الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنها الحياة .. أو هو الموت ..؟ قصة قصيرة

أماني فؤاد

2013 / 12 / 26
الادب والفن


كأنها الحياة.. أو هو الموت ..؟
د. أماني فؤاد

فقط جرعة ماء ، وأن أرى وجه الصغير ، لا أعرف لماذا انحصرت آمالي كلها في هذين المطلبين ، وأنا في غرفة العناية المركزة ؟
كانت أسناني تصطك من البرد ، وترتعش الساعات المتبقية من حولي ، ورءوس كثيرة مدلاه بنهاية الأنابيب ، الأنابيب الشفافة التي فشلتُ في إحصائها مرارا ، كانت هي فقط ما يربطني بالحياة . لا وأشياء أخري ..
بعض الطيور لا يمكن أن تنتمي إلي القفص ، ريشها أزهى من أن تحوطه الجدران ، سحقا لكل هذه الأجهزة وما يتدلى منها ، طالما رجوتهم نهاية هادئة بلا تعلق بأمل .
مبعثرة كل هذه الآمال التي حلمت بها ، مصلوبة كل الجماجم التي علي أطراف تلك الأسلاك والخراطيم : هذا "رأس الرضا بالأقدار" الذي لم أصالحه كثيرا بداخلي ، اعتقدت أن بإمكاننا أن نأخذ عربة الحياة حيث نريد ، الأن لمحته ينظر لي مستهزءا ، علمني البحر الثائر وأنا صغيرة ــ حين كنت أراقبه ــ أن للقوارب أشرعه .. وأننا قد نختار بعض الطرق ..
"كفوا عن هدر الوقت ، لم أطلب سوى رؤية وجه الصغير" ، رجوتهم بعيني ، يمكنني الأن أن أرحل عن عالمكم دون إذن من أحد ، للمرة الأولي بإمكاني أن أقفز خارج الكيان .. دون أن أستطلع أراءهم .
ترى هل لي يد بالفعل في تحديد النهاية ؟ يبدو أنني بدأت الهذيان.. لماذا نُحرم من أن نقلص من مساحات ما يعذبنا ، لماذا لا نملك النهايات ؟
سحقا لهذا الأنبوب الذي يرسل ما احتاجه من أوكسجين ، يضغط علي أنفي ، أشعر بطعم دماء في حلقي ، ونفق أسود أسقط فيه ، أتهاوى في اللانهاية ، مدلى في آخره "وجه الرجل" الذي أحببته يوما ، مصلوب هو الأخر بكل قسوته ولا إنسانيته ، يدعي نبلا في ذاته الضيقة ، ينشد سلاما .. لن يناله ، تظلم ملامحه لحظة بعد أخرى ، يشيح بوجهه في صمت كعادته ، طالما أراد أن يتلق الحب لا أن يهبه ، يتكاسل أن يعطي ، أو هو بالأحري لا يكترث ، ينزوي الحب مع تلال التراخي المتتابعة ، مع تلال الأنانية .
لماذا لا يصفعنا الموت دفعة واحدة كما تصفعنا الحياة ؟ لماذا يأتي متثاقلا ..؟
دبيب آخر يسري فيّ ، ينبعث كومضة هادئة ، كمد يثب دون صوت ، كوجه نور حيي يتطلع من وراء جدار .
في دائرة بيضاء بداخلي "وجه أبي" ، أحادثه لماذا ؟ لمّ لا تنهي الأمر سريعا أيها الرأس الجميل ، لم أعد أحتمل كل هذه الآلام ؟ أنطق له بالرجاء .
قبّل جبيني بسخاء ومضي يردد : ما زلتِ لم تنجز ما وعدتني ، المسافة للوصول أقصر مما تتخيلين ..
"جرعة ماء" رجوت الممرضة ولم تستجب ، أشعر أن حلقي كصحراء حارقة ، وأن كل تلك السموات التي مرقت بها الطائرات لم تُذهب آلامي ، لا شيء يبقى بجوفي ، تأبى معدتي البقاء في هذا العالم كما تأبى عظامي .
كأنني كنت ألمع حذاء الزمن بكل هذا الدأب ، مثلي يحتاج أن يحيا في عالم بلا ذاكرة ، هو الموت الطريق الذي يرسم ذاته بلا هوادة ، أخشي عندما أرحل فيه أن أجد به ذاكرة ، أين الفرار إذن ؟
هي رائحة الموت ، أعرفها منذ أن جفت شجرة الورد تحت نافذتي ، وانكسر البحر ، وبدأت الكلمات تعلن انسحابها من عقلي ، منذ أن حلقت التعاسة في تجويف صدري ، وأبت أن تخرج ، كانت تصب عصيرها المصفى المر في جسدي إلي أن ثقبته .
أمس علي تلك المرتبة المتحركة ذات الكور العديدة التي وضعوني فوقها تعري ظهري ، وشعرت كأن إبرا حادة تغتال جسدي دفعة واحدة ، وإذ بي أجد يدا ليست بيد تضم ردائي ، وتجمع شعري الذي تناثر ، وتفتح عينيي لأرى وجها لا أميز ملامحه ..كأنه طيف أو ضوء يسيل بلا ملمس ..
أنا علي يقين من هذا ، فلقد رفعت يدي لأتحسسه فلم أجد شيئا ، لكني وجدت بقايا ضوء سكن بأظافري .
حين ارتخت أهدابي التي تثاقلت ، رأيت "عين الصغير" مدلاة تسألني لماذا تغادرين ؟
لا أملك من أجله جوابا ، فقط "رأس القدر" المعلقة بإحدى الأنابيب الشفافة تنظر إلي بخيلاء.
حين ضغط الطبيب فوق شرايين يدي آلمني فانتبهت ..، سألني من كنت تحادثين ؟ فقط رفعت عيني ونظرت إلي أصابعه الغليظة .. ولم أجبه .
كأنه لم ير رأسك أيها القدر ؟
من أنت .. ؟
أشعر بدفء غريب ، كأن هناك ذراعين بلا ذراعين يدفعان بحرارة إلي أكتافي التي تداعت من الألم .
لا أدري كأنها الحياة .. أو هو الموت ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا