الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنْجزَ ما عليه وَرحلَ

محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)

2014 / 1 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لا يهمني أبداً انحداره الطبقيّ ، ولا حتى انتماؤه ، أو جنسيته ولونه . وربما لا يعني هذا لكثيرين غيري . لكن الذي كان يدهشني فيه هو انحيازه واندفاعه الذي لا يعرف التراجع ، أو المهادنة ، أو التراخي والتذبذب . يعجبني فيه انتصاره وهو البعيد عن عالمنا الممتلئ صخباً وضجيجاً ودخاناً وموتاً - لقضايا الشعوب والإنسانية وكل المضطهدين في العالم . حيث كان يجد متعته وقد تكاملت وهو يتقاسم الهموم معهم ، ويتلمس عذاباتهم عن قرب ، ويشدّ جراحاتهم .
هذه كلمات لا تفيه حقه ولكنها حروف من وفاء لا بد منه لرجل يستحق كل الوفاء .
كانت سعادته فيما يستطيع ويقدر أن يفعله من أجلهم ، تطفح بريقاً ولمعاً على أديم وجهه كطوفان يغمر أرضاً يباساً لأول مرّة ، وزورق تدفع الرياح به من غير توقفٍ صوب النهايات . كان النضال من أجل هؤلاء المعذبين في الأرض هاجسه اليومي ، وغايته التي يسعى وهو المريض من أجل اكتمالها ، ولبوسه الذي لا يرى منقصةَ أو عيباَ الاستمرار فيه والوصول إلى خانة الحلم الأمل . كان ثوريّاً من طراز آخر . حرفياً حرفته الرصاصات يطلقها فتصيب مقتلاً ، مع أنه لم يحمل بيديه بندقية يوماً . ولم يتعامل بالسلاح ، كانت بندقيته خزين رأسه والذاكرةُ وما فيها من فِكَرٍ . وما يطلقه من فمه احتجاجاً من رصاص . ذلك كان سلاحه ، إنه طراز آخر من الرجال ، ثوريّ في لباس الكهنوت . لم يقعده مرضه الذي مات فيه ، ويبعده عمله عن الطريق الذي اخطّه ووضع على قدميه على أرضه أول مرّة .. إنه فرناند تويل ، كانت روحه تحمل الجنسية الفلسطينية والانتماء لهذا الوطن المغتصب ، قبل أن تمنحه السلطة الفلسطينية جواز سفرٍ يحمل اسم فلسطين -;- الأرض التي أحبها وعشقها وناضل من أجلها ومن أجل التطبيق الفعلي لحق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين , جاب العالم طولاً وعرضاً ليعرّفَ العالم بقضية فلسطين . كان يؤمن بعدالة قضية فلسطين ، وكان يعتبرها قضية تمسّ ضمير الإنسانية جمعاء , وهي قضية تختصر حقوق الإنسان والحرية والكرامة والعدل ، ودافع عن حق أهلها في العودة من الشتات ، و وضعها زهرة على صدره كما حملها أغنيةً في روحه ، وحلماً بين جفنيه ينام . عمل من اجل إنجاز توأمة مدينة مونتانير الفرنسية مع مخيم الدهيشة منذ قرابة خمسة وعشرين عاماً . إنه المقاتل العنيد ، والراوي المجهول ، ذاك الذي دفع بآلاف الفرنسيين تضامناً مع الشعب الفلسطيني في محنته ، وللتعرف عن قرب ومعايشةٍ على أوجاعهم ومعاناتهم ، كما كان يحثهم دوماً على ضرورة إقامة مشاريع إنسانية لدعم المخيمات الفلسطينية . كان صديقاً للراحل ياسر عرفات ، لكنه لم يستثمر تلك العلاقة لمنفعة ذاتية أو موقف شخصي . بل كان سعيه منصبًّا على تغيير الواقع على الأرض وذلك من خلال النضال الشّاق والدؤوب ، حيث تمكن في العام 1989 مع رفاقه من الفرنسيين وأصدقائهم من توأمة مدينة مونتاتير مع مخيم الدهيشة في محافظة بيت لحم . وفي العام 1999 جرى تأسيس جمعية التوأمة بين المخيمات الفلسطينية والمدن الفرنسية AJPF حيث يشترك في رئاستها مع أحمد محيسن من مخيم الدهيشة . وفي العام 2002 وفي شهر أيلول أثمرت مساعيه من أجل إقامة توأمة بين مخيم شاتيلا ومدينة بانوليه الفرنسية ، كان دوره بارزاً لجانب دور مارك ايفربك . علينا أن لا ننسى بأن شعار لجنة التوأمة الأول كان حق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم . كان فرناند تويل وهو يصارع المرض من أجل البقاء ، لكن صراعه من أجل حق الفلسطينيين في أرضهم وسعادة شعبهم فوق جبروت المرض وقسوته . لم يتكاسل ولم يتوانَ ولم يتراجع حتى رحل عن عالم الخذلان هذا مساء الثلاثاء 24 -12-2013 عن عمر ناهز 63 عاماً. المجد والخلود لك وأنت في مثواك أيها الصديق والابن البار لشعبنا الفلسطيني ، واعلم أنّك ستبقى خالداً في ذاكرة شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة