الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أنتم حتّى تتطاولوا على العفيف الأخضر؟

ناصر بن رجب

2013 / 12 / 18
حقوق الانسان


من أنتم، ثكلتكم أمّهاتكم، حتّى تتطاولوا على قامة مُفكر حرّ بقامة العفيف الأخضر؟
من أنتم، ويحكم، حتّى تُدنّسوا ذكراه بمثل هذا الإفتراء الرخيص؟
من أنتم، من تكونوا، حتّى تسمحوا لأنفسكم أن تلوّثوا شرف العفيف وتحشروا اسمه، تعسُّفا وزورا وتنكيلا، في كرّاسكم الأسود؟
لقد تُوُفّي العفيف، فلا قرّت أعين الجبناء.

لم يكن في نيّتي إطلاقا أن أكتب عن الفقيد العفيف الأخضر، على الأقل قبل مرور عدّة أشهر على رحيله. ولكنّ صدور الكتاب الأسود الذي حبّره المنصف المرزوقي وسَفَرَته دفعني لكتابة هذا الردّ القصير في انتظار العودة مجدّدا لسيرة العفيف الأخضر بالخصوص في السنوات الأخيرة.
بالفعل، لقد تعرّفت على الأستاذ الكبير العفيف في أواسط السبعينات عندما قدم إلى باريس ثم باعدت بيننا ظروف المعيشة شيئا فشيئا وبقينا نلتقي عن طريق الصدف ولكنّني طبعا كنت باستمرار أتابع مقالاته عبر الصحف المكتوبة أو الإلكترونية. الى أن قارب بيننا صديق مشترك، حبيب هنانة، وهو الشخص الذي ظلّ باستمرار على اتصّال مع العفيف إلى ساعة رحيله الأخيرة.
لقد عايشت الأستاذ العفيف الأخضر طيلة العشر سنوات الأخيرة من حياته. كنت أتردّد عليه باستمرار على الأقلّ مرّة أو مرّتين في الأسبوع. وكان لنا مشروع للتعاون على ترجمة نصوص من الفرنسيّة تهمّ الإسلام بالخصوص. ولذلك بإمكاني، ولو باختصار شديد، أن أردّ على الافتراءات الخسيسة التي دسّها محرّرو "الكتاب الأسود" بخصوص العفيف.
لقد خصّص سَفَرَة المرزوقي في كتابهم فقرة قصيرة للعفيف. قصيرة ولكنّها مُفعمة بالحقد والكراهيّة والتّملق لشخص الغنوشي وحركته وإعلاء لشأنه وإظهار العفيف بمظهر المتطاول على شيخ السلفيّين.
وحتّى يتعرّف القرّاء على مدى "تورّط" العفيف مع النظام التونسي السابق و "ضلوعه" الضلوع التّام في منظومة الفساد التي وضع أسسها الدكتاتور بن علي، فإنّني أورد هنا كامل النّص الذي اختلقه كَتَبَة المرزوقي:

"عفيف لخضر (كاتب تونسي مُقيم بفرنسا)
- سنة 2002 أصبحت صحيفة "الحياة" السعودية ترفض نشر مقالاته تنفيذا لقرار من الأمير "خالد بن سلطان" وذلك على خلفيّة انتقاده لعقوبة الرّجم في برنامج بُثّ على قناة "الجزيرة".
- توجّه بمكتوب إلى ATCE طالبا مساعدته معلّلا كون قرار منعه من نشر مقالاته بالجريدة المذكورة كان بإيعز من رجال دين سعوديّين حرّضهم الشيخ "راشد الغنوشي" لشنّ حملة ضدّه، وتعاطف معه الرئيس "بن علي" الذي أمر ATCE بالتّحرك لمساعدة "عفيف لخضر".
- أُتّهم سنة 2004 بإصدار كتاب تحت اسم مستعار (الدكتور المقريزي) رأى فيه الإسلاميون مهاجمة للرّسول صلى الله عليه وسلم وأصدروا فتاوى بِرٍدَّته نُشرت على موقع "النهضة" في ماي 2005، أوعزها "عفيف لخضر" إلى "راشد الغنوشي" الذي انتقده عديد المرّات في مواقع "إيلاف" و "الشفاف" متّهما إياه بالتّحريض على قتله من خلال فتاويه ووجّه بالمناسبة نداءات إلى المثقفين والمجتمع المدني لمساعدته على مقاضاة الحركة ورئيسها أمام القضاء البريطاني مُتبرِّئا من كتابة كتاب "المجهول في حياة الرسول" واصفا "راشد الغنوشي" بــ "الإرهابي" وبـــ "سفّاك الدّماء".
- وتُفيد المعلومات المتوفّرة (وثائق غير رسميّة) أنّ الرئيس ساعده بعد مرضه الحركي الذي تلى هذه الحادثة وذلك بتسخير من يساعده على كتابة مقالاته". (انتهى)
قبل الردّ على الجزء الأوّل من هذه الافتراءات التي تتطلّب وقتا أطول، دعني أُجيب على الجزء الثاني منها.

بخصوص الفقرة الأخير المتعلّقة بــ "المعلومات المتوفرة" والتي يعترف كاتبوها أنّها لا تستند إلى وثائق رسميّة، دون أن يذكروا طبيعتها بالتحديد، أعتقد أنها تشير إلى حادثة كنت فيها شاهد عيان. لقد كنت عند العفيف يوما من الأيام، كان ذلك خلال سنة 2010 على ما أعتقد، لمّا قدّم لي من تلقاء نفسه نصّ فاكس أرسله له عبد الوهاب عبد الله، مستشار الرئيس بن علي في تلك الفترة. وفي هذا الفاكس يعرض قصر قرطاج تقديم المعونة للعفيف. فطلب منّي العفيف تحرير ردّ قصير فحواه أنّه يشكر السيد عبد الوهاب عبد الله على مبادرته ولكنّه ليس في حاجة لأيّ مساعدة مادّية، وختم الفاكس بما معناه: "لي طلب وحيد، إذا اشتدّ بي المرض وأصبحت عاجزا على تأمين الحاجيات الضرورية اليوميّة بنفسي، ساعتها أعينوني على الرجوع إلى بلدي تونس". وهنا أتحدّى سَفَرة المرزوقي أن يكشفوا عن هذا الفاكس وينشروه لكي يطّلع عليه القاصي والداني ويعرف الجميع أنّ العفيف لم يتملّق يوما أحدا.
لم تكن احتياجات العفيف اليوميّة تتطلّب إمكانيات كبيرة. فقد كان الرجل يعيش، إلا وقت النوم، في مطبخ صغير لا تتجاوز مساحته ثلاثة أمتار مربّع بين ركام من الكتب والمجلات وقصاصات الجرائد. كان يقرأ طيلة اليوم ويشرب قليلا من الشاي ويأكل بعض الخضر المطبوخة في الماء فقط وبعض الجرعات من زيت الزيتون.
العفيف لم تكن له سيّارة، كان يتنقّل في قطارات المترو الباريسي، يذهب مرّة في الأسبوع إلى وسط باريس لشراء الجرائد العربيّة التي لا تتوفّر في مكان سكناه الكائن بحيّ فقير جدّا من أحياء الضواحي الباريسيّة الذي تقطنه غالبية مُهمّشة من الأفارقة والعرب والأتراك والهنود. العفيف لم يكن له هاتف نقّال، أداة اتّصالاته الوحيدة هاتف قديم قارّ به مكبّر صوت لكي يتسنّى له سماع مخاطبه دون اللجوء إلى رفع السمّاعة بسبب صعوبة تحريك يده اليمنى. العفيف لم يكن يُدخّن، ولم يكن يتردّد على المطاعم، لم تكن له غسّالة ثياب ولا غسّالة أواني الأكل. كلّ ما عنده كتب، ومجلاّت، وصحف يوميّة وأسبوعيّة بالعربيّة والفرنسيّة. كان عنده كمبيوتر لا يعرف حتّى كيف يستعمله. العفيف لم يكن عنده تلفاز، فقط مذياع قديم يسمع من خلاله الأخبار من إذاعة الشرق في باريس. يفتحه وقت الأخبار لدقائق ثم يغلقه. العفيف لم يكن له صالون يستقبل فيه زائريه. كان يستقبل في مطبخه حتّى أن أحد زائريه، وهو أستاذ فلسفة في إحدى الجامعات الإيطالية، استغرب من الأمر وعاتب العفيف معتبرا أنّ وضعه المعيشي لا يليق بأستاذ كبير مثله.

كيف يمكن لعاقل أن يصدّق أن شخصا يعيش عيشة التقشّف والبساطة كهذه، مثلما كان يعيش العفيف، كان بحاجة لمدّ يده يستجدي المساعدة من كائن أيّا كان ناهيك من طرف نظام لا يتقاسم معه إلاّ كره الإسلاميّين الغُلاة أصحاب المشروع الظلامي.
نعم، وهذا معروف ومشهور عنه، كان العفيف يعتبر مشروع حركة النهضة وصاحبها الغنوشي هو مشروع انتكاسي، رجعي، ظلامي. وكان يعتبر صاحب النهضة راشد الغنوشي "خفّاش تونس" يترصّد في الظلام فرصة سانحة للإنقضاض على تونس والتونسيّين وفسخ كلّ المكتسبات، ولو كانت محدودة وضئيلة، التي حقّقها النظام البورقيبي فيما يتعلّق بالتعليم، وإعطاء بعض الحقوق للمرأة، إلخ... كم من مرّة تعالت صيحات التونسيّات والتونسيّين وتعالت أصواتهم ألما وفزعا على مدار هذين العامين من اندلاع الثورة في تونس، كم من مرّة دوّت حناجرهم، كلّما سقط شهيد في تونس، وقد صاروا اليوم كثرا، من سياسيّين، وجنود، ورجال أمن، هاتفة: "يا غنّوشي يا سفّاح، يا قتّال الأرواح". هل كلّ هؤلاء كانوا يتعاملون مع النظام البائد؟ أم هم متآمرون على النهضة، وزعيم النهضة؟ كيف نُصنّفهم؟ أم هل نضع كلّ الشعب التونسي بين دفّتي كتاب المرزوقي الأسود؟

ولكن قصة العفيف مع فتوى الغنوشي بقتله طويلة. ومن كان يسدّد أجر من كان يساعد العفيف على نسخ مقالاته أطول.
لنا عودة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيةالى الفكر النبيل للعفيفي الاخضــــر
كنعان شـــــــــماس ( 2013 / 12 / 18 - 13:05 )
وتحية يا استاذ ناصر بن رجب وســــــحقا لمن يحاول اغتيال ذكر ى هذا البيرق التونســي العالي ذكرى العفيف الاخضر وســـيرته العفيفة وفكره الانساني النبيل الذي سيخضر حتما رغم انف شياطين كل العصور . ان قامة العفيف الاخضـــر تعلو رمحــا فوق قامات جميع منتقديــة . تحية الى روح هذا المفكر الانساني النبيل العفيف الاخضـــــر


2 - تحية لوفاءك
سيمون خوري ( 2013 / 12 / 18 - 15:55 )
أخي ناصر بن رجب المحترم تحية لك وأشكرك على وفاءك لذكرى صديقي الكبير العفيف الأخضر . الذي أعرفة جيداً وأعرف مدى نزاهته وإخلاصه لأفكاره. . خلال فترة وجودة في بيروت والأردن. تحية لك وشكراً


3 - مقالات العفيف الأخضر تدل على كفره
عبد الله اغونان ( 2014 / 8 / 2 - 20:13 )

وهي في هذا الموقع وفيها مايكفي

فراجعوها

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب