الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستراتيجية حكومة روحاني في التعامل مع القضية الأهوازية- الجزء الثاني

صالح الحميد

2014 / 1 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


زيارة شمخاني الاخيرة للأهواز في الاسبوع الماضي و التي جاءت بعد يومين من انتهاء زيارة الرئيس حسن روحاني وفريقه الحكومي، حملت في طياتها تفاصيل وأبعاد كثيرة ومهمة، ولقد جاءت مكملة لزيارة روحاني التي تهدف بالدرجة الاساس إلى تهدئة الأوضاع الداخلية والانفتاح النسبي من أجل ضبط الوضع الأمني و الاحتقان الشعبي بعد ما رأى النظام بان سياسات الحكومة السابقة لم تنجح في إحتواء القضية الأهوازية و الاحتقان الشعبي المتصاعد من خلال أساليب القمع و الإحتواء.
و مما يفهم من هذه الزيارات المكثقة أن إستراتيجية الحكومة الجديدة و خططها المستقبلية تجاه اقليم الأهواز تتجه نحو نوع جديد من التعامل السياسي بدل القمع المباشر. إن إهتمام الحكومة الكبير بالجانبين الأمني و السياسي في الاقليم يوحي بان النظام بات يدرك بأن هذه الأزمات المستفحلة لا يمكن حلها من خلال القمع و التجاهل و التهميش و يمكن ملاحظة ذلك التطور النوعي في نظرة الحكومة الجديدة و سلوكها من خلال التركيز على قضايا هامة على صعيد الشارع الأهوازي كقضية الوعي القومي و تصاعد المطالب الشعبية و كذلك قضية الانتماء المذهبي و إزدياد ظاهرة التسنن و البدء بالبحث عن حلول جذرية بدل ربط هذه التطورات بالتدخلات الخارجية و الصراعات الاقليمية.
أما زيارة شمخاني الاخيرة فجاءت لتؤكد بشكل واضح الخطوات العملية للحكومة الجديدة ببوادر التعامل الجديد مع القضية الأهوازية. لقد بادر شمخاني بطرح رؤية و إستراتيجية الحكومة الجديدة تجاه الشعب العربي الاهوازي من موقعه كرئيس للمجلس الأعلى للامن القومي الايراني و قد ابلغ عدة رسائل و خطط من جانب الحكومة موجهة الى بعض النخب و المثقفين و عدد من الوجهاء و الشيوخ و زعماء العشائر العربية و رجال الدين ممن إستجابوا لدعوته في حسينته في شارع 24 متري في مدينة لاهواز بمناسبة إحياء ذكرى ميلاد الرسول في الساعة الساعة 9 مساء يوم السبت 18 يناير2014.
في بداية ذلك الإجتماع إستمع شمخاني الى كلمات مقتضبة لبعض الضيوف المتحدثين الذين طالبوه بالالتفات لمطالب الشعب والتدخل من أجل التخفيف من معاناة الناس كونه يحتل منصبا قياديا في الحكومة و يستطيع أن يحل الكثير من المشاكل و الأزمات المستفحلة كالبطالة و التمييز و صور الفقر و الرحمان و التعامل الأمني مع مطالبات الناس الاساسية.
من ثم ألقى شمخاني كلمة تطرق فيها إلي الأوضاع الإقليميه و ما يحدث في الشرق الاوسط قائلا : إن هناک مشاريع تقسيم كثيرة تريد تفکيک البلدان الاسلامية، و إن هذه المشاريع و الخطط ليست جديدة و لها تاريخها و ستستمر في المستقبل ايضا، و بالتأكيد فإن هذه المشاريع تؤثر على منطقتنا( الأهواز) و تطرح قضية الانفصال و إن أهم ما نواجهه حاليا هو التحديات القومية.
و صرح شمخاني في حديثه بأنه " ليس هناک بديل أفضل من الجمهورية الاسلامية بالنسبة للعرب الأهوازيين،لا في الماضي و لا في المستقبل". و أضاف في حديثه : " أقولها بکل جرأة بأن السلطة البديلة عن الجمهورية الاسلامية في ايران هي سلطة القوميين الفرس المعادين للعرب ".و يرى شمخاني بأنه لا خيار أمام العرب الأهوازيين إلا التفاوض مع النظام قائلا : " إن التفاوض هو طريقنا الوحيد لرفع التحديات التي نواجهها، فلابد لنا ان نتفاوض مع السلطة و نقول لها بأننا قدمنا 22 الف شهيد في المحافظة إبان الحرب 16 الف منهم عرب، و هذا يدل بأننا ضحينا من أجل الثورة و أثبتنا هذا عمليا في الحرب ، أثبتنا هذا في المحمرة و في الهور و في كل مكان، فهل بعد كل هذا تأتون و تقولون لنا باننا وهابيين ؟!!
وفي مكان آخر يلقي شمخاني الخطاب و التعامل العنصري و التمييز الممار ضد الاهوازيين في خانة بعض العنصريين المتنفذين في السلطة قائلا في كلمته بأن " هناك من العنصريين و الحاقدين على العرب الاهوازيين الذين کانوا و مازالوا يقومون بأعمال و تصرفات تمييزية وعنصرية ضد العرب تحت ذريعة مکافحة النزعة الإنفصالية، و إن هولاء صحيح أنهم من الفرس و من الشيعة و يصلون و يصومون و لکنهم عملاء للاستخبارات السعودية و الاماراتية من حيث يعلمون أو لا يعلمون، علي سبيل المثال لقد علمت بأنه تم توظيف ما يقارب 4000 شخص في شرکة النفط في الأهواز في حين أن 7 أشخاص من بينهم عرب فقط، فاذا صح هذا الخبر فإنه بمثابة المساس بالأمن القومي و ستتم ملاحقة كل العنصريين الذين شارکوا أو ساهموا في هذا العمل الإجرامي ضد العرب ".
و حول زيارة الرئيس روحاني للأهواز قال شمخاني بان إختيار محافظة خوزستان(الأهواز) من قبل الرئيس روحاني كأول زيارة له للمحافظات کان مهما للغاية و قال بأن الحکومة الجديدة لديها خطة لاعمار و إنعاش المنطقة و في مقدمة هذه الخطة التي جاءت ضمن كتاب تؤكد علي رفع التمييز و يتحدث الفصل الاول من الکتاب علي قضايا التنمية الاقتصادية و الاهتمام بالزراعة في المحافظة و استصلاح 540 الف هکتار من الاراضي للزراعة بميزانية تعادل 1.5 مليار دولار،وايضا سيتم الإعلان عن منطقتي عبادان و المحمرة بانهما مناطق تجارية حرة، فغالبية السکان هناکمن العرب و هذا سيساهم في تحسين أحوالهم المعيشية. و قال بأن الفصل الثالث من الکتاب يخص موضوع الطاقة و هناک لائحة من قبل حکومة روحاني تنص على ضرورة تخصيص 3% من دخل الانتاج النفطي لإعمار المحافظة و هذه اللائحة سوف تطرح في المجلس الشوري الاسلامي للتصويت.
في نهاية حديثه دعا شمخاني العرب الاهوازيين الى الوحدة و نبذ الانقسامات القبلية والمناطقية متحدثا باللهجة الأهوازية: لا تگول انا من قبيلة العنافجة ،انا من بني طرف ، من الکرخة ، من کارون.. گول انا عربي و کل عربي من يطيح ( يسقط ) انا طايح. و ختم شمخاني حديثه بعبارات نالت إعجاب الحضور و تصفيقهم قائلا : أنا علي شمخاني مسؤول الأمن القومي الايراني، اقول لکم لقد ولي ذلک الزمن و تجاوزنا الحالة و النظرة الأمنية علي منطقتنا.
كان هذا ملخصا من خطاب شمخاني المطول و الذي يستشف منه بأنه يلعب دور الوكيل في تعامل الحكومة الجديد مع القضية الأهوازية و إن حديثه الشعبوي و بيع الشعارات البراقة و قطع الوعود بحل الآزمة الأمنية تدل على أنه مكلف بهذه المهمة الحكومية . أقول ذلك لأن تصريحات شمخاني هذه المرة و لحن خطابه يختلفان عن السابق شكلا و مضمونا و إعتقد إنّ إختيار الحكومة له لإدارة هذا الملف لم يأتي عبثا، فهو رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة و رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني في الحكومة الجديدة و لديه تجارب كثيرة سواء في الحرب أو السياسة أو القضايا الأمنية و بما أن تقسيم المهام هذه المرة لمعالجة أزمة القوميات قد أحيل الى المجلس الاعلي للامن القومي بدل الملف النووي الذي أحيل لوزارة الخارجية فإن أفضل و أجدر شخص لادارة هذا الملف " العربي الأهوازي" هو شخص عربي من قلب النظام الحاكم كـ " علي شمخاني ".
من ناحية أخرى فإن مرافقة كل من شمخاني ومحسن رضائي ( عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام )و علي يونسي( مساعد الرئيس لشؤون الاقليات القومية و الدينية) و محمودعلوي(وزير الاستخبارات) للرئيس روحاني في زيارته الأخيرة و عقدهم إجتماعات مكثفة و منفصلة مع الناس و الشخصيات الدينية و العشائرية و بعض النشطاء السياسيين و النخب و مطالبتهم هذه لشرائح الاجتماعية بالمساعدة بضبط الوضع الأمني و الاستقرار و دعم الحكومة و النظام من خلال التركيز على القضايا الأمنية و المتغيرات السياسية في ايران و منطقة الشرق الاوسط ،كل ذلك لم يأتي عبثا، بل يشير بوضوح الى حجم تطور قضيتنا و مدى تاثيرها على القضايا السياسية و المتغيرات الداخلية الايرانية و لذا نشاهد كل هذا الاهتمام الأمني المتزايد بالنسبة لتطورات القضية الأهوازية على الصعيد الداخلي.
و بناء على هذه المعطيات لا يمكننا تحليل هذه الاستراتيجية الجديدة تجاه القضية الأهوازية التي تعتمد على التعامل السياسي المباشر، بمعزل عن التطورات الإقليمية ورياح التغييرالكبرى في المنطقة التي ألقت و تلقي بضلالها على الداخل الايراني بقوة.
أما حول أسلوب التعامل الذي إتخذته الحكومة الجديدة فانه يؤكد بان النظام يريد مرة أخرى أن يقدم بعض التيارات العربية المحسوبة على النظام كممثلين عن الشعب العربي الاهوازي من خلال افساح المجال لهم و اعطاءهم بعض الامكانيات لتنفيذ بعض الوعود الجزئية و كل ذلك من أجل أن يتجنب التعامل مع القوى السياسية و النخب الموجودة على الساحة التي من شانها ان تعبر عن إرادة الشعب و طموحها و مطالبها.
أما شمخاني الذي جرّب حظه مع الشعب العربي الأهوازي في الانتخابات الرئاسية في العقد الماضي و فشل فشلا ذريعا عندما إختبر مدى شعبيته المتدنية، و أثبت الشعب في حينها بأنه يفضل شخصا غير عربي ( كخاتمي ) يدعو للديمقراطية و تحقيق المكاسب الجزئية - ولو ظاهريا- يفضله على شخص عربي يعتبر من أركان النظام المعادي للعرب.
لكن من جهة أخرى يجب الملاحظة بأن خطاب شمخاني هذا ليس فقط موجها للعرب بل موجه للسلطة ايضا، حيث أنه يريد ان يقول بانه من الأفضل للنظام التعامل مع المطالب العربية بدل القمع و المواجهة و هذه نقطة لصالح شمخاني و لصالح الشعب العربي، لكن التحديات اليوم تبدوا صعبة للغاية أمام مهمة شمخاني الجديدة، فهل سينجح في إختباره الجديد أمام هذا الشعب الذي بات اليوم بين مطرقة الأمن القومي و سندان الأزمات المعيشية و الكوارث البيئية و الصحية؟
ماذا سيقدم شمخاني لكسب ثقة الشعب وهو لم يقدم شيئا على مدى ثلاثين عاما من وجوده في رأس هرم النظام و تسلمه مناصب عسكرية و أمنية عديدة على مدى ثلاثة عقود؟! هل الأدميرال شمخاني سيفي بوعوده بإنهاء الأزمة الامنية في الاقليم بإعتباره رئيسا للمجلس الاعلى للأمن القومي و سيقوم بإطلاق سراح سراح السجناء السياسيين و سجناء الرأي و العقيدة من المناضلين العرب الأهوازيين كإثبات لحسن و صدق نواياه و حكومته؟! هل سيقرن أقواله بالافعال و يبادر بطلب من الحكومة السماح بغنشاء مؤسسات ثقافية و اجتماعية و إحياء المجتمع المدني الأهوازي ؟ وهل سيساعد في تلبية المطالب الملحة كإيقاف مشروع مياه كارون الى اصفهان إستجابة للاحتجاجات الشعبية التي تمثلت في سلسلة الحزام البشري ؟
الآن و قد أصبح شعبنا رقما صعبا في المعادلة السياسية الايرانية الداخلية هل سيلعب شمخاني دور الوسيط لحل الازمات من أجل إنقاذ أبناء شعبه أم سيلعب دور عراب النظام في خطته الأمنية الجديدة للمزيد من القمع و الاحتواء بدل الاستجابة لمطالب الشعب العربي الأهوازي؟
ربما الأيام القادمة ستكشف عن دور شمخاني و مدى صدقه في أقواله و نواياه من خلال المطالب المراد منه تنفيذها على المستوى القريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة