الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منتدى الأتاسي طليقاَ

حازم نهار

2005 / 6 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


د. حازم نهار

أكاد لا أذكر قضية سياسية حظيت باهتمام الرأي العام السوري ، خلال العقدين المنصرمين على الأقل ، كقضية منتدى الأتاسي واعتقال أعضاء مجلس إدارته ، و من ثم الإفراج عنهم.
أسباب ذلك معروفة ، إذ اجتمعت في لحظة الاعتقال مجموعة من العوامل ، داخلية وخارجية ، فاهتمام الخارج والإعلام بهذه القضية دفع الرأي العام السوري للتساؤل حول المنتدى ، حتى سمع به من لم يسمع من قبل ، ودفع جزئياَ بعض الناشطين والسياسيين لإبداء رد فعل سريع إزاء الاعتقال لأول مرة .
هناك أربعة أسباب للإفراج عن إدارة المنتدى ، أولها و أبعدها أثرا المناخ التضامني الواسع في الخارج على مستوى الدول والمنظمات المدنية والحقوقية والصحفية العربية والعالمية ، وثانيها الاعتصامات السلمية السريعة داخل و خارج سوريا، ربما بسبب ازدياد الوعي بمركزية قضية الحريات في سوريا، وثالثها الحكمة التي تعاملت بها إدارة المنتدى داخل السجن وحسابها السياسي الدقيق للخسائر والأرباح ، و رابعها الانتصار النسبي للصوت العاقل داخل النظام الحاكم .
أسباب الاعتقال أيضاَ أصبحت معروفة ، إذ جاءت على خلفية الندوة التي نظمها مجلس إدارة المنتدى في السابع من أيار الماضي تحت عنوان " الإصلاح في سوريا "، ودعا إليها عدداَ من القوى السياسية المعارضة والهيئات المدنية والحقوقية الناشطة .
الندوة كانت جديدة بكل المقاييس من حيث الشكل والمضمون ، ونوعية من حيث المشاركات ، وجريئة بسبب الأطراف المشاركة ، إذ قرئت فيها كلمة للسيد علي صدر الدين البيانوني ، المراقب العام للإخوان المسلمين ، وهو " الحزب المحظور " في سوريا ، بناءَ على القانون 49 الذي يبيح إعدام كل المنتمين لهذه الجماعة .
مشاركة "الإخوان المسلمين" يبدو أنها استفزت السلطات الأمنية ، ودفعتها للقيام باعتقال أعضاء مجلس إدارة المنتدى في توقيت واحد ، في طريقة أقرب ما تكون إلى عملية " كوماندوس " محكمة التخطيط ، للتأكيد ربما على " هيبة الدولة " التي يحرص عليها المسؤولون .
ظرف الاعتقال كان نظيفاَ ، إذ لا تعذيب حصل ، ولا إهانة وجهت لأي من أعضاء المجلس ، وهذا مغاير لما شهدته سوريا في لحظات أخرى ، وإن كنا نعتقد أن هذا النمط من التعامل خاص ببعض الشخصيات ، ولا يطبق بشكل عام ، لكن على العموم يبقى الاعتقال السياسي بجميع أشكاله خارجاَ عن كل مبادئ حقوق الإنسان والمواطن ، بما فيه من حجز للحرية وما يتضمنه من تفاصيل سيئة تتعلق بمكان الاعتقال والحياة اليومية داخل السجن .
بعد التحقيق في اليوم الأول ، يمكن القول تجاوزاَ أن " حواراَ " قد حصل ما بين مجلس الإدارة والجهة الأمنية ، ورغم كل عيوبه -كونه جاء مع جهة أمنية ( لكن في سوريا لا يمكن إجراء فصل دقيق ما بين الجانبين الأمني والسياسي ) ، وكونه جاء في ظل اعتقال مجلس الإدارة - إلا أنه كان حواراَ مفيداَ ، على الأقل من حيث معرفة الطرفين لبعضهما عن كثب .
فإذا كانت الجهات الأمنية قد تعرفت جيداَ على المنتدى وتوجهاته، أصبح ضرورياَ إعادة تعريف الرأي العام و الجهات المختلفة بمنتدى الأتاسي، خاصة بعد الصخب الإعلامي الذي رافق الاعتقال.
منتدى الأتاسي هو المنبر الوحيد الباقي للمعارضة الوطنية الديمقراطية في سوريا بعد اعتقالات ربيع دمشق 2001 ، وهو منبر للبوح بالهواجس والمخاوف والآمال والطموحات و للتفكير بصوت عال ، وساحة للحوار بين مختلف الرؤى والتصورات ، وهذا لا يتناقض مع حمله لصفة المعارضة بعموميتها ، خاصة أنه ما يزال المكان الوحيد الذي يمكن لطيف المعارضة التحاور فيما بينه ومع الآخرين . و قد جاء اختيار اسم "جمال الأتاسي" لهذا المنتدى ليس بسبب كونه أميناَ عاماَ للاتحاد الاشتراكي ، ولا لكونه أميناَ عاماَ للتجمع الوطني الديمقراطي ، ولا لكونه كاتبا متميزاَ ، فهناك كثيرون لهم رصيد أوسع وأعمق في هذا المضمار ، بل لأنه شخصية وطنية عامة بالدرجة الأولى .
لقد تهيأت ظروف وأسباب عديدة لاستمرار المنتدى، أولها الموافقة الضمنية من قبل السلطة على استمراره ، ولعل أسباب ذلك تكمن في رغبة السلطة بمعرفة الطيف المعارض في سوريا بتوجهاته وشخوصه ، أو من أجل معرفة ما يمكن استقطابه باتجاهها ، أو لأمور تخص الدعاية تجاه الخارج . حتى هذه الموافقة ما كانت لتتم لولا إدراك السلطة لضعف المعارضة على جميع المستويات ، ولولا قناعتها بقدرتها على ضبط الأمور وتحويل المنتدى إلى جزيرة معزولة في المجتمع السوري ، بحكم احتكارها للإعلام و إدراكها لإرث الخوف المزروع في المجتمع ، الأمر الذي يمنع توسعه . و ثانيها الدور الذاتي الإيجابي لأعضاء مجلس الإدارة الأول ( المؤسسون ) ، والثاني على حد سواء ، إذ لولا حسن إدارتهم وطروحاتهم المتوازنة والمتناغمة مع تطورات الوضع السوري ، لكان لحق بمنتدى الأتاسي ما لحق بنظرائه . و ثالثها هو وقوف التجمع الوطني الديمقراطي بشكل أساسي كداعم حقيقي لنشاطات المنتدى من حيث رواده على أقل تقدير ، ولا حرج في تقبل هذه الحقيقة ، فالمنتدى أكد استقلاليته على الدوام ، ووجد نفسه معنياَ بضرورة تثبيت آلية مختلفة عن السلطة في الممارسة السياسية التي تسعى لإلحاق كل مؤسسات المجتمع بها .
الوظيفة الأساسية للمنتدى هي الحوار الديمقراطي ونشر القيم الديمقراطية، وليس نشر إيديولوجيا معينة أو تصورات محددة. المنتدى بدون إيديولوجيا، ولو كان كذلك لفقد وظيفته. المنتدى ساحة للحوار السياسي الفكري بين جميع الرؤى والتصورات السائدة في مجتمعنا من جهة ، وبين جميع مكوناته من جهة ثانية ، و لا يتبنى مواقف سياسية إلا بالمعنى السياسي العام أي التوجه الوطني الديمقراطي، و يقف على مسافة واحدة من جميع القوى و الأحزاب السياسية ، الأمر الذي يعني أن أعضاء الهيئة العامة البالغ عددهم 35 عضواَ موجودون بصفاتهم الشخصية و حسب ، و ليسوا ممثلين لجهات معينة ، وذلك حرصاَ من المنتدى على عدم تحوله إلى ساحة للكسب والتنافس بين الأحزاب السياسية ، الأمر الذي يضر بالأحزاب والمنتدى على حد سواء .
على صعيد الممارسة تحول المنتدى بعد الانطلاقة الأولى إلى جزيرة معزولة عن التفاعل مع المجتمع بفعل عوامل عديدة ، الأساسي فيها محاصرة السلطة ، وتحولت نشاطاته إلى شكل رتيب تتقلص حيويته مع مرور الزمن ، وحافظ على رواده ذاتهم خلال الأربع سنوات ، هذا إذا لم نقل أن قسماَ لا بأس به قد انقطع عن المنتدى وانفض عن نشاطاته ، والأهم أن المنتدى لم يغير شيئاَ من أفكار رواده ، وهو ما يعني أن الحوار الدائر في المنتدى لم يكن منتجاَ من الناحية النوعية ، كما أن المحاضرات والنشاطات التي أثارت جدالاَ حقيقياَ أو تناولت إشكالات ذات أهمية ، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة ، وفي المحصلة كانت نشاطات المنتدى استمراراَ لإعادة إنتاج عاهاتنا ذاتها ، وليس كما يؤمل منه ، أي إنتاج الأفكار والتصورات.
عانى المنتدى خلال مسيرته من إشكالات ذاتية أيضا، إذ ثمة تيار داخل الهيئة العامة للمنتدى يضع سقفاَ أخفض مما تسمح به السلطة ، وثمة تيار آخر يرى فيه ملكية خاصة ، إما فردية أو حزبية ، ولذلك يضع شروطاَ ضمنية مسبقة على الحوار والشخصيات والمواضيع المطروحة فيه ، و هذا كله وضع حدودا لتطور المنتدى.
هذه الحقائق كانت واضحة أمام مجلس الإدارة الحالي ، وهي ما دفعته إلى محاولة تجديد حيوية المنتدى ، خاصة في ظل الحقيقة الأخرى التي تقول أن السلطة تستفيد من وجود المنتدى و من الهامش الضيق الذي سمحت به للمجتمع ككل أكثر مما يستفيد الطيف المعارض، فلماذا لا يستثمر المنتدى بشكل أكبر من قبل هذا الطيف ؟. و اليوم إذا كان المجلس قد خطا خطوة نحو الأمام ، فليس كما يقال أنه تجاوز وظائفه ، بقدر ما إن تقصير الأحزاب السياسية غالباَ ما يدفع الجمعيات المدنية لحمل بعض مسؤوليات وواجبات الأحزاب .
ظهر تغيير جزئي في الأداء خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من خلال مقاربة القضايا الساخنة ، كالعلاقات السورية اللبنانية التي تردد الكثيرون في تناولها في السابق ، والندوة الأخيرة " الإصلاح في سوريا " التي شاركت فيها 15 جهة سياسية وحقوقية ومدنية ، من بينها "الإخوان المسلمين" وحزب البعث الحاكم . لذلك كان إنجاز المنتدى خلال الشهور الأخيرة أبعد أثراَ من كل تاريخه السابق ، خاصة إذا ما أضيف إليها السمعة الواسعة التي اكتسبها المنتدى بعد تجربة الاعتقال . الدوافع التي حدت بمجلس الإدارة لقبول الاستماع لطرح رؤية الإخوان جاء على خلفية قناعة المجلس بضرورة الاستماع إلى جميع وجهات النظر ، واستجابة للإشارات المطمئنة التي ملأت الجو العام ، إضافة للمخاطر التي تحيق بالبلد في هذه الفترة ، الداخلية منها والخارجية، لكن عندما أراد مجلس الإدارة السير في هذا الاتجاه لم يكن لديه رغبة في مناطحة أحد أو الإقلال من "هيبة" الدولة ، بل إن شعوره بحاجة البلد إلى فتح الحوار بين جميع التيارات كان الدافع الرئيسي.
بعد هذا العرض الموجز للمنتدى ووظائفه ، أين هي الاتهامات الموجهة من قبل الجهات الأمنية لمجلس الإدارة ؟
التهم التي وجهت لأعضاء المجلس عديدة ومتنوعة ، وغير ثابتة ، فمرة يتم التركيز على تهمة " نشر الأخبار الكاذبة " ، بما يعني أن كلمة البيانوني كانت ملفقة من قبل مجلس الإدارة ولا أصل لها ، ومرة أخرى يقال أن مجلس الإدارة قد فتح قناة أو صلة من نوع ما مع الأخوان المسلمين ، أي إقامة علاقة أو تعامل ما مع "حزب محظور" ، ومرة ثالثة أن المنتدى جعل من نفسه منبراَ للإخوان المسلمين وقام بالترويج لأفكارهم ، و بالتالي قام بخرق القوانين السارية المفعول ، فضلاَ عن التلميحات المعترضة على فتح الباب للقوى الكردية للمشاركة في أطر المعارضة الوطنية الديمقراطية ، فالتقارب بين القوى الكردية و العربية يبدو أيضا وكأنه يشكل مصدر قلق للنظام .
جميع هذه "التهم" لا أساس لها من الصحة، وتشير إلى أن هناك عدم فهم واضح لدور المنتدى ووظائفه، بل ومحاسبته على أنه حزب سياسي. لا يوجد أي مبرر قانوني حقيقي للاعتقال ، إذ لا وجود لأي إثم مرتكب ، فضلاَ عن أن التعبير عن الرأي مصون في القانون السوري والدستور ، كذلك فإن نقل وجهة نظر أخرى حتى لو كانت معارضة للسلطة لا يعتبر جرماَ ، والدفع خطوة إلى الأمام في طريق الحوار الوطني بين التيارات السياسية أمر يستوجب الترحيب وليس الترهيب .
من جانب آخر يمكن القول أنه في ظل استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية وفي ظل عدم وجود قانون للأحزاب السياسية في سوريا، لا يمكن الاعتداد بالحجة القانونية المستندة إلى القانون 49 ، فهذه القوانين هي بنت السلطة ، وليست بنت الدولة ، أي دولة الكل الاجتماعي ، فبقية الأحزاب المشاركة لا هي محظورة ولا هي مسموحة .
أما تهمة "خرق القانون" فهي مخدوشة، إذ إن المنتدى من دون ترخيص أصلا، ولا زال يقام في منزل المرحوم جمال الأتاسي، و لكن لتأكيد حسن نية المنتدى التزم مجلس الإدارة بالعمل تحت سقف القانون السوري ، وهذا الالتزام يعني عدم تحويل المنتدى إلى منبر لحزب الإخوان المسلمين ، لكنه يعني ضمناَ ، وانسجاماَ مع وظيفة المنتدى وتوجهاته ، بعدم تحويله منبراَ لأي حزب سياسي .
المنتدى ملتزم بالعمل تحت سقف القانون السوري ، رغم الكثير من الاعوجاج الكامن في هذا القانون ، ومنها القوانين والمحاكم الاستثنائية التي ترعرعت ونمت في ظل قانون الطوارئ ، إذ حتى يكون هناك تطبيق للقانون يجب أن تتحقق عدة شروط ، أولها وحدة التطبيق أي ألا تتم العملية بشكل انتقائي ، فإذا كان الدستور برمته معطلاَ بفعل إعلان حالة الطوارئ ، فأي معنى يبقى لتطبيق القانون ؟ ، وثانيها ضمان وجود آليات حقيقية لتعديل وتغيير القوانين الجائرة ( كالقانون 49 ) أو غير المتوافقة مع العصر وحاجات المجتمع .
في الحقيقة لم يكن المنتدى هو المقصود بالدرجة الأولى ، وإنما المعارضة الوطنية الديمقراطية بالدرجة الأولى ، أو بالأحرى هي رسالة من السلطة إلى المعارضة عبر المنتدى لأجل عدم حدوث أي تقارب أو تنسيق مع الإخوان المسلمين .
الصوت العاقل داخل النظام موجود ، لكنه ضعيف وباهت ، إذ لم يتحول حتى الآن إلى تيار حقيقي فاعل ومؤثر ، رغم تشكيك البعض بأصالة هذا الصوت ، إذ ما كان ليكون كذلك لولا الضغط الخارجي . هذه الصعوبة في إقناع الجهاز الحاكم ببديهيات المنتدى ووظائفه قد يكون سببها القناعة بضرورة وجود " هيبة " للدولة ، وربما كانت هذه "الهيبة" هي مصدر عنفه الظاهر حيناَ والمتستر بالقانون والقضاء حيناَ آخر إزاء المجتمع وقواه وناشطيه .
لقد بدا أن الحرص على "الهيبة" أكبر من الحرص على الدولة ذاتها. هذه الهيبة ضرورية، لكن هناك فرق شاسع بين " هيبة الدولة " و " خيبة الدولة "، فليس بالعنف وحده يحيا الإنسان أو الحكم. لذلك يمكن القول أنه طالما أن السلطة لا زالت تفهم " هيبة الدولة " بمعنى " سيف الدولة " فإنه على الدولة السلام، ونخاف من القول أيضا أن هذا الفهم الأمني للدولة ينذر بأن القطار سيفوتنا كما فات غيرنا.
لقد خسرت السلطة كثيراَ بهذا الاعتقال ، فقد أعطت مؤشراَ صارخا بعدم جديتها للقيام بأي إصلاحات على الرغم من الترويج الدائم للتغيرات " النوعية " التي سيقوم بها مؤتمر البعث قريباَ ، ورغم كل التأكيد الذي حصل حول حرصها على استمرار المنتدى .
كل سلطة عبر التاريخ تؤكد دائماَ على الاستقرار وضرورة حفظ النظام ، ولكنها في الأنظمة الشمولية تبالغ في هذا الشأن لدرجة خنق الحريات والتضييق على أي صوت معارض . هذا التجادل ما بين النظام والحرية طبيعي ، ولكن كي يكون صحياَ لا بد من جميع الأطراف فهمه وممارسته بشكل متوازن، و بما يؤدي إلى حفظ النظام والاستقرار من جهة، ويتيح أقصى قدر ممكن من الحرية والتقدم من جهة ثانية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في