الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة إلى السماء .....تأملات فلسفية

محمود يوسف بكير

2013 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مررت بأزمة صحية مؤخراً استدعت إدخالي إلى قسم العناية المركزة في أحد المستشفيات.
اكتشفت أن الإقامة في هذه الأقسام معاناة في حد ذاتها حيث لا يستطيع المرء أن ينعم بأي قسط من النوم إلا من خلال أقراص المنومات التي يوزعونها علينا ليلاً وذلك من كثرة الأجهزة المتصلة بجسد المرضى وأصواتها المزعجة التي تنطلق بشكل مفاجئ لتنبيه الممرضات حيال أي تغير غير مستحب في أحد المؤشرات الحيوية لدى أي مريض داخل القسم.

وبالرغم من المعاناة فإن التجربة كانت فرصة للتأمل والتفكير في رحلة الحياة وصراعاتها وما بعدها.

اكتشفت أن الخواطر الدينية تسيطر على مساحة كبيرة من التفكير في مثل هذه اللحظات التي يكون الانسان فيها قريباٌ جدا من العالم الآخر.
وكان السؤال الملح.. هل اخترت الطريق الصحيح لمسيرة حياتك أم إنك اضعت عمرك في الهرطقة والأوهام؟
ولو أن هناك فعلاً جنة ونار فأين ستكون محطتنا نحن الليبراليون المتهمون دائماً بالكفر والإلحاد؟

والحقيقة أنني لم أشعر بأي نوع من الخوف أو القلق وأنا أجيب على هذه الأسئلة من خلال استعراض شريط العمر حيث أنني اخترت لحياتي نهجاً يعتمد على تحكيم المنطق والضمير في كل خياراتي وقراراتي ولم اتبع أي ايديولوجية سواء كانت دينية أو سياسية بشكل أعمى وكانت قناعاتي دائماً أن الالتزام الحرفي بأي منهج أيديولوجي دون إخضاعه للنقد والتحليل يكون دائماً على حساب حرية العقل وإتباع المنطق السليم وينتهي الامر باتباع المنهج الأيديولوجي الديني بالموت التدريجي للضمير الفردي وهذه هي مشكلتنا الأزلية مع الأديان التقليدية التي نحن مطالبون فيها بتسليم مفاتيح عقولنا لرجل الدين باعتباره ممثلاً للعناية الإلهية وعلى دراية كاملة بمقاصد الرب ورغباته. ووفقاً لهذا المنهج يكون من المحرمات أن تحاول التفكير بعيدا عن رجل الدين أو أن تعمل عقلك لأنه سيقودك إلى الضلال والضياع.

هل تتذكرون مقولة الأشعري أو أبن تيمية " من تمنطق فقد تزندق " هذه المقولة العجيبة تلخص المسألة في أن الدين التقليدي لا يتماشى مع العقل والمنطق. إزاء هذا أمنت بإله مختلف وربما يبدو هذا نوع من الجنون ولكنني كنت دائماً سعيدا بهذا الخيار فإلهي غفور رحيم ومترفع عن الصغائر ولا يراقبني ليلا ونهاراً ولا يقف لي على كل صغيرة وكبيرة وكل ما يطلبه مني هو أن أكون مخلصا وأمينا ورحيماً ومعيناً لكل مخلوقاته التي بحاجة لعون وأن أهتدي ببصيرتي السليمة التي منحني إياها وأن أتبع ضميري.

إلهي يعينني في أوقات الشدة والأزمات وأشعر دائماً بلمساته الحانية ونور هديه في كل خطواتي، وعندما أفعل الخير أشعر بسعادة ومتعة لا حد لها لأنني أستشعر رضاه عني وعندما أخطئ فإنه يتركني لعذاب ضميري الذي لا يرحمني حتى أعود عن الخطأ.
علاقتي بإلهي علاقة محبة متبادلة وليس فيها مساومات أو تهديد ووعيد أو ترغيب.
أتحدث مع إلهي وأصلي له في أي وقت وفي أي مكان ولا أحتاج إلى أي وسيط بيني وبينه ولا أحتاج إلى كتب وشروحات وفتاوى كي أفهم ما يريده مني، وعلاقتي بإلهي هي علاقة بيني وبينه فقط وليست علاقة بيني وبينه وبينك.

علمني إلهي أيضاً أن أحترم عقائد الآخرين فلك أن تؤمن بما تشاء أو لا تؤمن وطالما أنك لا تسعى لفرض معتقداتك أو ألهك على فسوف نظل أصدقاء وأحباء.
آمنت دائماً بأن الأديان بفهمنا القديم لها لا يمكن أن تجمعنا كبشر وسوف نظل نتقاتل باسمها متصورين أن مهمتنا على الأرض هي حماية هذه الاديان، والمفارقة هنا أننا أصبحنا نحميها بينما فشلت هي في حمايتنا من بعضنا البعض، فالعالم يتجه إلى الانهيار بسبب الطمع والأنانية والظلم والفساد والأديان التقليدية تقف عاجزة بل إنها تزيدنا فرقة واقتتالا.
وحتى الآن لم ندرك أن الإنسانية وحدها هي التي يمكن أن تجمعنا وأن تكون طريقنا للإخاء والتعاون والرحمة ونبذ التطرف والتمييز العنصري.

شعرت براحة عجيبة وهذه الأفكار التي آمنت بها تتدفق أمامي طوال اليل داخل غرفة العناية المركزة. وفي السابعة صباحاً حضر طبيبي الإنجليزي، نظر إلى شاشة المونيتور وصاح بدهشة والابتسامة تعلو وجهه: يبدو أنك كنت تصلي طوال الليل.
سألته لماذا؟ قال لأن قلبك عاد للنبض بشكل طبيعي كما أن ضغط الدم قد استقر أخيرا، وعلى الفور طلب من الممرضة وقف كل الأجهزة والمحاليل وقال أريدك أن تتحرك وتتناول طعام الإفطار وبعدها أراك في غرفة الفحص.

تمددت على سريري للحظات وهتفت من أعماقي شكراً يا ربي كم انت حنون ورحيم بي، أحبك من أعماقي.

تناولت الفطور بروح معنوية عالية وانتقلت إلى غرفة الفحص حيث مررت بكافة الفحوصات وقياسات الإجهاد بنجاح رغم وهن جسدي وقتها ولكنني كنت أشعر بيد خفية تعينني على الوقوف والصمود، إنها يد إلهي الحانية التي تمتد لي دائماً كلما كنت بحاجة لها.

انتهت محنتي وخرجت من المستشفى وهأنذا أعود إلى أسرتي وأصدقائي وعملي وإلى موقعي المفضل الحوار المتمدن.

أدعو إلهي العظيم أن يحفظكم جميعاً من كل سوء وأن ينعم عليكم بفيض من رضاه ومحبته وأن ينير بصيرتكم بهديه ويملأ ضمائركم بالعدل والحب والسلام.

صدقوني لسنا بحاجة إلى دين بقدر ما نحن بحاجة إلى ضمير حي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام يعم الموقع
رائد الحواري ( 2013 / 12 / 12 - 20:38 )
قبل قليل انتهيت من قراءة مقال -قيمة اانجيل الحقيقية-| للكاتب نضال الربضي- فكان يتماثل مع هذا الطرح المسالم، الذي نفتقده، فقد شعرت بالسلام والهدوء بعد هذين المقالين، نرجوا ان تستمر مثل هذه النماذج لعل وعسى ننتهي من البحث عن الخلافات لكي نحولها الى تناقضات، ومن ثم لا نجد ما يجمعنا، مرة لآخرى شكلا على هذا الطرح


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 12 / 12 - 21:58 )
يبدوا لي أنك ربوبي؟... تفضل :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?52547-دعوة-للدكتور-الباحث-elserdap
و
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?52105-أنا-ربوبي-دعوة-لمناظرة-مع-مسلم


تحياتي المخلصه


3 - ألف سلامة صديقى محمود يوسف بكير
سامى لبيب ( 2013 / 12 / 13 - 01:22 )
لمحت مقالك حالا فى هذه الساعة المتأخرة فقلت اقولك ألف سلامه ويسعدنى تماثلك للشفاء وعودتك لأحبائك وقرائك ولى مداخلة ثانية فأنا هنجت
لك كل التحية والمحبة والسلام


4 - شكرا للصديق العزيز سامي لبيب
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2013 / 12 / 13 - 17:11 )
أشكرك يا أستاذ سامي على اهتمامك وكلماتك الرقيقةوفي انتظار المداخلة التي وعدت بها


5 - فكرة الإله تفى حاجات نفسية عميقة صديقى محمود بكير
سامى لبيب ( 2013 / 12 / 13 - 19:47 )
تحياتى مجددا صديقى محمود بكير
أحترم احاسيسك ورؤيتك فقد مررت بفكرة الألوهية فى صباى وأقول اننى رسمتها كما حضرتك توصلت لها بدون أن أقرأ كلمة واحدة عن هذا المذهب الفكرى.
الأولوهية هى رسمنا نحن صورة الإله بشكل إنسانى متحرر من البداوة ونظرة الإنسان القديم التى رسمها هو أيضا بخياله وأحاسيسه ومشاعره المضطربة ليضع فيها نهج حياته
لى سلسلة بعنوان( لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون)كتبت فيها 36 مقال وامامى ما يقرب من 30 رؤية تحتاج لصياغتها فى مقالات مستقبلا -فى هذه السلسلة اعتنى بتقديم مسببات الإيمان بفكرة الإله ولم اقدم فى واحدة منها سبب البحث عن صانع الوجود لاننى اتصور ان فكرة الإله مشبعة بإحتياجات نفسية عميقة لأقول ان من ابدع هذه الفكرة إنسان عبقرى أو إنسان حاول ان يجد علاجا وسلاما مع إحتياجاته وإضطرباته
اعظم صورة للإله هو الإله المعتنى الحاضن الراعى الصالح لذا تجد إيمان المسيحيين قويا بالرغم من تعقد الفكرة اللاهوتية وخرافاتها فهم يبحثون عن الراعى والمعتنى والمترفق ورائع ان يكون محبا
ارى هذا لب احتياج الإنسان فى ظل واقع مادى قاسى غير معتنى..فى ظل حالة إغتراب عميقة غير واعية تتلمس دوما الدعم والترفق


6 - ألف سلامة
يوحنا مالوم ( 2013 / 12 / 14 - 06:19 )
أحلى خطبة دينية أسمعها وأروع قداس أحضره وأفضل فتوى أقرأها فهي تدخل العقل والقلب بقناعة بدون إرهاب وعقاب وثواب . الإنسان السوي هو الذي يعمل لخير نفسه وغيره بعيدأً عن الأنانية والجشع والغيرة والحسد لأن الدين محبة وعطاء
أدافع عن ديني بأفعالي وتصرفاتي مع الآخرين التي تكشف عن ايماني الصحيح وليس للتباهي به أمام العالم
أشد على يديك . كلامك حكمة وعبر وهو ما نحتاج ترديده في كل وقت. وألف سلامة أنك عدت إلى حوارك المتمدن تتحف قراءك بأجمل ماعندك


7 - تجربة
عدلي جندي ( 2013 / 12 / 14 - 13:16 )
حمد لالهة الخير والمحبة ومنهم الهك الشخصي علي سلامتك
مررت بتجربة مختلفة كدت افقد ابصار عيني اليميين واجريت جراحة دقيقة وكانت نفس مشاعري قبل واثناء وبعد العملية
الهتنا تصنع المستحيل حيث تبحث دائما عنىالحديث من اجل راحة ورخاء وصحة الانسان اماالهتهم فتعذبهم بالصيام في عز الحر والصلاة ةمن اجل تضييع الوقت والانشغال عن العلم
تحياتي وسلامتك


8 - شكرا لكل الاخوة الأعزاء
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2013 / 12 / 14 - 17:33 )
شكرا لكل من الأساتذة سامي لبيب ويوحنا مالوم عدلي الجندي على تعليقاتكم العميقة ومشاعركم النبيلة . الحياة تكون اجمل و أسعد مع العقول والزهور المتفتحة


9 - سلامات
محمد مختار قرطام ( 2013 / 12 / 20 - 08:11 )
الف سلامة استاذ بكير ونورت الحوار كما نورت العقول شكرا لك على هذه المقالة الرائعة نحن محتاجين لك ولألهك إله الرحمة والعلم والعرفة

اخر الافلام

.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah