الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغغة العربية .. وبعض الأنين

أماني فؤاد

2014 / 1 / 6
الادب والفن


قديما ومنذ أوائل عصر النهضة المصرية كان أحد الأدباء الفرنسيين "جان جاك أمبير" يزور القطر المصري ، وفي زيارته لمدرسة الألسن ، سأل أحد التلاميذ :" هل تعتقد أنه من الجُرم أن نطلب من أحشاء الأرض أن تخبرنا عن محتوياتها ؟ " وكانوا بصدد قراءة فقرة من كتاب "لجان جاك روسو".
وبعد صمت طويل من التلميذ رد قائلا : استعارة مكنية ، وتغافل الطالب تماما عن القضية التي يثيرها السؤال ، وقف الرجل طويلا أمام هذا الرد الذي يكشف عن فجوة عميقة لدي الطلبة العرب بين ما يقرءونه لغة وتراكيبها وتغافل التفكير في محتواها الفكري.
أستشهد بهذه الواقعة لأشير إلي نقطتين جوهرتين ــ فيما أرى ــ :
أولا : تتعامل الثقافة العربية مع اللغة الفصحى وكأنها قشرة سطحية ، أداة زينة ولعب ومهارات ، لا أنها الحياة التي نحيا بها ونعبر من خلالها ، نفكر بمحتواها ونتلقي منها العالم ، تتوالد أفكارنا ووجداننا من رحمها ، حتى المجاز في اللغة يظل في جوهره توسَّع في إدراك العالم علي غير النحو المعتاد ، وطريقة أخرى لخلق واقع أكثر التصاقا بإرادة الإنسان وإدراكه وفهمه .
المجاز في الثقافة العربية الموروثة ــ بعد قرون الضعف والظلام ــ توارث هذه النظرة السطحية ، وأصبحت مكبلات اللغة تُطلب لذاتها ، وكأنها أداة من أدوات المهارة والحذلقة ، التي يتعمد فيها الشاعر أو العيار والراوي في القصيدة و المقامة أن يثبت فيها بهلوانيته الاستعراضية المجوفة ، الخالية من الفكر في الغالب ، وحذقه اللغوي الذي يشبه الأحاجي والفوازير المفرغة من المحتوى المعرفي والفكري ، وهو ما أورث هذه النظرة القشرية للغة ، والتي لم يبدأ في معالجة آثارها إلا منذ بداية القرن التاسع عشر .
ثانيا : تعاني اللغة العربية الفصحى من إزدواجية خطيرة ، نتحدث باللهجة العامية وحين نكتب نتحول إلى الفصحى ، تلك الإزداجيه أورثتها الغربة ، وحولتها عند البعض إلي لغة مؤسسية رسمية ، لا لغة تفكير وإبداع ، وتعبير عن الوجدان بطريقة مباشرة ، هناك مسافة ما ، وإن بدت غير محسوسة ، لكنها موجودة ، ولها بلا شك أثرا في الكتابة وحيوية اللغة . نحن نتلقي العالم ونرسله ــ في شئوننا اليومية ــ بمفردات تحمل كل حيويتنا ودماءنا الجارية تفكيرا وحياة ، وحين نريد أن نكتب أفكارنا أو نبدع أدبنا نحوله للفصحي ، تلك الإزدواجية تحول الأمومة في اللغة من الفصحى إلي اللهجة العامية.
و تظل اللغة التي تحيا وتبقي هي لغة العلم والإبداع والتفكير ، وتتحول اللغة إلي لغة تاريخية تنتابها التحولات ، وربما التغيير الكلي حين تبقى طويلا تحت وطأة هذه الإزدواجية ، بالإضافة إلي طغيان اللغات الأجنبية في مدارسنا وتعاملنا اليومي ، وأتصور أن تلافي هذه الظاهرة الخطيرة يكمن في :
تقريب المسافات بين الفصحى والعامية ، بإحياء الفصحي العذبة غير المقعرة ، البعد عن المفردات الوحشية والمهجورة التي تنفر الطالب من العربية ، الحرص علي إعداد أم متعلمة ، تدرك أن اللغة هوية ، وأن الفصحي طريقة وجود وتفكير ، العناية ببرامج الكرتون الذي يبدأ الطفل العربي في مشاهدتها ، وينبغي أن نحرص أن تكون بفصحى مبسطة حين تكون من إنتاجنا ، أو أن تدبلج بالفصحي لو أنها من اللغات الأخرى ، اختيار لغة الأغنية التي يتلقاها الطفل بمفردات عربية تشبه اللغة الثالثة التي استخدمها وتحدث عنها الأديب الكبير: "توفيق الحكيم" ، وأطلق عليها لغة الصحافة ، أو التي تخيرها "نجيب محفوظ" لإبداعاته ، لغة لا تتنازل عن الفصحي ، لكن تتخير وتنتقي الأقرب إلي وجدان المصريين مما يستخدمونه من ألفاظ مبسطة.
تتقارب المسافات بين العامية والفصحي حين نرتقي بعاميتنا تدريجيا لتصل إلي فصحانا المرنة ، التي نملكها نحن ، ونملك تطويرها ، وتبسيط قواعدها وأساليب تعلمها ، وقدرتنا على إدخال الألفاظ الجديدة المعجمية بها ، أو تعريبها دون تعنت من الجهات المعنية بهذا الشأن ، سواء كان مجمع اللغة العربية ، أو أعلام اللغة وحُفاظ كيانها المتماسك المتطور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و