الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برنامج التجسس الامريكي-الاسباب الحقيقية و المستهدف الاساسي!

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2014 / 2 / 1
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



قبل التطرق الى اسباب تكثيف الولايات المتحدة والدول الاخرى من حملات تجسسها على بعضها البعض وعلى الانسان العادي والى المستهدف الرئيسي من عمليات التجسس هذه اود الاشارة الى بعض الحقائق لتوضيح حجم برامج التجسس التي تدار على مستوى العالم. لقد كشفت تسريبات ادوارد سنودن الموظف السابق لدى وكالة الامن القومي الامريكية بان الوكالة تجسست على عدد كبير من الدول بما فيها الدول التي يفترض ان تكون حليفة لامريكا. وقد شملت القائمة روسيا والصين وكوبا واسرائيل والعديد من دول امريكا اللاتينية والدول الاوربية مثل المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا. في الحيقية كل دول العالم عدا الدول الناطقة بالانكليزية كانت هدف للتجسس الامريكي. وقد شملت عمليات التجسس الحكومات و السياسيين و الشركات والمؤسسات التجارية والصناعية. كما قامت بعمليات تجسس جماعية عشوائية على مئات الملايين من المواطنين العاديين حول العالم بشكل يومي.
وتجسست الولايات المتحدة على العالم بمساعدة الدول الاخرى في التحالف الاستخباراتي الذي تقوده و المعروف ب " العيون الخمسة" الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. بدأ هذا التحالف في عام 1946 على شكل اتفاقية بين امريكا وبريطانيا ومن ثم وسع في العقد اللاحق ليشمل كندا واستراليا ونيوزيلند. ويستند على اتفاق بان تشارك دول الاعضاء بعضها البعض في المعلومات الاستخباراتية وان لاتتجسس على بعضهما البعض. و" العيون الخمسة" حاليا تحالف وثيق يشمل اضافة الى مشاركة المعلومات الاستخبارتية على مشاركة عملاء الدول الاخرى في مختلف بقع العالم وتبادل التقييمات والاستنتاجات الاستراتيجية بصورة منتظمة. التنسيق والتكامل بين اعضاء هذا التحالف من القوة بحيث يفوق في كثير من الاحيان التنسيق بين اجهزة استخبارات الدولة الواحدة. كان للدول الاربعة الاخرى وخاصة بريطانيا دورا كبيرا في عمليات التجسس الامريكية.
قامت وكالة الامن القومي الامريكية بالتجسس على مكالمات 35 من قادة العالم بما فيهم انجيلا ميركل والرئيس المكسيكي اينريك بينا نيتو ورئيسة البرازيل دلما روسيف. وبدأت بالتنصت على مكالمات انجيلا ميركل منذ 2002 عندما كانت الولايات المتحدة تحضر لغزو العراق بينما بدأت بالتجسس على معظم الزعماء الاخرين في 2006. كما تجسست على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومبنى الأمم المتحدة في نيويورك والسفارات والقنصليات والبعثات والمكاتب الاجنبية بما فيها مكاتب الاتحاد الاوربي. وقامت الوكالة بتشجيع المسؤولين في البيت البيض والبنتاغون والهيئات الاخرى بتبادل ارقامهم وايميلاتهم مع زعماء الدول الاخرى لكي يتمكنوا من اضافة ارقام وايميلات القادة الاجانب الى برنامج التجسس. وتم الكشف عن قيام وكالة الامن القومي بالتجسس على 38 سفارة اجنبية وبعثات دبلوماسية على الاقل. والسفارات التي تم التجسس عليها شملت اضافة الى دول الشرق الاوسط وفرنسا وايطاليا واليونان سفارات بعض حلفاء امريكا مثل اليابان والمكسيك وكوريا الجنوبية و الهند وتركيا. وقامت بالتجسس على برنامج الهند النووي والفضائي وعلى سياساتها الداخلية. كما قامت الاستخبارات الامريكية والبريطانية بالتجسس على الدبلوماسيين الاجانب في قمة العشرين في عام 2009 بما فيهم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف و الوفد التركي الذي قاده وزير المالية ميهمد سيمسيك.
من جهة اخرى تم التجسس الاقتصادي على الحكومات والشركات والمؤسسات التجارية والصناعية في كل العالم بما فيها في الدول الاوربية مثل المانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا وبلجيكا. وقامت وكالة الامن القومي بالنفاذ الى شبكة الكومبيوتر لشركة النفط البرازيلية . وتقوم بمراقبة تعاملات بطاقات الائتمان في كل انحاء العالم.
من جهة اخرى قامت الاستخبارات الامريكية والبريطانية بجمع المعلومات عن ملايين الافراد من خوادم (server) شركات خدمة الإنترنت الاساسية مثل فيريزون و BT وفودافون وبزنس. كما قامت سكايب باستحداث برنامج في 2008 الذي اعطى الاستخبارات منفذ الى الرسائل المتبادلة بين زبائنها. وفي 2011 كان اكثر من 633 مليون مستخدم مسجل عند سايب. كما قامت الوكالة بجمع بيانات الهواتف الذكية من كل الشركات الكبرى وقامت بتالجسس الجماعي على الهواتف النقالة.
وحصلت وكالة الامن القومي على 30 مليار تسجيل بياني من حركة المرور على شبكة الانترنيت في شهر واحد بينما تم جمع 97 مليار تقرير بياني حول العالم في شهر اذار من 2013. وتقوم الوكالة بجمع معلومات عن 1-2 مليار اتصال عبر الانترنيت كل يوم. ويقول خبير في هذا المجال جيف جارفس بان الوكالة تراقب نصف الاتصالات على شبكة الانترنيت بشكل مستمر.
وكانت الاستخبارات الامريكية تتنصت على 20 مليون مكالمة تليفونية وتتجسس على 10 مليون اتصال انترنيتي في المانيا كل يوم. كما قامت الوكالة بجمع بيانات عن اكثر من 70 مليون اتصال رقمي في فرنسا بين 10 ديسمبر 2012 و 8 كانون الثاني 2013. وقامت بتعرض 60.5 مليون مكالمة او رسالة نصية او ايميل في اسبانيا بين 19 كانون الاول 2012 و 8 كانون الثاني2013. كما قامت بالتجسس على مواطني اغلب دول امريكا اللاتينية مثل المكسيك وفنزويلا وكولومبيا واكوادور والارجنتين وبنما وكوستاريكا ونيكاركوا وهندوراس وبارغواي وتشيلي وبيرو والسلفادور. وقامت الهيئة الامريكية بجمع البيانات التلفونية والانترنيتية على نطاق البرازيل

هذا اضافة الى القيام بتجسس هائل على المواطنين والشركات والدبلوماسيين الامريكيين داخل الولايات المتحدة. وتقوم الوكالة بخزن البيانات الوصفية لملايين من مستخدمي الانترنيت لمدة سنة بغض النظر اذا كان لهم اي ربط بالارهاب ام لا.
وتقوم الاستخبارات البريطانية بتحليل 600 مليون مكالمة تليفونية كل يوم من خلال شركات خدمة الانترنيت. كما تقوم بالوصول الى اتصالات اكثر من ملياري مستخدم انترنيت. وكشفت تسريبات سنودن بان استراليا تقوم بجمع اكثر من 250 مليون ايميل سنويا وتمريريها الى وكالة الامن القومي. وقامت بتحويل سفاراتها في جنوب شرق اسيا الى اوكار للتجسس على تلك الدول.
لاعضاء تحالف " العيون الخمسة" امكانات وقدرات هائلة وخيالية في التجسس على مستوى العالم هي اضعاف امكانات كل العالم في التجسس بحيث بامكان هذا التحالف مثلا من كشف الاسرار الاقتصادية لكل الشركات الاجنبية مهما حاولت منع ذلك. وبامكان امريكا وبريطانيا من تعرض اي معلومة او صورة تمر في فضائها او خلال شبكة اسلاكها.
يكفي ان نعلم ان ميزانية الولايات المتحدة للاستخبارات وحدها في عام 2013 كانت 52.6 مليار دولار. وبامكان الاستخبارات الامريكية من معالجة ترليون مكالمة تلفونية في اليوم الواحد وبامكانها مراقبة كل الاتصالات عبر الانترنيت. ولوكالة الامن القومي 500 من الخوادم الانترنيتية حول العالم وهناك 80 وحدة استخبارتية مشتركة لوكالة الامن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية في مختلف انحاء العالم. وقامت الاستخبارات الامريكية ب 231 هجوم الكتروني في عام 2011 وخاصة ضد روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية.
هنا يجدر الاشارة ان تحالف " العيون الخمسة" هو تحالف عرقي. لامريكا مصالح مشتركة مع فرنسا والمانيا والمكسيك تفوق مصالحها مع نيوزيلند مثلا ولكن مع ذلك فهي في تحالف وثيق مع نيوزيلند ولكنها ترفض عقد اي اتفاقية في هذا المجال مع المانيا وفرنسا تلزمها بعدم التجسس على هذه الدول. ونفس الشيئ ينطبق على الدول الاخرى في هذا التحالف اذ لمعظمها مصالح مع دول اخرى اكثر من مصالحها مع امريكا.
من جهة اخرى تقوم امريكا بشن الحروب " الوقائية" واحتلال بلدان و بالقتل دون محاكمة من خلال طائرات بدون طيار والاختطاف، واقامة سجون سرية، والتعذيب والتجسس على بقية العالم وسرقة الاسرار بما فيها الاسرار الصناعية والتطفل على الخصوصيات الحميمة للافراد داخل امريكا وخارجها ولاتزال تتبجح بشعارات مثل الحرية والعدالة و"حقوق الانسان"! فقط في عالم مقلوب تعتبر دولة تقوم بمثل هذه الاعمال رمز الحرية وحماية حقوق الانسان.
وكانت البرجوازية الغربية تتبجح بوجود الحريات السياسية في الدول الراسمالية وكونها خالية من المراقبة السرية للمواطنيين التي كانت يفترض ان تكون صفة من صفات دول القطب الشرقي، الا ان الواقع قد اثبت بان الطبقة الحاكمة على استعداد للقيام باي شيئ بما فيه اكبر عمليات التجسس على خصوصيات المواطن العادي في التاريخ اذا اقتضت الضرورة. لقد تبين ان اي انسان في اي بقة من العالم يستخدم الانترنيت او الهاتف يجب ان يتوق بان كل المعلومات الوصفية الخاصة به وبكل محيطه الاجتماعي معروف للاستخبارات الامريكة ومخزون في مكان ما وكل اتصالاته بما فيها تلك التي تحتوي عن ادق اسراره هي تحت المراقبة.
كنت في 2002 اعمل مع شخص من اصول فارسية مولود في استراليا. في جلسة اخبرني انه يتجنب ذكر او نقد امريكا او الغرب عندما يتحدث الى اقاربه في ايران. فعندما سالته عن السبب، قال "اني متاكد من ان مكالماتي تحت المراقبة". ضحكت بصوت عالي وقلت له من باب المزاح انك تعتقد الكثير عن نفسك، فما حاجة امريكا والغرب الى مراقبة مكالماتك؟ ومن ثم لماذا ستقوم امريكا بصرف كل تلك المبالغ من اجل التنصت على مكالماتك ومكالماتي وماذا ستجني من ذلك؟ وحتى اذا علمت عن انتقادنا لها فما الذي ستقوم به؟ قال انا متاكد من هذا الموضوع. وجدت حينها ان ماقاله صاحبي كان نوع من السذاجة السياسية ونوع من جنون الشك. ولكن تبين الان بان انا الذي كنت ساذجا وهو كان على حق.
السؤال هو لماذا تقوم امريكا والدول الاخرى بالتجسس على بعضها البعض وعلى المواطن العادي ومن هو المستهدف الحقيقي من برامج التجسس هذه؟
اعطت السلطات الامريكية تفسيرين اولهما ان جمع كمية هائلة من المعلوات حتى في الدول الصديقة هي عملية مهمة لحماية المواطنين في تلك البلدان وفي امريكا ايضا من الارهاب. والتفسير الثاني هو ان كل الحكومات تقوم بالتجسس على بعضهم البعض بما فيه على الدول الصديقة. حيث أوضح مدير الاستخبارات الأمريكية أن "الولايات المتحدة تجمع معلومات من أجل حماية مواطنيها ومصالحهم ومن أجل حماية حلفائها، خصوصا من التهديدات الإرهابية أو من انتشار أسلحة الدمار الشامل".
كما قال أوباما "إذا لم يكن أمننا القومي مهددا، لم نكن لنتجسس على اتصالات قادة حلفائنا القريبين وأصدقائنا".
ان التفسير الاول سخيف، فلم نسمع يوم من الايام ان كان لانجيلا ميركل علاقة بالارهاب وبقادة القاعدة امثال ايمن الظواهري بحيث يكون التجسس على هاتفها النقال مهم للحرب على الارهاب. كما ان التجسس على المواطنين في امريكا اللاتينية وكوريا الجنوبية واليابان لايمكن تفسيره من خلال محاربة الارهاب.
اما التفسير الثاني اي ان كل الدول تقوم بالتجسس على بعضها البعض فهذا صحيح. ففرنسا مثلا معروفة بسعيها الى التجسس الصناعي على امريكا. وهذا الامر صحيح بالنسبة للدول الاخرى ايضا. كل الدول تقوم بنفس الشيئ الذي تقوم به امريكا، اي بمحاولة سرقة الاسرار من اجل تحقيق تقدم على البلدان الاخرى. ولكن تجسس فرنسا مثلا وكل الدول الاخرى هو نقطة في بحر بالمقارنة مع البرنامج التي يديرها تحالف " العيون الخمسة" او حتى امريكا لوحدها. بالامكان ان تبقى الاسرار الامريكية سرية رغم كل جهود فرنسا والدول الاخرى ولكن لايوجد سر في فرنسا مثلا يكون في مأمن من وكالة الامن القومي الامريكية.
ولكن السوأل هو لماذا تقوم كل الدول بالتجسس على بعضها البعض؟ والاهم لماذا تقوم الدول الغربية التي يفترض ان تكون حليفة بالتجسس على بعضها البعض رغم ان تلك الدول تحتاج ان تتعاون في مواجهة اعدائها من الدول وحتى مكافحة الارهاب الاسلامي عندما يسعى الى استهدافهم؟
فمن المفهوم ان ترى الدول الغربية حاجة في التجسس على الدول المعادية مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وكوبا وايران وغيرها وعلى المنظمات المحلية المعادية للحكومات وان تسعى للحصول على اكبر قدر ممكن من المعلومات على تلك الدول والمنظمات وان تسعى للحصول على معلومات عن السياسات والممارسات المالية والتجارية للدول والشركات التي تهدد هيمنتهم الاقتصادية العالمية. ولكن ماهو الدافع للتجسس على هواتف انجيلا ميركل وفرانسوا هولاند والشركات الالمانية والفرنسية على سبيل المثال؟ علما ان التجسس على الحلفاء قد يعرض التعاون بين تلك الدول في متابعة الارهابيين وادارة الاقتصاد العالمي ومواجهة كل التحديات المشتركة للخطر؟
لقد حدث تغير كبير في المعادلات السياسية العالمية والتقسيم العالمي في العقدين الاخيرين. كما اشار منصور حكمت، ان تقسيم العالم بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي قدم سببا قويا لتوحيد الغرب ضد خطر القطب المقابل. ان سقوط القطب الشرقي قد ازال نظام اجتماعي منافس وادى الى زوال خطره وهذا قد ادى الى ضعف الحاجة الى حد كبير الى ان تبقى الدول الغربية في حلف واحد و ادى الى اطلاق العنان للمنافسات الوطنية بين تلك الدول.

وقد اشتدت الحاجة الى الخوض في المنافسات الوطنية نتيجة الازمة الاقتصادية العالمية، فالازمة الحالية فاقمت التناقضات بين الدول الرأسمالية. والنظام الاقتصادي في ازمة وتفسخ وكل دولة تسعى بكل مافي وسعها لتحسين وضعها وان كان على حساب الاصدقاء المفترضين. ويعتبر التجسس جزء من المسعى لتحسين وضع الدولة المعينة في المنافسة مع الدول الاخرى. لذا كل دولة تريد معلومات عن السياسات والمارسات المالية للدول الاخرى وعن تجارتها واسرارها الصناعية.
قامت وكالة الامن القومي بنقل الاسرار التجارية والصناعية الحساسة الخاصة بالشركات الاوربية الى منافسيها في امريكا. فالغضب الاوربي من التجسس الامريكي هو نتيجة حصول الشركات الامريكية على مساعدة الحكومة الامريكية في معرفة نوايا وعقود والملكية الفكرية للمنافسيين الاوربيين. ولولا التكامل في الإنتاج والأسواق في جميع أنحاء العالم لاصبحت العلاقات الدولية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2007/2008 اسوأ بكثير. وبرامج التجسس هذه، هي دلالة على ازمة النظام الاقتصادي الرأسمالي برمته.
ان من يعتقد بان اقتصاد الدول الغربية سوف يخرج من ازمته قريبا رغم كل وعود القادة السياسيين من امثال باراك اوباما هو موهوم. ان الازمة الحالية اتت في مطاف فترة طويلة من التراجع والتقهقر في النظام الاقتصادي.
لم يعد الاقتصاد الرأسمالي يمر بالدورات الاقتصادية التي تشهد فترات ركود تعقبها فترات انتعاش بل هناك فترة طويلة من الركود الاقتصادي مع تذبذت بسيط سعودا وهبوطا. صحيح ان الازمة الحالية مستمرة منذ 2007 بينما الكساد العظيم في الثلاثينيات من القرن العشرين استمر لمدة 12 سنة الا ان الازمة الحالية سبقتها سنوات طويلة شهدت نمو متواضع جدا والان وهم يتحدثون عن انتعاش فان النمو يبقى متواضع جدا. اي بدلا من دورات انتعاش وركود هناك ركود اقتصادي مستمر يرافقه شلل سياسي نتيجة تحكم اقلية متطفلة بالاقتصاد وبالتالي بالسياسة. ان الانتعاش الذي يتحدث عنه قادة البرجوازية واعلامها لايتعدى تحسن وقتي طفيف في الوضع السيئ. لذا فنحن امام انهيار اقتصادي يليه نوع من اعادة الاستقرار فتحسن طفيف ومن ثم انهيار اخر ولكن بعد كل ركود تصبح الامور اسوأ.
ان السبب الرئيسي لعدم حدوث الانتعاشات المعروفة في النظام الرأسمالي هو ان الثروة قد تركزت في يد نسبة بسيطة جدا من المجتمع بينما الاغلبية الساحقة شهدت انخفاض كبير في قوتها الشرائية لذا فهناك ضعف كبير في الطلب. ان النسبة القليلة التي تحصل على معظم ثروة المجتمع لايمكنها صرف المزيد ،اي ليس لها قوة شرائية قادرة على تحريك كل الاقتصاد. كما ان بامكان الرأسماليين من استثمار الرأسمال في الخارج وفي انواع مختلفة من المضاربات. ليس هناك حاليا في الافق اي قوة او وسيلة لفرض درجة من اعادة توزيع الثروة. فالطبقة العاملة واتحاداتها والقوى الشيوعية والاشتراكية ليست من القوة كما كان الحال اثناء الكساد الكبير بحيث تكون قادرة على فرض دولة الرفاة على كل النظام الرأسمالي.
اذا لم يكن بامكان القطاع الخاص من خلق فرص عمل وتشغيل الناس وبالتالي تحفيز الاقتصاد فان الجهة الوحيدة القادرة على القيام بذلك هي الدولة من خلال بناء الطرق السريعة والجسور وتوفير السكن ووسائل النقل والطاقة وغيرها من مشاريع البنى التحتية. ولكن الدولة ايضا ليس لها هذه القدرة في الوقت الحاضر لقلة الموارد وعدم امتلاك القوة السياسية لزيادة الموارد من خلال زيادة الضرائب وغيرها. فقدرة الدولة على تحفيز الاقتصاد و قذف الاموال على البنوك ومحاولة اعادة الاستقرار الى الامور هي اقل بعد كل ركود. في النهاية النظام كله في تفسخ وتراجع يدمر حياة الملايين من البشر. وفي وضع مثل هذا فان المنافسة بين الدول سوف تتصاعد ولابد ان يكون التجسس والتجسس الصناعي بالذات جزء مهم من هذه المنافسة.
من جهة اخرى هناك مخاوف جدية من اضطرابات اجتماعية وظهور حركات ثورية راديكالية وحتى من ثورات اشتركية. فمن يتابع الاوضاع يجد البيانات والتقارير والتصريحات المستمرة من الهيئات والمؤسسات الرأسمالية الاساسية مثل الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة الاغذية العالمية وحتى وكالة الاستخبارات المركزية تؤكد مرارا على المخاطر الاجتماعية للازمة الاقتصادية واتساع الهوة بين الاغنياء والفقراء. وقد حذرت مرارا من خطرالاضطرابات الجماهيرية وبروز حركات ثورية وشيوعية في حال عدم التصدي لاثار الازمة الاقتصادية من بطالة وتشرد وقلة الاجور وفقر وغيرها.
لذا فان الهدف الاساسي من التجسس هو معرفة رد فعل الجماهير ومكانة وخطط الحركات الثورية واحتمالات الثورة والتصدي لها وافشالها. وقد بين ادوارد سنودن هذا الامر حيث قال في احدى المقابلات متحدثا عن فترة عمله مع وكالة الامن القومي :"هنا كنا نطلع إستخبارات الدول الحليفة على ما يدور من ردود فعل شعبية عنيفة ضد مواقف قياداتهم السياسية". من جهة اخرى اكثر من مسؤول امريكي اعترف بان التجسس الداخلي كان موجه ضد الملايين من المواطنين الابرياء الذين لم يكن لهم اي ربط بالارهاب.
ان الارهاب ليس باي شكل من الاشكال المستهدف الاساسي من التجسس. ان "خطر الارهاب" قد استخدم كغطاء من اجل القيام بالتجسس الصناعي والتحضير للمواجهة مع القوة الثورية للطبقة العاملة التي بدأت تبرز في الكثير من بقاع العالم في مواجهة اخفاقات النظام الرأسمالي من وجهة نظر الاغلبية الساحقة من البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا