الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطفاء نجم مضيء في سماء الثقافة التنويرية والتقدمية العربية

ماهر الشريف

2013 / 11 / 2
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


•بعد انتسابه إلى الحزب الشيوعي اللبناني، بقي "الدكروب" شغيلاً حقيقياً، لكن في ميدان الثقافة هذه المرة، لا يكل ولا يمل وهو يكتب ويحرر ويحاور ويساجل، في مجلة "الثقافة الوطنية" في الخمسينيات، ثم في مجلة "الأخبار" وبعدها في مجلة "الطريق" التي أصبح سكرتيراً لتحريرها ثم رئيساً لتحريرها، فجعلها تتحوّل إلى أهم المجلات التقدمية العربية على الإطلاق


برحيل الكاتب والناقد الشيوعي اللبناني محمد دكروب، يوم الخميس 24 تشرين الأول 2013، انطفأ نجم في سماء الثقافة التنويرية والتقدمية العربية، أراد أن يظل مشعاً حتى آخر رمق من حياته وهو يقول: "إذا توقفت عن الكتابة متّ".
فقد غاب عنا في ذلك اليوم، وهو اليوم الذي يحتفل فيه الشيوعيون اللبنانيون بذكرى تأسيس حزبهم، الإنسان الودود المرح، صاحب الصداقات التي لا تحصى بين المثقفين التقدميين العرب، الذي عُرف بـ "المثقف الشغيل" و بـ "شيخ شباب" الشيوعيين. وهما صفتان كانتا تنطبقان تماماً عليه، فـ "الدكروب"، كما كنا نحب أن نسميه، كان بالفعل شغيلاً حقيقياً، ولد في عام 1929 في عائلة فقيرة من مدينة صور الجنوبية، واضطر إلى ترك المدرسة بعد أربع سنوات قضاها فيها كي يساعد والده بائع الفول العاجز على إعالة أسرته، ثم تنقل في العمل حيث عمل بائع ترمس وخبز وعامل بناء، ثم صار يعمل سمكرياً في دكان أخيه، إلى أن تعرّف إلى حسين مروة الذي دبّر له عملاً في دكان لبيع أكياس الورق في بيروت. وفي العاصمة اللبنانية، وعن طريق حسين مروة نفسه، دخل "الدكروب" باب الثقافة، متسلحاً بالزاد الذي استطاع أن يكوّنه عبر مطالعاته الشخصية ومواظبته على قراءة سلسلة "اقرأ"، التي كانت تنشر لطه حسين وعباس محمود العقاد وإبراهيم المازني، وكذلك من خلال متابعته لأعداد مجلة "الكاتب المصري"، التي كان يرأس تحريرها طه حسين.
وبعد انتسابه إلى الحزب الشيوعي اللبناني، بقي "الدكروب" شغيلاً حقيقياً، لكن في ميدان الثقافة هذه المرة، لا يكل ولا يمل وهو يكتب ويحرر ويحاور ويساجل، في مجلة "الثقافة الوطنية" في الخمسينيات، ثم في مجلة "الأخبار" وبعدها في مجلة "الطريق" التي أصبح سكرتيراً لتحريرها ثم رئيساً لتحريرها، فجعلها تتحوّل إلى أهم المجلات التقدمية العربية على الإطلاق. كما ظل محمد حتى نهاية حياته شيوعياً صادقاُ، صاحب مبادئ يأبى أن يوظّف قلمه لغير خدمة الثقافة التقدمية والتنويرية، يرد على من يسأله: "هل ما زلت بالحزب ؟"، قائلاً: "لو أن كل الحزب الشيوعي انفرط في لبنان، سيبقى حزب شيوعي اسمه محمد دكروب". لكن شيوعية "الدكروب" كانت في الواقع من نوع خاص، فهو كان يتعالى على الخلافات الحزبية، ويبتعد عن المناصب ويرفض الانضواء في الأطر التنظيمية.
لم يكن محمد مؤرخاً، لكنه كان أول من وضع أول دراسة – حكاية عن تاريخ الشيوعيين في لبنان بعنوان: "جذور السنديانة الحمراء"، التي عبّر فيها عن حبه لأولئك الرواد الأوائل "المكافحين، الحالمين الكبار، المناضلين حتى يتحقق الحلم"، معتبراً أن أحلام الحالمين الكبار "هي التي تتحقق، لأنها تقوم فوق قاعدة من العلم والمعرفة وقدرة كشف حركة التاريخ باتجاه المستقبل". وسيذكر التاريخ بعد حين أننا في يوم ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، في سنة 2013، فقدنا واحداً من هؤلاء الحالمين الكبار، الذي ظل طوال حياته متمسكاً بحلمه بأن يسعد فقراء وكادحو بلادنا العربية بحياة أفضل، وأن تقوم فيها دول ديمقرطية علمانية حديثة، بعيداً عن التعصب الطائفي والمذهبي، تسير على طريق الاشتراكية.
لقد تعرفت إلى "الدكروب" في مطلع الثمانينيات، وعن طريقه تعرفت إلى أبرز المثقفين الشيوعيين اللبنانيين، إلى حسين مروة ومهدي عامل وكريم مروة وحبيب صادق وغيرهم، وجمعتني به منذ ذلك التاريخ وحتى يوم رحيله صداقة وثيقة، تعمقت من خلال عملي المباشر معه، ومع كريم مروة، في تحرير بعض الملفات الفكرية لمجلة "الطريق"، عن النهضة والقومية العربية والإصلاح الديني والماركسية، خلال سنوات 1993-2003.
برحيل "الدكروب" فَقَدَ العالم العربي، كما كتب صديق عمره ودربه كريم مروة، "علماً كبيراً من أعلام الثقافة العربية"، فَقَدَ "سمكري الأحلام المستحيلة"، بحسب هالة نهرا، فهو "علّمنا كيف نحمي الثقافة من الفضيحة ونحفظ للذاكرة حرمتها"، كما عبّر الموسيقي مرسيل خليفة، وسيبقى "في ذاكرة جيلي أقرب إلى يد لم ينقطع العطاء عنها وامتدت إلينا جميعاً وباتساع أحلامنا"، كما نعاه الروائي المصري يوسف القعيد، كما سيظل "الإنسان النبيل الذي أعطى كثيراً ومات فقيراً، إلا بصداقاته وكتبه وتلامذته الكثر ممن تعلموا ولسوف يتعلمون من "الطريق" ومن الذي حدّد معالم الطريق إلى المستقبل الأفضل" كما وصفه طلال سلمان رئيس تحرير صحيفة "السفير" البيروتية.
لقد كان محمد دكروب حقيقة "أهم منشّط ثقافي عربي" ومن "أنبل الشيوعيين العرب"، كما كتب عنه الناقد والأكاديمي المصري سيد البحراوي، كما كان "المثقف العضوي"، الذي "لم يبذل جهداً كي يكون مع الشعب"، إذ كان "ابن الشعب في كل ما فعل وقال وقرأ وكتب"، كما كتب في نعيه بيار أبي صعب، نائب رئيس تحرير صحيفة "الأخبار " البيروتية، كما كان "ابن الثقافة الوطنية تربّى على فكر النهضة والماركسية، وكان راوياً وحكواتياً بارعاً في النقد"، كما رأى فيه الناقد حسين بن حمزة، وقد "عاش طفلاً ومات طفلاً" ، فكانت " حكاية هذا الطفل الذي ولد في الطريق إلى "الطريق" ممتعة وغنية وحزينة أيضاً، وهي ككل الحكايات الجميلة لا تنتهي حين تنتهي"، بحسب وصف الأديب اللبناني الياس خوري.
نعم، ستبقى حكاية "الدكروب" حكاية جميلة، لا يجب أن تنتهي وهو ما يتطلب من رفاقه وأصدقائه ان يعملوا على جمع وحفظ كل تراثه الثقافي الغني، وبخاصة مخطوطات الكتب الخمسة، التي كان يحدثنا عنها بحسرة، لأن عمله في مجلة "الطريق" لم يكن يوفّر له فرصة وضع اللمسات الأخيرة عليها ودفعها إلى المطبعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل