الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الثقافة الليبريالية

ابراهيم أحنصال

2014 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تـمـهـيـــد:
يشهد المستوى الثقافي صراعا ضاريا بين نمطين من الثقافة هما امتداد وانعكاس لموقفين وموقعين طبقيين، مدفوعا باحتدام التناقضات الاقتصادية والسياسية إن على المستوى القُطري أو على المستوى الدولي. فمع تفاقم أزمة النظام الرأسمالي الامبريالي واستفحال حروبه اللصوصية لاخضاع الشعوب لسيطرته ونهبه لثرواتها، ينعكس ذلك في تسييده لثقافة قِوامها ترسانة من جراثيم الفكر البرجوازي التي يعممها عبر أجهزته الإديولوجية، مستهدفا إخضاع وعي الجماهير وتحطيم إرادتها وتجريدها من سلاح النقد وبث التشكيك في جدوى نضال الشعوب والتضامن بينها، وإشاعة ميوعة المفاهيم والخلط في المواقف وتدمير المناعة الفكرية. وقد نجحت هذه الثقافة المسيطرة لما لها من إمكانيات مرعبة في تجنيد لَفِيفٍ من المثقفين ليلعبوا دور كلاب الحراسة، لتسويغ وتكريس التبعية الثقافية كامتداد للتبعية الاقتصادية والسياسية، وقد سعت هذه الثقافة الامبريالية إلى إذكاء النعرات العرقية الشوفينية والفكر الظلامي واتجاهات تتخذ من الحداثة وحقوق الانسان أو حتى مراكز بحوث ودراسات مساحيق لطمس حقيقة أدوار العمالة التي تؤديها، كنفايات أفرزتهم جميعا الرأسمالية في طورها الأكثر انحطاطا وتعفنا.
إنـهـا الـحـرب الـضـروس.

هنا يبرز دور الثقافة النقيض في تجذير الوعي بهذا الصراع وفهم اتجاهاته وطبيعة القوى الفاعلة فيه، مع التأكيد على إرادة المقاومة بالتنوير والتحريض –ضمن أساليب أخرى- ضد المشاريع الاستعمارية والصهيونية والرجعية، إذ البداهة في ضرورة انهيار هذه النظم الاستغلالية والعميلة مهما طال أمد احتضارها، والانتقال عبر صيرورة ثورية من ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية.

مـقــدمـــة:
أصدرت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع لجمعية (A.D.E.J) ما سمته "مشروع الورقة الثقافية"، والملاحظ بعد القراءة أننا أمام إطناب في اللغة الإنشائية وتنافر في الفقرات وأحيانا تعارضا صارخا في الجملة الواحدة. ناهيك عن غياب منهجية البحث التي هي شرط لزوم للنظر في أي موضوع مما أفقدها الاتساق والانسجام والتماسك الفكري؛ ورغم أن "الورقة" زجت ببعض المفاهيم العلمية غير أنها مفرغة من أي محتوى، فظلت حبيسة السطح لأنها مبتورة عن أي نسق فكري نقدي يؤطرها. فأي ثقافة تعكس هذه "الورقة"؟ وكيف قرأت موضوعها ومن أي زاوية نظر؟

ـ أ ـ
يسجل "مشروع الورقة الثقافية" في السطر الأول من مقدمتها أن "الورقة ليست تجاوزا للتراث الثقافي للجمعية"، فنتساءل: هل يوجد حقا تراث ثقافي خاص بالجمعية؟ وأين يتجلى هذا "التراث الثقافي"؟ إن ما راكمته الجمعية -في حدود علمنا- هو ندوات وعروض وورشات ومهرجانات ثقافية وفنية... تحتاج مواضيعها للتجميع والصقل والنقاش المفتوح والتحيين المستمر، وللإشارة فهذا التراكم لم تستفد منه "الورقة" ولا أثر له فيها.

تم تتناولت المقدمة الحديث عن تطوير "مشروع ثقافي تغذيه جمعيتنا وجمعيات أخرى..."، وقد حاولنا عبر صفحات "الورقة" عَلّنا نظفر بتعريف لهذا "المشروع الثقافي" الذي يُراد تطويره لكن دون جدوى، ما طبيعته؟ وما هي سماته؟ وما هي الطبقات والفئات الاجتماعية الحاملة له والمعبرة عنه؟ وهل هذا "المشروع الثقافي" المزعوم يندرج ضمن مشروع مجتمعي معين أم أنه مستقل بذاته ولذاته؟

ـ ب ـ
تدشن "الورقة" تعريفها لمفهوم الثقافة بالقول: "في الأصل الثقافة قديما ارتبطت بالدين وفيما بعد ظهرت الحكمة أي الفلسفة القديمة"! وما دامت الثقافة بألف ولام التعريف منذ ظهورها ارتبطت بالدين، هل يعني هذا أن الثقافة منتفية قبل ظهور الدين؟ ألا يجعل هذا من الدين عِلّة وسببا في ظهور الثقافة وبه تتحدد ما دام هناك ارتباط عضوي بينهما؟ وهل الدين هو من أوجد الثقافة أم العكس هو جزء منها وأحد ينابيعها؟ أليست الثقافة والدين معا نتاج وانعكاس لشروط موضوعية تاريخية؟

"...وفيما بعد ظهرت الحكمة أي الفلسفة القديمة"، هكذا يقرر أصحاب "الورقة" دون أن يوضحوا كيف حدث هذا الظهور الفُجائي؟! والقول بـ"الفلسفة القديمة" يُفهم منه أنها كانت على رأي واحد من كافة المسائل والقضايا المطروحة عليها، ما يستدعي –بدلالة المخالفة– وجود فلسفة جديدة أو حديثة على قاعدة التعارض مع الأولى، بشكل يلغي التناقض بين المادية والمثالية كتيارين فلسفيين.

وفي خضم الاسترسال في تعريف الثقافة لا نجد أي تمايز معرفي بين ثقافة الأسياد الرسمية وثقافة الكادحين الشعبية، إنما انسياق وراء تعابير من قبيل: "ثقافة راقية" و"مثقفين كبار"... دون إيضاح للكيفية التي يمكن بها وعبرها تمييزهما عن الثقافة غير الراقية أو المثقفين غير الكبار؟ وماهو المقياس المعتمد في هذا التصنيف؟ ووفق أي منطلق؟

كما يتبدى الفهم الثاوي للثقافة عند أصحاب "الورقة" أنه حبيس المنظور النخبوي/ الارستقراطي حين يتم الحط من قيمة التراث وازدراء الفولكلور، تقول الورقة: "الثقافة التي نتبنى هي ثقافة ليست تراثية وليست فولكلورية"! وهذا موقف مغرق في العدمية تجاه التراث واحتقار الفولكلور. إن الموقف من التراث كحقل من حقول الصراع الطبقي هو موقف من الحاضر، وليس ترفا فكريا أو وَلَعا بأروقة الماضي، والمطروح هو: كيف نحرر التراث من استغلال الرجعيات له في صراعها السياسي والاديولوجي ضد نقيضها؟ وفي نفس الوقت كيف نتحرر من التراث حتى لا نصبح أسرى له يشدنا نحو الماضي؟ وعملية التحرير والتحرر هذه لا تتحقق إلا من خلال قراءة علمية بأدوات معرفية ومن موقع النقيض.

أما عن الفولكلور فهو في إحدى تجلياته أحد التعبيرات الفنية والجمالية التي تعكس أفراح وأتراح الشعب، ومنه أحيدوس وأحواش... الذي يتمازج فيه الرقص الجماعي بين الجنسين والغناء والأهازيج وفق إيقاعات موسيقية، فهو بالضرورة جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعب يعكس في اختلافه مجالين متناقضين: جانب تقدمي وجانب رجعي؛ والواجب هو التصدي لكل محاولات طمسه أو تمييعه وإفراغه من شكله التعبيري ومضمونه الاجتماعي واختزاله في مادة للاستعراض.

والقول بأن الثقافة "مفهوما زئقبيا عصيا على الضبط..." لا يكشف إلا مأزق "الورقة" التي كلما حاولت مقاربة موضوعها انفلت واستعصى عليها، والمشكلة هنا ليست في مفهوم الثقافة كموضوع للبحث المعرفي، إنما في شكل وأسلوب طرح الموضوع وزاوية النظر المعتمدة وأساسا في الافتقار للأدوات المعرفية النظرية التي بها وعبرها يستقيم التحليل.

ـ ج ـ
تبدو الثقافة التي تتبناها "الورقة" في كامل عريها وهي تُعَرّف عن نفسها بأنها: "ضامن أساسي للأمن والسلام بين فئات المجتمع الواحد وبين مختلف الأمم والشعوب"، فهي لا تخفي اندراجها ضمن ثقافة تسعى لاحلال السلم الاجتماعي بدل الصراع الطبقي على مستوى المجتمع وعلى المستوى الأممي؛ لكن هذا الأمن والسلام الذي تنشده "الورقة" لا تُبين كيف سيتم إحلاله؟ هل بإقناع البورجوازيات في كل مجتمع أن تكف عن استغلال الطبقة العاملة وأن تتخلى عن سلطتها القهرية أم على الطبقة المضطهدة أن تستسلم "لقدرها" المقدَّر سياسيا وتُسلم به؟! وقِس على ذلك المستوى العالمي، هل ستضع الامبريالية حدا لحروبها أم على الشعوب أن تتوقف عن مقاومتها؟!

في واقع الامر لا تثريب على أصحاب "الورقة" في فهمهم التسطيحي لهذه العلاقة المعقدة من الانقسام والصراع في المجتمعات الطبقية والعلاقات الدولية التي لا يمكن حلها بجملة أماني ومواعظ، فهاهم على ذات المنوال يتحدثون عن "الخصومات داخل المجتمع الواحد" كأننا أمام عِراكٍ يدور بين أفراد ولسنا أمام تناقضات حادة وتناحر بين الطبقات الاجتماعية. ويصل بهم التلفيق درجة تَمَنيهم أن تساهم "مختلف فئات المجتمع لرسم سياسات عمومية في المجال الثقافي والتعليمي واللغوي لإيجاد حلول ناجعة لمشهدنا الثقافي المعطوب"! ودائما وفق صيغة "التعاون" الطبقي، وغير خاف أن هذه الصيغة المتواطئة ليست إلا الوجه السافر للاديولوجية البرجوازية المسيطرة التي دائما وأبدا تطرح مصالحها الطبقية على أنها مصالح لكامل الشعب وتعطي لأفكارها شكل الشمول.

وعلاقة بقضية التعليم فالطبقة الحاكمة حولته إلى حقل لتجريب كل وصفات التخريب والإمعان في ضرب طابعه العمومي على علاته وإفراغه من أي مضمون معرفي، والدافع إلى ذلك تسليعه كما تُسلع كل الخدمات الاجتماعية والمرافق العمومية، لأن في مناخ الجهل تُحكم سيطرتها وتعيد إنتاج ديمومتها؛ فالتعليم بالنسبة لها رافعة لغرس قيمها وتكريس ثقافتها الرجعية، ولا فكاك من هذا التعليم النخبوي إلا بالكفاح الجذري الواعي والمنظم، حينها فقط ستنعم الجماهير بتعليم علمي ديمقراطي وشعبي.

ـ د ـ
ثمة حالة إفراط في الاستعمال العشوائي لمفردات من قبيل: القديمة، الجديدة، التقليدي، المعاصر... وتوخيا للدقة نسأل:
بأي معنى نَسِم ثقافة أو حتى ظاهرة معينة بأنها قديمة أو جديدة؟ ما هو المحتوى الاجتماعي/ الطبقي لهذا الجديد والقديم معا؟ وهل ما يتبدى جديدا هو فعلا جديد، أم إنه مجرد قشرة جديدة تخفي في طياتها مستنقعا من التعفن؟ ما هي طبيعة القوى الاجتماعية الصاعدة التي تَحمل الجديد وتعبر عنه، وما هي في الآن ذاته طبيعة القوى الاجتماعية المحافظة التي تحمل القديم وتعبر عنه؟ هل يمكن –على سبيل المثال- اعتبار النازية أكثر تقدما من كمونة باريس ما دام مقياس التحقيب الزمني يجعل من الكمونة "قديمة" مقارنة بالنازية "الجديدة"؟! وأخيرا، ما هو الحل الذي تطرحه "الورقة" لثنائية القديم والجديد: هل هو الأخذ من كل فن بطرف أم يتجه الإثنان إلى "تركيب"؟ ما دام منطق الفكر المثالي الغائي هو الموجه والمتحكم فيها.

كما أن وصف ظاهرة معينة بأنها تقليدية أو معاصرة غير كاف لتحديد طبيعتها الاجتماعية، ما لم يتم ربطها بأساسها المادي في ظل نمط إنتاج رأسمالي كولونيالي يسمح باستمرارها وإعادة إنتاجها وفق ما تقتضيه علاقة التبعية للرأسمالية الامبريالية. إن اللغة غير الدقيقة ليست في وجهها الآخر إلا فكرا يفتقد الاتساق ودقة الرؤية.

ـ هـ ـ
في معرض تعريفها للحداثة تبني "الورقة" مرافعتها على عدة دفوعات شكلية تبدو للوهلة الأولى مقبولة، من جملتها: أنها نتاج "للصراع الذي خاضته البرجوازية الصاعدة مع الاقطاع ومع الكنيسة..."، لكن هذا التعريف سرعان ما يتبدد خلف غابة من المصطلحات والتعابير؛ كالقول بأنها عملت على "تحرير قوى الانتاج" دون توضيح لنوع ومضمون هذا التحرير وصيرورته التاريخية. لأن شكل التحرير الذي أنجزته الطبقة البرجوازية لقوى الانتاج في ثورتها ضد الطبقة الاقطاعية هو جزئي، فهي حررتهم لكي تستعبدهم وتستثمرهم في بناء اقتصادها الرأسمالي بإحلال علاقات إنتاج تطوق قوى الانتاج وتعوق تطورها، ولا تحرر حقيقي وفعلي لقوى الانتاج إلا بثورة اجتماعية هي عملية انتقال إلى نمط الانتاج الاشتراكي.

أيضا تصوير الحداثة كأنها وصفة جاهزة "للنهوض بالاقتصاد والثقافة والفرد نحو آفاق التقدم..." فيه من التبسيط والاختزالية التي يدحضها الواقع ويفندها، لِما يستوجبه ذلك من ضرورة الكفاح الطبقي للتحرر من التبعية وفك الارتباط بالمراكز الامبريالية، والمواجهة الدؤوبة ضد قوى الاستعمار العالمي والصهيونية التي تُلجم وتَمنع أي محاولة لانجاز مهام الاستقلال والتحرر الوطني اقتصاديا وسياسيا وثقافيا. إذن، فعملية النهوض الاقتصادي والسياسي والثقافي ليست عملية ذهنية اعتباطية أو "الاعتماد على الجوانب التقنية والتكنولجية (...) عبر المكننة الصناعية والفلاحية وإدخال الأساليب الجديدة..."، بل إنها عملية يتمفصل في بوثقتها: التحرر الوطني من علاقة التبعية البنيوية للامبريالية، والتحرر الاجتماعي بالقضاء على علاقة الاستغلال الطبقي الرأسمالي.

واستكمالا لما سبق نورد النص التالي: "تَبَين لي أن المناقشات العربية الكثيرة لمسألة الحداثة بمعنى "الموديرنيتي" (Modernity) وهو يشير، باختصار شديد، إلى حركة التاريخ الأوروبي ونتاجاتها منذ عصر النهضة والاصلاح الديني اللوثري حتى اليوم ومحركه الأول صعود نمط الانتاج الرأسمالي وتوسّعه. المفهوم الثاني هو الحداثة بمعنى "الموديرنيزم" (Modernism) وهو حركة فنية أدبية فكرية أوروبية بدأت في أواخر القرن التاسع عشروازدهرت وسيطرت في القرن العشرين ومن أبرز أعلامها الأوائل ومؤسسيها الشعراء رامبو وبودلير ومالارميه. ينشأ الاختلاط بين المفهومين والتشويش الناتج عنه..." (صادق جلال العظم، دفاعا عن المادية والتاريخ، ص: 272، ط: الأولى 1991).

ـ و ـ
أسبغت "الورقة" الثناء والمديح في حق الماركسية التي اعتبرتها "مرحلة متطورة من البناء الحداثي"، غير أنها لم تكثر من المديح إلا لتقضم كيان المَمدوح وتُجهز عليه. فقد انتحلت تعريفا للماركسية يتنافر معها بشكل صارخ، فمرة أنها "نظرت لتحديث الفلاحة (كذا!)" وتارة "أنها وسعت من وعاء المستفيدين من العدالة والمساواة..." وتارة أخرى نكتشف أن لها "نظرياتها الداعية إلى إنصاف (كذا!) العمال والفلاحين وجعل السلطة بيد الشعب".

والملاحظ إذا كانت الماركسية بهذه المزايا والخاصيات فلماذا لم يعتمدها أصحاب "الورقة" كمنهج لتحليل موضوعهم؟! لماذا لا أثر لها في مُجمل تفكيرهم؟! نستدرك ونقول أن "ماركسية" أصحاب "الورقة" هي مَسخ لا علاقة له بفكر ماركس ومنهجه المادي التاريخي والديالكتيكي، وهي لا تعدو أن تكون في أفضل الأحوال على غرار "ماركسية" أولئك الفرنسيين الذين سَخِر منهم ماركس أواخر سبعينيات القرن 19 حين قال: "أنا أعرف أمرا واحدا فقط، هو أني لست ماركسيا"!

فالماركسية كما يُعَلمنا روادها هي سلاح الطبقة العاملة الفكري كمنهج للتحليل وأداة للتغيير، وهي نتيجة حتمية وقانونية لتطور الرأسمالية؛ ولها ثلاث مصادر مؤسسة لولادتها: الاقتصاد السياسي الانجليزي والفلسفة الألمانية الكلاسيكية والاشتراكية الفرنسية. ولأنها النظرية العلمية للتحرر الذاتي للبروليتاريا فإن غايتها ليس "الانصاف" كما جاء في "الورقة"، بل القضاء على الاستغلال الطبقي بالقضاء على شروطه التاريخية المادية، أي بتغيير ثوري للبنيات الاقتصادية والسياسية والاديولوجية الرأسمالية في ظل ديكتاتورية البروليتاريا في الطور الأول من الشيوعية أي الاشتراكية. تقف الماركسية كتفاعل للنظرية الثورية بالممارسة الثورية عبر أداة التوسط الثورية، "ضد جميع النظريات البرجوازية الصغيرة التي كانت تسعى إلى إحلال الوفاق بين الطبقات والتكيف الانتهازي مع النظام الرأسمالي الاستغلالي محل النضال الطبقي، بهدف إعاقة التحرر السياسي والاديولوجي والتنظيمي للطبقة العاملة". (فريدريك إنجلس، مبادئ الشيوعية، ص: 103).

ـ ز ـ
خصص معدوا الورقة في إحدى محاورها فقرة بعنوان: "دور المجتمع المدني"، حيث قاموا بإسقاط هذا المفهوم على الواقع المغربي دون مساءلة نقدية لماهيته في علاقته بهذا الواقع، إذ ليس من الدقة العلمية تبني مفاهيم فقط لأنها تعرف رواجا إعلاميا واستهلاكا كثيفا دون اختبارها. فتاريخيا ارتبط وجود المجتمع المدني بميلاد الديمقراطية البرجوازية التي لا توجد بمعزل عن الحداثة والعلمانية، فكيف يستقيم الحديث عنه في بنية اجتماعية استبدادية؟ إن المجتمع المدني في الحالة الأخيرة ليس سوى ملجأ للقوى العاجزة عن خوض الصراع السياسي ضد النظام الاستبدادي بحيث تلعب أدوارا تكميلية تحت رعايته وفي خدمته، فالمجتمع المدني بهذا المعنى يتحول إلى أداة من أدوات التمويه على الصراع الطبقي وتنفيس الاحتقانات الاجتماعية وأزمات الطبقة الحاكمة؛ ناهيك عن تغذيته للوهم وسط الجماهير بإمكانية التنمية من خلال بعض المشاريع الاسترزاقية أو إنجاز التغيير عبر الواجهة الحقوقية...! إن تبني "الورقة" لمفهوم المجتمع المدني وإسقاطه تعسفا على بنية استبدادية ليس سوى إفراغ له من محتواه وتكريس للتزييف والتضليل.

تسترسل "الورقة" بالحديث عن ما سمته "قاع المجتمع" الذي حَصَرته في "تياران أساسيان فاعلان، الجمعيات ذات المرجعية الأصولية والجمعيات ذات المرجعية الحداثية"، ويترتب عن هذا القول عدة أسئلة: ما هو المقياس الذي تم اعتماده في تحديد وحصر "قاع المجتمع" في الجمعيات؟ وما دام "قاع المجتمع" هو الجمعيات فما هو سطحه؟ وعلى أي أساس معرفي انشطر هذا القاع إلى فسطاطين: "جمعيات أصولية" وأخرى "حداثية"؟ وأين تُموقع "الورقة" الجمعيات التي يُصطلح على تسميتها بجمعيات الجبال والوديان والأنهار...؟ هل هي في المنزلة بين المنزلتين؟! هذه الاسئلة وغيرها غير واردة في ذهنية أصحاب "الورقة" لذا اكتفوا بتقسيم مانوي يعتمد ثنائية ضدية بين النار والظلام وبين الخير والشر؟

حتى إن الفارق بين هذين الفسطاطين الهلاميين يتلاشى ويذوب نتيجة سطحية التعريف الذي يلغي المسافة بينهما، فلا نجد إلا مُتوالية من النعوت: فهذه "مسلوبة اليوتوبيا الأصولية" وتجد أمامها "خزائن البترودولار سخية معها". هنا نسأل: ألا تؤكد الوقائع أن تمويلات البترو السي آي إيه (C.I.A ) تستقطب "الأصولي" و"الحداثي" معا للقيام بأدوار العمالة والخيانة تجاه الأوطان والشعوب في المجتمعات الطرفية؟ أليست التمويلات الهائلة والسفريات العابرة للقارات والمؤتمرات الباذخة في فنادق الخمسة نجوم... التي تَنعم بها أغلب "الجمعيات الحداثية" تحت عناوين: التربية والتكوين في مجال حقوق الإنسان أو الشراكات والتنمية أو المنتديات الإجتماعية... هي رشوة مقابل خدمة مشاريع السيطرة الامبريالية ولجم تنامي الوعي بضرورة الكفاح الوطني من أجل التحرر؟؟؟

إذا عدنا إلى توصيف "الورقة" للجمعيات "الحداثية" سنجد القول وعكسه في نفس الفقرة، فهذه الجمعيات تعاني "الضعف" في تأثيرها التنظيمي المحدود والتأطيري المحدود"، لكن ضعفها القاتل هذا سرعان ما يتفجر بقدرة قادر أو بجرة قلم إلى قوة "تكمن في أن خطابها أصبح مؤثرا وأصبح له إشعاع وطني ودولي..." بل و"أصبح الرأي العام يحتضن خطابها الثقافي"؛ ولتزكية هذا الاسهام تَسوق "الورقة" مغترة ما اعتبرته "بشهادة كبار المثقفين وصانعي القرار السياسي". لن نقف عند عبارة "كبار المثقفين" التي سبق ان تناولناها بما يكفي، لكن من هم "صانعي القرار السياسي" الذين تُباهي "الورقة" بشهادتهم وتُقَدمُها كأنها حجة دامغة؟! أليس هم الطبقة الحاكمة نفسها؟ بل نجزم أنها الطبقة الحاكمة نفسها.

إن الوقائع تثبت أن من سمتهم "الورقة": "الجمعيات الحداثية" و"الجمعيات الأصولية" تشابكت أيديهم جميعا في تنسيقات رجعية أيدت عدوان حلف الناتو والديكتاتوريات العربية الحاكمة ضد بلد وشعب ليبيا، كما التقوا في تأييد العدوان الامبريالي الصهيوني والرجعي على سوريا الوطن والشعب، ونفذوا في سبيل ذلك الوقفات والمسيرات المشتركة بينهم؛ ناهيك عن زواج المتعة الذي جمعهم في احتواء وإجهاض حركة 20 فبراير. الخلاصة: أن التمييز بين هذين الطرفين وفق طرح "الورقة" ليس سوى إخفاء لحقيقة واحدة، كونهما ينطلقان من نفس الايديولوجية للطبقة الحاكمة مما يترتب عليه موضوعيا تبديد ونسف أي تراكم نضالي سياسي وثقافي.

ـ ح ـ
أوردت "الورقة" عبارة "العدالة الانتقالية" كإحدى الانتصارات التي تحققت بفضل "الجمعيات الحداثية"، وفي اعتقادنا لا ينبغي الصمت على تمرير هذه المغالطة التي تتماهى وتتطابق مع الدعاية الديماغوجية التي يشنها نظام الحكم مستنفرا نفس الشعار؛ فما هو مفهوم العدلة الانتقالية؟ وهل يوجد بالمغرب عدالة انتقالية كما بشرنا أصحاب "الورقة"؟ أم أن الحاصل هو "عدالة" انتقامية واحتوائية؟

مفهوم العدالة الانتقالية هي تكييف للعدالة مع متغيرات وتحولات المجتمعات في طور الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية أو من الحرب الأهلية إلى المصالحة والسلم الأهلي، فهي إحدى آليات الانتقال والتحول. إنها بالمعنى الدقيق: التحقيق في الجرائم الماضية، تحديد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة ومعاقبتهم، منع وقوع الانتهاكات مستقبلا، معرفة الحقيقة الكاملة لطبيعة الانتهاكات وأسبابها وخلفياتها، الاعتراف بحجم ما كابده الضحايا ورد الاعتبار لهم وجبر الأضرار الفردية والجماعية، تحقيق المصالحة الفردية والوطنية وتحقيق السلم الأهلي. ولتحقيق تلك الأهداف اهتدت الإنسانية إلى بلورة منهج قِوامه: المحاكمات، البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق، لجان الحقيقة، برامج الحقيقة، برامج التعويض وجبر الضرر، تغيير المؤسسات القائمة في ظل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

على عكس من كل ذلك جاءت تجربة المغرب ضمن منطق الاستمرارية من داخل النظام السياسي والاقتصادي –الاجتماعي وليس ضمن سياق الانتقال والتحول الديمقراطي. وبمعنى أوضح أن التجربة جاءت كآلية من آليات إعادة ترميم وتلميع نظام الحكم المطلق بالمغرب، وبالتالي إعادة تموضعه بعد أن تآكلت قاعدته الاجتماعية والسياسية بفعل تنامي النضالات الشعبية وحركات الاحتجاج، والتي شكلت العنصر الثاني المتحول الذي أطر التجربة؛ فهي إذن، أي تجربة المغرب في العدالة الانتقالية، تندرج ضمن سياق الاستمرارية للنظام القمعي صاحب الانتهاكات الممنهجة والجسيمة لحقوق الإنسان.

إن العدالة الانتقالية كما اعتمدتها وأفرزتها تجارب الشعوب تقتضي إنزال العقاب على المجرمين ومرتكبي الانتهاكات بعد تحديدهم بأشخاصهم وأجهزتهم، والحال أن المغرب اعتمد منطق الإفلات من العقاب؛ إضافة إلى تغييب الحقيقة وطمسها حيث ما يزال مصير أغلب ضحايا الاختطاف مجهولا إلى غاية اليوم. ماذا جرى؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ ومن المسؤول ودرجات المسؤولية والتراتبية؟ بل ويتم إخفاء المقابر الجماعية ومصادرة الأرشيف وهدم أماكن الاحتجاز بدل صونها إسوة بتجارب الشعوب في حفظ الذاكرة الجماعية. إن فعالية العدالة الانتقالية مرهونة بشمولها لعدة إجراءات يكمل بعضها البعض، فليس هناك إجراء واحد تكون فعاليته بمفرده بمثل فعاليته مجتمعا مع الإجراءات الأخرى.

وهنا لا بد وأن نؤكد على وعينا التام بأن العدالة الانتقالية كما هي مطروحة في التجارب الدولية مرهونة بسقف النظام الرأسمالي العالمي وتبعية الأطراف فيه للمركز الإمبريالي، فيما العدالة الحقة التي يَنشدها كفاح الشعوب لن تتأتى إلا كعدالة ثورية.

وفي معرض حديثها عن الجانب الحقوقي أوردت "الورقة" مفهوم الحق في التنمية فصنفتها قائلة: "الحق في التنمية لا يسبقه سوى الحق في الحياة، وعليه تنبني كل الحقوق وبدونه تضيع كل الحقوق، وهو حق لا يوجد عهد أو اتفاقية أو بروتوكول يحميه ويصونه". السؤال الأول: ما هو الإطار المرجعي سواء أكان حقوقيا أم فلسفيا... الذي يجعل من "الحق في التنمية لا يسبقه سوى الحق في الحياة"؟ ولماذا لا يكون حق الشعوب في تقرير مصيرها ذو أولوية عن التنمية مثلا؟... مع الإشارة أيضا أن هناك إعلان الحق في التنمية 1986. إذا نحينا جانبا الاعتبار الذاتي/ المزاجي لأصحاب "الورقة"، فإن مرجعية حقوق الإنسان هي كل لا يتجزأ تحت أي اعتبار زمكاني وغير خاضعة لتراتبية الأسبقية والتأسيس، إنما تؤخذ في شموليتها وكونيتها.

ـ ط ـ
بعد جهد جهيد تصل الورقة إلى أرض الميعاد فتستنتج "أن التوجه العام والغالب في المدارس الثقافية والفكرية المتصارعة في الساحة لا زال يميل إلى المدرسة العرفانية، لا إلى المدرسة البرهانية إذا استعرنا تعبير المرحوم الجابري"، كما تعيد تأكيد نفس الخلاصة في خاتمتها بالقول أن "ميزان القوى الثقافي بالمغرب لصالح التيار العرفاني في الثقافة العربية". لا يهم هنا ما يعتري أسلوب الصياغة من عيوب أو مدى اتساق هذا الموقف أو كيف تم استنتاجه وبناء على ماذا؟ ولكن ليت أصحاب "الورقة" قرأوا واعتمدو فعلا كتابات الجابري واستلهموها سيما فيما يتعلق بتعريف الثقافة وتحديد عناصرها والموقف من التراث... لَجنَّبوا ورقتهم كل هذه السطحية والابتذال؛ وذلك بغض النظر عن المقف من تقييم كتابات الجابري، ونحيل هنا على سبيل المثال إلى الكتاب القيم: "هل هناك عقل عربي؟" (هشام غصيب، الطبعة الأولى 1993).

لنعد إلى أصحاب "المدرسة العرفانية" في الثقافة ونسلم إجرائيا أن استنتاجهم صحيح فنسأل: ما دام الصراع –وفق منطقهم الغائي- يجري بين "مدارس" مجردة عن أي قاعدة اقتصادية ومبتورة عن أي قوة اجتماعية، فما الذي جعل العرفان ينتصر على البرهان؟ وأين اختفى البيان من "الورقة" ما دامت تعتمد تعبير الجابري؟! وهل أن انتصار "المدرسة العرفانية" في حاضر الثقافة سبب أم نتيجة؟ أليس هذا قلب للنتائج إلى أسباب بعد أن تم طمر الأسباب الحقيقية؟ وما إلقاء اللوم على استمرار أو انتصار "المدرسة العرفانية" في حاضر الثقافة ما هو إلا تبرئة للطبقات المسيطرة وثقافتها التي تندرج ضمن وفي إطار التبعية الاقتصادية والسياسية للامبريالية؛ وهذا لا يخرج أيضا عن نطاق ترديد دعايات المستشرقين من أن جوهر مجتمعاتنا وطبعها أنها: عرفانية، إشراقية، روحانية... فهكذا كان في الماضي وهكذا هو في الحاضر، فـ"للشرق القلب وللغرب العقل".

من نافل القول أن استنتاج "الورقة" يغفل ويطمس الدور الذي لعبه الاستعمار القديم والجديد في تثبيت بناه الثقافية، وقمعه في المقابل الثقافة النقيض. وهذه الثقافة السائدة التي تعبر وتعكس مصالح الطبقة البرجوازية وتحالفها الطبقي، تتمظهر في عدة صيغ وشعارات بحسب الظروف والشروط التي تمر منها هي وتحالفها وما تقتضيه حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية وصراعها ضد عدوها الطبقي حفار قبرها. فهي في تاكتيكاتها ترفع عدة شعارات إما منفردة أو بالجملة: الأصالة، المعاصرة، الحداثة، الشريعة، العرفان، البرهان... وهي في كل ذلك تبقى منسجمة ووفية لطبيعتها في التضليل الاديولوجي سلاحها الفتاك في تزييف الوعي وشله، وهنا يمكن بل من الوارد أن تقع العناصر غير المرتبطة بفكر وقضية الطبقة العاملة ضحية تجتر نفس التضليل.

وفي سياق الحديث عن هذا التضليل نورد نموذجا آخر أوقعت "الورقة" نفسها ضحية له من خلال الدعاية لطروحات ظلامية متخلفة، ففي معرض تناولها الثقافة اعتبرتها "تلعب دورا سحريا (كذا!) في تماسك الأمة"، إنه موقف رجعي مع درجة امتياز.

ـ ي ـ
قبل ختم هذا النقاش سنثير بعض الملاحظات تجاه مواقف عبرت عنها "الورقة":
- تطرقَتْ إلى خطة الدولة حول ما سمته "الحقل الديني"، فاستنتجت من تلك الخطة أنه "لا يعني البتة الإقدام على أي إصلاح ديني عميق وحقيقي"، وهذا موقف محافظ يتقاطع مع خطاب الدولة نفسها تحت سقف "الاصلاح الديني"، فيما يجب انسجاما مع تبني الجمعية للديمقراطية والتقدمية طرح التأسيس لعلمانية الدولة بفصل الدين عنها وعن أي توظيف أو ممارسة سياسية له، باعتباره شأنا خاصا.

- وقعت في الخلط بين الثقافة كممارسة اجتماعية محكومة بالتناقض والصراع من جهة وبين المؤسسات الثقافية للدولة والملحقات الخاضعة لإدارتها من جهة ثانية. ويتجلى ذلك على سبيل المثال في الحسرة والرجاء الذي طبعها في الحديث عن تدني نسبة القراءة، من كون "هذه العلاقة السيئة للمغاربة بالقراءة لم تدفع الدولة إلى سن سياسة ثقافية تشجع على القراءة"، تبدو العلاقة هنا وكأن الدولة ليست لديها الغيرة على المغاربة الذين لا يقرأون! وكأن الواقع وخبرة التاريخ لا يؤكدان أن السياسة الثقافية للدولة تتقصد وتتعمد إنتاج كل الشروط والظروف التي تجعل نسبة القراءة ضعيفة ومتدنية إلى أقصى درجة؛ وإذا فهمنا هذه العلاقة يصبح عديم الجدوى الشكوى من "استقالة الجماعات [يقصدون المجالس الجماعية] من الشأن الثقافي".

- لم يخف أصحابها إحراجهم من جهة الترتيب المتدني للجامعات المغربية مقارنة بمائة جامعة في أفريقيا، وهو ما "يخدش الصورة التي نحاول (؟) تسويقها (ضعو تحتها خطا) عن مغربنا العزيز (أو الحبيب) بتقديمه (لاحظو جيدا) على أنه من البلدان الرائدة إفريقيا وعربيا..."، لو كانت هذه الجملة تتصدر واجهة يافطة إشهارية لشركة سياحية لغضضنا الطرف، باعتبار التسويق والدعاية هو آلية لاستدراج الزبناء وجني الأرباح، أما أن يكون هذا أسلوبا معتمدا في "ورقة ثقافية" فهذا يعني أنها خاصمت العقل وهجرت التحليل.

- وظفت عدة إحصائيات، لكن الملاحظ عدم ذكر مصدرها حتى نتوقف عند تحديد مدى مصداقيتها، فثمة قول يفيد أن "الاحصائيات هي فن الكذب المنمق بالصدق". لنأخذ عينة من تلك الأرقام لاختبارها، فقد أوردت "الورقة" أن نسبة الأمية الأبجدية في المغرب سنة 2012 تغزو 28% من المواطنين"، ويبدو أن هذه الاحصائية مأخوذة عن مديرية محاربة الأمية بوزارة التربية الوطنية. وهنا نسجل أن إحصائيات الأخيرة تعتمد نسبة المسجلين سنويا بغض النظر عن استفادتهم من برامج محو الأمية أم لا، لأنه عمليا ما يُقدر بنصف هؤلاء المسجلين لا يلتحقون. ونسبة من كبيرة من هؤلاء الملتحقين منهم مَن قضى 3 سنوات وأكثر ومع ذلك يتكرر إحصاؤه في كل سنة، فتتضخم بالتالي الأرقام الوهمية للمستفيدين من محو الأمية. مع العلم أن البرنامج الذي يخضع له المستفيدون يعتمد 300 ساعة في السنة، ليُعتبروا وفق الوزارة في عداد من حاربو الأمية، فهل 300 ساعة كافية في تأطير المستفيدين لمحاربة الأمية دون الدخول في مناقشة محتواها؟!

- لم تأت على ذكر المثقف تعريفا وموقعا ودورا في عملية الانتاج الثقافي مع أن ذلك متلازم مع أي تعريف لمفهوم الثقافة. وفي اعتقادنا أن المحاور والمواضيع ذات الأولوية والأهمية في الوضع الثقافي التي كان على الورقة أن تُفرد لها حيزا هي: تقاطع الثقافي بالسياسي ودور الاديولوجيا في توجيه الثقافة وعلاقة المثقف بالسلطة، ثم الوأد الذي تعرضت له الأندية السنمائية وإجهاض مسرح الهواة لما كان لهما من أدوار طلائعية في التنوير والتربية الفنية والإشعاع الثقافي بمضمون تقدمي...

خــاتـمــة:
انطلقنا في مقدمة هذا النقاش بطرح السؤال: أي ثقافة تعكس هذه "الورقة"؟ وكيف قرأت موضوعها ومن أي زاوية نظر؟ وها نحن نجيب بعد قراءتها نقديا وتحليلها أنها تندرج ضمن الثقافة السائدة. صحيح أنها منمقة بتعابير تدعي العلمية وتتبنى التقدمية في الشكل والمظهر، لكنها تنقلب ضدها في العمق والجوهر. وهنا من الأهمية الملحة خوض الصراع الدؤوب لا ضد الثقافة السائدة فحسب، وإنما ضد امتداداتها وتعبيراتها وتمظهراتها داخل جمعية A.D.E.J نفسها وفي مختلف حقول الصراع ومجالاته، ولعلنا لا نظلم "الورقة" إذا وصَّفناها أنها شبيه بمَداس أوطيلسان الطنبوري. وهاكم يا شطار نص الحكاية: كان للطنبوري طيلسانا لا يراوحه في الحَرّ والقَرّ كما في حِلّه وتِرحاله، ومن شدة استعماله له تآكل فراح يرقعه، ثم يرقعه، ويرقعه... حتى ذهب الطيلسان وبقية الرقع!

اللجنة الثقافية لجمعية A.D.E.J
فــرع بنـي مــلال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جعفر الميرغني يوضح موقف حزبه من الحرب في السودان ودور الجيش


.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة




.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي


.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد




.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟