الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ف ، ح ، و (فلسطينيون، حملة، وثائق)

وليد الحلبي

2014 / 1 / 23
القضية الفلسطينية


أحياناً يكون قول الحقيقة من الغرابة بحيث يصل حداً يشبه الأسطورة، فتقع في نفس سامعيها بين مصدق ومكذب ومحايد، ومن ذلك أنه لا يمكن لأي مخلوق على سطح الأرض أن يعلم حجم معاناة الفلسطينيين من حملة وثائق السفر سوى أولئك الذين عانوها. والأمثلة الواردة التالية هي عينة من مشاهدات وتجارب شخصية، وهي غيض من فيض، فالقصص المتداولة عن معاناة الفلسطينيين على الحدود العربية – العربية هي كقصة الحيّة، كما يقول إخواننا البدو: إذا بدأت لا تنتهي.
من ذلك مثلاً أن الأردن العظيم يتعامل مع هؤلاء الفلسطينيين من حملة الوثائق ( وللاختصار سوف أشير إليهم بالأحرف ف ح و )، يتعامل معهم ببساطة، على أنهم مجرد مخلوقات ضعيفة، لا حول لها ولا قوة، هي منزلة وسط بين البشر والهوام، حيث أن تأشيرات المرور المسبقة التي تطلب منهم لعبور أراضي الأردن المقدسة! إلى سوريا ولبنان، يأخذ استصدارها من السفارات الأردنية أسابيع طويلة، فإن أعطوها شكروا وحمدوا، وإن حرموا منها، حوقلوا واسترجعوا وركبوا الطائرات، وعندما كان الحظ يبتسم للبعض منهم فيحصلون عليها، كان هؤلاء (ف ح و) القادمون من دول الخليج، يجبرون أحياناً على التجمع بسياراتهم على شكل قافلة، تنطلق من الحدود السعودية – الأردنية إلى الحدود الأردنية - السورية، محروسة بسيارتَيْ أمن في مقدمة ومؤخرة القافلة، طبعاً حرصاً على أمن الأردن!.إذ أن البحوث الجنائية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه المخلوقات شريرة بالفطرة، لذا وجب الاحتياط والحذر منها. في هذه الأثناء ربما كان بعض السياح الإسرائيليين، الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة دخول إلى الأردن العظيم!، يأخذون الصور التذكارية لهذه القافلة الفلسطينية، أو في ربوع جرش والبتراء، أو على شاطيء العقبة.
وللإنصاف، لا يعامل الأردن الكريم! فقط (ف ح و) بمثل هذه المعاملة الأخوية!، بل تشترك معه في ذلك معظم الدول العربية. 400 عائلة من الـ (ف ح و) الذين طردوا من بغداد بعد غزوة بوش الثاني عام 2003 ، فقط لأن صدام حسين بنى لهم حي البلديات ذا السكن النظيف في بغداد، مكثوا على الحدود العراقية السورية سنوات وسنوات دون السماح لهم بدخول سوريا، وهي التي استضافت حوالي المليون عراقي، إلى أن تكرم الإخوة! في كندا والأرجنتين والتشيلي بمنح بعضهم حق اللجوء إليها، وأعتقد أن البعض الباقي منهم مازال على حدود البلدين العربيين حتى اليوم! يأكل الرمل، وتضع نساؤهم حملهن كما كانت البدويات يفعلن في جوف الصحراء منذ بدء الخليقة، أما البامبرز والكورن فليكس وأنواع الشوكولاته والألعاب، فلا يعرف أطفالهم عنها شيئاً، أولئك الذين منَّ الله عليهم، من بين أطفال العرب، أنهم ولدوا وقد لوحت جباههم شمس الصحراء العربية المجيدة!.
هذه المعاملة الكريمة! للإخوة (ف ، ح ، و) ليست بجديدة على العربان، ففي عام 1972 ، أي منذ 42 سنة بالتمام والكمال، قابلت، وأنا في طريقي إلى الجزائر، شاباً فلسطينياً على الحدود المصرية الليبية، كث الشعر، طويل اللحية، بدا عليه الإعياء من طول انتظار، وكان لسوء حظه وغضب والديه عليه! يحمل وثيقة سفر مصرية، أخبرني الرجل أنه مازال هنا على الحدود منذ أسبوع، وكانت مشكلته أنه خرج من مصر دون الحصول على تأشيرة عودة إليها، وفي نفس الوقت كان قد صدر مرسوم ليبي يقضي بعدم دخول فلسطينيي غزة إلى ليبيا بدون تأشيرة عودة إلى مصر، فلا الإخوة! المصريون سمحوا له بالعودة إلى القاهرة لكي يحصل على تأشيرة عودة لأنه ببساطة لا يمتلكها، ولا الإخوة! الليبيون أدخلوه إلى ليبيا لأنه ببساطة لا يملك تأشيرة عودة إلى مصر، وقد راوح المسكين بين نقطتي الحدود على مدى سبعة أيام: الليبيون يقولون له: (اذهب إلى النقطة المصرية، فلا بد سيقدرون موقفك ويدخلونك لأنك تحمل وثيقة مصرية)، أما المصريون فيقولون له: (آسفين يا بيه دي تعليمات، اذهب إلى الإخوة الليبيين، فهم قوميون عروبيون يؤيدون القضية الفلسطينية، ولا بد سيقدرون موقفك ويدخلونك). وبلا جدوى، فقد وضع الليبيون في الأذنين طين، ووضع المصريون في الأذنين عجين، وأحسب، والعلم عند الله، أن ذلك الشاب – الشيخ الآن - مازال هناك إلى هذا اليوم، يرعى الأغنام والإبل مع قبيلته التي ولد أفرادها وترعرعوا على أرض صحراوية قاحلة بين قطرين عربيين شقيقين!!!، واللطيف في الأمر أن الصفحة الأولى في وثيقة سفره المصرية تحمل مناشدة حازمة من وزير داخلية جمهورية مصر العربية إلى سلطات الحدود أينما كانت أن تسهل مرور حامل الوثيقة، طبعاً باستثناء السلطات المصرية، حيث تحمل الورقة الأخيرة من الوثيقة – اللعنة، تنبيها يقول بأنه لا يسمح لحامل هذه الوثيقة العودة إلى مصر بدون تأشيرة عودة ، أما أنا فقد كنت محظوظاً، خائفاً على نفسي من حسد الأخ الغزاوي!، فقد سمح الليبيون لي بالدخول إلى ديارهم العامرة، إذ كنت أحمل وثيقة سفر سورية تمنحني، بكرم بالغ لانظير له، حق العودة إلى سوريا دون الحاجة إلى تأشيرة عودة ( تصفيق حاد).
في سبتمبر عام 1973، دخلت الجزائر بسيارتي قادماً من تونس عبر منفذ (غار الدماء)، وبعد إنهاء إجراءات الدخول، طلب موظفو الجوازات الجزائريون من القادمين الفلسطينيين فقط الانتظار وعدم المغادرة، وبعد أن تجمع لديهم عدد من الإخوة! ( ف ، ح ، و )، انطلق الموكب المهيب! تتقدمه سيارة شرطة جزائرية وخلفه سيارة أخرى. شعر جميع الفلسطينيين بأنهم يحظون باستقبال مميز كأنهم دبلوماسيون أو أبطال فاتحون، إلى أن وصل الموكب إلى قيادة الشرطة في مدينة (تبسّة)، وهناك احتجزنا عدة ساعات دون أن نعرف السبب قبل أن يسمح لكل منا بمتابعة سفره إلى وجهته على الأرض الجزائرية، أرض المليون شهيد!. لم نتبين سبب هذه الإجراءات المعقدة التي اختصوا بها (ف ح و )إلا بعد أن علمنا أنه في نفس ذلك اليوم، الخامس من سبتمبر 1973، كان هناك افتتاح القمة الرابعة لدول عدم الانحياز بحضور 57 رئيس دولة في الجزائر العاصمة، تلك التي تبعد عن الحدود التونسية – الجزائرية مسافة تزيد على 750 كم، فهل كانت هذه الإجراءات حماية لزعماء دول عدم الانحياز من إرهاب الفلسطينيين!؟، أم كانت لحماية الفلسطينيين من بطش زعماء دول عدم الانحياز؟، وإلى هذا اليوم لا أملك جواباً شافياً على هذه التساؤلات.
هل يصدق أحد هذه الروايات؟، بالطبع لا، فليس بعاقل من يصدقها، بل عليه أن يقول بأنها مجرد أوهام في خيال كاتب حاقد، دبجها لكي ينتقد بها نظاماً قومياً عربياً متماسكاً، وربما كان هذا الكاتب ماسونياً أو عميلاً للصهيونية والإمبريالية، أو غيرها من التهم التي تكال في العادة لمن يجرؤ على قول الحقيقة، كما أن من لا يصدقها معذور، لأنها تبدو وكأنها قصص بذيئة مغرضة من قصص الخيال القومي!.
دأبتُ منذ فترة طويلة على القول بأن المنطقة العربية تضم ثلاثة عناصر متمايزة، لا رابط بينها يجمعها: عرب ويهود في الأساس، وفلسطينيون على الهامش، ومن يعتقد بأن (ف ح و) هم إخوة للعرب، يكون كمن يقول بأن الخراف هي إخوة للذئاب.
فعلاً: هي أنظمة عربية لا تستحي، ولكن المثل الدارج أعطاها فسحة لكي تتصرف كما تشاء، فقال: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت.
23 يناير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست