الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- تجليات العزلة - نص شعري له حضوره الفاعل في منجز أسئلة الحداثة،

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2014 / 1 / 10
الادب والفن


" تجليات العزلة " نص شعري له حضوره الفاعل في منجز أسئلة الحداثة،



(الاديب والشاعر هو أنسان قبل أن يكون أي شيء أخر..وتدخل القضايا التي تشكل تحديا لوجوده في نصوصه..والاغتراب يمكن ان يتحقق وانت تعيش في وطنك أو بين اقرب احبائك أما الغربة ، اي النزول في ارض أخرى وبين بشر لا تشاركهم ثقافتهم او لغتهم فانا لم اشغل نفسي بهذا الموضوع مباشرة ..ولكن عدم الانشغال لا يعني غياب الاحساس بالغربة ومعاناتها ..ولهذا يمكن القول انني تناولت الأغتراب أكثر مما تناولت الغربة ) . هذا القول للشاعر " قحطان جاسم وهومستل من أحدى لقاءأته الصحفية و ويضيف الشاعر " الغربة حققت لي حرية أكبر في الكتابة ومنحتني خبرة ووسعت من آفاقي الشعرية والفكرية والانسانية" "قحطان جاسم " الشاعر المولود في عام 1952 وعمل في بواكير حياته في الصحف العراقية
مثل جريدة طريق الشعب ونشر في صحف عريبة مثل صحيفة الطليعة الكويتية بالاضافة الى العديد من المقالات في حقول السينما و الموسيقى واصل تالقه الشعر واصدر ديوانه الشعري الثاني الذي وسمه تحت عنوان " تجليات العزلة " بعد ديوانه الأول
" رؤى في مملكة الغياب " الصادر في عام 1992 وفي مجموعته الجديدة الصادرة في المغرب أستطاع من خلالها أن يخرج بعصارة فكره وثقافته وقراءاته المختلفة واهتماماته الأدبية المتنوعة وتجاربه وهو الذي عمل في بواكير حياته في الصحف العراقية مثل جريدة طريق الشعب ونشر في صحف عريبة مثل صحيفة الطليعة الكويتية بالاضافة الى العديد من المقالات في حقول السينما و الموسيقى و الفن ،وصال نسج خيوط الشعر المتميز الذي يغري بالقراءة والتذوق. ففيهما معاً نجد أن الشاعر يكتب ضمن رؤيا شعرية موحدة مفعمة بالألم والمنفى والاغتراب، رغم انطوائها على مضامين مختلفة أخرى. هذه الرؤيا تعبر عن تجربة شعرية مكتملة ومتكاملة قادرة على جعل القاريء لها يخرج بفكرة مفادها أنه يقرأ لشاعر لا يحيد عن الفكرة التي يكتب عنها ومن أجلها ولهذ حق علينا أن نقول بأن الشاعر قحطان جاسم شاعر وفيٌ لقضيته وفكرته التي يكتب عنها ,هذه الوحدة الفكرية التي نجدها في شعره تجسد ذاته الإنسانية وغربته في منفاه الاجباري والذي أمتدت لاكثر من ثلاثين و ألمبدع عموما هو أنسان قبل أن يكون أي شيء أخرو وتدخل القضايا التي تشكل تحديا لوجوده في

نصوصه , الاغتراب يمكن ان يتحقق وانت تعيش في وطنك أو بين اقرب احبائك..أما الغربة أي النزول في ارض أخرى وبين بشر لا تشاركهم ثقافتهم او لغتهم فان" قحطان جاسم " لم يشغل نفسه بهذا الموضوع مباشرة ..ولكن عدم أنشغاله لا يعني غياب الاحساس بالغربة ومعاناتها ولهذا يمكن القول انه تناول الأغتراب أكثر مما تناول الغربة ويعترف الشاعر أن الغربة حققت له حرية أكبر في الكتابة ومنحته خبرة ووسعت من آفاقه الشعرية والفكرية والانسانية . ومن بداية المقطع ألاول من هذه المجموعة يقحمك الشاعر الى عوالمه وعزلته حيث الوجع والوحشة والخسران ومرارة المنفى الواضح على كتاباته مستحضراً قضية العراق وحال الناس في هذا البلد، ومسقطاً واقع العراق على ذاته وشخصيته :
لسنواتٍ
وانا ارقبُ الصمتَ
يختالُ في أجمّة الروحِ
يزاحم
هَيجانات أسىّ مبهم
حطاماً لوقتٍ فائتِ
تبعثر
في
الضجيج المسلح
وفي مجموعة " تجاليات العزلة " للشاعر قحطان جاسم نلاحظ أنها قد رسمت مثلت الشعر المعاصر الجديد في مبناه و رمزيته وشعريته وجماليته مما يخلق تنافرا بين الشاعر والقارئ على مستوى التلقي(بالنسبة للقارئ العادي البسيط )، لأن النص لجماليته يختار قارئه وهو موجهٌ إلى القارئ النموذجي وليس إلى أي قارئ!!،لقد تناولت المجموعة الشعرية العزلة والتي لازمت الشاعر في كل نصوصه او مقاطع المجموعة والتي ظلت رفيقة الشاعر أينما حلّ وارتحل، وسيظل يحملها في كيانه ووجدانه، ويتحمل دونها الصعاب كيفما كان الحال، لأنها روح الشاعر وملاذه وأنيسه الحميم في كل لحظةوهذه الموضوعة الاساسية ل " تجليات العزلة" وهذا موضوعنا جميعاً في الماضي والحاضر وللأسف حتى المستقبل المنظورعلى ألاقل وهي الموضوعة ألاساسية في حالات الاستلاب الفكري و الغبن للمبدع التاريخيين و الحكم الديكتاتوري وما أفرزه من هجرة قسرية واللذين لحقا بنا وصارا دمغة خاصة بنا و تارة باسم الدين والأخلاق والعادات والتقاليد، وأخرى باسم القومية والعروبة، وثالثة وليست الأخيرة باسم الثورية والماركسية..!! حتى صرنا لا نميز في الحقيقة مضامين كل هذه الأشياء.. وما مدى حاجتنا لها.. إذا كنت مغبوناً، مستلباً، جائعاً، ذليلاً، منكسراً.. في الأخير مغلوباً على أمرك في بلدك وبين ظهراني شعبك وناسك !!!
في مجموعة الشاعر "قحطان جاسم" ثمانية وثلاثون مقطوعة أو قطعة نثرية و ادبية لكل منها استقلالها ومضمونها الخاص، عمد الشاعر في استنطاق ذاته والتعبير عن آماله وآلامه، و نلمس أن القصيدة في مفهوم الشاعر " قحطان جاسم "هي (وجع كلي و تبصر دائم في الكون و الانسان و الوجود ) إنها تعبير عن رؤية شعرية جمالية لها منطقها الخاص وسماتها الذاتية التي تمنحها صفة النسبية في الفكر , فالشاعر الذي عاش غربتة الطويلة يصف العراق في ذاكرته ووعيه ( الوهم الذي لا يغادره !!) وقد تجسدهذا في المقطع الذي يكشف ذاكرة الشاعر الوطن وتاريخه المثقل بالنواح و مواكب التمجيد و التطبيل للحرب :
الطبول أغاني الحرب
والنياشين المعطوبة على صدور المخصيين
التراث المزدهر في الظلمة
النواح
ومواكب المهزلة
أليست تلك هي تاريج بلاد
قادتني
لعتبات مهجورة
وكي يبقى للشاعر الحظوة في أن يركب الصعب للوصول إلى السهل، فأنه يكتب بلغة بسيطة وبمعجم جميل ومفهوم ويصل إلى الإمتاع والإبداع فهو في حد ذاته تفوق أدبي. فالمتكأ في قصيدة الشاعر هو استحضار الكثير من الألفاظ المفعمة بخلق معجم شعري ولذلك فهذه الألفاظ تأتي بما تأتي به في توظيفها شعريا لتصل إلى فكر شاعر قادر على توظيفها جمالياً وإبداعيأ و في المقطع التالي نلمس تعبيراً جميلاً. جعل قارئه يتذوق شعراً راقياً من خلال الصور المستخدمة في هذا النص الجميل
في حقل وحدتي
شطايا افكاري مبعثرة كخرز حادة
توغل في التيه
كابتهالات اللاجدوى
في حضرة الغثيان
أستطيع القول القول بأن الشعر عند " قحطان جاسم " قد طبع بموسيقى راقية وجميلة تحبب قراءة الشعر وتقربه من القاريء أكثر. إن هذا التوجه الشعري عند الشاعر أشبه في قربه من الحياة , لقد امتلك الشاعر رؤية شعرية معززة بالتجربة الحياتية و تقافته ووعيه
المبكر و ايضأ ما يملكه من خزين معرفي و قراءات عديدة و في مجلات متنوعة من مجالات الادب و باقي الفنون و التي بقيت محفورة في عقله الذي يساعده على إخراجها شعراً راقياً
وضحكتك
أذ تلمس وجهي
كرجة قارب
تنسلين
بين ستائر الكيد
كغزالة الحلم
بشغاف ألالفة
وبحة جرح بري
لكن وطنه (ألام) العراق في بعض نصوص المجموعة ملتبس وشاق ومنسي بشكل لا يطاق والزمن مازال يدور لينجب لنا واقعاً عراقيأ غارقاً في الدماء و الخرافة و التغيب الفكري و الاصطفاف الطائفي المقيت !! والشاعر رغم أن " تجليات عزلته " هي تشكيل وجع الشاعر و اغترابه لكنه في مجموعته يحلق كالطائر الذي يشدو بأوتار الفراق وكالعروس التي فقدت عرائسها على أرض العراق. يستحضر الشاعر الكثير من الصور الواقعية والأحداث التي تميز واقعاً شاقاً لذا نرى رمز الاغتراب الذي ينطوي على أفكار وحالات معيشية وثقافة دفينة لا يمكن له أن يذهب أدراج الرياح في واقع يكرسه أكثر ويطالب بغرسه كثقافة في عقلية الإنسان العراقي و العربي عموما. وقد استحق " قحطان جاسم "لما جسدته قصائد ديوانه الثاني " تجليات العزلة " من فكرة الاغتراب والمنفى ان تكون تلك المجموعة هي ( نشيد الغربة والاغتراب ) :
جادة وحيدة تفضي الى غيابي
الايقاعات مهجورة
رقصة اخر الليل جنازة مؤجلة
وهذه الامسيات
التي تتهاوى كنصل صدأ
على أخر رمق لقناديلي
تنكرني

لقد شكل الشاعر فحطان جاسم في ديوانه الجديد شاعريته على بساطة المعنى ومباشرته في الأعم الأغلب، مع لمحات توحي بالقدرة على استحضار صور شعرية صعبة الإدراك :
ليل يتخطى ليل
والتصالح عسير
الخسارات تتزاحم كالآوبئة
يرقب
جحيم النهارات
كالصائم
بين الخطيئة و الاثم
عويل أصم وبارد
الكتابة عند " قحطان جاسم" معاناة شأنها شأن اي عمل أبداعي لانها توحد تام مع ذاته و لا أحد يشاركه الفكرة عندما يكتب أنها الفرصة الوحيدة التي يختلي فيها "قحطان " تماما مع نفسه ولهذا نراه يحاول في ديوانه " تجليات العزلة " صياغة آلامه وخساراته شعرا ولكي ينجح في جعل المتلقي أو القارئ يتفاعل مع الموضوعات المطروخة في نصوصه يعمل على التنقيب العميق في مغاور اللغة من اجل العثور على جوهرها الصقيل والمختلف والمختار بعناية فائقة ،وفي المقطع الاخير حين انشد يقول :
جاهرت بالمعصية
شمت بغميضة الاسرار
آن أن نسقط في الفخ
لا ملاذ في رتل الانتطار

في تجليات عزلة الشاعر" قحطان جاسم " تنويع في الصورة و الانتقال من حالة الى أخرى مرة نراه يراقب الصمت لسنوات ثانية يهدي بعض شتلات الوهم للحبيبة وهو الذي يعلن الولاء لها حيث لم يكن راغبأ في التخلي عن أغفاءة شاردة وهو الذي يتوجس الحزن الرخيص و توجس الندى ليصدمنا الى ان الحب حين تغتاله التهاني وفي نص آخر نراه يقيم وليمة لاعشابه و المكان هو الصمت !! رغم عزلته فهو المحرض لآخر مسرات الامس فيعود الينا الشاعر بوجه اخر و بخيبة جديدة حين يتنصت لخطى برد الصيف و برهبة يصغي لاوجاعه ولكنه وبصوت خافت متوسلآ ان يمسك بجمرة ألانفعال كي يحمي نفسه من زلزال الضيم , وهو الذي الشاعر يصور لنا هواجسه وشظايا افكاره مبعثرة كخرز حادة !!
والهدوء في منفاه الدانمركي كمائن للوحشة و في حالة ورومانسية رقيقة يخاطب معشوقته حين يقول لها هناك في اعالي الانهيار عند اقصى لمحة يأس للكون - سألمسكِ بتؤدة نادرة ؟؟ و يطرح علينا همه وحزنه بسؤاله - متى تصل ضفتي ..فنغسل ملح المراكب ...بشال العناق؟؟ ولا يخفي حزنه وسط تلك العزلة المفروضة عليه وهذا الحزن المستكين في مشهد الغياب يختلس مداراته وبقايا الوردة ولانه يكره الرويتين نراه لايطيق المؤسسات التي تعمل تدجين الروح وتقنين حريته و لايطيق الملفحات في السواد وصار شكلهن شكل التوابيت التي تخفي بداخله ارواح ميته!! " تجليات العزلة " اختصر الشاعر فيها عزلته في نشيد موجع ولحن حزين.
لقد قرأت " تجليات العزلة " باستمتاع وانجذاب كبيرين و لا أدري الآن على وجه الدقة، هل السبب كان موضوعها لأنه يهمني.. أو هو أسلوبها، الذي وجدته مفارقاً لأساليب الكتابة التي اعتدنا عليها في عالمنا العربي.. أو لجرأتها في البوح بأسرار النفس البشرية. لعلني أخيراً، أُعجبت بها لكل هذه الأسباب مجتمعة .


علي المسعود
كاتب عراقي مقيم في - المملكة المتحدة









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد