الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة في نقد نظرية بورديو في التربية

عبد الشافي خالد

2013 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مثل كتاب بورديو "إعادة الإنتاج"،حصيلة نظرية لبحوث ميدانية ابتدأت منذ كتاب الورثة بهدف بناء نظرية عامة لأفعال العنف الرمزي وللشروط الاجتماعية لتورية هذا العنف،وحسبه فإن المدرسة تنتج أوهاما ذات أثر مهم كوهم "اللاتبعية والحياد" المدرسيين الذي يلعب دورا هاما ونوعيا في عملية إعادة إنتاج النظام القائم .وبه فلكشف القوانين التي تعيد المدرسة على أساسها إنتاج بنية توزيع رأس المال الثقافي لابد من توفير وسائل لفهم التناقضات التي تمس اليوم أنساق التقليد فهما كاملا ،ثم المساهمة في بناء نظرية للممارسة والتي بتشكيلها للأعوان " وليس الفاعلين" باعتبارهم نتاجا للبنى يعيدون إنتاج تلك البنى الاجتماعية...
أ) بعض المفاهيم المركزية في نظرية بورديو
:"إعادة الإنتاج" كمفتاح للفهم والتفسير _
يعتبر عنوانا فكريا ومنهجيا لنظرية بورديو وباسرون في مجال الفكر الاجتماعي عموما.وتبعا لهذا المفهوم فالمدرسة تعمل على إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع على صورة التباين الطبقي الكامنة فيه، كما أن المدرسة تعمل وفق آليات ذكية وخفية رمزية على توليد التقسيم الطبقي والتفاوت الاجتماعية سواء عبر الممارسات التربوية في المدرسة أو عبر إسقاطاتها في المجتمع .ويشكل هذا المفهوم البوتقة الفكرية لمختلف أعمال الكاتب السوسيولوجية لأنه نقطة تقاطع باقي المفاهيم "كالهابيتوس ورأس المال الثقافي والعنف الرمزي والإقصاء الاجتماعي وسلطة اللغة".وبناء عليه فالمدرسة بكل تجلياتها نتاج للتقسيم الطبقي في المجتمع ،وهي في نفس الوقت أداة المجتمع نفسه في إعادة إنتاجه لذاته على نحو طبقي.ومن هنا يحدد النظام الرأسمالي للمدرسة هدفين أساسيين هما :
أولا:إنتاج أناس لأداء ادوار رأسمالية تسويقية في خدمة النظام الرأسمالي.
ثانيا:إنتاج طبقة عمالية قادرة على الوفاء بمتطلبات هذا النظام الرأسمالي ويمر الصراع الطبقي على المدرسة بثلاث مراحل:
- ففي المرحلة الأولى أسست البورجوازية المدرسة كمؤسسة تربوية منفصلة عن وظيفة الإنتاج الرأسمالي لأداء ادوار إيديولوجية ضد الإقطاع والعمال معا، في هذه المرحلة إذن تلعب المدرسة دورا أيديولوجيا بهدف فرض الهيمنة الثقافية في الحياة والعمل والإنتاج.وهنا اندغام المعرفة العلمية بهدف خلق "مواطن صالح".
- أما في المرحلة الثانية ،فقد كان الدور هو إعداد اليد العاملة المؤهلة ،وبه تنضاف إلى وظيفة المدرسة القيمية السابقة وظيفة اقتصادية من حيث التأهيل العلمي ،كما بدأت تعطى بعض الحقوق للعمال كتحديد الراتب بناء على مستوى الشواهد.
- وفي المرحلة الأخيرة تم دمج المدرسة في المنظومة الرأسمالية خاصة في العملية الإنتاجية والحياة الوظيفة للمجتمع الاستهلاكي ،لقد تحولت إلى مدرسة رأسمالية بوظائفها وبنيتها وأدوارها الاجتماعية.
- العنف الرمزي" بين الافتراض والتحقق الامبريقي
إن مفهوم العنف الرمزي أصيل لبورديو وباسرون ويعتبر مدخل منهجي مكنهما من الكشف عن الملابسات الخفية للفعل الثقافي التربوي وتحديد دور المدرسة في هندسة العقليات وبناء السلوكات الانسانية.ومن خصائصه نذكر :
- إنه سلطة خفية تفعل فعلها في توجيه سلوك الإنسان نحو الرضوخ والإذعان والقبول الثقافي لكل ما يقدم كثقافة وكمعنى للسلطة السائدة في دائرة العلاقات الطبقية في المجتمع.
- إنه يكشف الفعاليات الذهنية التي يمارسها المجتمع في تشكيل عقول الأفراد عبر سلطة معنوية خفية كلية القدرة تفرض نظام الأفكار والدلالات والمعاني والعلامات بوصفها مشروعة.إن هذه السلطة تعمل على إخفاء علاقات القوة الكامنة في أصل هذه السلطة أو في تكوينات العنف الرمزي عينه.وبه تتم شرعنة نظام الدلالات والمعاني عبر إخفاء علاقات النفوذ والقوة التي تكمن خلفها.
والخلاصة أن العنف الرمزي سلطة تفرض نفسها على الأفراد ،فارضة نظاما من الدلالات والقيم والمعاني الرمزية كما أن العنف يأخذ طابعا رمزيا واعتباطيا، اعتباطية ناجمة عن دور هذا العنف في تعزيز اللامساواة الاجتماعية وتأصيل الفوارق الطبقية وشرعنتها بناء على النفوذ والقوة والقدرة الاقتصادية والثقافية،إن الاعتباط هنا يأخذ معنى الافتقار لأية معايير أو معنى منطقي أو مبادئ أخلاقية أو فكرية من أي نوع.
- العنف الرمزي في الحقل التربوي
شكلت المؤسسة التربوية منطقة استراتيجية للتحليل السوسيولوجي وظهور المفهوم جاء كما يبدو في خضم تحليل مضامين عمل هذه المؤسسات وفعالياتها،لأنه تبعا لذلك يتم النظر إلى أداة المدرسة في عملية إعادة الإنتاج الاجتماعي بشبكاته والياته وتقاطعاته الطبقية ،فحسب بورديو كل فعل بيداغوجي إنما هو موضوعيا عنف رمزي على اعتبار أنه فرض بواسطة سلطة اعتباطية لاعتباط ثقافي،ومنه فإن المدرسة تغدو تشكيلا من تشكيلات القهر والتطبيع الثقافي ،حيث يأخذ القهر الثقافي صورة عنف رمزي ويخلق أثارا نفسية خطيرة كفقدان الثقة بالنفس وتبخيس الذات باستمرار ،إنه ضغط ثقافي استلابي غامض ومبهم لأن التلميذ عاجز عن اكتشاف أبعاده وملابساته مما يدفعه للاستسلام واللامبالاة واللذان لا يكون له حتى الحق فيهما،(كالنوم في القسم أو الخروج منه مثلا)،ويتجلى العنف في أقصى صوره الاستلابية في وضعيات التقييم المدرسي كالامتحانات ،حيث يوضع القوي والضعيف في حلبة صراع واحدة ،إنه أداة لإقناع الفقراء اقتصاديا وثقافيا ورمزيا بعدم قدرتهم على الحياة وعلى أن يساووا شيئا في معرض الحياة الفكرية والثقافية.إن الامتحانات تحدد قيمتهم الإنسانية والاجتماعية في لحظات...كما حل العقاب الرمزي كالتهميش والازدراء والتهكم محل العقاب البدني.
- الرأسمال الثقافي ودور الإخفاء والاصطفاء:
إن الرأسمال الثقافي هو كل طاقة اجتماعية أو رصيد ثقافي يمتلكه الفرد ويعتمد عليه في التمييز والمنافسة .وبه يحكم الرأسمال الثقافي ودورانه في المدرسة نفس قانون الرأسمال والسوق الاقتصادي ،حيث إغناء الغني وإفقار الفقير،ويحسم الرأسمال الثقافي الذي يتوفر عليه أبناء البورجوازية والملائم لثقافة المؤسسة التربوية النزال لصالحهم باعتبارهم "أبناء الورثة "
- سلطة اللغة وعنفها :
لقد قام بورديو بتحليل العلاقة بين سلطة اللغة أو الرمز وقوته في تشكيل البناء الاجتماعي وإعادة إنتاج علاقات القوة والطبقة .إنها أداة لتشكيل العنف الرمزي وبه تأثيره على العقول باعتباره أداة لبناء المعرفة والثقافة،إن اللغة تحتكر سلطة بناء الواقع وإنتاجه على نحو رمزي،" فأن نتكلم وننتج خطابا ليس دائما أن نتواصل بل أن نسود ونسيطر"،كما يؤكد بورديو.
ب) ملاحظات نقدية حول نظرية بورديو في التربية :
منذ صدور الكتاب في بداية السبعينات توالت عدة دراسات وانتقادات لا مجال لذكرها لكثرتها واستمرارها إلى الآن،لكن من وجهة نظر شخصية يمكن الاجتهاد في الإشارة إلى بعض نقط الضعف في هذه النظرية كما تبدو لنا انطلاقا من عدة أدبيات في الموضوع.
- وظائف المدرسة متعددة في النظام الرأسمالي: فمن جهة يمكن التأكيد على أن الوظيفة الايديولوجية التي خص بورديو المدرسة بها في المنظومة الرأسمالية ليست سوى وظيفة من بين وظائف أخرى والتي أولاها منزلة ثانوية كالوظيفة الاجتماعية والاقتصادية...ومن جهة أخرى لا يمكن الاتفاق على أن المحافظة وإعادة الإنتاج مسألة حتمية لجهة كونها الهدف الوحيد الذي يمكن للمدرسة أن تلعبه ،بل أن التغيير والتجديد من أدوارها أيضا...
- ليس ولم تكن يوما ما المدرسة المؤسسة التربوية الوحيدة التي تعمل على تماسك وانسجام المجتمع ،بل هناك الأسرة وجماعات الرفاق والقبيلة ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية...وبه يبقى القول بقدرة المدرسة لوحدها على إعادة إنتاج النسق بأكمله أمرا مبالغا فيه في اعتقادنا.
- من الجدير التذكير أن نظرية بورديو ،شانها شأن كل النظريات، "تاريخية" ، بمعنى ارتباطها وتعبيرها عن مرحلة تاريخية معينة ونسق اجتماعي محدد هو النموذج الفرنسي،كما أنها قد تصبح بدون معنى تذكر في المجتمعات غير الطبقية بالمعنى الرأسمالي ،أو القبل حداثية بالإجمال على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي حيث غموض حدود التمايز الاجتماعي والثقافي...
- لا يمكن لرغبة بورديو في التوصل لنظرية عامة في الممارسة كغاية عامة للتنظير العلمي السوسيولوجي مما يعني الزعم بإمكان الدراسة الماكروسوسيولوجية رغم اعتماد مفهوم الحقل كأداة إجرائية ،أن ينفي الرأي القائل بأن دور المدرسة في إحداث الحراك الاجتماعي الذي سمح بتشكيل بورجوازية قادر على إعادة تشكيل طبقات أخرى " ثورية" كالبروليتارية ، وهو ما ينفيه بورديو مما يعني هيمنة للحتمية الدوركايمية والماركسية على التفكير البورديوزي والتي أعطت أولوية للنسق على حساب " الفاعل " acteur و الذي يسميه بالمناسبة "عون" agent وشتان بين الاصطلاحين.
- وأخيرا نشير إلى أن عقلانية التنظيم مفتوحة ونسبية تبعا للحقيقة الواقعية التي تؤكد بأن استراتيجية الفاعل قد تعارض استراتيجية النسق وبه تعطل مفاعيلها و تعمل على افشالها وتحقيق اهداف معارضة لأهداف التنظيم كما يقول عالم اجتماع التنظيم ميشيل كروزيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال