الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالروح بالدم نفديكِ يا -داعش-

بلول عماد

2013 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


بعد غياب دام أشهراً يعود أحد الجنود إلى أهله من اختطاف على يد أحد الكتائب المسلحة وفق ما وصل إلى والديه الخبر عبر مكالمة هاتفية، يعود العسكري وفي جعبته مفاجأة صادمة: (خرجت من الأسر على أثر اشتباك بين كتيبة من الجيش الحر و"داعش"، اشتباك جاء بعد حصار "داعش" للمقر الذي كنا نحتجز فيه لفترة طويلة، هرب على أثرها عناصر الحر، وأتت "داعش" وحررتنا، يقاطع الوالد ابنه مستغرباً: "داعش" الإرهابية حررتكم..معقول؟ يجيب الولد غير المصدق أنه يرى أهله مجدداً، نعم.. داعش).
ينقل أحد العائدين من سورية منذ أيام أخباراً مبكية، وبعيداً عن سرده لبطولات النظام التي لا تتعدى قتل الفقراء واعتقال الوطنيين واستكمال الدمار من أجل الحفاظ على السلطة والجاه بيد المنتفعين واللصوص، ينقل معلومة يدّعي أنه واثق منها، تقول المعلومة إن "داعش" تعمل لصالح النظام، وعناصرها خليط أكثر من جهة أعلنت وقوفها إلى جانب النظام حتى الرمق الأخير، ويضيف بثقة (ستثبت لك الأيام صحة كلامي)، ولدى سؤاله: بما أن جبهة النصرة مجموعة إرهابيين ينتهكون سيادة سورية ويدمرونها بتمويل وغطاء دولي- عربي ومساعدة محلية، فماذا تعتبر "داعش" برأيك، أليست هي الأخرى إرهابية وسبق أن أثبتت أفعالها ذلك؟ يجيب بغضب شاتماً النظام والنصرة وداعش ومافيات نهب البلد وتدميره، مطالباً بإنهاء الحديث.
عندما سمعت عن الحالة الأولى منذ شهر، عبر أشخاص أثق بهم، صدمت بما قالوه لكنني لم أستطع التيقن من صحة المعلومة، فالأمر يحتاج إلى عمل ميداني استقصائي وهذا مستحيل، لكن بعد أن استمعت إلى حديث الحالة الثانية العائد لتوه من بلاد الفواجع اليومية، وبعد مقاربة المشهدين وجدت في مضمونهما ما يستدعي التأمل قليلاً، لا لجهة اتهام النظام بأنه وراء "داعش" أو غيرها، بل لجهة استجلاء حقيقة غائبة، فهل "داعش" هي المعادل الميداني لجبهة النصرة من حيث الحالة العقدية والتبعية لأحد أطراف الصراع على الأرض؟
"داعش والنصرة" إرهابيان غريبان جاءا ليزيدا في تعقيد المعركة وتدمير سورية، لغايات وأهداف لها علاقة بكل شيء إلا سورية وشعبها، كلاهما عززا موقع النظام في طروحاته الإعلامية والشعبية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جبهة النصرة حبيبة "الائتلافيين" و"الإخوان" وموضع غزلهم وسبق أن أثبتوا غيرتهم عليها في مواقف كثيرة، كما يسجل للنصرة أنها مهدت الطريق الجهادي، ثم ارتفع منسوب استقطابها لكوادر سورية مستعدة لفعل أي شيء بعد أن فقدت كل أسباب الحياة، وكانت عمدت لفترة طويلة لتصدير السوريين في المشهد ثم ارتأت بعد ذلك أن تكون في الواجهة بيعة وإعلاماً، بالمقابل تعيش محافظة "الرقة المحررة" وغيرها من بقاع سورية في نعيم "داعش"، ولا ندري متى تقرر فعلياً مغادرتها لاسيما أن هناك شائعات بين الحين والآخر عن نيتها المغادرة إلى حيث جاءت، إضافة إلى أن "داعش" المرفوضة شكلاً ومضموناً، أياً كان ولاؤها ومنطلقها، ليس بين شرعيتها الخداعة وبين شرعية النصرة الخداعة أيضاً وجه اختلاف، والخوف أن تبدأ هي الأخرى لاحقاً في استقطاب سوريين آخرين ممن فاتهم قطار جبهة النصرة ولم يزالوا ينتظرون في المحطة.
من كان مطلعاً على تاريخ الجماعات الأصولية، وعلى المنهجية والآلية التي يتم فيها تجنيد عناصرها وتأهليهم ليكونوا "مقاتلي حرية" على الطريقة الأميركية أو "مجاهدين في سبيل الله والدين" على الطريقة العربية، يصل إلى أن الغالبية الساحقة من هؤلاء لا يدخلون أرضاً إلا ويخرجون منها جثثاً هامدة في أغلب الأحيان، ليس لأنهم سيواجهون الموت بعزيمة صلبة "مقبلين غير مدبرين"، بل لأنهم سيباعون في المزادات حين تنتهي مهمتهم، فمن سيكون أغلى ثمناً يا ترى (النصرة أم داعش)، ومن منهما سيعلن مغادرته أولاً لسورية المنكوبة؟
ماذا عن "سلمى" في الريف اللاذقاني، نسأل العائد المحمل بحقيقة ما يحدث في الوطن بناء على أقواله؟ يجيب بعد كلمة (بصراحة): لقد تعمد النظام تركها دون تطهير-رغم أن الجيش كان ينوي تطهيرها ويستطيع ذلك-، تعمد النظام تركها لتكون ورقة ضغط على أهالي الساحل كي لا يتأفف أي فرد يقطن هذه المساحة المظلومة المفجوعة من أعداد الشهداء المنقولة إليها يومياً، وكي لا يكون لأي أحد قرار التمرد على إرسال أبنائه إلى الخدمة الإلزامية، فبلدة "سلمى" شاهد حاضر على خلايا الخراب والجراد -على حد وصفه- الذي ما إن تتاح له الفرصة حتى يحصد الأخضر واليابس، وينهي صاحبنا حديثه مشيداً بشجاعة وفدائية أحد الضباط الذين لمع اسمهم إبان تحرير القرى العشر التي تعرضت لغزوة قاعدية لم تزل بعض نتائجها جرحاً نازفاً في قلب عروس الساحل، لاسيما أن 150 مواطناً علوياً مازالوا في قبضة الاختطاف الذي على ما يبدو كان "الجوكر" في يد هذا الطرف أو ذاك ليدفع بالبعض لمغادرة ساحة المعركة أو العودة إليها، وهنا نسجل مغادرة بعض مخطوفي لبنان وقبلهم الإيرانيين، بينما أهالي الساحل وغيرهم من -أبناء البلد- ينتظرون دورهم، وأغلب الظن أن "القيادة الحكيمة" لن تنساهم.
إن نظاماً ديكتاتورياً فاسداً من رأسه حتى أخمص قدميه، ضاق ذرعاً بمطالب الناس منذ البداية واعتقل نخبهم، ومازال حتى اليوم يتاجر بكرامات البشر وحقوقهم وحياتهم مراهناً على تبدل اتجاه الرياح الدولية، نظام كهذا لم يعد اليوم إلا أداة ملحقة ضعيفة بلا موقف، ويبدو أن هناك إرادة دولية بوصوله لهذا وبقائه عليه إلى ما لسنا ندري، وفي الاتجاه الآخر بات واضحاً أن الناس لم تخرج عن قهرها المزمن لتقبل بالائتلاف ممثلاً وحيداً لها، هذا إن قبلت فيه أساساً، أو لتندب جبهة النصرة أو داعش أو غيرهما لإقامة الحكم المثالي، لقد آن الأوان –رغم أنه تأخر كثيراً- ليخرج كل غريب من سورية، أياً كانت أسباب وجوده على ترابها وأياً كانت تابعيته والمحاور التي ينتظم فيها، فلو مازال في الأرض متسع للقبور، ما عاد في القلوب متسع للصبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا