الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
دُستورُ... بِأيّ ثَمنٍ وُضِعْتَ يَا دُسْتُورُ؟
محمّد نجيب قاسمي
2014 / 1 / 27مواضيع وابحاث سياسية
دُستورُ... بِأيّ ثَمنٍ وُضِعْتَ يَا دُسْتُورُ؟
بَعْدَ مُدَّةٍ لا تزيد كثيرا عن النّصف قرن من الزّمان، ها هو الدستور الثاني يُوضع، في هذه الساعات الحاسمة ، لوطننا تونس، ذلك البلد الجميل الوادع الضّارب أوتاده في كثبان الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا والمنفتح على أمواج البحر الأبيض المتوسط وشواطئه الذّهبيّة النّاعمة .وهاهم واضعوه يحتفلون ويتبادلون التّهاني ويترفّعون عن خصوماتهم وعداواتهم فيتصافحون ويتجاوزون ..وهاهي جماهير الشعب تتوزّع بين مهتمّ ولا مبال، وبين مؤيد ورافض، وجلّهم تنفّسوا شيئا من الصّعداء رغم عدم ملاحظة ما كان يلزمُ في هذه المناسبات التاريخية الكبرى والنادرة من إطلاق الأفراح وإظهار الانشراح...
جميلٌ أن يكون لنا دستورٌ جديدٌ يقطع مع دستور سابق تهرّأ من الفَتق والرّتْق ولم يعد يصلح لزماننا الذي طغت عليه التحوّلات ..وجميلٌ أكثر أن يضعه متعدّدون مختلفون فيعبّر عن اختلافاتنا وتنوّعنا ويقرأ فيه كلّ منّا ما يغضبه وما يسعده في الآن نفسه....هكذا هي النّصوص الوضعيّة دائما ....هي محلّ خلاف ومحلّ قراءات مُتحاوِرة بل مُتَضاربة ...هي النّصوص المقدّسة لم نرها يوما محلّ اتّفاق وإجماع ، فَلِمَ نُنكر ذلك على نصوصنا نحن البشر؟
انْطلقْ ...امْرَحْ ...اصْرُخْ ..اغضبْ...اقْرأْ ....فدستورك جامعٌ مانعٌ..حاولَ أن يقول كلّ شيء ، في كلّ شيء...ضبطَ ونظّم وقنّن ، أرْغى وأزْبد ، هدّد وتوعّد ، منح وأعطى ، أحقَّ وأوْجب ...سكت وصخب ...لم يَدّعِ الكمالَ وفتح البابَ لتعديله عند كلّ ضرورة...
دستورنا من وضْع بشرٍ مثلنا...فيهم من أحببنا ومنهم من كرهنا وأبغضنا ، فيهم الخبير والعليم ومن بينهم من لا حوْل له في بحار المعرفة ولا قوْل... فيهم رفيع الذّوق عاشق الفنّ والجمال ومنهم من يناقضه بالأقوال والأفعال...فيهم ومنهم من رقص و غنّى ومن زغرد وثنّى و من بكى واشتكى ومن ضربَ وانقلبَ ومن هو حيٌّ يُرْزَق ومن هو بين يَدِ الذي يَرْزُقُ..
دستورنا ثمنه شهداءٌ ودماء.. بُذلت فيه أموالٌ لا حدّ لها ...فقد يكون هو أغلى نصٍّ كُتِب عبر التاريخ في كل مصرٍ وعصرٍ....لقد أخذ من اهتماماتنا وأوقاتنا وصراعاتنا وتنميتنا ورزقنا الكثير بما كان يلزم وما كان لا يلزم ..كم أحببناه وهو حلم ...وكم كرهناه وهو كابوس.....كم نفّرنا واضعوه من كلّ شيء مرّات عديدة ...وكم تحسّرنا على إضاعتهم الوقت في نقاشات وصراعات وخصومات تافهة وبذيئة وضيعة تفنّنو ا في إخراجها بكلّ قبح... وكم شاهدناهم في الربع الساعة الأخيرة يجدّون وينشطون ويتصارعون من أجلنا بالدفاع المستميت عن آرائنا المختلفة.
لهذا كلّه مرحى بدستورنا الوضعي. وفي ظله فَلْنَبْنِ تونسَ ونزرعْ حقولها ولْنًنْشر في ربوعها الفرح وعلى وجوه أهلها البسمة والأمل..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا لا تريد روسيا تصديق أن تنظيم داعش يقف وراء هجوم موسكو؟
.. هيئة البث الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الان
.. المسؤولة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي ترد على تشكيك صحفي في تق
.. الإعلام الحكومي بغزة: الاحتلال اعتقل جميع الأطباء والممرضين
.. متظاهرون يتجمعون خارج حفل لجميع التبرعات لحملة بايدن للمطالب