الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صوت الضمير واسوار الصمت الشاهقة١-;-

سامي الحجاج

2014 / 1 / 3
المجتمع المدني


في الثمانينات وفيما اذكره بين عام 1981 و1982..كانت الآجهزة القمعية لحزب البعث في العراق على اختلاف صنوفها وتسمياتها (الاستخبارات والمخابرات والآمن الخاص والامن العام والشعبة الخامسة والجيش الشعبي والجيش وألوية الحرس الجمهوري) التي تمثل اكبر وأشرس المؤسسات القمعية المتوحشة للحزب الدموي..كل هذه المؤسسات الوحشية المرعبة مدربة تدريباً جيداً ولديها كل الوسائل المتطورة والآسلحة الفتاكة بضمنها السلاح الكيمياوي وكانت في ذلك الوقت على أتم الآستعداد لسحق اي احتجاج شعبي يحصل في البلاد مهما كانت مبرراته واهدافه ومهما كان حجمه حتى لو قام به الشعب العراقي بأكمله!!!
لا غرابة في حزب (جاء ليبقى) وتسلق كل الآكتاف واتبع في أختطاف السلطة كل فنون القتل والتأمر والغدر والخيانة وكذلك لا غرابة لحزب يُعتبر المؤسس الآول لجمهورية الخوف في العراق..لكن وجه الغرابة ان يظهر بين الناس من يواجه كل هذه الآجواء المشحونة بالخوف والرعب والوحشية وبتحدي منقطع النظير ليقول كلمة حق يراد بها حق ويراد بها ايقاظ الضمير الذي كان في غيبوبة في ذلك الوقت..هذا البطل كان طالباً في جامعة البصرة ، ذات يوم نادى زملائه الطلبة في التجمع لآمر هام ولما تجمعوا هتف بهم..(لا للظلم ..يحيى العدل..يسقط صدام حسين ويسقط حزب البعث..!!!) من الطلبة من هرب على غير هدى خوفاً من عواقب الآمور ومنهم من تسمّر في مكانه من شدة الخوف وهول المفاجأة..ومنهم من امسك به وعلى الفور جاءت قوات الآمن واشبعوه ضرباً وركلا الى ان تقيئ دم ومات في نفس المكان.. هذا الحدث جعل الناس في ذلك الوقت يتحادثون ولو سراً فيما بينهم وكذلك لفت الآنتباه لسطوة الظلم او على اقل تقدير جعل الناس يتحادثون مع ضمائرهم التي نامت حيناً من الزمن .. من الناس وبدافع التملق للسلطة ادعى بأن الرجل فقد صوابه وخارت قواه العقلية وتصرف بهذه الطريقة..لكن جميع من عرفوه اكدوا ان الرجل كان يتصرف بكامل قواه العقلية لكنه كان يتحسس اكثر من غيره.. الظلم والجور والحيف الذي لحق بالبلاد والعباد..هذا الرجل عارف جيداً العقوبة المرعبة التي تنتظره من عصابة البعث ومع ذلك قال كلمته !!انها لم تكن كلمة فحسب بل كانت اطلاقة مدوية للضمير بين جدران الصمت الشاهقة ...ان موقف هذا الرجل فيه شجاعة ونبل وقوة في قول الحق امام الاشرار حتى لو كانت النتيجة هي الخسران والموت بأبشع الطرق فقدرة الانسان النبيل والشجاع تتمثل في ان يقول للآشرار لا لظلمكم!! ان في هذا نوع من القوة والعظمة وايقاظ ضمير الانسان واعادته الى جادة الصواب.. الا يستحق هذاا لبطل بجدارة ان ينصب له تمثالاً في مدخل جامعة البصرة؟؟؟ان ما حدث من هجمة شرسة للشر ولآشرار على المجتمع العراقي وتفتيته وتقطيعه وتمزيق اوصاله هي نتيجة غفوة الضمير وما لا ينكر ان هناك مواقف بطولية رائعة تبنتها عوائل كبيرة ومعروفة بالشرف والكرم والعراقة كعائلة ال الحكيم التي ضحت بالغالي والنفيس او عائلة الطلباني او البارزاني او اشخاص كالشهيد محمد باقر الصدر وابطال كثر لا يسع البحث لذكرهم جميعاً ولم يحدث من صحوة للضمير كما حدث في الآنتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لكن قوة البطش كانت اكبر من تلك الصحوة .وقد يحدث أحياناً، أنَّ الإنسان وهو مغمور بالخوف الشديد والآلام يبدو أنه لا يُصغي لصوت الضمير او يكون صوت الخوف والجوع والآلم هو الآعلى!! ولكنه فيما بعد يشعر بوخزات الضمير بقوة مُضاعفة!لآن الضمير هو الصوت الصادر من البوصلة الروحية في داخل الآنسان يوجهه إلى ما ينبغي عليه أن يفعل.
ويتجلى الضمير في هذه القصة الواقعية التي يرويها الاديب العالمي (اجنازبوسيلوني) في مذكراته الرائعة وفيها يقول :
كنت طفلا لا اتجاوز الخامسة,اعبر ميدان قريتنا الصغيرة في يوم احد,ويدي في يد امي,عندما شاهدت هذا المنظر القاسي..منظر رجل من الآشراف وهو يسلط كلبه الضخم على امرأة فقيرة كانت خارجة لتوها من الكنيسة,لقد انطرحت المرأة على الآرض وتعرضت لآذى شديد,وتقطع ثوبها مزقاً..وكان السخط في القرية على هذه الحادثة عاماً ولكنه سخط صامت لا يعلن عن نفسه..ولم استطيع ان افهم من أين جاءت للمرأة تلك الفكرة المؤسفة..فكرة اتخاذ الآجراءات القانونية ضد الشريف وكلبه وقد كانت النتيجة الوحيدة لذلك أن اضيف الآستهزاء بالعدالة نفسها الى ما وقع على المرأة من ضرر وأذى..ومع ان كل الناس كما قلت أسفوا لها..وساعدها بعضهم سراً,ألا ان المرأة التعسة لم تجد رجلاً واحداً على استعداد لآن يدلي بشهادته امام القاضي,اومحاميا واحداعلى استعداد لآن يدلي بشهادته امام القاضي,او محامياً واحدا يتولى اقامة الدعوى ضد الشريف على حين ان محامي الشريف قام بمهمته,يعاونه في ذلك جماعة من الشهود المرتشين الذين سردوا القصة بطريقة ممسوخة قلبت الحق باطلا,واتهموا المرأة بأنها هي التي اثارت الكلب,واما القاضي الذي كان في حياته مثلا للفضل والآمانة فقد اصدر حكمه ببراءة الشريف,وأدانة المرأة المسكينة,وأمرها بأن تدفع تكاليف القضية,وقد دافع القاضي عن نفسه بعد ذلك ببضعة أيام في منزله قائلاً : لقد سار الآمر على عكس ما كنت اشتهي وأتمنى.وأقسم لكم بشرفي أني أسفت لذلك كثيراً,ولكن حتى لو كنت من بين من حضروا هذه الحادثة المؤلمة وانتقدت فاعلها باعتباري مواطناً عادياً الا أنني كقاضي كنت ملزماً بأن احكم حسب البيانات التي أمامي,وكانت كلها لسوء الحظ في صالح الكلب!
ولأن الضمير عامل مهم جداً في حياة الأنسان والموجه الأساسي لأفعاله الخيرة منها والشريرة فللموضوع بقية..في مقال لاحق















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب