الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليل البلاد: لجنان جاسم حلاوي رواية عراقية لا تخلو من هفوات

نعمت شريف

2014 / 1 / 7
الادب والفن


ليل البلاد: لجنان جاسم حلاوي
رواية عراقية لا تخلو من هفوات
بقلم: نعمت شريف

الكتاب: ليل البلاد، رواية في 358 صفحة
المؤلف: جنان جاسم حلاوي
الناشر: دار الاداب للنشر والتوزيع لعام 2002

لم اقرأ لفترة طويلة رواية عراقية بحق، ولكن في الاونة الاخيرة عثرت على "ليل البلاد" بغلاف انيق واسم جديد "جنان جاس حلاوي"، وتشجعت اكثر على قراءتها عندما قرأت في الصفحات الاولى عن دور فتاة كردية في الرواية. ولكن خاب ظني بعد ان قرأتها فهي لا تعدو ان تكون وصفا مسهبا لظروف الحروب التي اشعلها النظام البائد مع ايران وكردستان حتى يشعر القارئ في احيان كثيرة ان الاسهاب في الوصف لا يعدو ان يكون حشوا لا تخدم النص الروائي كما فعل في وصفه لقرية بارزان والايحاء باستكثارالبيوت المبنية من السمنت والحديد لان الكرد لايستحقون العيش في اكثر من بيوت الطين حيث يستعمل سكانها الباكردان لاصلاحها عندما هطول الامطار والثلوج. هناك تفاصيل لا تعني الكثير لغير العراقي او بالاحرى لغير الكردي من القراء.

ليست الرواية تاريخا او سيرة ذاتية، حيث ان لكليهما اسلوبهما الخاص في الكتابة، وللرواية اسلوبها الخاص. يبدو لنا ان "ليل البلاد" اقرب الى السيرة الذاتية منها الى رواية حيث لا يألو الروائي جهدا في اقحام ادق التفاصيل عن المكان والزمان للاحداث، ويمزج في لغته احيانا مفردات من اللهجة العراقية وحتى من اللغة الكردية، ثم يشرحها في الحواشي. الحشو في النص الروائي كثير، حيث كان بمقدوره ان يختصر ثلثها او ربعها ليخرج بنتيجة روائية افضل من ان يضيع القارئ في معمعة الوصف المسهب. بعد صفحة او صفحتين من الوصف المسهب يشعر القارئ بانه عرف الكثير وان مستعد نفسيا ليرى ماذا يحدث لشخصيات الرواية. ربما فاتني بعض الملاحظات بسبب هذا الوصف المسهب.

دعني باختصار اسرد الخطوط العريضة للرواية وهي كالاتي: عبدالله جندي هارب لا يتورع عن ارتكاب الموبقات، ويلتقط فتاة كردية من دون ان يفصح عن خلفيتها غير انها كردية هاربة من اهلها في اربيل ويستصحبها الى داره ويقدمها الى عائلته حيث ينهره والده من مغبة عمل كهذا لان البارزاني اهل شيمة وشرف ولكن لم يفعل شيئا آخر، ولم نسمع بالكرد في الرواية الى ان يتم أسره من قبل مفرزة للحزب الشيوعي بحوالي سنة قبل واقعة بشت آشان. يلتحق عبدالله بالجيش بعد صدور عفوعن الهاربين. ويشكل هذا المحور معظم الرواية حيث يعود عبدالله الى الجيش ويعاد تدريبه وفي مخالفة بسيطة يلقى في السجن حيث يرى الفضائع هناك واهمها اثنان: اولهما حادثة قتل بسبب سجين مثلي، وثانيهما رشوة حراس المعسكر للخروج ومضاجعة البغايا خارج اسوار المعسكر. يذهب عبدالله في اجازة، وتحت جنح الظلام يضاجع فتاته، ومن ثم يعود الى المعسكرليسفر الى الجبهة في الحرب مع ايران ويصاب هناك وبعد انتهاء العلاج يقحم به في الجبهة الشمالية حيث يتم اسره من قبل مفرزة شيوعية مع احمد، احد الجنود بامرته. يحسن الشيوعيون معاملتهما حتى يقاتلان ضد القوات الكردية المهاجمة. واما المحور الاخر فيبدأ بسفرته الى ايران بعد اصابتة في الهجوم، ويلتقي بمسوؤلين كبار في الحزب الشيوعي، ومن ثم يقررون ارساله الى الاتحاد السوفييتي للعلاج ولكن رحلته مع المفرزة تفشل في العبورالى سوريا، ويعود الى العراق ويقرر العودة الى البصرة ضائعا بين خرائب البصرة حتى يستقر في غرفة في سرداب الدار المدمرة ويعيش فيها تائها بلا سند ولم يعثر على احد من اهله.

تكمن قوة النص الروائي في ليل البلاد في الوصف الفوتوغرافي لعناصر الزمان والمكان والشخوص، وهذه مهمة للرواية، ولكنها تبدو عرجاء حيث ينقصها الغوص في العالم الداخلي لشخوص الرواية وخاصة عبدالله حيث لا نعرف عن مشاعرهم وافكارهم الا النزر اليسير، مثلا عندما يشعرعبدالله بالذنب والمسؤولية تجاه رفيق رحلته في الاسر لدى انصار الحزب الشيوعي في كردستان. تقع الرواية في سبع وثلاثين فصلا، وخاتمة تنهيها بدخول القوات الامريكية مدينة البصرة. تنتهي الرواية ولا تنتهي الحروب "... الحروب لاتنتهي انما تلد بعضها البعض مثل سلالات الجن، لذا عاف البشر مدينة البصرة الملعونة، فالارض ملأى باماكن اكثر شفقة ورأفة ورحمة من هذا الطين الفائر بالخراب والنار..." هنا، في الخاتمة يعلن الروائي عن سقوط بطل الرواية، عبدالله، ، حيث يعيش عبدالله شبحا مشوها ضائعا محطما ويعيش في حطام من مخلفات الحرب حتى يسقط مع العراق بدخول القوات الامريكية مدينة البصرة، وضياعه يمثل ضياع الشعب العراقي في مهب الحروب الوحشية التي شنها النظام البعثي.

اذا اعتبرنا سقوط عبدالله وضياعه رمزا لسقوط العراق نتيجة للحروب المدمرة التي اشعلها النظام البائد، لا بد اذن ان يشمل البحث عن الرمزية في الرواية باكملها. واذا كان هذا فنعتقد ان الرواية هذه تشير باصبع الاتهام الى الروائي نفسه لنستل منها افكاره ومشاعره. بلا شك تمثل الرواية ادانة دامغة وقوية للحرب، ولكن ليس بالضرورة للنظام البائد. ان كل ما يذكره عن النظام هو القسوة الفائقة في الجيش في تعامل القادة مع الجنود وهذا له ما يبرره، فالجيش العراقي كان في حالة حرب. واذا كان للرمزية دور في هذه الرواية فلا بد ان يكون فيها رمزان آخران وهما اولا والد عبدالله العجوز الذي يمثل الجيل القديم الذي استسلم للوضع في ظل النظام البائد، ولا يستطيع ان يتحرك او يشارك في مجرى الاحداث. وثانيا نوال، الفتاة الكردية الهاربة من اهلها في اربيل، وتقوم بدور اقرب الى العاهرة، وتقبل به زوجا من دون زواج ليمارس معها الجنس كلما سنحت له الفرصة.

تمثل نوال في رمزيتها هذه الكرد او بالاحرى الثورة الكردية فهي عاهرة (سياسيا) في نظر الروائي ولا تستحق سوى المضاجعة بكل ما لها من معنى سلبي في الثقافة العراقية، وينقطع ذكرها في الرواية الى النهاية. ويؤيد ما ذهبنا اليه هنا الصورة النمطية السلبية لدى الروائي عن الكرد والتي خلقتها الاعلام الحكومي في العهد البائد. فمثلا يستخدم الهوامش لتعزيز هذا الانطباع كقوله "الباسوك تنظيم عنصري صغير" ص 253، وكقوله "الكوملة تسمية تطلق على عصبة الشيوعيين الاكراد تلونهم صبغة قومية فاقعة، انضووا تحت راية اليكيتي ولا زالوا ومركزهم الاساس مدينة السليمانية ويتزعمهم سياسي معروف بعدائه للحزب الشيوعي العراقي يدعى نوشيروان." ص283، واما وصفه لقرية بارزان فيستغرق حوالي الصفحتين ويبدأ بقوله "قبر من اسمنت وحديد، تلك هي قرية بارزان، صورة مصغرة لحضارة الخديعة والموت وللضحك على الذقون..." ص329، ويستمر على الصفحة 330 بقوله "ولم تمض عشر سنوات على المذبحة حتى عاد رجال العصابات معتمدين القرية قاعدة مؤقتة لتجوالهم من قرداغ الى بهدينان، يقيمون اياما معدودة ثم يرحلون، لا خوفا من اللعنة ولكن قرفا من المكان الموحش المعبأ برائحة الموت وبراز الحيوانات والازبال والعظام البشرية، والقبور الجماعية المبنية على عجل خلف الاسيجة." تمثل هذه النصوص رأئ الروائي بشكل مباشر وغير منسوب حتى الى شخوص الرواية. اذا كان هذا رأي مثقف عربي وهذه هي الصورة النمطية التي يحملها في ذهنه عن الكرد والثورة الكردية، كان الله في عون الكرد للتعامل مع هكذا نماذج!

لايمكننا الزعم ان هذه الهفوات القاتلة في "ليل البلاد" عفوية، لان الرواية لا تكتب بين ليلة وضحاها اولا، ولان الروائي مثقف وواع بدوره ثانيا. ولذلك فالروائي يخطط للرواية، ويدرس الشخوص وادوارهم والترابط بينها قبل ان يشرع بالكتابة، ويختار كلماته بدقة عندما يكتب، وهو مسؤول عن مساهمة عمله الروائي سلبا او ايجابا في ثقافة المجتمع المتحضر. لو كان للروائي جنان جاسم ان يبدأ روايته "ليل البلاد" من دون اقحام نوال منذ البداية، من دون ان يؤثر ذلك على مجرى احداث الرواية البتة، ومن دون الاساءة الى الكرد بهوامشه غير الضرورية واقحامه الاوصاف البذيئة، لكانت الرواية اجمل بكثير في ادانتها للحروب الشعواء التي اقحم صدام العراق فيها بلا رحمة او هوادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا