الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الولايات المتحدة تخسر السعودية لصالح الصين؟

عبدالوهاب حميد رشيد

2013 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


النية المعلنة للسعودية الابتعاد عن الولايات المتحدة الأمريكية، تعني في لغة السياسة الخارجية تحولاً نحو الصين. وهذه النية تسبق رئاسة اوباما والصحوة العربية. وفي حين أن الطلاق السعودي الكامل من الولايات المتحدة أمر مستبعد جداً في هذه المرحلة، وليس هناك سبب حقيقي للقلق في واشنطن، فإن القرار السعودي له آثار عميقة على الصعيد الإقليمي المحتمل، بخاصة وأن العلاقة المميزة بين السعودية والولايات المتحدة كانت السمة البارزة للمشهد السياسي في الشرق الأوسط على مدى الثمانين سنة الماضية.

حافظت كل من الولايات المتحدة والسعودية على شراكة استراتيجية بينهما منذ الحرب العالمية الثانية على أساس تفاهم مشترك- توفر السعودية النفط للولايات المتحدة، مقابل توفير الأخيرة المظلة الأمنية للسعودية. وعلى مدى سنوات عديدة، كانت لهما أيضا مصلحة مشتركة في احتواء الشيوعية والقومية العربية، نتجت عنها حملات مشركة سعودية/ أمريكية في كافة أنحاء: أفريقيا، آسيا، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية. وهذه العلاقة المشتركة، خدمت كذلك هدفهما المشترك في مواجهة نفوذ إيران بعد الثورة باتجاه المزيد من تعزيز علاقاتهما.

نشوء التوتر بين الطرفين، يقبع جزئياً في أن الولايات المتحدة أخذت تضرب على وتر "الديمقراطية" في الشرق الأوسط لفترة زمنية، وبخاصة منذ 11/9. وهذه مسألة تتنافى مع طبيعة النظام السعودي، ومع شراكتها في الخطط الأمريكية. كما أن 15 من المتهمين ألـ 19 في أحداث 11/9 كانوا من السعوديين، مما دفع الولايات المتحدة إلى المزيد من مراجعة علاقاتها الثنائية مع السعودية، وإثارة التساؤلات حول حقوق الإنسان فيها. موافقة السعودية على هيمنة الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة ارتبطت بحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. حالياً ترى السعودية أنها تدفع ثمن السياسة الخارجية الأمريكية المتهورة التي تنفذ بشكل سيء. على سبيل المثال: رفض إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين (بما يتفق مع المبادرة السعودية للعام2002)، والإطاحة بنظام صدام حسين ضد مشورة الرياض.

رأى السعوديون قرار الولايات المتحدة للإطاحة بنظام صدام، كان مضللاً منذ البداية، وتوقعوا أن الانتخابات في العراق ستقود إلى حكومة أغلبية من الطائفة الأخرى، وستصطف مع إيران. وعلى ذلك، عندما اندلعت الاحتجاجات في البحرين العام 2011، لم تنتظر السعودية إذناً من البيت الأبيض قبل شن حملة قاسية للدفاع عن النظام الملكي المهيمن في المنامة والمتوافق مع النظام السعودي. فالرياض ترى أن التغيير السياسي في البحرين سيشكل خسارة أخرى للسعودية لصالح النظام الإيراني، بخاصة وأنها ستؤدي إلى تحريك المنطقة الشرقية والانتفاض ضد البيت السعودي الحاكم.

يضاف إلى ذلك، من وجهة نظر السعودية: جهل/ تجاهل المسئولين الأمريكان الحقائق المتولدة في الشرق الأوسط. فقد دفعت الصحوة العربية الرياض كثيراً إلى التساؤل بشأن مدى استمرار التزام واشنطن للسعودية وحلفائها. فعندما اندلعت الاحتجاجات في أنحاء مصر العام 2011، خاب أمل السعوديين من موقف اوباما السلبي تجاه حاكم مضر، بترك شريكها الاستراتيجي ( بعد أن خدم 30 عاماً). وأيضاً قرار واشنطن لاحقاً بحجب جزء من المساعدات العسكرية إلى الجنرال سيسي، مما سبب في المزيد من الغضب السعودي الداعم للحكومة المؤقتة في القاهرة. كذلك يتهم العديد من السعوديين الولايات المتحدة بخيانة المتمردين الذين يقاتلون حكومة الأسد في سوريا. كما تصاعد غضب السعودية عندما قررت إدارة اوباما التخلي عن قرار ضرب سوريا في سياق الاتهام المزعوم استخدام الأسد للأسلحة الكيمياوية. هذه الأحداث زادت من خيبة أمل السعوديين تجاه الموقف السلبي لواشنطن من حلفائها. علاوة على ذلك، تنظر السعودية إلى فكرة انخراط إدارة اوباما التفاوض مع إيران سبباً مهماً آخر في الشك بنوايا وولاء واشنطن، وعاملاً ضعيفاً للإبقاء على التحالف القوي معها.

فيما يخص مسألة الصين، نوعت السعودية شركائها التجاريين على مدى ربع القرن الماضي- بعيداً عن الولايات المتحدة وباتجاه آسيا. في العام 2009 تجاوزت صادرات السعودية تلك إلى الولايات المتحدة لأول مرة. كما أن صادرات السعودية زادت أكثر من ثلاثة أضعاف إلى خمس دول آسيوية: الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، وسنغافورة. وذلك مقارنة بمجمل صادراتها إلى أمريكا الشمالية وأوربا. بحلول العام 2030 من المتوقع أن يصل الطلب الصيني على النفط إلى 16 مليون برميل/ يوم، وبالمقابل من المتوقع تناقص الطلب الأمريكي على النفط. وفي سياق الطلب الصيني المتوقع على النفط، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة ارامكو السعودية قبل بضع سنوات بقوله: "the writing is on the wall"- المسألة واضحة- الصين هي السوق النامي المستقبلي للنفط السعودي. وللتحضير وفق هذا الاتجاه، فالسعودية سائرة للانضمام إلى القوى الإسلامية الكبرى في العالم والتي تضم: مصر، اندونيسيا، إيران، العراق، كازاخستان، ماليزيا، موريتانيا، نيجريا، باكستان، السودان، وتركيا. هذه الدول التي اتجهت بدورها نحو تعميق روابطها الاقتصادية مع الصين خلال العقد الماضي.
تفتقر العسكرية الصينية حالياً القدرة على مراقبة الخليج الفارسي (العربي) وحماية الشحن، وكذلك الحال مع أية دولة أخرى، عدا الولايات المتحدة الأمريكية التي لديها المظلة الأمنية لدول المنطقة. وبالنتيجة سيبقى السعوديون يعتمدون على الولايات المتحدة في هذا الصدد، وهذا الاعتماد يتناسب كذلك مع مصلحة بكين في الوقت الحاضر. تم احتواء الصين بحيث لا تظهر كقوة فاعلة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، بل أن تبقى قابعة خلف الولايات المتحدة عسكرياً. كما وان الصين سعيدة للعب دور المفسد للجهود التي تقودها الولايات المتحدة بعزل إيران عن الاقتصاد الدولي، بعد أن أصبحت الدولة رقم واحد في استيعاب صادرات إيران. وهذه المسألة تشير إلى وجود تناقض متأصل في النهج السعودي تجاه الصين.

يضاف إلى ذلك أن تعميق آفاق العلاقة السعودية الصينية يصطدم مع تورط السعودية في دعم مجموعات مسلحة ضد النظام في سوريا، علاوة على تورطها في التوتر الحاصل في إقليم شينجيانغ China’s Xinjiang province الصيني في سياق تورطها عموماً بإشعال الحساسيات لمصلحتها في كافة أنحاء العالم الإسلامي. كما تلعب الصين بشكل حاذق علاقتها مع إيران وصراع السعودية، لمصلحتها الخاصة. السعودية غير مقتنعة بحصول خلل في علاقة بكين مع إيران في المستقبل. عليه من المرجح أن لا تجازف بالابتعاد كثيراً عن واشنطن. من هنا ستستمر بمتابعة المبادرات الدبلوماسية مع الحفاظ على علاقة وظيفية مع واشنطن.

الأكثر ترجيحاً على ما يبدو، هو أن الصين والسعودية والولايات المتحدة سوف تمارس توازناً ثلاثياً قلقاً للقوة في الخليج الفارسي (العربي)، بحيث يعكس تبعية متبادلة ومتشابكة بينها، الأمر الذي يحد من قدرتها حرمان بعضها البعض. كما تتفهم الصين والسعودية، بأنه في ضوء القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة وقواعدها المنتشرة في السعودية وبقية بلدان مجلس التعاون، فلا قدرة لإزاحة الولايات المتحدة من مكانتها باعتبارها القوة العسكرية الأكثر بروزاً في المنطقة. من هنا سوف تستفيد السعودية من الحفاظ على علاقاتها في سياق صادرتها من النفط مستقبلاً.

في الوقت نفسه، ترغب الولايات المتحدة تأمين الدعم السعودي للمسائل الحالية والمستقبلية في المنطقة. وعلى أي حال، فهذه الأمور من غير المرجح أن تظهر في هذا الوقت. وستتواصل المصالح المشتركة في إضعاف حزب الله والجماعات التكفيرية المتشددة المسلحة (مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية).عليه فلكل من واشنطن والرياض مصلحة مشتركة في الحفاظ على علاقاتهما التعاونية. وفي سياق هذه الشراكة الثلاثية، لن تبقى للصين رغبة في هجرة المظلة الأمنية الأمريكية في المنطقة، كما هو الحال في تفرد سياسة واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. عليه، ففي حين أن الولايات المتحدة ليست في خطر وشيك من خسارة السعودية إلى الصين، فإنها في خطر المزيد من انخفاض سلطتها التي اتخذت مساراً تنازلياً منذ العام 2011. وقد درست السعودية بعناية الآثار المترتبة على المحور بعيداً عن الولايات المتحدة، فهي تدرك أين تقبع مصلحتها. أثارت الرياض بممارساتها الأسبوع الماضي انتباه واشنطن، لكنها تدرك أن إدارة اوباما لن تعكس فجأة ما تقوم به حالياً تجاه إيران وسوريا. وعلى نفس المنوال، فالمخاطر عالية بالنسبة إلى واشنطن. ومن الطرف الآخر تنتظر الصين الوقت المناسب لتحقيق الفرص المستقبلية بعد نضوج الشق بين الرياض وواشنطن.
ممممممممممممممممممممممممممـ
Is the U.S. Losing Saudi Arabia to China?,By Daniel Wagner and Giorgio Cafiero,October 30, 2013.
http://www.uruknet.info/?p=m102170&hd=&size=1&l=e








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل