الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حسين أشرف

أمينة النقاش

2014 / 1 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم يكن يخطر فى بالي حين تلقيت قبل أسابيع قليلة مكالمة هاتفية من لندن، كان طرفها الثاني «حسين أشرف» إنها المرة الأخيرة التي أسمع فيها صوته، ليس رغبة مني فى ذلك، بل امتثالا لمشيئة قدر قاس عودنا علي المفاجآت غير السارة. تكلم حسين من داخل المستشفي التي يعالج به بينما كنت أقود سيارتي فى الصباح متجهة إلي عملي، وصوت محمد عبد الوهاب يصدح من الراديو بواحدة من أجمل القصائد التي كتبها الشاعر «كامل الشناوي»، كان وهما وأماني وحلما.. كان طيفا.. وصحا النائم يوما فرأي النور فأغفي.. كلما استيقظ نام، وارتمي بين الظلام.

كانت الساعة تشير إلي العاشرة فى القاهرة، بينما هي فى لندن الثامنة صباحا، سألني حسين هل أنت فى اجتماع وما هذه الأصوات التي حولك؟ رفعت صوت الراديو وقلت له هذا صوت محمد عبد الوهاب يغني هل تسمع:

لا تسلني أين كنا؟ أين أصبحنا؟ وكيف؟ لا تسلني ما الذي وحدنا قلبا وصفا؟

قال حسين : الله.. كأنه يتكلم عنا الآن.

سألت ما هي أحوالك الصحية. أجاب بتفاؤله الدائم : زي الفل.

سألت متي أراك. رد ستريني بأسرع مما تتصورين، خلي بالك من نفسك وسلمي علي «أبو الصلح»!

لم أكن أعلم أن المسافة الزمنية بين وعد حسين، وبين تنفيذه لهذا الوعد كانت اقصر من كل التوقعات. فارق حسين دون سابق إنذار الحياة، والتقيت به فى جنازته. كدت أقول له فى الجنازة لم نتفق علي ذلك يا حسين، لقد اتفقنا علي الحياة، وليس الفراق والغياب.

حسين أشرف هذا اليساري المدهش الذي لا تفارق قسمات وجهه الابتسامة ويمتلئ قلبه ببراءة الأطفال، ويتسع للألفة مع كل البشر، لا يحتفظ بمشاعر سلبية تجاه أحد، ويحفل بميل فطري للتفاؤل يبعده بمحض اختياره عن المواجهات العبثية التي لا تفضي إلا إلي البغض، ليس قرين الموت والغياب بل هوالحياة بكل بهجتها وعنفوانها.

عندما أذكر حسين أشرف تتدافع إلي ذهني كلمات الخلق الرفيع وقوة الروح وصفاء النفس والاعتزاز بها دون غطرسة، وقدرته الساحرة علي التعامل مع الناس علي اختلاف أوضاعهم وطباعهم بالرحمة والتواضع والتسامح ورجاحة العقل والمحبة دائما.

لم تكن تراوده مطامع سياسية، بل أحلام سياسية بالعدل والحرية والمساواة.

تألم حسين طويلا لأنه لم يستطع أن يحمل زملاءه علي تجنيب الاختلافات والاحقاد وإعلاء مصلحة الحزب والوطن، ولأن الاشياء التي كان يحبها، كانت فى معظم الأحيان لا تحب بعضها!

كان العام يقترب من الانتهاء فى جنازته، لكنه يبدو أنه يأبي علي فعل ذلك دون أن يصبنا بالحسرة.

في طريق عودتي من الجنازة تساءلت لماذا اختار حسين ألا يخلف وعده ويرحل الآن فجأة ودون وداع، وأدرت مؤشر الراديو.. فإذا بصوت عبدالوهاب يواصل الغناء.

عرف الشعب طريقه، وحد الشعب بلاده، وإذا الحلم حقيقة والأماني إرادة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على