الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مفترق الطريق
عدنان اللبان
2013 / 11 / 22الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
تمزقت القاعدة , وتشتت الرفاق , تجمعنا فوق الهضبة الصغيرة التي طالبنا بالصعود اليها قبل الهجوم , كنا نتجمع افرادا وأعدادا , ولا نعرف الآخرين الى اين توجهوا , لا نعرف عدد شهدائنا وجرحانا , كنا مستنزفين بعد ثلاثة ايام من الحصار والقتال والجوع والسهر . قبل الهجوم بيوميين اصيب فؤاد بالتهاب رئوي حاد ولم يحصل على دواء لعدم وجوده , مما دفع الرفيق بهاء وهو موظف صحي بمثابة دكتور للتذمر من تقصير المسؤولين بصوت مرتفع رغم كونه المعروف بهدوئه . كان الجميع يدرك ان القاعدة ساقطة عسكريا , ولكن لا احد من القيادة يستطيع ان يغير من وضعيتها , ولم نسمع من اي واحد من القيادات العسكرية والحزبية لم يقل أيضا ان القاعدة لا تصلح ان تكون مقرا . الا ان الجميع تحت سطوتها , اصبحت اشبه بالعاصمة للحزب , وللعاصمة هيبة ابعدت التفكير بالانتقال منها , وهذه الهيبة هي التي ستمنع الآخرين من مهاجمتها . الا ان الآخرين استسهلوا مهاجمتها لوضعها العسكري اولا , وهشاشة اسوار الهيبة تاليا .
تشكلت القاعدة في البداية من فصيلين , بشدر و شقولكا , ثم فصيل بولي ( الباء تحتها ثلاثة نقاط ) , وسرعان ما ظهر الانحياز بين الكوادر القديمة التي شارك البعض منها في قوات الانصار عام 1963 وبين الشباب الذين يلجون الحياة الريفية البدائية وصعوباتها في حياة الانصار , واغلب هذه الصعوبات البناء بالحجر او التحطيب وتقطيع الخشب او شد الاحمال على الحيوانات , والشباب مثار تعليقات ساخرة من قبل القدماء . ولكن سرعان ما تعلم الشباب وأخذت التعليقات الساخرة ( السايد الثاني ) ليس على متطلبات العيش والواجبات فقط , بل على الثقافة والفن والوعي الفكري والسياسي . كان اغلب الكوادر السياسية والعسكرية القديمة من ابناء المنطقة البسطاء , اي من جذور فلاحية اكثر مما هي جذور مدنية مثلما عند الشباب الذين كان اغلبهم من بغداد وباقي المحافظات , معلمين وموظفين وأطباء ومهندسين وطلاب جامعة , وهو ما دفع البعض لتفسيره ليس بين القديم والجديد , بل بين ابناء المنطقة من الاكراد وبين العرب القادمين من بغداد وباقي مدن العراق ( وكأن القادمين ليس بينهم اكراد والقيادات ليس بينهم عرب ) , وهو ما انعكس في بعض السلوكيات والتصرفات البائسة . ارادوا اضعاف تجمع الشباب في الفصائل عندما استحدثوا فصيل بيانا , ونقلوا اليه حسب تصورهم اغلب المشاكسين الغير مرغوب فيهم في باقي الفصائل , ووضعوا عليهم مسؤول سياسي موال لهم , وفي خلال ايام تحول فصيل بيانا الى الفصيل الانشط في بشتاشان ومسؤوله لقب بالرفيق قيطان , في النهار جهد وعمل شاق متواصل , وفي الليل اغاني ومقامات والرفيق هوبي اصبح كَبنجي القاعدة .
بشتاشان مفترق الطريق , ومنها بدأ العد التنازلي لحركة الانصار بعد ان هاجمنا بيشمركَة اليكيتي , وتمكنوا من ان يكونوا حاجزا بين حركة الانصار وقوات السلطة . الا ان بعض الرفاق كان يعتقد ان بوادر الانتكاسة كانت قبل الهجوم ,
وكانت الاعتراضات منذ البداية على عدم صلاحية بشتاشان العسكرية لتكون مقرا رئيسيا للحزب والأنصار الشيوعيين ,كانت القاعدة تضم ( المكتب السياسي للحزب , قيادة الانصار , مستشفى , مدرسة حزبية , الاعلام والإذاعة , مستودعات اسلحة وأرزاق ) . قبل الهجوم بيوميين شك ابو احلام بولي , وهو مسؤول المقر الذي يقع على اطراف بشتاشان بتحرك مريب لمفرزة كبيرة لليكيتي قادمة باتجاه الدخول الى بشتاشان , فمنعها , ووزع انصار المقر على نقاط المقاومة . حاولوا اقناعه بالمرور الا انه اصرّ على منعهم , وبعد عدة ساعات واتصالهم بقيادتهم التي اتصلت بقيادة الحزب , وصل التبليغ بالسماح لهم بالعبور . وفي مساء نفس اليوم ارسلت قيادة الحزب رفيق قيادي للالتقاء بالفصيل المشاكس بيانا لتوضيح الموقف واستطلاع آراء الفصيل , وكان الرأي الاوضح في الفصيل ان تحركات اليكيتي مشبوهة , وأكد رفاق بيانا على ضرورة الاستعجال بتحرك الرفاق الكبار في السن والقيادات والعوائل في التوجه الى هضبة صغيرة باتجاه قمة قنديل لا احد يستطيع الوصول اليها , ولا احد يعرف لماذا لم يتحرك احد الى يوم الهجوم , وربما اعتبروه تطيرا .
يقول فؤاد تجمع الكثيرون , كنا ثلاثة وسبعين نصيرا ونصيرة , كنا من مختلف الفصائل , مشتتين ولا توحدنا آلية تنظيم الوحدة الانصارية , وفي هذه الحالة تكون القيادة لأكبر مسؤول سياسي وهو الرفيق كريم احمد عضو المكتب السياسي والرفيق ابو سرباز عضو اللجنة المركزية . وكان امامنا طريقان , الاول عبور قنديل والنزول الى الجهة الاخرى التي تقابل الحدود الايرانية , والثاني هو النزول باتجاه عدة قرى متقاربة تعود لبيشمركَة اليكيتي قبل ان نعبر الطريق العام الى مقرنا الآخر في روست . ورغم ان الجميع يدرك ان عبور قنديل هو الاسلم لنا , وتحدث بعض الرفاق بذلك , الا ان الرفيق كريم احمد اصّر على اخذ الطريق الثاني , كان الإرهاق والجوع والسهر وضراوة القتال للأيام الثلاثة الماضية قد استنزف الجميع , وكان السبب الاساس في الاستجابة لقرار الرفيق كريم احمد . اندفع الجميع في النزول , وقد انزاح عنهم ثقل الحيرة بعد ان حدد لهم التوجه , كان الجميع يأملون بقسط من الراحة والطعام حتى وان من قرى الجلاليين ( اليكيتي ) , بعضنا لم يتناول الطعام منذ ثلاثة ايام , وكلما اقتربت اشكال البيوت كنا نشعر بالاطمئنان بأننا سنجد من يطعمنا , وبعضنا نسى ان البيوت تعود لمن هاجمونا . لم نجد احدا من الرجال في البيوت , كانت النساء والأطفال والشيوخ فقط , وقد ظن بعضهم اننا سننكل بهم انتقاما من الهجوم الغادر علينا , وبين التخوف والرغبة في دفعنا قدموا لنا العشاء بعد ان طبخوا عدة قدور من الرز والخبز واللبن وبعدها الشاي . يقول فؤاد بعض الرفاق قد استغرقوا في النوم فترة تحضير العشاء . كان بعض الشيوخ في هذه البيوت اخذ يهاجمنا بعبارات صريحة بعد ان اطمئنوا من سلامة نيتنا .
تناولنا طعامنا المغموس برغبة التخلص منا , واتجهنا الى بعض الخرائب خارج البيوت نتلمس بعض الراحة والدفء , لازلنا في الشهر الخامس ولا يزال الجو باردا في الليل , جمعنا بعض الحطب اليابس وتوزعنا في اكثر من خربة حول النيران التي اشعلناها , وبعد قليل تعالت السنة اللهب . دقائق وزخات الرصاص قد انهالت علينا , لذنا بجدران الحجر المقابلة لمصدر النيران , الرصاص لم ينقطع , اصبح مفردا وكلما يلمحون احدا على ضوء النار , كان الرصاص ينطلق من السفوح العالية , ويبدو ان الرجال الذين لم نجدهم في بيوتهم هم وراء هذا الكمين . الجلالييون جندوا كل طاقاتهم لإيقاع اكبر الخسائر بنا , لا اعرف من اين استمدوا هذا الحقد الاسود وهذا التصميم ؟! انسحبنا الى خارج الخرائب مستغلين خفوت اللهب وانتشار الظلام , لم تكن عندنا نقطة محددة نلتقي عندها , الشباب كانوا اسرع من الكبار في السن , ولا يوجد من الوقت الكافي لاستكمال تجمع الجميع , تحركنا باتجاه منحرف عن الخط الذي نزلنا فيه من قنديل , ورغم صعوبة الصعود الا انه كان ضروريا للتمويه وتشتيت توقعات الكمين .
في الصباح الباكر وجدنا انفسنا نسير على حافة احدى الهضبات وأمامنا احدى قمم قنديل , انتظرنا شروق الشمس لكي نحدد توجهنا عليه الى الجانب المواجه لإيران , احصينا مفرزتنا فكانت سبعة وثلاثين وبيننا عدة رفيقات , وأدركنا ان باقي المفرزة اخذت الطريق الذي حدده الرفيق كريم احمد الى مقر روست . شخص اثنان من الرفاق الضباط لقيادة المفرزة , وشخص خمسة من انشط الرفاق لتكون مفرزة استطلاع تسبق المفرزة بنصف ساعة لتحديد الطريق النازل الى الجهة الايرانية , وتنبيه المفرزة ان حصل تصادم مع الجلاليين او اعداء آخرين . ورغم الجهد الذي رافق مسيرة الليل الطويل الا اننا تجاوزنا نيران الكمين , ومشاهدتنا لقمة قنديل منحنا الشعور بالانفراج , وشحذ هممنا رغم الجوع والإرهاق والسهر المتواصل لثلاثة ايام بلياليها , لم يبق امامنا غير هذه القمة وسننزل على قرى ربما ستكون ايرانية , لا احد يعرف , ولكن سنحصل على الطعام , سنحصل على مساعدة نحن في امس الحاجة اليها . احد رفاق مفرزة الاستطلاع كان يقف على صخرة كبيرة مرتفعة , رأيناه قرب القمة يؤشر على ان نستعجل , وهو ما طمئننا وحثنا على الاسراع في الصعود , وبعد اكثر من ساعة وصلنا الصخرة التي كان يقف عليها , لنكتشف ان خلفها قمة اعلى بكثير وقد غطتها الثلوج , ورغم ان الجميع يعرف ان كردستان هكذا, قمة خلف قمة , الا ان الخيبة التي تشبعت بكل آلام الايام الماضية والغدر الذي تعرضنا له جعل منها تتخذ اشكال شتى . اشتدت آلام الجوع والعطش , الجميع يبحث عن بحاريث الخبز المتكسرة في جيوب الشراويل , رفاق جلسوا وليس لديهم السيطرة على ارادتهم بمواصلة المسير , الجميع بحاجة الى استراحة . وجدنا مجموعة لا بأس بها من نبات الريواز , وهو نبات طبيعي لا يمتلك ساق بل عضود كبيرة تحمل اوراق دائرية كبيرة مشعرة , كانت العضود تقشر وتؤكل طرية او مسلوقة وهي حامضية الطعم , اخذنا نلتهمها دون تقشير , والبعض لا يفرق بين العضد والورقة فيلتهمهما سوية رغم تفاهة طعم الورقة وخشونتها . حموضة الريواز تركت آثارا سلبية على معد وأمعاء الكثير من الرفاق , الارهاق سلب اغلب احساس حواسنا , والتبلد الذي سيطر علينا خفف الاحساس بهذه الآلام . كنا ندرك ان لا طريق عندنا غير مواصلة الطريق نحو القمة , الاستراحة رغم قصرها منحتنا بعض الطاقة , النزول ساعدنا في استعادة بعض همتنا , رغم اننا نعرف ان امامنا صعود هذه القمة الثلجية المخيفة , استعجلنا الوصول لعين ماء في الوادي الذي علينا اجتيازه , شربنا , وملئنا زمزمياتنا , وواصلنا المسير . كنا نسير آليا , ولا احد يتحدث مع الآخر , الكل مشغول باستنزافه وعن ماذا نتحدث ؟ السماء تتلبد بالغيوم , والريح اخذت تشتد , الشمس اختفت خلف القمة التي عبرناها , الريح كانت مشبعة ببرودة الجليد الذي اخذنا نسير عليه في مساحات متقطعة , وسرعان ما اصبحت مساحة واحدة . كنت اشعر ان اغلب الرفاق سيطرت عليهم فكرة كيفية انقاذ المفرزة , وهو ما دفع البعض لعرض مساعدة هو لا يقدر على تقديمها , والآخرين يتشكرون رغم حاجتهم اليها , وهو ما ساعدهم في التحايل على هذا التحمل الغير معقول . الا ان التفكير بالذات يجسم الصعوبات اكثر , ويدفع لليأس , وهو ما دفع احد الرفاق للتمني بصوت مسموع " لو كنا في مفرزة الرفيق كريم احمد لما تعرضنا لهذا العذاب " , وبعد قليل طرح فكرة : لماذا لم نسّلم ؟ وظل شبح اتهام الآخرين له بالضعف يطارده لحد الآن , رغم ان الجميع يعرفون في اي ظرف نفسي قيلت .
وجدنا بعض الصخور الكبيرة المغطاة بالثلوج , والتي كونت تحتها حسب ارتكازاتها مساحات يابسة اشبه بالشكوتات ( كهوف ) , ورغم ان النهار لم يشارف على نهايته , الا انها فرصة لقضاء الليلة تحتها بعد ان استنزفت طاقتنا بالكامل , ويكاد ان يكون المكان الوحيد الذي وجدناه طيلة اليوم يمكن الاستراحة فيه . الغيوم لا تزال تحجب السماء , والرياح اشتدت , والأصوات التي تحدثها بانكسارات الصخور تزيد الرهبة والوحشة . نقاط سوداء على السفح القريب المقابل لنا , اخذت تتوضح رغم غشاوة الجو وسرعة الرياح وصفيرها , وأحاسيسنا الرهينة للجوع كانت تكبر بسرعة , انها حيوانات , استمرت في سرعتها وتوقفت بوقت واحد كأنه ايعاز , استطعنا تمييزها , كانت سبعة او ثمانية ذئاب , توقفت بحالة الاستعداد , وترت آذانها , الجوع زاد من وحشية هيأتها , احد الرفاق سحب اقسام البندقية , اوقفه عن الاطلاق رفيق بجانبه , واخبره : لتتقدم اكثر , خوش عشه . تقدمت بخطى ثابتة لعدة امتار , توقفت , نظرت الينا جيدا , استدارت بسرعة وركضت مسافة قصيرة , توقفت واستدارت لترانا مرة اخرى , يبدو انها حدست اننا اكثر جوعا , الرفيق الذي سحب الاقسام اراد ان يصيب واحدا على الاقل , الا انها استدارت وهربت قبل ان تصل الطلقة اليها , واشتد الرصاص دون اصابة احد منها .
هبط الظلام بسرعة , وانتشر سواد كثيف , لا نجمة في السماء , ولم نعد نشاهد ابعد من اجسادنا , سواد مخيف , ونباح الريح الذي اخذ يرتفع وكأنه آلاف الذئاب , لفنا الصمت بالكامل , احد الرفاق اراد تمزيق العمق السحيق للوحشة فاعتقد انه يرى ضوءا بعيدا يهتز , وفسره انها يمكن ان تكون اضواء حاج عمران , لم يجبه احد حتى لو قال انها اضواء بغداد . انطوينا على انفسنا بعدتنا وسلاحنا , كل واحد يبحث عن الوضعية الملائمة ليدثر نفسه بها , ويوفر بعض الدفء ليأخذ غفوة صغيرة , ويعود لإيجاد وضعية اخرى يلم نفسه بها . كان البرد قاسيا وقد شخص مسؤولا المفرزة بعض الرفاق للتواجد عند طرفي مخبئنا لتبادل الحراسة , ولا احد اعترض من الانهاك او تواصل مع الحراسة . كان الذهاب للتبول شاقا رغم ان الريح قد خفت صوتها قليلا , كان الخوف بين اغفاءة وأخرى هو كيفية مواجهة الريح في الصباح ونحن نصعد بعكسها ؟ الريح اخذت تهدأ وصفيرها لم يعد يسمع عندما طلب منا الرفاق النهوض , واخبرونا ان رفاق مفرزة الاستطلاع قد ذهبت , وهي تسبقنا بنصف ساعة , نلتحق بها , ثم تواصل السير ونحن نسترح , وهكذا . نهضنا , ورغم كل عذابات الليلة الماضية شعرنا ببعض الحيوية , اندفعنا في أثر طريق رفاق الاستطلاع , احشائنا جافة وبات حتى الماء الذي شربنا قطرات منه نشعر به يلامس كل خلايا مروره , احساسنا بالجوع اخف وطأة , وكلما شعرنا اننا قريبين من القمة ازداد املنا , وليس من المعقول ان تكون قمة اخرى تنتظرنا , اصبح هذا الاعتقاد يقينا , ولا يقين غيره , وهو ما منحنا الطاقة .
فتح فؤاد عينيه , وغمامة لم تزل تحجب رؤيته , لم يدرك انه بين رفاق يحتضنونه ويدلكون يديه ورجليه وينقلون حرارة اجسادهم اليه , كان من بين مفرزة الاستطلاع , فتح عينيه مرة اخرى , ولا يزال لم يتمكن من السيطرة على حواسه وأعضاء جسمه , ولكنه اشاع الامل بمعالجيه , تجمدت بعض قطرات الدم على شفته التي تورمت وتشققت , ومحجر عينيه تورم ايضا وارتفع اعلى من الحاجب , وشك احد الرفاق بعدم استطاعته رفع الحاجب بسبب ثقل الورم . سأل بخفوت : شنو السالفة ؟
اجابه احد الرفاق بعد ان هنأه على السلامة : انهم وجدوه مدفون في الثلج , ولولا وجود الكلبة التي لم تتركه وأخذت تدور حوله لكان من الصعوبة العثور عليه .
اخبرني فؤاد , بانه لم يعرف لأي فصيل تعود تلك الكلبة , ولكنها لم تتركنا طيلة المعركة , ولازمتنا منذ خروجنا من بشتاشان الى الآن , وحتى عندما اصبحنا مفرزة استطلاع ظلت تلازمنا رغم انني لم اكن على علاقة طيبة معها . كان فؤاد قد مرض قبل الهجوم في التهاب القصبات الذي انهكه , وقد تأخر قليلا عن مفرزة الاستطلاع , وسقط في حفرة واسعة لم يتبينها وسط الثلج كانت على احد جوانب الطريق الذي اتخذوه للاستطلاع .
وصلنا القمة , انكشفت امامنا وديان تعج بالخضار , ورأينا على مسافة ليست بالقريبة بعض الرشمالات ( بيوت شعر ) لرعاة , ولا نعرف هل انها ارض عراقية ام ايرانية , المهم اعادت لنا الشعور بإنسانيتنا بعد انقطاع اليوميين الاخيرين , مفرزة الاستطلاع قد سبقتنا باتجاه الرشمالات . رحنا نستعجل النزول , استقبلونا , رحبوا بنا , لم تكن حالتنا تسمح حتى بالابتشاش في وجوههم بعد يومي المعارك ثم الكمين وانقطاع اليومين الاخيرين في متاهة قنديل . لم نسترجع لياقة حواسنا وبالذات عيوننا , لا يزال الجمود يسيطر عليها , ويلفنا السكوت , لم نسترجع تواصل احساسنا بمحيطنا الا بعد ان اخذنا قسطا من الراحة وتناولنا الغداء , ومن الغريب ان اغلبنا لم يتناول من الطعام الا القليل , وكان الشاي قد اذهلنا بسرعة اعادة الاحساس بحواسنا . اخذنا صمت جديد , ولكن ليس صمت الذهول , بل لتحسس وجودنا واستعادت تواصلنا وتقديم الشكر للرعاة حتى ولو بابتسامات لا تزال مشوهة . نسينا ان بعضنا يمتلك الراديو , وفتحت ثلاثة اجهزة في آن واحد , ودارت المؤشرات لالتقاط اذاعات احزاب المعارضة , فقد دمرت اذاعتنا بالكامل . اذاعة الجلاليين كانت تهلل للبيان المشترك بين الحزبين ( الصديقين ) الحزب الشيوعي العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني, البيان الذي يدعو لإيقاف القتال وعودة المياه الى مجاريها , والتأكيد على وحدة الطريق المشترك لفصائل المعارضة العراقية , وان جبهة ( جوقد ) هي الابنة الشرعية لشهداء وضحايا الطرفين , والبيان موقع من قبل الرفيقين كريم احمد عضو المكتب السياسي وابو سرباز عضو اللجنة المركزية عن الحزب الشيوعي العراقي , وهم الآن ضيفين في المقر العام لجلال الطالباني .
لم ندرك ما جرى , لفنا هذه المرة صمت القبور . ولم يطل بنا الحال , فقد عرفنا ان كريم احمد وأبو سرباز اسرى من قبل الييكتي مع مجموعة من الرفاق الذين تم اعدام قسما منهم لكونهم عربا , وما تبقى من الستة والثلاثين الذين انفصلنا عنهم قد تمت تصفيتهم من قبل الجلاليين بعد انفرادهم بهم بين قرى الجلاليين قبل ان يتمكنوا من عبور الشارع الى مقرنا في روست .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. Read the Socialist issue 1268
.. Socialism the podcast episode 130 The fight for worker’s pol
.. المحكمة الابتدائية في تونس تقضي بإعدام 4 أشخاص أدينوا باغتيا
.. حكم بإعدام 4 مدنيين والمؤبد لشخصين بقضية اغتيال شكري بلعيد ف
.. شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني