الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصيف و الحجاب و شاطئ البحر...مداخل نفسية لفهم المشروع التوتاليتاري

إقبال الغربي

2005 / 6 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذكرت الصحف الإيرانية أن قائد شرطة طهران أعلن شن الحملة الموسمية التي تتزامن مع اقتراب فصل الصيف ضد النساء اللواتي لا يلتزمن بارتداء الحجاب بشكل تام. وأعلن المسئول أن عمل الشرطة هو محاربة كل من تعتبرهن أجهزة الأمن نماذج لعارضات الأزياء. بل وأضاف قائد الشرطة أن 30 بالمائة من المكالمات التي يتلقاها جهاز السلطة في طهران تتعلق بشكاوي يقدمها مواطنون عاديون ضد نساء يرتدين الحجاب بشكل غير لائق !!

في السعودية أوقفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السيئة الذكر-الأربعاء الفارط- الشاب الفائز في مسابقة "ستار اكادمي" هشام عبد الرحمان بتهمة الإخلال بالأخلاق الحميدة لأنه تبادل التحية والقبلات مع مجموعة شباب من الجنسين التفوا حوله لتهنئته في مركز تجاري في العاصمة الرياض ولم يطلق سراحه إلا بعد أن تدخل مسئول كبير لفائدته.

في غزة أعدمت مجموعة اسلاموية خطيبان كانوا يتنزهون على شاطئ غزة برفقة أقارب لان مشهد فتاة تمشي مع خطيبها أثار حفيظتهم وهم يعتبرونه جريمة من البداهة أنها لا تحتاج إلى برهان ولا إلى دليل ولهدا السبب قاموا بدور المجرم والقاضي والجلاد في آن واحد.

عندما نبحث عن الخيط الناظم بين هذه الأحداث المبعثرة التي تزاحم المأساة فيها الملهاة ونحاول إدراك العلاقات بينها نجد المنطق التوتالتاري المشئوم. فهي أعمال تنطوي بالقوة انطواء البدرة على النبتة على نمط حكم وتسيير المجتمعات الشمولية.

ولعله من المفيد أن نستقرأ تاريخ الظاهرة التوتاليتارية الاسلاموية عامة وأن نفكك آلياتها لفهمها ولمقاومتها.

يسعى المشروع التوتاليتاري إلى"السيطرة التامة" على حد تعبير الفيلسوفة حنا ارندت ويستند هدا المشروع الاسلاموي على العناصر والمقومات التالية :

1- تزوير التاريخ وتصفية الذاكرة الجماعية وإعادة كتابة التراث وصنع إسلام مضاد للإسلام.

وتصبو هذه التقنية الإيديولوجية إلى هدفين أساسيين : أولا - تكييف الذاكرة الجمعية المعاصرة مع متطلبات الحركات السياسية الاسلاموية لإعادة صياغة الوعي الإسلامي وﻨﻤﺫجة المخيال الثقافي وﺇختزاله في رأيا نرجسية معقمة ومبسطة لتاريخنا الثري والمعقد حتى وان أدى ﺫلك إلى عدم الاعتراف بالبعد البشري والتاريخي لشخصية الرسول وشخصيات الصحابة بل إلى إنكار وقائع تاريخية معروفة وردت في كتب التراث وإلغائها جملة وتفصيلا. ثانيا - يمثل الماضي أو التاريخ حسب ولتر بنيامين "اﻟﺑﺫرة المشاعرية التي تمكننا من تقييم الحاضر تقييما صحيحا". أي أننا بدون ماض نفتقد إلى مرجع هام يحول لنا مقارنة الواقع السائد والاحتجاج عليه. وهنا يقف التاريخ موقف سياسي من الوضع القائم ويتجاوز الوعي العام والتجربة العادية ويصبح شاهدا عليهم ويفتح بذلك أفق التغيير والتحرر. وبالتالي يمكننا أن نستبق وأن نؤكد أن المشروع المنهجي والمفصل للتوتاليتارية هو في نهاية المطاف تدمير الفرد لان أي فرد دون ماض يصبح مضغة سهلة يمكن تركيعه وتطويعه وتنميطه من أي طرف كان. فالتوتالترية تعريفا هي تذويب الفرد في الأمة لجعله نسخة مطابقة الأصل منها ينطق بلسانها ويفكر بدماغها لا بنفسه. ومن هنا نستخلص أن المشروع الاسلاموي يتآمر على الأمة ويسعى إلى تخريب مقوماتها المعنوية والرمزية عبر التضليل الإعلامي المنظم التي تقوم به الفضائيات الاسلاموية الذي يسعى جاهدا إلى تصفية التاريخ والحقائق بغية سد الهوة التي تفصل بين الوهم الإيديولوجي والمركزي والعلم الموضوعي.

2- سحق الفرد كفرد.

يتميز المشروع التوتاليتاري بفتح باب الاضطهاد على مصراعيه لكل أفراد الشعب دون استثناء بشكل مستقل عن الخصوصيات الطائفية أو الطبقية. فهو يعادي كل ما يمكن أن يشهد سواء في المشاعر الإنسانية أو في الفن أو في اللغة أن شيئا ما يمكنه تكذيب ادعاءاته الشمولية أو زعزعة الأوهام المطمئنة التي يعتمد عليها. المشروع التوتاليتاري يطارد كل نزعة فردية لأنها مرتبطة حتما بالبشري - بالحسي- بالثقافي وأيضا بالرغبة والمتعة. لماﺬا ؟ لان تعطيل هذه النزعات تثبت الفرد وتجمده في حالة طفلانوية لامتناهية وفي مراحل جنسية ما قبل اوديبية وتجعله ينخرط في الأطوار الفمية والسادية المازوشية للإثارة الجنسية. وهي أطوار تتلاءم مع وضعيات الفتنة والتماهي ومع علاقات الطاعة والتبعية والخضوع المازوشي التي تنسج مع الزعيم ومع القائد. هذا القائد الذي ينتصب في موقع مثال الأنا ويلعب دور الأب الاجتماعي ويلبي رغبة عتيقة تسكن أعماق الإنسان من المهد إلى اللحد وهي الرغبة في نيل حب وحماية أب ودود وقوي.

3- هاجس الطهارة والنقاء وجنون التطهير.

يؤجج مشروع توتاليتاري هاجس الهوية بمفهومها السطحي والبدائي أي الهوية المنغلقة على ذاتها والمتناقضة مع الآخر. لدلك نراه يؤكد ويطالب بوحدانية الدين - بوحدانية اللغة المقدسة - بوحدانية الكتاب - بوحدانية الأمة التي هي خير امة أخرجت للناس. ويؤدي هاجس الوحدة والتوحد إلى معاداة ومحاولة نفي وفي بعض الحالات إلى إبادة كل ما ومن يهدد هذا الوهم ويكذب هذه الادعاءات الهلوسية. لماﺬا ؟ لأنه يعرض المجموعة إلى الخطر- خطر الشك - خطر زعزعة اليقينيات - خطر الانقسام - خطر التلوث. ومن المفيد أن نذكر أن الوهم في التحليل النفسي ليس الإدراك المخلوط للحقيقة بل هو تحقيق لرغبة لاشعورية وتعويض ﻟﺫﻴﺬ لحقيقة مريرة. يقول فرويد : "نسمي وهما معتقدا ما عندما يكون تحقيق الرغبة عاملا أساسيا باعثا له." فالمختلف عرقيا أو دينيا أو جنسيا والمثقف النقدي والعلوم الحديثة وكل السلوكيات الدخيلة تعاش توهميا كعناصر ملوثة مسمومة تهدد بكارة ونقاء جسد الأمة التي تماثلت في اللاوعي الجمعي مع جسد الأم الطاهرة. وهو ما يفسر رفض الإسلاميين لحق الاختلاف ولحقوق الأقليات الدينية والعرقية والجنسية وهو رفض يؤدي إلى"ﺃسلمة" العلوم والمعارف والمكتبات ومطاردة المفكرين الأحرار وبعث محاكم التفتيش من قبورها ويصل في بعض الحالات إلى حد التصفية الجسدية. أما على المستوى العملي فتوظف مطاردة الشك وفرض يقينيات الحق المطلق والباطل المطلق في إعطاء مشروعية لتصديق كل الفتاوى ولتنفيذ كل الأوامر الهاﺬية دون أي شعور بالذنب أو بالقلق.

4- تأجيج الميكروفاشية وتغذيتها.

يعرف المحلل النفساني ولهالم رايخ "الميكروفاشية" بكونها : "مجموع ردود الفعل الانفعالية اللاعقلانية للإنسان المتوسط المضطهد من طرف الحضارة الاستبدادية التي أعاقت حركة الحياة الطبيعية عبر مصادرها الثلاثة : الحب والعمل الخلاق والمعرفة العقلانية."

يعتمد المشروع التوتاليتاري على إثارة أكثر الانفعالات بدائية مثل : الدم - الأرض - العرق - الصفاء - مجموعة الانتماء - كراهية الآخر٬- متعة التحكم - الخ... لدلك نراه يقدس الأمة - المجموعة التي تتماثل في اللاوعي مع صورة الأم البدائية. وهي صورة مزدوجة تشكل في آن واحد غلافا حاميا وملجأ فردوسيا من جهة وقوة شيطانية مفترسة وخاصية من جهة أخرى. وتستخدم هذه الصورة كمرتكز لعبادة الأرض-الأم والدين-الأم والأمة-الأم. وضمن هدا البناء ألهوامي تحتل هذه الصور الوجود نفسه وتدور حولها كتلة صاخبة ومتجانسة ومتماثلة تقول عن نفسها أنها أخوية بأخوة دين أسطورية. ويقع إسقاط واستبعاد كل ما هو سيئ ورديء على الآخر الكافر والطفيلي الذي يتماهى مع صورة الأب الاستبدادي والخاصي.

ولان المجتمع التوتاليتاري مسكون بعقدة الاضطهاد وهو ما يجعله يعتقد أن "كل شيء في الدنيا خالطه الفساد" وهو أيضا ما يجعله يرى المتآمرين يحاصرونه من كل حدب وصوب فهو يفرز بالضرورة حالة مرضية من الوشاية المعممة. وتعكس الوشاية المعممة رغبة هوسية في توجيه الآخر والتسلط عليه وهدايته إلى سواء السبيل. فالمناضل الاسلاموي مسكون بروح تبشيرية وبرغبة جارفة في نصح الآخرالمختلف وفرض وجهة نظره عليه. كما تجسد آلية الوشاية أيضا رغبة سادية في إلحاق الأذى بالآخر وذلك بدافع الغيرة منه لا الغيرة على الأخلاق الحميدة والنظام السائد. نعم ! هي غيرة لا شعورية أو نصف شعورية من ذلك الذي وجد الشجاعة التي خانت الأغلبية لممارسة رغباتهم الدفينة أو في التصدي للسلطة السائدة.

من وجهة نظر جدلية يبدو أن التوتاليتارية - التي ترتكز أيضا على البعد النفساني العميق للفرد - تنتج إنسانا مشوها يساهم بدوره في تدعيمها وتعزيزها. ولعله من الضروري أن نؤكد أن مقومات المشروع التوتاليتاري تقود إلى غريزة الموت وتعادي طبيعة الحياة فهي تعتمد أساسا على إدانة الحب - على الأخلاق القمعية- على اضطهاد الثقافة والمثقفين وأن السياسة الحقيقية تبدأ عند النواة الأكثر أولية للضمير الأخلاقي التي تقاوم الكذب والظلم وتجعلنا لا نسمح أن يتحقق هذا المشروع الكئيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد


.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو




.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي