الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعلمنا من الأزمة المالية العالمية

محمود يوسف بكير

2014 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مرت خمس سنوات على الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2008 والتي كانت من الخطورة بحيث كادت أن تقوض اركان النظام المالي الأمريكي ككل ومن ورائه كل الاقتصاديات الرئيسية في العالم. والهدف من هذه الدراسة هو إعطاء ملخص مبسط للقارئ العادي المهتم بالشأن الاقتصادي لما حدث والدروس المستفادة من هذه الأزمة.

وكبداية فإننا نذكر بأن هذه الأزمة بدأت في عهد السيد/ جرينسبان محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق ، حيث اتبع في الفترة ما بين عامي 2002 ,2003 ، سياسة نقدية سهلة تتمثل في تخفيض سعر الفائدة الأساس من أجل تحفيز الاقتصاد الأمريكي على النمو (انخفض هذا السعر في بعض الأحيان إلى حوالي 1% فقط) وكان من الطبيعي أن تتوسع البنوك الأمريكية وشركات الرهن العقاري في تقديم قروض المساكن الخاصة أو ما يسمى هنا بالرهن العقاري (Mortgage) , ونتيجة لاحتدام عملية المنافسة بين البنوك وهو شيء تتميز به أمريكا أكثر من غيرها من الدول ، فقد بدأت البنوك وشركات الرهن العقاري في استهداف العملاء ذوي الدخول المنخفضة من أجل فتح أسواق جديدة وتوظيف ما لديها من ودائع ضخمة، وحتى يتم جذب هذه الشريحة من العملاء بدأت البنوك في تقديم تسهيلات كبيرة عند إعادة السداد تبدأ بأقساط منخفضة في السنوات الأولى ثم تزيد في السنوات التالية ، بالإضافة الي عدم التدقيق في مصادر دخل العميل على أساس أن المنزل نفسه مرهون للبنك وكانت أسعار المنازل وقتها في ارتفاع مستمر و هو عامل مشجع لكلا الطرفين (البنك والعميل) على المضي قدماً في هذه الصفقة فالكل رابح وسعيد. و استمر الحال هكذا ووصلت محافظ البنوك ومؤسسات الرهن العقاري في هذا القطاع المسمى (Sub Prime) (أي قطاع العملاء من غير ذوي الملاءة المالية) إلى أرقام فلكية , وعلى سبيل المثال فإن مجموع الرهونات العقارية في أكبر شركتين في القطاع وصل إلى 5.3 تريليون دولار وهي أرقام مذهلة ولا تستخدم إلا في أمريكا . و تواكبا مع سياسة توسع البنوك في تسويق القروض المذكورة حدث تطور آخر تمثل في قيام البنوك وشركات الرهن العقاري بتسويق محافظ القروض ذاتها من خلال ما يسمى بعمليات التسنيد Securitization)) أي إصدار سندات على هذه الديون وهذا يمكن الدائنين من نقل مخاطرة هذه الديون من دفاترهم إلى مؤسسات مالية أخرى مثل ليمان براذرز وميرل لينش والكثير من البنوك الأوربية و الأسيوية , وكذلك قامت بعض الدول التي تتمتع بفائض تجاري ضخم مع أمريكا باستثمار جزء من هذه الفوائض في شراء هذه السندات.
ومن ضمن هذه الدول الصين واليابان والدول الخليجية المصدرة للبترول مثل السعودية والكويت، وتتم عملية التسنيد من خلال تقسيم هذه المحافظ الضخمة إلى محافظ أصغر وبيعها بسعر فائدة أقل بنسبة بسيطة من سعر الفائدة الذي يدفعه العميل الأصلي.
وبذلك تتمكن شركات الرهن العقاري من الحصول على أموال جديدة من شركات الاستثمار والبنوك بحيث تقوم بإعادة إقراضها في عمليات رهون عقارية جديدة وهكذا تم توسيع دائرة المخاطرة بين عدد ضخم من شركات الرهن العقاري و البنوك و شركات الاستثمار و المحافظ المالية ويشار عادة إلى عمليات إعادة بيع محافظ الرهن العقاري بال(Re-packaging ) من خلال عمليات التسنيد التي أوضحناها سابقاً ، وكلها عمليات قانونية تسمح بها السلطات الرقابية على أساس إنها تؤدي إلى توزيع المخاطر وتوزيع المغانم في نفس الوقت وبشكل عادل وحتى الآن لا توجد أي مشاكل.

بدأت المشاكل في النصف الثاني من عام 2004 حين بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي للحد من الضغوط التضخمية التي بدأت تواجه أمريكا بسبب العجز القياسي في ميزانها التجاري والموازنة الفيدرالية ووصل سعر الفائدة الأساس إلى أكثر من 5.25% في 2006 وكان على المقترضين ذوي الدخول المحدودة أن يتعايشوا مع هذه الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة وبالإضافة إلى هذه الفوائد المرتفعة كان عليهم أيضاً أن يبدأو في سداد أقساط أكبر من أصل القرض حسب جدولة السداد التي أوضحنا سابقاً إنها صممت لتبدأ بأقساط صغيرة على أن تزيد إلى في السنوات اللاحقة , والحقيقة أنهم لم يستطيعوا تلبية أياً من النداءين نتيجة ضعف دخولهم وبدأت حالات التوقف عن السداد تنتشر كالنار في الهشيم , في أمريكا ,وبدأت عمليات الإخلاء الإداري لعدد ضخم من المنازل التي عجز أصحابها عن سداد التزاماتهم في جميع أنحاء أمريكا وأصبح المعروض من المنازل ضخم جداً مما أدي الى انخفاض أسعارها وأخيراً انفجرت فقاعة قطاع المنازل في أمريكا وأصبحت قيمة الدين على أي منزل أعلى بكثير من قيمة المنزل نفسه وهذا أيضاً مبرر منطقي لكل من اقترض أن يفر من المنزل أو من هذا المستنقع ويترك البنك وحده في الوحل.
وبالطبع كان أول ضحايا انفجار هذه الفقاعة الضخمة المؤسسات التي اشترت هذه الديون العقارية واستثمرت في سنداتها نتيجة توقف عمليات السداد والتحصيل من أصحاب المنازل.

ولأن جزء كبير من هذه الديون يتم التأمين عليه لدى شركات التأمين فقد وجدت مجموعة (AIG) وهي أكبر مجموعة تأمين في أمريكا وفي العالم وجدت نفسها مطالبة فجأة بسداد تعويضات تأمينية مبدئية قيمتها 20 بليون دولار في الحال وهو ما أضطر الحكومة الأمريكية للتدخل فوراً من خلال الاحتياطي الفيدرالي – وهذا تدخل غير معتاد لأن هذا الأخير يتدخل عادة لصالح البنوك فقط – وتم إقراض هذه المجموعة 85 بليون دولار مقابل منح 80% من أسهمها للحكومة. ولولا تدخل الحكومة الأمريكية بهذا الشكل وسيطرتها على هذه المجموعة لانهارت (AIG) وانهارت ثقة كل المؤسسات العالمية في الاقتصاد الأمريكي والحكومة الأمريكية ذاتها.

والحقيقة أن الأزمة كانت نتيجة مباشرة لفكرة اقتصادية قام بالترويج لها البروفيسور ميلتون فريدمان وهو واحد من أهم المفكرين الاقتصاديين في العالم في العصر الحديث وهو يهودي امريكي عاش في الفترة (1912-2006) وقد عمل كأستاذ للاقتصاد في جامعة شيكاجو لمدة ثلاثين عاماً حصل خلالها على جائزة نوبل في الاقتصاد لأبحاثه ونظرياته في السياسة النقدية والتي كانت تدرس في كل جامعات العالم وهو بعد على قيد الحياة.

هذه الفكرة التي وجهت النظام الاقتصادي الأمريكي والإنجليزي والعالمي بشكل عام منذ أيام الرئيس ريجان ورئيسة الوزراء الإنجليزية مرجريت تاتشر وحتى اندلاع الأزمة المالية عام 2007 رأت أن نظام السوق يعمل بكفاءة دائماً ويحقق التوازن الاقتصادي دون أي تدخل حكومي. ومصطلح السوق هنا يقصد به الاسواق المالية التي يتم فيها تداول كل أنواع الأوراق المالية والأسهم والسندات والرهونات العقارية والمشتقات المالية والمعادن الثمينة والسلع الاستراتيجية ......الخ
وفكرة فريدمان مرة أخرى ترى أن الأسواق الحرة والمفتوحة والتي تتوافر فيها المعلومات لكل من البائع والمشتري تضمن سيادة السعر العادل والمنطقي لكل منهما ومن ثم فإن صفقات البيع والشراء تتم بشكل ناجح يضمن استمرار ماكينة الإنتاج الهائلة في المجتمعات الرأسمالية في الدوران وتحقيق معدلات توظيف عالية ومعدلات نمو اقتصادي مرتفعة وفي النهاية ضمان استقرار الأسواق ورفاهية المجتمع ككل.

ونتيجة للنفوذ الأكاديمي الكبير للبروفيسور ميلتون فريدمان داخل الحكومة الأمريكية حيث عمل مستشاراً للرئيس ريجان لفترة طويلة فقد تبنى الأخير آراءه وعمل على تقليص دور الحكومة الأمريكية في النظام الاقتصادي الأمريكي إلى أكبر قدر ممكن بحيث يقتصر دورها على الدفاع والسياسة الخارجية ومراقبة تطبيق القوانين، وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي بدأت تاتشر في تبني برامج خصخصة ضخمة أدت إلى تقليص القطاع العام الإنجليزي وتشريد آلاف العمال من وظائفهم. وبدأت حملة تسويق كبرى لمقولة أن ملايين البائعين والمشترين الأحرار في أسواقهم أفضل بكثير في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للمجتمع من بضع آلاف من الموظفين التابعين للحكومة الذين يريدون التحكم في مفاصل الاقتصاد وفرض بيروقراطيتهم على الأسواق دون فهم آليات عمل هذه الأسواق، ومن ثم فإن حكومة صغيرة أفضل بكثير من حكومة كبيرة تقحم نفسها فيما لا تفهمه.

وبالمناسبة فإن بعض رجال الأعمال الأفاقين في مصر استغلوا بسوء نية سطحية الرئيس السابق مبارك لتطبيق سياسة الخصخصة وبيع العشرات من شركات القطاع العام في مصر (خاصة الرابحة) بشكل عشوائي وبأسعار زهيدة لنفس هؤلاء المحتالين وفي هذا كانت سياسة مبارك وأبنه تقوم على حرمان هذه الشركات من أي دعم حكومي ومحاصرتها بكل الحيل حتى تقع ويلتقطها رجل أعمال من المقربين بثمن بخس غالباً ما يحصل عليه في شكل قرض من أحد بنوك القطاع العام المصرية بتوجيه من الرئيس نفسه أو أبنه.

وعودة إلى موضوعنا حيث واصل البروفيسور فريدمان حملته الأكاديمية على كل أشكال القيود الحكومية والرقابية في النظام المالي الأمريكي حتى أنه تسآل في مرحلة معينة من حياته الفكرية الغنية عما إذا كان من المجدي الإبقاء على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه (البنك المركزي) حيث كان يرى ان التوازن النقدي يمكن أن يتحقق بشكل تلقائي دون الحاجة لتدخل هذا البنك ولكنه أيد وجوده للقيام بوظيفة يتيمة ألا وهي طبع النقود لضمان النمو الاقتصادي.

ولكن ما حدث إبان الأزمة المالية العالمية عام 2007 كان مفاجئاً للجميع خاصة الأكاديميين في مجالات الاقتصاد الكلي والنقود والبنوك داخل كل الجامعات الأمريكية الكبرى مثل هارفارد و MIT وشيكاغو وكولومبيا وستانفورد وييل وغيرها وهي الجامعات التي تسيطر على وتوجه الفكر الاقتصادي منذ أكثر من نصف قرن على مستوى العالم كله.
والذي حدث هو أن أسواق الرهونات العقارية داخل أمريكا بدأت في التوقف عن العمل أبتداءاً من منتصف عام 2007 لأن البائعين والمشترين لم يعد بمقدورهم الاتفاق على اسعار إتمام الصفقات الخاصة بالأوراق المالية لهذه العقود. والبائعين والمشترين هنا هم البنوك وشركات التأمين وشركات السمسرة وبيوت الرهن العقاري العملاقة في أمريكا وذلك بسبب كثرة المعروض وتدني التقييمات المالية لهذه الأوراق.
وسادت حالة من عدم الثقة بين البنوك بسبب النقص الشديد في السيولة لديها وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين وتجاه البنوك الأخرى لتورطها في استثمار أموال المودعين في أوراق مالية لم تعد تساوي قيمة ما دفع فيها.
وبدأت الأزمة تمتد إلى الأسواق والقطاعات الأخرى داخل وخارج أمريكا وتراجعت أسعار الأسهم بمعدلات كبيرة على النحو الذي أوضحناه سابقاً.

وللأسف فإن د. فريدمان قد توفي في عام 2006 أي قبل اندلاع هذه الأزمة بعام واحد. ولو أن الحكومة الأمريكية اكتفت بموقف المراقب لهذه الأزمة التزاماً بنصيحة فريدمان ولم تبادر بالتدخل على النحو الذي سنوضحه لانهار النظام الأمريكي كله ودخل العالم كله مرحلة مشابهة لما حدث أيام الكساد العالمي الكبير في أوائل الثلاثينيات من القرن المنصرم.

ومن باب التذكير فإن الكساد الكبير بدأ في أمريكا عام 1929 بعد انهيار اسعار الأسهم في وول استريت بشكل غير مسبوق ومفاجئ بعد سلسلة من الارتفاعات المذهلة وغير المنطقية في أسعارها بسبب الإقبال الشديد على الاستثمار في البورصة من قبل الأفراد والشركات والبنوك وحتى من لم يمتلك المال الكافي للعب في البورصة أصبح بمقدوره أن يدفع 10% فقط من قيمة أي صفقة شراء للسمسار ويسدد الباقي من الربح عندما تتم عملية البيع وهو ما نسميه بال Margin Trade) ) ولم يفكر أحد في احتمال الخسارة أو خراب بيته في ظل غمرة التفاؤل وغلبة روح المغامرة حيث كانت البورصة مرادفاً للربح السريع والمضمون وأصبحت أسعار الأسهم حديث كل بيت وحتى الحلاقين أصبحوا خبراء في تجارة الأسهم .
وكان الأكثر خطورة في أزمة الكساد الكبير هو قيام البنوك باستثمار أموال مودعيها في البورصة ولأن عمليات التأمين على أموال المودعين لم تكن إجبارية وقتها فإنه مع انهيار الأسعار لم تستطع غالبية البنوك إعادة أموال المودعين عندما بدأوا يطالبون بها مما اضطرها لإغلاق أبوابها وبالنتيجة خسارة المودعين لكل مدخراتهم بالرغم من عدم اشتراكهم في اللعبة أصلاً وحتى البنوك القليلة التي نجت من الانهيار توقفت عن منح أي قروض وهو ما أدي إلى شح كبير في السيولة وانخفاض الطلب الكلي على كافة السلع وهو ما أدى إلى غلق الكثير من المصانع لأبوابها وانتشار البطالة بين الملايين من الأمريكان.

ومن رحم أزمة الكساد الكبير ولد عملاق اقتصادي انجليزي اسمه جون مينارد كينز (1883ـ 1946) غير بأفكاره ونظرياته علم الاقتصاد الكلي وهاجم أراء الاقتصاديين الكلاسيكيين والتي كانت ترى أن قوى الأسواق الحرة والبعيدة عن أي تدخل خارجي كفيلة بتحقيق التوازن الاقتصادي في المدى المتوسط.
وكانت واحدة من أهم ملاحظات كينز أنه بالرغم من ان الأفراد يتمتعون بالرشد في قراراتهم الاقتصادية عادة إلا أنهم في وقت الأزمات يترددون في أخذ أي نوع من المخاطرة ويتصرفون بعقلية القطيع ومن ثم فإنهم يحجمون عن الإنفاق بشكل جماعي في نفس الوقت مما يزيد الأمور سوءاً ويعمق حالة الكساد ولذلك رأى كينز أن التدخل الحكومي واجب ولا بديل عنه لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق وظائف جديدة في أوقات الأزمات الاقتصادية الكبيرة.

وبعد أزمة الكساد الكبير وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية طبقت الكثير من الدول خاصة الأوربية ما دعا إليه كينز من سياسات فيما يتعلق بوجوب تسريع وتيرة الانفاق الحكومي في أوقات الكساد.
ولكن فترة حكم كل من ريجان وتاتشر شهدت ارتداداً على فكر كينز والبدء في الأخذ بفكر فريدمان عوضاً عنه على النحو الذي أوضحناه سابقاً.

ومرة أخرى فإن أزمة عام 2007 أثبتت أن السياسات المالية التي دعا كينز إلى تطبيقها في زمن الأزمات الحادة أكثر دقة وفاعلية مما دعا إليه فريدمان، بمعنى أن السياسة النقدية هامة جداً في تحقيق التوازن الاقتصادي ولكن حلولها دائماً قصيرة الأمد والأهم منها هو الاستقرار المالى طويل الأمد والذي لا يتحقق إلا من خلال سياسة مالية تتسم بالكفاءة والاتساق.
ونقصد بالاستقرار المالي هنا توازن ميزانية الدولة والسيطرة على نسبة الدين العام مقارنة بحجم الناتج المحلي الاجمالي "GDP" وتحقيق معدلات نمو اقتصادي معقولة تضمن الحد من ارتفاع نسبة البطالة ولا يتأتى هذا كله إلا من خلال اتساق موارد الحكومة مع الانفاق العام واعتماد الحكومة على ايرادات وموارد مالية حقيقية لتمويل نفقاتها وليس طبع النقود أو زيادة ديونها من خلال السندات وأذون الخزانة وهو ما يؤدي عادة إلى نوع من التضخم الجامح سواء عاجلاً أم آجلاً ، كما أنه ثبت علمياً أن زيادة نسبة الدين العام عن 90 % من الGDP يؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي.
ولو أننا تأملنا ما سبق بتمعن لوجدنا أن نجاح أي حكومة في تحقيق هذا الاستقرار المالي وتبني سياسات واضحة ودائمة يؤدي عادة الى شيوع حالة من الثقة من جانب الأسواق المالية وقطاع الأعمال في الحكومة وسياساتها ومن ثم زيادة إيراداتها والتي تأتي أساساً من الضرائب والجمارك والرسوم السيادية الأخرى وهو ما يعني قدرتها على تحقيق معدلات نمو اقتصادي معقولة والحد من انتشار البطالة.

وحتى الآن فإن السياسات النقدية التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمعالجة الأزمة المالية منذ تفجرها عام 2008 والتي طبقت ثلاث مراحل من التسهيل الكمي (النقدي) QE لمحاربة الكساد كانت هامة على المدى القصير ولكنها لا تمثل بديلاً للسياسة والاستقرار المالي ذات الأثر بعيد المدى.

والخلاصة أن الدرس الكبير الذي تعلمناه كاقتصاديين من الأزمة المالية العالمية هي أن فكرة الحكومة الصغيرة التي لا تتدخل في الحياة الاقتصادية كما رأى فريدمان هي فكرة خطيرة وقت الأزمات الكبيرة التي تتوقف خلالها آليات الأسواق الرأسمالية عن العمل بسبب حالات الذعر الجماعي التي تسيطر على كافة القطاعات الاقتصادية والمالية الخاصة وأته لا بديل عما دعا إليه كينز من أهمية وجود حكومة ليس بالضرورة كبيرة جداً ولكن يكفي أن تكون قوية وحاضرة ومراقبة ومتدخلة في الساحة الاقتصادية عند الضرورة.

والدرس الثاني الذي تعلمناه هو أنه بالرغم مما للعولمة من آثار جيدة على التجارة الدولية والتدفقات المالية والاستثمارات بين الدول إلا أن لها آثار جانبية سيئة أيضا وهذا ما سوف نوضحه في البحث القادم بمشيئة الله.


محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط