الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في علم الأخلاقيات الشيشانية

أمين شمس الدين

2014 / 1 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مع عالم الأجناس المشهور – "سيد مجاميد" خاسِييف

عندما نتحدث عن القوناخ الشيشاني Qonakh (الشهم الأبي)، ونتدبر بمعنى هذا المصطلح، نكون على قناعة تامة بأن الموضوع معقد جداً، وسنجد كثيرا منا عنده خلط كبير جدا في تصوره لهذا الأمر. من المثير للاهتمام أن نعرف رأي متخصص في هذا الشأن.

سيد- مجاميد، ماذا يشمل برأيكم مفهوم "القوناخ"، وما المكان الذي يحتله في إدراكنا؟
- بسبب ذلك الخلط انهارت الفكرة حول الشيشاني كشخص، وكمواطن، وكإنسان. والخلط في هذا المفهوم نجده لدى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم متخصصين أيضا، وليس فقط عند الناس العاديين. يجب أن ننظر في هذا المفهوم من منطلق فلسفي وشامل، وخلاف ذلك لن نصل إلى نتيجة صائبة.

تكمن مشكلتنا في أننا ندرس قيمنا فرادى- نهتم بالأشياء التي لا قيمة لها أو اعتبار، ونضعها في المقام الأول. وهذه المشكلة لم تحدث نتيجة خطأ اقترفناه نحن، ولا نتيجة خطأ ارتكبه آباؤنا، ولا حتى الأجداد. فهي بدأت منذ فترة طويلة، قبل اثنين أو ثلاثة قرون مضت، عندما بدا كل هذا وكأنه كان مثاليا.

وحتى ذلك الحين، نشعر وكأننا نتعامل مع تاريخنا وقيمنا بإهمال. يدور الحديث عن الفترة، التي يمكن تسميتها وقت نهاية العالم الأخلاقي. في ذلك الوقت تم الاستعاضة عن مفهوم "القوناخ" بكلمة "كَنْتْ" K ant أي "مقدام"(متوقد الحماسة لدرجة التهور). والشيء الرئيس غير المرئي استبدل بآخر مرئيّ، عَلَنيّ، لكن ثانويّ. وهذا ما تأثر به حال اليوم إلى حد كبير.

لذا، فحين نتطرق إلى مواضيع كبيرة كهذه، لا ينبغي أن نبدأ مع "الشيء الكبير". لا يوجد في عقليتنا (فكرنا)، ولا بصورة عامة في عالمنا، "شيء ذا قيمة دلاليّة" و "شيء بدون قيمة دلاليّة"، شيء كبير و "شيء صغير".
هناك أشياء معقدة، حيث الكبير مقرون بالصغير. وبدون الصغير لا وجود للكبير. نحن الذين بدأنا نميّز أو نَفْصِل- هذا "صغير"، وهذا "كبير"، الذي يجب أن نتمسك به. وهكذا حصلنا على ما يسمى بالأثر التنافري. فعندما نعتمد على شيء، ونرفض الآخر، وننساه، تنهار الآلية بمفردها. وباختصار، في المقام الأول، فإن مفاهيم "نوختشي"، "قوناخ"، "أدَم" تكمن في صميم النظرة الأخلاقية الشيشانية. وهي بالعربية- "شيشانيّ"، "شهم أبي"، "إنسان" (شخص) على الترتيب.
إن الإدراك الصحيح لتلك المفاهيم يضع قاعدة التصور الكامل للعالم المحيط بنا وفهمه. ولا تُعتبر "نوختشي" مفهوما أخلاقيا فحسب، بل أيضا مفهوما مدنيا. والفلسفة العالية عن الحرية والكرامة مرتبطة بمفهوم "نوختشي". أما "قوناخ"- هو نفسه الزوج الكونفوشيوسي باستحقاق. هذا الجُسَير ينقلنا إلى البيئة المجتمعية، والتي يُنظر إليها كمجتمع متكافئ الحقوق. ثم بعد ذلك ينتقل إلى شخص(إنسان)، آدميّ، أو بالأحرى إلى شخص كبير، شخصية.

هذه المفاهيم بالغة الأهمية في الفلسفة الأخلاقية العالمية. ولكن حتى الآن لم يَكتب أحد حول هذه الأمور، لعدم توفر المادة في متناول اليد. ولكننا رغم وجود المادة لدينا، إلاّ أننا لا نستخدم ذلك، ولا ندعو إليه، ولا نحترم ذكرى الأجداد، الذين رحلوا دون جامعات، وأكاديميات لمثل هذا المستوى العالي حقيقة من المفاهيم الفلسفية. في هذا تكمن مأساتنا الوطنية، لأننا ننبذٌ الذات. نسمع في مكان ما شيئا ما، وهذا الشئ التافه، الفارغ، المدوّي، نتقبله وبمقتضاه نبدأ العمل. كم نتقن الامتهان، والانتقاص من تراث الشعب، وهذا ظاهر كمثال في "إللّي" (وهي الأغاني والأشعار الشيشانية التاريخية- المترجِم). و"إللّي"، في جوهرها، هي نتيجة كفاح الشعب الشيشاني ضد الأمراء، والنظام الطبقي. وعندما يقولون بأنه لم توجد لدينا "باتشحالقخ"(دولة).. إلخ، فإن هذا مجرد شئ واه ومصطنع، فُرِض علينا.

"إللّي"- هي حسب المصطلحات الحديثة عبارة عن منتَج النضال الثوري للجماهير العاملة ضد الطبقية الاجتماعية. ولكن، نحن مَن انتقصنا مِن "إللّي" لتلك الدرجة، التي جعلت منها قصائد للناس الذين يعيشون حياة الغزو والغارة. وهنا، قمنا باستبدال "قوناخ" إلى "قُو- ناخ"Qu - Nakh (قطاع طرق). بينما "القوناخ" Qonakh، لن يقوم بأي فِعل من أجل مطامع مُغرِضة. أما "كِنتي" (المقدامون، متوقدو الحماسة لدرجة التهور- المترجم.) فيعيشون على حساب ما تجنيه الغزوات أو الغارات - فشخص ما يقوم بتوزيع "الغنيمة"..وهكذا.. وبمعنى آخر، هو يعمل لتحقيق شهرة، لإبراز نفسه وعَرضِها أمام الناس، ليقولوا عنه: "ما كَنتْ وُو إزا" ، بمعنى "يا له من شاب مقدام".

لماذا قام مَدي جَمّيرْزا( أحد أبطال الأشعار الشيشانية، ويعتبر من القوناخي- المترجِم) بغزوته؟ لعلّ هذه واحدة من المقتطفات التي حُفِظت في "إللّي". إن العنصر التقليدي الوحيد الذي حُفِظ من بين 50- 60 قطعة شعرية في مجلّد "إللّي"، والذي يبين لنا الفكرة الأساسية لكل السلسلة، هو فيما يلي: "المقدامون الذين يقفون على ضفة النهر بدون خيولهم، تُجلب لهم الخيول، لكي لا يُبدوا قليلي الشأن أمام الفتيات". أما الآخرون فقاموا بغزواتهم وحسب. ونحن نقوم بالدعاية لهذا الموضوع.

من هنا تبدأ السلسلة، عندما تتصدر المادة المركز الأمامي في الخُطّة. إذا وُجدت الأشياء الماديّة، الممتلكات.. إلخ، فأنت – رَجُلٌ (شخصية)، وأن لم توجد، فأنت لست برَجُلٍ. وهذه ليست من قيم المجتمع الحر، بل من قيم المجتمع الطبقي، الفئوي. سبق ووُجد هذا الحال في النظام العبودي (الرِّق)، وفي النظام الاقطاعي، وفي الرأسمالية. وفي المجتمع الحر والديمقراطي حقاً فإن التبعيّة للمَنصِب، وللمادة، و"الجَيب"، و"القوة البدنية" تم حَصِرها، نظراً لأنها لا تعكس القيم. وعندما ننظر في الأخلاقيات، يجب، أولاً، وقبل كل شيء، الاهتمام بالتفاصيل المشابهة.

في أدبيات كل شعب يمكن تحديد ماهيّة العلاقة بين الفرد وما بين المجتمع. هل يا تُرى يساعد المجتمع بتولُّد الشخصية، أم أن الشخصيات في هذا المجتمع، كما هو الحال في روسيا، تُولَدُ خلافا لرغبات المجتمع..؟! إن هذه الاختلافات للوضع الروحي تُعتَبر مهمة جداً للشعب. وبدون فهم ذلك كلِّه، لن يستطيع الشعب أن يَبقى ذلك الشعب الذي يود أن يراه في نفسه. هناك مفهوم "صورة (هيئة، شخصية) على نحو خاص". وهذا عندما يقوم الشخص بتكوين صورة خاصة به. ونفس الشيئ بالنسبة إلى صورة الشعب. توجد صورة يتم تكوينها من الخارج، وتشكل ضغطاً على "صورة على نحو خاص". يجب أن ندرك مثل هذه الأشياء، وخصوصا بالنسبة للأشخاص، الذين يمارسون الدعاية والتحريض، ويَزعُمون بأنهم مهتمّون بالشعب، وبمستقبله. ولكن، نحن ليس لدينا هذا حتى الآن. نحن عند التلاقي وببساطة نناقش هذا الموضوع، مستخدمين كلمات رنّانة، ونطلق وعودا بقصص طويلة ملفّقة.. وبعد ذلك بيوم أو يومين، عندما يلزم دفع "روبل" (عِمْلَة روسية) من أجل هذه القضية، نتناسى كلَّ شيء حصل.

- كيف تعلّقون على "الادّعاء" بأن كلمة "قوناخ" هي من أصل "قُوو"َ QU؟
- لدينا الكثير من الناس الذين يعملون في "علم الاشتقاق" الشعبي. فإذا بدا شئ ما لشخص ما، فإنه يبدأ في تسليط الضوء على هذا الشئ. إن كلمة "قُوناخ" أصلها "قُونا" Qona (شابٌّ فَتيٌّ). وتوجد في دراسات الفولكلور العالمية مفهوم "البطل الصغير". ويوجد مثل هذا البطل لدينا كذلك. ففي أعمالنا "إللّي"، فإنه يظهر في: "ذلك الذي يحتاج خمس سنوات ليصل عمره الخمس عشرة سنة" وهو يقوم بأعمال بطولية. وهذا هو "البطل الأصغر"، ومن هنا يتشكل "القُوناخ".

هل هناك أي سمات مميِّزة للقُوناخ؟ كيف يمكن التعرف عليه؟
- إليكم هذا المثَل: أُرسِلَت فتاة إلى كَلُوي Kaloi (أحد الشخصيات الفلكلورية الشيشانية) من أجل حرمانه من قوّته. ويعيش معها لمدة ثلاثة أيام دون أن يلمسها. هذا المُعطى الأسطوري لا يزال محفوظا لدينا حتى الآن. يبدأ القوناخ من "سُوبَر" Sobar- أي من الصًبر ورباطة الجأش. وهذه هي الحلقة الأولى في السلسلة. ثانيا- هو لا يقف في مفترق الطرق، ولا يتبجّح بنفسه ضاربا صدرَهُ بيده، مثل القرد، مردّدا: "أنا، أنا، أنا...". إنه دائما في الظل. وإذا كان الأمرُ ممكناً، فلن يكشف عن جوهر ذاته، وقدراته... إنه يُعطي للآخرين فُرَصَ التكلم والتحدث، والعمل، والتعبير عن أنفسهم.

- هل "القُوناخ" لقب؟
- إنه مِيثاق. وهو لا يَرِدُ في سَنة، اثنتان، ثلاث، أو في عقد من الزمن.. إنه يتراكمُ تدريجيا كقطرة الزئبق، تجذب إليها جزيئات صغيرة. وأكثر اللحظات وضوحاً من "القُوناخالاّ" Qonakhalla (صفة القوناخ) تظهر وقت الوفاة. وهو سلوك رجل يحتضر يحاول التخفيف عن حال من جاء يودّعه إلى العالَم الآخر ببعض نكات ومزاح عن الحياة الفانية. والقُوناخ يُغادرُ الحياة بكرامة. ذلك هو المتّبع.
...لقد أقرّ آباؤنا (إنما نحن لم نُدرك هذا بعد) أن الشيشان تحديدا كانوا تلك المجموعة العرقية، التي ولَدَت فلسفة الإحسان للإنسان. ونحن لم ننضج بعد بما فيه الكفاية لفهم هذا.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر:

Chechenskaya Etika
Khasiev S.-M
Nohchalla.com, Roza Satueva, Journal NANA 11-12/2013
Perevod na Arabskii/ Dasi Amin Shamseddin, Amman, 22/01/2014
أجرى اللقاء/ روزا ساتوييفا، مجلة "نانا"
الترجمة عن الروسية/ د. أمين شمس الدين داسي
عنوان الموقع:
http://www.nohchalla.com/chechenskaya-etika/1748-k-onakh-eto-status.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة