الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله والملائكة والمصريون

محمد هشام فؤاد

2013 / 12 / 16
كتابات ساخرة


كان الصمت والهدوء يَعُم المكان؛ إذ أن الرب علي مقربة من القدوم إلي ساحة الملائكة، فقد علم أن هناك تذمر واحتجاجات وسط الملائكة، فقد صدر مرسوماً ربانياً أمس بنزول عددٍ أخرٍ من الملائكة إلي أرض مصر؛ ليتفقدوا أحوالها .. وأحوال أهلها .. ولكي يقفوا علي ما وصلت إليه حالة الفقر والجهل والبطالة وقهر النساء وتعذيب الأطفال في مصر .. فقد علم الرب أن حال هذه البلدة يرثي له، فما أن يتملك أمورها حاكم حتي يبدأ المصريون في السجود له، وتقديسه، كما فعل أهل أستراليا عندما نزل عليهم جيمس كوك ووضع يده في جيوبه فظنوا أنه يدخل يده في جسده ويخرجها دون آثارٍ لجروحٍ أو دماء فسجدوا له ومجدوه وقدسوه، مع أنهم لم يدركوا للحظةٍ واحدة أنه يضع يده داخل ملابسه –التي ربما لم يكونوا يعرفونها بعد – وأنه ما هو إلا بشرٌ مثلهم فقد أرسل الله ملائكة ليكونوا حُكاماً ولكنهم لم يعودوا فرُبما لم ينجحوا في مهماتهم التي نزلوا من أجلها.

فما أن يهبط الحاكم المَلَك علي أرض مصر، أو يتم اختيار غيره من بني البشر –قليلاً ما يختار المصريون حكامهم وولاة أمورهم؛ فجرت العادة علي أن يُملي الحُكام علي المصريين دون أدني إرادةٍ منهم، أليست هي حضارة النيل (الاستقرار) التي لا تثور ولا تتذمر علي حكامها!- حتي يَعُد عُدَتَه؛ رَغْبَةً في الإصلاح، وتقويم إعوجاج هذه البلدة وأهلها، ويبدأ في اختيار سدنته، وطغمته التي يعتقد انها ستكون ظله في كافة مديريات ومحافظات البلدة من جانب، ويري المصريين يتدفقون عليه من جانبٍ آخر معلنين فروض الطاعة .. مذعنين له الجباه .. ناكسي رؤوسهم .. وينعتونه بمولاي الامير .. سيدُنا وحاكمنا .. ولي أمرِنا .. مقومنا ومرشدنا إلي الصواب؛ إذ إنا لا نري إلا ما تراه، والصواب هو ما تفعله كل يوم منذ أن تطأ قدماك أرض المرحاض للاغتسال من آثار النوم حتي تَخْلُد إلي فراشِك، فيبدأ الحاكم المَلَك في الافتنان بنفسه؛ فلا يري إلا صورته كما رآها نرقسيس –تُنْسَب إليه النرجسية- منعكسة في النهر فيغرق فيه من كثرة افتتانه بها وبنفسه، ويبدأ هذه الحاكم في التحول إلي السادية، ويقوم بالتنكيل بكل من يعارضه، وبكل من لا يسمعه عبارات المدح والإطراء والثناء .. فتراه كالمازوخ يتلذذ بعذاب الآخرين من حوله .. فتري لذته في صرخات وأنين الأمهات الثكالي اللاتي تم الزج بأولادهن في المعتقلات والسجون، وهكذا فلا يري إلا كلمته، ومن لم يقدم له فروض الطاعة والولاء فهو مارقٌ وله أجندته التي يريد أن يطويها ويطبقها علي رقاب الحاكم لينهي أسطورته ومجده الشخصي.

فسمع الرب تمتمات وهمهمات الملائكة، فأخذ ينظر إلي هذا المشهد –بساحة الملائكة- فوجد الملائكة وقد انقسموا إلي فرقٍ، وقد مد كُلٌ أُذُنَيه ليسمع من الَملَك –الذي هبطت قدماه أرض مصر ليطلع علي أحوال أهلها حسب الامر الربانيّ- أسطورة المصريين، الذين يرون حُكامُهُم وولاة أمورهم كالديناصورات لا مثيل لهم، ويضعونهم في مرتبة الأنبياء والمرسلين .. ولكن أغرب ما سمعه –هؤلاء الملائكة- ما يدُل علي سذاجة عقول المصريين، فقد أقسم كثيرٌ من الملائكة بجلال الرب أنهم شاهدوا نزاعاً –مرات عدة- بين ممالك النمل والمصريين، فوجدوهم يتنازعون علي الجحور، والثقوب الموجودة في الحيطان، فما إن يعلموا أن الحاكم في جلسة منفردة واجتماع مع قياداته الأمنية الباطشة، حتي يذهب كلٌ منهم إلي أودية النمل والحوائط ليتشاجروا معهم؛ سعياً في الاختباء واللحاق بما يؤويهم من بطش وتنكيل الحكام.

فقد أنزل الله بكثيرين –حكامٌ ملائكة- ليصلحوا حال هذه البلدة، وليتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. فيري الرب الملاك منهم ما إن تطأ قدماه أرض هذه البلدة حتي تنقطع الاتصالات والصلات بينهم –بين الرب والحاكم المَلَك- فيتعجب الرب من هذا الأمر، ويقول: ألم يعدني المَلَك الحاكم بأن يطلعني عما رآه فور نزوله، وعما آلت إليه الاحوال في هذه البلدة! ألم أرسل معهم لائكة آخرون لكي يعودوا بما أخبرهم إياه المَلَك الحاكم! فقد اعتاد المَلَك في السماوات العُلي علي الاوامر الإلهية، وعلي التكليفات الربانية، فمعذورٌ هذا المَلَك الحكام الذي يسمع لأول مرة من يقول له: سيدي الحاكم، تاج رأسي، مدبر أحوال البلاد والعباد ... إلخ، وبالتالي فلابد وأن ينسي ما كُلِف به، والرسالة التي نزل من أجلها، إنه الكِبر الذي علمه إياه الفراعنة المصريون! إنه الكبر أول الذنوب وأول خطيئة ارتُكِبَت علي الأرض! فيقولون أن لكل إنسانٍ شيطانه فمن كان شيطان إبليسعندما عصي الرب ورفض السجود لآدم؟! إنها النفس البشرية، وكأن هذه النفس التي أوردت إبليس –ومن بعده كافة البشر- مرارة العيش والخضوع للاختبارات الإلهية في الأرض قد تجزأت وقُسِمت علي المصريين ليأتي عليهم الحاكم ويسقونه من هذا السائل اللعين .. سائل الكبر والعُلُو.

قد فكر الرب كثيراً في الأمر المُحَيِر لهذا البلد –مصر- ورأي أنه لا مناصَ للخروج من أزمتها إلا بإطباق السماء علي رؤوس أهلها، ولا سبيل لإدراك أمور هذا البلد إلا بخسف الأرض من تحت أقدام أهله؛ حتي يتفرغ الإله لأمور بقية العباد من ناحية، ودرءاً للفتنة بين الملائكة من ناحية أخري ولكن هناك ما يحول دون إتمام ذلك؛ فتري الملائكة المجاورين للرب يطلبون منه دوماً إعطاءهم –المصريين- الفرصة تلو الاخري، لعلهم يتعملون من أخطائهم التي تأتي عليهم بوبال الإذلال والتعذيب والتنكيل من جانب الحُكام المتحولين؛ ولكنهم ملائكة مجبولون دوماً علي السمع والطاعة، فآذانهم لاتسمع إلا الأموامر الإلهية؛ ولذلك تجدهم دوماً ينصرفون عن صخب الملائكة في الساحة الذين يتبادلون دوماً أطراف الحديث عن أسطورة المصريين، ومغامراتهم مع وادي النمل؛ أي أنهم لا يعلمون شيئاً كما تعلم بقية الملائكة عن شأن هذه البلدة وأهلها، كما أن الولاة والحكام –الذين أنزلهم الله علي رؤوس المصريين في آخر الزمان لتقويمهم- لا يمكن اختيارهم من الملائكة المجاورين للرب، كما لا يُسمَح لملائكة الساحة الاختلاط بهم حتي لا يفسدوا عليهم خلوتهم مع الرب، حتي يتفرغوا لخدمته وتنفيذ أوامره، فلو كان اختيار الحكام من بينهم، لو علِم أحدهم من شأن هذه البلدة لكانوا هم أول من يدعو الإله ليسلط الطبيعة عليهم!
وقد وصلت لنهاية السطور، ولا زالَ الربُ يفكر في أمرِ هذه البلدة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملايكة نُص كُم بمصر أيضاً
هانى شاكر ( 2014 / 1 / 12 - 04:48 )

ملايكة نُص كُم بمصر أيضاً
________________

نسيت أن تُخبرنا عن نوع رابع أو خامس من ألملائكة ... دول بقى ياسيدى ألملايكة أل ( نُص كُم ) ... يجروا ورا ألمصريين إلى جحور ألنمل ... و بعد ما تنام ألعيال و ألنمل ... يتنصتوا عالنسوان ... وإللى تعاكس جوزها ... يلعنوها حتى ألصباح !

...

اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد