الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظة تأملية عن قانون التظاهر

سها السباعي

2013 / 11 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بمجرد أن صدر قانون تنظيم التظاهر حتى جهر المنظرون وتصادم المؤيدون والمعارضون. دوافع المؤيدين واضحة ومعروفة نظرًا للمناخ العام السائد في الدولة في هذه الفترة، أما دوافع المعارضين فتتركز في الخوف من المستقبل، أن يتحقق المثل القائل "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيضُ"، وأن القانون سيجور على حق مكتسب من ثمرات الثورة دُفعت الدماء ثمنًا له. أما المحايدون أو غير المكترثين بالأمر فيقولون أن هذا القانون سينضم إلى باقي رفاقه من القوانين العديدة التي لا يتم تطبيقها لسبب أو لآخر، وأن الأمر لا يعدو ملء أوراق وحشو نصوص، وأنه على أفضل الأحوال، لن تُطبق العقوبات على المخالفين لمواده إلا على الذين لم يستطيعوا التملص باعتبارهم منظمين ومحرضين أو الهرب والجري في الوقت الملائم باعتبارهم متظاهرين، أي أن الذي سيطبق هو قانون الانتخاب الطبيعي؛ "إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

حسنٌ، من الممكن أن نقول أن القانون إذا تم تطبيقه بالفعل فلا مشكلة فيه، لأن أمثاله مطبق في دول أخرى عديدة، هذا في حالة ما إذا كان الغرض هو الاحتجاج وإيصال الأصوات المعترضة وفقط، وهنا فلا داعي للخوف من العقوبات أو القلق من رفض تنظيم المظاهرة أو المسيرة، "امشي عدل يحتار عدوك فيك". أما إذا كان الهدف أكثر شمولية وأعظم وقعًا مثل إسقاط النظام مثلاً كما حدث في 25 يناير و 30 يونيو، أو لمنح تفويض، أو لأي سبب يجتمع هوى أو احتياج أو اعتراض أعداد غفيرة من الشعب عليه، فلن يكون للقانون محل من الإعراب، هذا إذا في حالة ما كنا قد أدمنا الاجتماعات الموسعة بهدف القيام بالثورات أو حضور المهرجانات، وهذا لن يتحقق إلا إذا كنا ننوي أن نستمر في التجريب وإنتهاج الطرق المؤدية إلى ارتكاب الأخطاء على تنوعها واختلافها، وهذا بدوره لن يحدث إذا كنا ننسى، ننسى لدرجة محو الذاكرة تمامًا وهذا ما أستبعده، فكل يوم مر علينا ترك أثرًا، وكل حادثة وقعت خلال السنوات الثلاث الماضية تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.

للروائي الألماني باتريك زوسكيند كتاب يدعى "ثلاث حكايات وملاحظة تأملية" ، في ملاحظته التأملية يشكو الكاتب من أنه لا يستطيع أن يتذكر اسم كتاب غير حياته، أو أثر فيه تأثيرًا كبيرًا، ويصاب بالهلع كونه لا يتذكر الكتب التي تمتلئ بها أرفف مكتبته، لدرجة أنه يقرأ عنوان الكتاب فلا يتذكره، ويقرأ ما كتب بخط يده على الهوامش فينكره، و يخلط بين أسماء المؤلفين والشخصيات وبين الأحداث وتواريخها. ثم يخلص في النهاية إلى أن فقدان الذاكرة الأدبية بهذا الشكل وإن كان يعد مرضًا فهو في حقيقته نعمة، فهو يرفع عن الكاتب تهمة الانتحال، ويجعل القارئ يتغير بدون أن يلاحظ لأن "الجهات المختصة بالنقد في دماغه تتغير أيضًا أثناء القراءة".

وهكذا نحن، باعتبارنا أفرادًا مختلفي المشارب والأهواء والمرجعيات، قد نقر قانون التظاهر ونؤيده اليوم، وقد ننقلب عليه وعلى واضعيه غدًا أو العكس. ولكننا نتعلم، لأن ما يحدث لنا على مر الأيام والسنوات وإن نسيناه من الذاكرة المؤقتة، فقد ترك أثره وحجز مكانه في الذاكرة الدائمة، فنحن اليوم غيرنا من ثلاث سنوات، وحتى ما قبل هذه السنوات الثلاث، من تجارب حاضرة على الألسنة وإن غابت أحيانًا عن العقول، تجعلنا شعبًا ينضج على مهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن