الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هروب المثقف من الثورة السورية

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2014 / 2 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


أفرزت الثورة السورية, مثل أية ثورة في العالم, خلال مسارها الطويل, منذ انطلاقتها, العديد من الاشكاليات, والأسئلة, التي تشكل في مجملها أسئلة, أو مسائل الثورة.
واهمية هذه المسائل تأتي من أنها ما زالت موضوع جدل وحوار مستمر بين افراد المجتمع السوري بمكوناته وتياراته المختلفة حتى الآن. ومع استمرار الثورة وتعقد مسارها, ودخول الصراع المفتوح بين الشعب والنظام في نفق مظلم, يصبح من الضروري التوقف عندها, والاشتغال عليها, والارتقاء من الجدل الشعبوي السطحي, أو الجدل الايديولوجي المغلق الذي يحمل الاجابات الجاهزة, الى التأسيس المعرفي لهذه المسائل. بقصد الارتقاء في العمل الثوري, والتأسيس لما يمكن تسميته اصطلاحا "فلسفة الثورة". والثورة لا تنتج فلسفتها إذا لم تستند إلى فهم صحيح للواقع الذي تسعى إلى تغييره.
ومن المسائل الهامة التي مازالت حاضرة في كل الحوارات: العفوية والثورة, اللاعنف والثورة السلمية, المثقف والسياسي في الثورة المسلحة, الأسلمة والعسكرة, الأقليات والأكثرية, بنية النظام الاستبدادي. البديل الثوري, الدولة المدنية والديمقراطية والعلمانية. الخ
العفوية والمثقف
منذ البداية, كانت الثورة عفوية, وسلمية, وكانت اهم الانتقادات الموجهة لها: هل هذه ثورة, أم حراك, أم احتجاج..؟ وأين هو حزبها, وقادتها, وما هو برنامجها؟. وهي تساؤلات هامة, ومازالت تنتظر اجابات غير خطابية.
إلا أن الانطلاقة العفوية للثورة, لم توقفها أسئلة كهذه, وخاصة أن الشعب يكبت في داخله كل أنواع القهر والظلم, وهو مهيأ للانفجار في أية لحظة. وهذا ما رأيناه في انتقال شعلة الثورة إلى كل المدن وبسرعة قياسية. ولم يكن الشعب عموما مهتما بتوصيف الثورة, واحزابها وقيادتها. بل انهم بأحاسيسهم, ومشاعرهم الملتهبة المكبوتة ضد النظام, جعلهم يشاركون ببساطة على انها ثورة, وأن قادتها هم أبناؤهم الذين كبروا ونضجوا دون ان يشاورهم, كما انهم ليسوا بحاجة لبرامج عقيمة مهملة في الادراج. اذ يكفيهم أنها ثورة ستؤدي إلى اسقاط النظام, الكابوس الذي يجثم على صدورهم منذ نصف قرن. وسقوط النظام يعني نيلهم حريتهم وكرامتهم.
وقد بدأ شباب الثورة عملهم الثوري من الصفر. وليس في جعبتهم من الارث الثوري الذي يمكن أن يساعدهم للقيام بتحديات الثورة. ومع ذلك تعلموا بسرعة وأبدعوا في مواجهة الرصاص, وفي تنظيم المظاهرات, والتنسيق فيما بينها والتأسيس لقيادة سياسية واعلامية للثورة تجسدت باتحاد التنسيقيات والهيئة العامة للثورة. لكن كل ذلك تم ضمن العفوية الثورية. فالخطاب القصير على الفضائيات, وتسمية أيام الجمعة, والشعارات في المظاهرات, لم تكن كافية للتعريف بالثورة وأهدافها وبرامجها. كما أن صنع السياسة الثورية في مجتمع ميت ومهزوم, ليس بالأمر السهل, ولا يمكن تحقيقه بسرعة تتوافق مع تسارع مفاعيل الثورة على الارض. ويبدو أن شباب الثورة لم يكن في ذهنهم رؤية استراتيجية للارتقاء بالعمل الثوري, وخاصة العمل على التأسيس لبناء تيار سياسي يقود الثورة فعلياً على كافة المستويات.
ولم يكن في مخيلة الثوار سوى تجارب الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا. والتي تمت قراءتها على عجل, وبعفوية سياسية غير ناضجة. وكان الحلم الثوري(العفوي) يحكم آمالهم في انتصار الثورة السريع كما حدث في تونس ومصر, بسبب وقوف الجيش الى جانب الثورة, والتضحية برأس الاستبداد. أما الجيش في سوريا, فهو موضوع مختلف كليا, ولم تُفيد الورود التي قُدمت له في المظاهرات السلمية, وشعارها "نحن والجيش ايد وحدة". وعندما وصل عدد الشهداء الى أكثر من خمسة آلاف, بدأ الحلم على الطريقة الليبية باستجداء التدخل الخارجي. وهذا الحلم تبدد أيضا, نتيجة القراءة العفوية لموقف الغرب الذي يدعي دعمه للديمقراطية وحقوق الانسان. ورغم ذلك مازال الحلم يدغدغ عقول السياسيين القابعين في الائتلاف وغيره, رغم النتائج الفاشلة لمساعيهم خلال العامين الماضيين.
فالعفوية ملازمة لانطلاقة كل ثورة. لكن لا يمكن للثورة أن تتقدم إلى الأمام إذا استمرت هذه العفوية, ولم تنتقل من العفوية, إلى الوعي الثوري المنظم. وتجربة الثورة السورية السلمية القصيرة, لم تقدم الوقت الكافي لهذا الانتقال. كما أنها لم تجد من يساندها في الداخل على ذلك, وخاصة المثقفون وبقايا المعارضة القديمة.
* *
فالمثقف السوري لا يختلف حاله عن باقي أفراد المجتمع. إذ من الطبيعي أن يكون المناخ الثقافي والسياسي, سكوني, ومستنقعي, لا يختلف من حيث الجوهر عن باقي القطاعات المجتمعية الأخرى. واذا تجاوزنا أبواق السلطة, أو مثقف السلطة. فقد دفع المثقف السوري ثمناً غالياً لمعارضته النظام في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي.
ومع وراثة الابن- المهزلة, للسلطة عن الأب منذ بداية القرن الحالي ووعوده بالإصلاح والتحديث, عاد المثقف المعارض ليظهر من جديد عبر المنتديات التي انتشرت في كل سوريا ضمن ما يسمى "بربيع دمشق". والذي لم يستمر طويلا, بعد أن اغلق النظام كافة المنتديات واعتقال بعض الناشطين.
لكن هذا الظهور الجديد للمثقف لم يكن ثورياً داعيا لإسقاط النظام, كما هو في السابق. إنما ظهر مشبعاً برؤية اصلاحية, وبقيادة النظام الذي ادعى ضرورة الاصلاح والتحديث. وقد أصبحت المنظومة الفكرية للمعارضة السورية عموما, ليبرالية, محورها الرئيسي المجتمع المدني, والديمقراطية, والتداول السلمي للسلطة, وحقوق الانسان, متأثرة بالمناخ العالمي الجديد, بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ومنظومته الشمولية, وسيادة الفكر الليبرالي العولمي الجديد. وقد عملت كافة الاحزاب القديمة على تغيير برامجها الايديولوجية, واستبدالها ببرامج ليبرالية ديمقراطية. ومع أنه لم يتمخض عن ربيع دمشق, أحزاب, أو حركات سياسية جديدة, إلا أنه عمل على بث الحركة في المستنقع الثقافي الآسن, دون أن يكون قادرا على احداث فجوة هامة لتنفس الهواء النقي.
وضمن هذا الجو كانت أعداد الشباب غير قليلة في المنتديات, والذين شكلوا فيما بعد, عماد الثورة السورية وتنسيقياتها. وكان من الملاحظ وجود هوة بين جيل السبعينات, والشباب الجديد. ويعود عدم التواصل بين الجيلين, إلى الذهنية الايديولوجية للأول, وجيل الشباب الرافض للأيديولوجيا, والذي لم يختار منظومته الفكرية والسياسية بعد. وايضا عجز الجيل السابق عن انجاز أية أنساق معرفية ثقافية, يمكن للجيل الجديد ان يستند اليها, ويستكملها في عملية تراكمية مستمرة. وبدلا من تحفيز الشباب ودعمهم كي يؤسسوا منظومتهم الثقافية والسياسية الخاصة, عمل الجيل القديم على كسب الشباب إلى دكاكينهم المغلقة, والبحث عن مريدين, وليس مناضلين, وهذا منسجم مع البنية الايديولوجية المغلقة, والتي تعتمد على الشخصانية التاريخية المهزومة لرموز المعارضة القديمة.
وفي السنوات التي سبقت الثورة, عمل المثقف على عزل نفسه عن السياسة, وبالتالي توزع المثقفون افراديا في مواقع مختلفة. مثل المثقف الناقد, والمثقف الناصح للنظام, والاغلبية من المثقفين كانت تنضوي تحت عنوان المثقف "المنافق".
و منذ انطلاقة الثورة السلمية , برز المثقف "المنافق" أو "المدعي" الى السطح, والذي كان ينظر للثورة بمنظار الريبة, وعدم الثقة بقدرة الشعب على اسقاط النظام. ويقدم نفسه بأنه مع الحرية, والديمقراطية, ومع المعارضة. ويبدأ مقولته متشبهاً بالمثقف الناقد, باحثا عن أخطاء وثغرات الثورة. مثل :أعداد المتظاهرين قليلة لا تمثل كل الشعب, الشعارات اسلامية, اين قيادتها, برنامجها ..الخ ويستنتج ببساطة: هذه ليست ثورة. ويرتد بذلك ليحافظ على موقعه مع النظام. انه يختبئ وراء النقد المزيف, ليردد بصيغ "ثقافوية" مواقف النظام. ومع انتقال الثورة الى الطور المسلح, صرخ بصوت عال: انتهت الثورة, مرددا ضرورة الاصلاح, والانتقال السلمي, والتدريجي, نحو الدولة المدنية الديمقراطية. الخ
ويندرج تحت هذا العنوان, الهروب المزيف, لبعض بقايا التنظيمات القديمة مثل "هيئة التنسيق" التي تشكلت تحت عنوان: لا للعنف, لا للطائفية, لا للتدخل الخارجي, باحثة في دفاتر اللاعنف عن الوسيلة المثلى لإسقاط النظام. وللأسف مازالت هذه اللاءات تتردد حتى الآن بعد كل الجرائم والفظاعات التي ارتكبها النظام بحق الشعب. وكذلك حركة "معا" وغيرها من الحركات التي تشكلت خلال الثورة.
أما المثقف الناقد, الذي أيد الثورة منذ بداياتها, لكنه لم يجد له موقعا فيها, لأنه رفض العمل السياسي الجمعي. كذلك الحال نفسه بالنسبة الى بعض التنظيمات القديمة التي أيدت الثورة وانضمت اليها مثل: حزب الشعب, لكنهم لم يشكلوا أكثر من حالات ثقافية بعيدة عن الشعب.
وبالتالي كانت الجهود الفردية للمثقفين ذات تأثير لا يُذكر, أو غير فعال, وذلك لعدة اسباب, أهمها, أولها: عدم سماح النظام للاحتجاج ,والاعتصام السلمي في الساحات العامة كما حصل في مصر وتونس. وثانيها: العمل الفردي في زمن الثورة غير مجدي إن لم يكن رمزا ملهما للثورة والشعب الثائر. وهذا الرمز لم يكن موجودا, كما أن الثورة لم تفرزه حتى الآن. مع أن كل من المثقفين المؤيدين للثورة, يعتبر نفسه الرمز المعبر عن ضمير الشعب والملهم للثورة! وثالثها: طبيعة المثقف بشكل عام, نرجسي, ومتكبر. يُضاف إلى ذلك أن المثقف السوري لم يخرج من عباءة الذهنية الاستبدادية, وبالتالي يجب على الثورة أن تخرج من تحت عباءته! لأنه بالأساس الثقافة الديمقراطية حديثة العهد في سوريا, ولم تجد بعد الأرض الخصبة لنموها.
***
بعد نصف عام من انطلاقة الثورة, بدأ نزوح أو هروب المثقف من أرض الثورة, عابرا المناطق المحررة, دون أن يلتفت للوراء, إلى دول الجوار, وخاصة تركيا التي احتضنت المعارضين, والذين شكلوا "المجلس الوطني" ثم "الائتلاف الوطني", الذي احتكر تمثيل الثورة, دون أن يكون قادرا على أن يكون قائدا سياسيا للثورة. بالإضافة الى العديد من التشكيلات الجديدة الفندقية, والتي تتحدث جميعها باسم الثورة. وكان آخر هذه التشكيلات: اتحاد الديمقراطيين, وكلنا سوريون. الخ
وبدلا من أن يعمل الائتلاف على تشكيل قيادة سياسية للثورة في الداخل, ساهم في بعثرة شباب التنسيقيات, وتشتتهم في الخارج, للعمل في الاغاثة والاعلام, أو بحجة توسعة الائتلاف, أوالانضمام الى التشكيلات الفندقية. وهذا أدى في النهاية إلى تفريغ الداخل من كل النشطاء, وبالتالي اختفاء الجانب المدني والسياسي للثورة.
وهذا بدوره لم يؤسس لبناء جمهور الثورة, الحامل لثقافة الثورة ومبادئها وأهدافها, والذي يمكن أن يستمر في الدفاع عنها وعن جانبها المدني, إلى جانب العسكري. وكذلك تصويب مسارها وبوصلتها في وجه الانحرافات والتشوهات التي يمكن أن تواجهها. وكذلك أيضا حرم الثورة من تأييد الطبقة الوسطى التي كان من الممكن أن تلعب دورا ايجابيا مهما في الثورة. بالإضافة إلى الاغلبية الصامتة التي تشردت في كل أصقاع الارض, وتعرضت لكل أنواع الاهانة والجوع والتي بدأت تلعن الثورة ومن وراءها.
فالثقافة في مرحلة الثورة لا قيمة لها اذا لم تكن مقاومة للنظام المستبد, ولا يمكن لهذه الثقافة أن تكون مقاومة, إن لم تكن مرتبطة بالسياسة الثورية بشكل مباشر, أو صانعة لهذه السياسة, باعتبارها الحاضنة الفكرية للثورة. وهذه الثقافة كانت ومازالت غائبة حتى الآن.
صحيح أن المثقف لا يصنع ثورة, لكن في كل الثورات كان له دورا مهما. وان لم قائدا ملهما, فعلى الأقل يشارك في صناعة سياسة الثورة. وان لم قادرا على حمل السلاح, انما يمكن أن يشارك في توجيه هذا السلاح.
والاكثر خطورة هو الانتقال العفوي نحو الثورة المسلحة, وما رافقه من فوضى السلاح, واختلاط الاوراق. ونحن نحصد الآن نتائج هروبنا من المناطق المحررة, بملاحقة كل من يؤمن بالديمقراطية, وحقوق الانسان, من قبل التكفيريين, والذين يُدخلون الثورة في نفق مظلم.
في النهاية, لابد من السؤال للحوار: ما العمل؟. ماذا يجب أن نعمل من أجل انقاذ ثورتنا؟. بالتأكيد, لا يوجد جواب جاهز. لكن ربما تكون البداية, بالعودة إلى اعادة احياء التنسيقيات من جديد, والعمل على تنظيم حلقات ثقافية-سياسية, تضم النشطاء والمثقفين تبحث في مسائل الثورة واشكالياتها, والبحث عن آليات جديدة للعمل المدني والسياسي داخل المناطق المحررة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل