الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجريمة والعقاب

شوقية عروق منصور

2013 / 11 / 23
مواضيع وابحاث سياسية




الذي أصابته الدهشة حين سمع عن التقرير الطبي الخاص بتسميم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بمادة البولونيوم قد نضعه في خانة السذاجة او خانة التمادي المضحك في رفع الحواجب دليل الاستغراب ، هذه الحواجب الكثيفة التي كانت سابقاً ستاراً تغطي العيون التي كانت ترى عملية القتل البطيء والموت المبرمج ولا تتكلم ولا ترفع الصوت وتعلن الاحتجاج ، والساكت عن الموت البطيء شيطان أخرس ، وانظروا كم شيطان أخرس من المحيط الى الخليج .
عنوان القتل كان مكتوباً على الأفق الفلسطيني بالخط العريض وفوق الجدران التي كان ابو عمار تحتها محاصراً ينتظر موقفا مشرفاً أو كلمة صدق من زملائه الرؤساء والزعماء العرب والغربيين ، ولكن قتلوه حين غابت نخوة الانسانية والصداقة والقبلات والاستقبالات والسجاجيد الحمراء في المطارات والصور التي كانت توزع دفء الصداقة ولقاء الفخامة ، جميعهم أداروا ظهورهم وتركوه لوحده ، قلنا وقتها لو مجموعة من الصبيان يلعبون في حارة لكان عندهم الوفاء لزميلهم أكثر من الزعماء العرب ، لكن الاقدار انتقمت لعرفات ولقنت الرؤساء درساً فسرعان ما حوصروا وانهاروا مثل لعبة الدومينو .
فضائية الجزيرة تفتخر بأنها فجرت موضوع الاغتيال واشارت الى نبش القبر واخراج الدليل الذي يثبت ان موت عرفات لم يكن نتيجة المرض بل نتيجة التسمم ، وعندما أخذوا عينات من جثته صرخنا حرام دعوه نائماً بهدوء فقد حارب وناضل وقد آن لهذا الفارس أن يترجل .
وجاءت النتيجة كما توقعها الجميع ولم يدغدغ عنصر المفاجأة باطن قناعاتنا ، فقد بقينا على قناعة أن القائد والزعيم الفلسطيني اغتيل عن سبق الاصرار والترصد ، قبل الجزيرة وبعد الجزيرة ولسنا بحاجة الى نفخ العضلات والتباهي والضحك على ذقوننا التي تحولت الى سلالم في العصر الخليجي .
الزوجة سهى عرفات تقول عن مقتله جريمة القرن وهي تعرف ان جريمة القرن ارتكبت قبل مقتل زوجها حين طردوا الشعب الفلسطيني وبعثروه في انحاء العالم لاجئين مطاردين ، ونعرف أكثر حين كان زوجها تحت نيران الحصار وبلودوزرات الهدم كانت هي في مكان آخر تعيش حياتها بعيداً عن همومه وهموم الشعب الذي كان يعاني مثله من الحصار والمجازر ، ولم تكن الزوجة التي حملها التاريخ فوق كتفيه امرأة مع زوجها في السراء والضراء ، ورفيقة سلاح وعقيدة تناضل وتقاتل وتدافع وتسجن ، خلال حصاره وتسلل المواد المشعة الى جسده كانت غائبة كلياً عن مشهد الزوجة والذي يحاول تبرير غيابها نؤكد له ان زوجة الزعيم زوجة ليست عادية ، خاصة اذا كان القائد والزعيم فلسطينياً وشعبه يرزح تحت الاحتلال .
نتائج التقرير اصبحت على طاولة الاعلام ، ورجال السلطة الفلسطينية تباكوا وانهالت التصريحات البراقة التي تشحذ سكاكين الانتقام ، ها هي الجريمة تنتظر العقاب ، ليس عقاب الكاتب الروسي دستوفسكي الذي حاول حصر الجريمة بنتيجة العقاب واطلق صرخته في روايته الشهيرة – الجريمة والعقاب – لكن جريمة قتل ياسر عرفات ستبقى بلا عقاب ، ستضيع في ممرات اللجان والصراخ الذي سرعان ما يخفت ، ففي السابق قتلوا العشرات من القادة الفلسطينيين وما زال دمهم امانة في اعنقنا .
المضحك ان صائب عريقات سيتوجه الى الجامعة العربية لطلب المساعدة لتشكيل لجنة تحقيق عربية ، وتوفيق الطيراوي رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية سيزود الجامعة العربية بالتقارير لجان طبية من سويسرا وفرنسا ولجنة تحقيق دولية .
(طبيب يداوي الناس وهو عليل ) الجامعة العربية ذلك الجسم الميت وينتظر الدفن فقط ، ياسر عرفات قتل بمادة البولونيوم ، ولكن الجامعة العربية ماتت بداء الخنوع والصمت والتآمر والخضوع لامريكا ، حتى لو شكلت مليون لجنة وحفظنا التقارير الطبية ، سيكون مصير اغتياله سراديب الصمت ونترك العقاب للأجيال القادمة .
ثم نريد أن نذكر السيد صائب عريقات صفحة من التاريخ عندما احتلت بريطانيا مصر سنة 1882 بعد ثورة عرابي تم تعيين اللورد " كرومر " مندوباً سامياً على مصر ، وكانت السودان آنذاك تحت الحكم المصري وقد سألوا " كرومر " هل ستحكم السودان أيضاً أجاب سوف أحكم من يحكم السودان وقصد الخديوي توفيق .
والذي يحكم الجامعة العربية امريكا ومن يحكم امريكا اسرائيل ، فكيف سيكون العقاب .
بالنسبة للذي غدر بالقائد وقام بتسريب المادة المشعة الى جسده ، نعرف من خلال الافلام والمسلسلات الاجنبية التي لم تترك جريمة في العالم الا وقامت بحلها ، ونعرف من خلال أدب الجريمة أن اصغر محقق سري يستطيع معرفة من سرب المادة المشعة الى عرفات ، أثناء الحصار من كان يدخل اليه ومن يقدم له الطعام وكيف يقدم ومن يطهو من كان يخدمه ويغسل ملابسه ويستطيع الوصول اليه ، فقط اذا صدقت النوايا تستطيع السلطة معرفة الاشخاص الذين قاموا بتسميمه ، بالطبع هم مجموعة وليس واحداً ، لا يكفي أن نتهم ونصرخ بأن اسرائيل هي التي قتلته ، يجب أن نعرف الاصابع التي خططت وخانت ثقة وأمانة القائد وغدرت .
قال الشاعر الفلسطيني مريد البرغوتي
الحقائق الاكيدة
لا تحتاج الى بلاغة
الحصان العائد بعد مصرع فارسه
يقول لنا كل شيء
دون أن يقول أي شيء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر