروة الفعل الواقعي في كامب ديفيد. إذ أجرى الغرب تصفية نتائج حرب سنة 1973، فتراجع المشروع القومي، ودخلت العروبة الرابطة الجامعة في وهن شديد وتقدمت عليها هويات ذات طبيعة كيانية أو تجزيئية، وبذلك يكون كامب ديفيد قد أعاد إنتاج شكلٍ للعروبة الرسمية يماثل شكل العروبة الذي أنتجه انخراط المشروع الشريفي في خطة التجزئة الاستعمارية.
5- وتدخل الغرب في حرب الخليج سنة 1981 ثم صنع حرب الخليج الثانية سنة 1990 باسم النظام العالمي الجديد. وفي الحربين كان النظام العربي الرسمي يضاعف من تبعيته إلى الخارج، ويقدِّم مثالاً فاضحاً عن دينامية التابع والمتبوع في الحالة العربية.
6- وتحوَّل التدخل الخارجي في بلادنا بعد أحداث أيلول سنة 2001 إلى استعمار مباشر لها. وهو استعمار معولم أمنياً وعسكرياً. وجاء احتلال العراق يكثِّف مرتكزات الخطة الاستراتيجية الأصلية وتطبيقاتها الحديثة والمعاصرة، في صيغة جديدة هي مشروع الشرق الأوسط الكبير وفي أداة ما بعد حداثية هي الفوضى الخلاَّقة. لكنَّه جاء يدل في جانب آخر، على أنَّ سياسة النظام العربي وصلت إلى حد تقبل فيه بالاحتلال أو تستدعيه بشكل مباشر أو غير مباشر...


4

أشكال الاستبداد

من البيِّن أنَّ مضمون الجدلية المذكورة تمحور حول ثنائية العلاقة بين التدخل الخارجي والتبعية. وٕ-;-اذا ما قيست هذه الثنائية زمنياً لاتضح جلياً أنَّ التبعية أمست حالة دهرية في الواقع العربي. وهي لم تتحوَّل كذلك، أو لم تستمر عقوداً طويلة لو لم تجد شرط إنتاج ديمومتها. وشرطها هذا، تجسَّد تاريخياً في النظام الاستبدادي العربي. فمع الاستبداد تتأبَّد التبعية، ومع التبعية يتأبَّد الاستبداد. ومن يقف على واقع الأنظمة السياسية في البلاد العربية من خلال المحطات المعروفة، يجد أنَّ الاستبداد قد طبع مسار تشكُّلها الإجمالي سواء قبل المنتصف الثاني للقرن العشرين أم بعده. وأي نظرة فاحصة لهذا المسار، تُظهر أنَّ الاستبداد قد انبنى في أشكال تاريخية موصوفة منها:

1- الشكل السلالي: وهو شكل يميل الى الاستبداد الملكي بمسميات متنوعة: الخديوي- العاهل- السلطان- الأمير- الشيخ. ويقوم على توريث السلطة إلى الأصول والفروع أي إلى الأبناء والإخوة. ويمسك رأس النظام فيه بآليات اشتغال السلطة ومواقعها كلها. فتفرغ المؤسسات التمثيلية من مضمونها، وتصبح ذات طبيعة شكلانية لا قرار لها، إلاَّ ما يراه رأسها الأوحد. أما المؤسسات العسكرية والأمنية، فتتوزع قيادتها في هذا الشكل على أفراد السلالة الحاكمة.. وفي الميدان الاقتصادي تبني السلالة اقتصاداً تابعاً إلى الخارج الغربي، وتستحوذ على الثروة المجتمعية، وتبتكر مظاهر شتى في الإنفاق الملكي، وتتحكَّم في توزيع موارد ضخمة منها على حاشية بافلوفية، أو على زبائنية مدجنة تدعو إلى إطالة عمر الاستبداد، وإلى تمجيد معادلة الملك والرعية.

2- الشكل الحزبي: وهو شكل استحوذ على النظام بواسطة انقلاب عسكري، أو بعد ثورة شعبية ضد احتلال أجنبي. وقد يتماثل هذا الشكل مع الشكل الجمهوري أو الجمهوري الشعبي. وفي الحالتين يقبض الحزب الحاكم على السلطة ويهيمن على مؤسسات الدولة. ومن ثم يتحوَّل رئيس الحزب أو أمينه العام إلى زعيم مطلق الصلاحيات كما الملك والأمير. فيقرِّب جماعته العصبية أو الجهوية إليه، ويخصّها بالمواقع الأولى في الأجهزة العسكرية والأمنية. إذّاك يتراجع دور الحزب ويشكِّل واجهة "مترهلة" لسلطة تقع خارج هيئاته التنظيمية. أما اقتصادياً فإنَّ هذا الشكل قد يحفظ في بداية عهده قدراً من العدالة في توزيع الثروة. لكن مع تقادم استبداده، يضمر ذاك القدر ويكاد يتلاشى، وتأخذ جماعة الرئيس أو حمولته القرابية باحتكار قطاعات وموارد عدة، ولا يعود الرئيس يتوانى عن أن يحوِّل الجمهورية إلى جمهورية وراثية تماثل الملكيات السلالية...

3- الشكل الشعبوي: يتأسَّس هذا الشكل على انقلاب عسكري، ويمكن وصفه كسابقه أيضاً بالشكل الجمهوري الشعبي. وفي ظلِّه يتحوَّل قائد الانقلاب إلى زعيم يتمتَّع بصلاحيات رئاسية مطلقة. فيوزِّع أركان انقلابه على مواقع السلطة الرئيسة في الدولة. وقد يبتدع تنظيماً ساسياً يكفل من خلاله إعادة إنتاج زعامته، ويذهب إلى خطاب شعبوي يتيح له أن يحقِّق قدراً من الإنجازات على غير صعيد. لكن سرعان ما تُختزل شعبويته بالتنظيم، والتنظيم بشخصه، ويُختزل اسمه تالياً، باسم الجمهورية.

4- الشكل الطائفي: وهو شكل استبدادي لا يتمتع فيه الرئيس بصلاحيات مطلقة؛ بل هو شكل من نوع خاص يرتبط بطبيعة النظام السياسي الطائفي. فهذا النظام يجعل الطائفيات تتوزَّع السلطة المركزية في ما بينها. ويفترض التوزع الطائفي قدراً من التوازن الطائفي وهو القدر الذي تجسِّده الديمقراطية الطائفية أو التوافقية. غير أن توزُّع السلطة المركزية أو اقتسامها طائفياً يمكِّن الطائفيات من أن تبتلع أو أن تستأثر بالحيِّز العام، مجال بناء الدولة. والاستئثار الطائفي هذا، يقود من أجل استمراريته إلى توريث سياسي أو إلى عائلات سياسية تحتكر التمثيل الطائفي من جيل إلى آخر. وحين يتخذ التوريث السياسي الطائفي صيغة احتكارية، يكون قد قبض على المجتمع واستبدَّ به. وتلك هي صيغة خلاَّقة ومبدعة في الاستبداد العربي...

• الشكل السلطاني النموذج:

لا ريب في أنَ الأشكال أعلاه وخصوصاً الثلاثة الأول تتمايز أو تتباين في أكثر من مكوِّن لها. لكنها تميل في الوقت نفسه إلى مكونات متشابهة أخذت في العقود الثلاثة الأخيرة تتضح أكثر فأكثر، وتؤلِّف نموذجاً أو شكلاً عربياً عاماً، قد تصح تسميته بالشكل السلطاني...
يتكون هذا الشكل من حاكم فرد ومستبد، أياً كان اسمه القانوني والعرفي، له صلاحيات مطلقة يحتكرها بين يديه، في ذاته يقبع سلطان أو خليفة. يلازم المنصب حتى مماته، ويحدد خليفته وراثياً. لا يُردّ له أمر، ولا يُسأل عن قرار. تتحكَّم حاشيته أو عصبيته بالعسكر والأمن. تقمع الحاشية الحريات. وتعتقل على الشبهة. تخاف من الديمقراطية قدر ولعها بالسيطرة. تخشى الثقافة النقدية وتعدّها خطراً وجودياً عليها. تشجِّع الفساد والنهب، وتتحوَّل إلى مافيا باسمٍ لائق هو "الرأسمالية القرابية."

لقد ألغى الشكل السلطاني التعددية السياسية في المجتمع، أو كاد أن يستأصل السياسة منه. وٕ-;-اذا ما تكرَّم بتعددية ما، فإنها لا تعدو عن كونها تعددية صورية أو فولكلورية. وبعدما ألغى السياسة فشل في التنمية بكل مسمّياتها، ولم يحقِّق نجاحات باهرة في المسألة الوطنية رغم كل شعاراته المرفوعة. أما النجاح الوحيد الذي حقَّقه، فهو التمسُّك بالإيمان المطلق لديه، بالتبعية إلى الخارج.
وهكذا فالاستبداد بالمعنى السلطاني هو إلغاء التوازن بين المجتمع والدولة، أو هو غلبة سلطة الدولة على سلطة المجتمع، أي جعل السلطة شمولية تخترق ثنايا المجتمع كلها وتصادر استقلاله. وقد استطاع هذا الاستبداد أن يمنع النضال الشعبي التحرري والاستقلالي في أزمانه كلها من أن يحقق أهدافه المنشودة؛ فإما أنه أغرقه في حرب أهلية، أو طوَّقه في صراعٍ على السلطة، وأهدره في مساومات غير متكافئة مع الخارج المتبوع. وبالرغم من ذلك بقيت الشعوب العربية تقدِّم التضحيات الجسيمة في محطات سياسية ووطنية مختلفة، ولم تعبأ بثقل الاستبداد عليها. أما حين تبدو للعيان مستكينة في مرحلة أو ربما أكثر، فإنَّ خمائرها التاريخية تكون قد بدأت بالتجادل نحو حراك غير متوقع...
إنَّ الرابع عشر من كانون الثاني 2011 ظهَّر ذاك الحراك حين انتظم في جدلية تاريخية عربية من طراز جديد ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة