الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق الصحافة والاعلام في العراق

نعمت شريف

2014 / 2 / 13
المجتمع المدني



مما لا شك فيه ان الكتاب والصحفيون في العراق يواجهون صراعا مريرا على جبهات مختلفة منها جبهة المواجهة مع الارهاب ، وجبهة المواجهة مع السلطات الحكومية، الفيدرالية والمحلية منها، وجبهة ثالثة غير واضحة المعالم تتنكر لما تقوم به كالمسؤولين والجماعات التي تتناولها اقلامهم. سلاح الكتاب والصحفيين اقلامهم هجوما او دفاعا ومن ورائهم دعم المنظمات المدنية ومنظمات حقوق الانسان. بحق انه صراع غير متكافئ يدفع فيه هؤلاء ثمنا باهضا تتراوح من تهديدات على مستويات مختلفة كالتهديد بالضرب، او المقاضاة قانونيا او السجن والى القتل. يقول الباحث عبدالحسين شعبان "الإعلامي في العراق، وإن تمتّع بقدر من الحرية، لكن حياته أصبحت مهدّدة، في كل يوم وفي كل لحظة، ففي البداية كان بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق يتصرّف باعتباره الحاكم المطلق، فيصدر الأوامر والتعليمات، ثم جاء دور الجماعات المسلحة، المتطرفة والمتعصبة، والتي ترى في الكلمة والصورة عدوًّا لا يمكن التعايش معه والاعلام يستحق العقاب إن لم ينصاع، وقد نفّذت الجماعات التكفيرية عشرات عمليات الاغتيال والاختطاف (الاختفاء القسري) إزاء العديد من الصحافيين العراقيين والعرب والأجانب، وتداخل بعضها مع أنشطة بعض القوى السياسية في العملية السياسية وخارجها." (1). لا داعي لسرد الاحصائيات والامثلة فصفحات الانترنت مليئة بها. ولكن سنحاول هنا طرح بعض الافكار الاساسية للعمل والاسباب التي تؤدي الى تفاقم ازمة العمل الصحافي حتى اصبح نمط التفكير الحر وايصالها الى الشعب في مأزق خطر يهدد "الديموقراطية" الفتية في العراق برمتها. يبدو لي اننا نسير حثيثا نحو مفترق الطرق بين الديموقراطية والتحول الديكتاتوري في العراق.

الديمقراطية ممارسة يومية قبل كل شئ. نعم ان الانتخابات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية تمثل الهيكلية التي من خلالها تمارس الديموقراطية بروحية القوانين السائدة، ولكن المحك الاساس للصحافة الحرة لتلعب دورها كسلطة رابعة كما يقال هو القاعدة الجماهيرية الواعية والنشطة. كيف يمكن ان يرضى الشعب بقتل الصحفي الا اذا كانت حياته مهددة قبل حياة الصحفي ونعتقد ان هذا هو حال شعب العراق؟ "وفي غالبية الحالات فإن الجناة تمكّنوا من الإفلات من العقاب، وكان الإعلامي يدفع الفاتورة مرتين، وذلك حين يوجّه الارهابيون نيران أسلحتهم ضده أو حين تتبرم الأحزاب والقوى السياسية والدينية والإثنية منه، فتتحرك العناصر المتطرفة منها في ظل شيوع ثقافة السلاح ضد هذا الخصم العنيد لإسكاته سواء بكاتم الصوت أو بمفخخة أو لاصقة أو غير ذلك." (2) وبهذا تفقد الصحافة ارضيتها التي تقف عليها، لان الصحافة حلقة الوصل بين السلطة والشعب، وبقتل الصحفي تنتفي الديموقراطية الا اذا دعوناها ديموقراطية القتل؟ والانكى هو انه ليس الصحفيون وحدهم، ولكن مؤسسات صحفية باكملها مهددة، وما حدث لجريدة الصباح خير مثال على ذلك. لا نقول هذا دفاعا عن الخطأ الذي ربما يرتكبه الصحفي او المؤسسة، لان السلطة تستطيع ان تلعب نفس الدور الذي تلعبه الصحافة والاعلام في خلق وتحريك الرأي العام وهذا هو العلاقة الجدلية بين السلطة والاعلام في صراعهما الدائم على ملعب الديموقراطية لكسب الجماهير والمؤيدين.

العراق حديث العهد بالديموقراطية، والسلطات على جميع المستويات تتحرك وكأنها على مسرب التزحلق على الجليد، وسرعان ما ينزلق المسؤول الحكومي او الحزبي لادنى خطأ لقلة الخبرة وعدم تعوده على النقد. ومما يزيد في الطين بلة هو ان لمعظم المسؤولين (ولا نقول الكل) لا يزال الماضي يلقي بظلاله على نمط تفكيرهم في تعاملهم مع الاحداث. ان نمط الحكم الديكتاتوري اسهل بكثير من الديموقراطي، شخص يقرر، وتنفذ (بضم التاء)، وينتهي الامر، وهذا عكس ما تهدف اليه الديموقراطية كعملية دائمة الحركة في صناعة القرار وفي تنفيذه خطوة بخطوة. الانسان عجول بطبعه ليختار الاسهل، وهذا ما يجعل الاسلوب الديموقراطي في الحياة جهادا مع النفس اولا وصراعا دائما في الممارسات اليومية في معترك الحياة. ينطبق هذا على الجميع ولكن ردود افعال ممثلي السلطة والمسؤولين تتميز بنتائجها ذات الطابع الشمولي.

وقبل ان نلقي باللوم جميعه على السلطة ورجالاتها، دعنا نبدي بعض الملاحظات على الصحافة والاعلام في العراق كممارسة ديموقراطية يومية يدفع فيها الصحفيون والاعلاميون في العراق ثمنا غاليا تصل احيانا الى حيواتهم. لا يشكل ما سنقوله ذريعة لاي كان للحد من حرية الصحافة سواء كانت مرئية، مكتوبة او مسموعة. ان ما نقوله هنا سيبدوا بديهيا احيانا ولكنه من الضروري ادراجه، ونستميح الكتاب والصحفيين عذرا، فلا نقصد الانتقاص من احد، ولكن قصدنا هنا تبيان بعض الخطوط العريضة لممارسة الكتابة على جميع مستوياتها.

لكل مهنة مبادئ واخلاقيات في الممارسة، وللكتابة بجميع انواعها وخاصة في حقل الصحافة والاعلام، ومن هذه المبادئ توخي الحقيقة والدقة والموضوعية والحياد والتسامح والمسؤولية أمام القانون والقراء واخلاقياتها تبدأ في الحصول على المعلومات ومراعاة أهميتها وتوصيلها القراء، اهم ما فيها هو تطبيقها في وجة التحديات المهنية التي تواجه الكتاب والصحفيين. كما يفترض بالكاتب توخي الحاق اقل الضرر بالاخرين من النواحي المادية والمعنوية والجسدية، كتعريض الاخرين للخطر او تشويه سمعتهم. من اهم هذه المبادئ جميعها، هو مبدأ التحقق من مصداقية القول والخبرلان الصحافة هي المهنة التي تعتمد على جمع وتحليل الاخبار عن مستجدات الامور على الساحات السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. واما اللغة وسلامتها في التعبير فتمثل العمود الفقري في عملية التواصل بين المرسل (بكسر السين) والمتلقي، وبدونها يطغي الغموض وسوء الفهم على مجمل العملية التواصلية. اللغة السليمة تحقق الهدف في تربية الذوق السليم ووضوح الرؤية لدى القارئ او المتلقي. رغم هذا الايجاز الشديد(3)، دعنا نرى كيف يستقيم الوضع الصحفي في العراق امام هذه التحديات الكبيرة.

مما لاشك فيه ان العراق يمر بفترة انتقالية انفتحت فيها ابواب الثقافة والاعلام والصحافة بعد انهيار الصنم البعثي قبل اكثر من عشر سنوات. هذه الفترة تمثل ثورة في الثقافة والاعلام فقد ظهرت العشرات أن لم نقل المئات من الجرائد والدوريات ومحطات الاذاعة والتلفزيون بالاضافة الى الانترنت. ان توفر تكنلوجيا الطبع والنشروالبث بالصوت والصورة قلبت العراق من مجتمع مغلق الى مجتمع منفتح جدا ان لم نقل بلا حدود. وهذا الفيضان الجارف جلب معه الغث والسمين، الصالح والطالح. لنختصر ونركز على بعض النقاط المهمة التي تحدد معالم المأزق الصحافي في العراق:

1. عدم التمييز بين الفاعل والموضوع. من المؤسف حقا ان نجد ان الكثيرين من الكتاب لا يتناولون موضوعا وانما شخصا للكتابة عنه، وحتى ان اختاروا فهم يخلطون بين الموضوع او الموقف والشخص، ويبدأون سواء بالذم والهجوم او المديح والاطراء. وفي كلتا الحالتين يسيئون الى الفاعل سواءا كان مسؤولا حكوميا، حزبيا او منظمة او دائرة. هناك عدد من الكتاب يلتزمون بخط حزبي او سياسي بسبب الانتماء اوالاسترزاق ويتبعهم في ذلك المئات من الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ولكن الذي نريد التأكيد عليه هنا هو ضرورة الالتزام بالموضوع او الموقف بدلا من خلط الاوراق والضرب على الاوتار الحساسة للاشخاص لاثارتهم او النيل من سمعتهم، وفي هذه الحالة لهم حق الدفاع عن النفس والمتهم برئ حتى تثبت ادانته. ليس للصحفي او اي كاتب حق الادانة واصدار الحكم، فهذا من واجبات السلطة القضائية. ان كيل الثناء للمسؤولين الكبار والذين هم جزء من السلطة التنفيذية لا يعدو ان يكون تملقا واسترزاقا لا غير، والعكس لا يعدو ان يكون عداء لاي سبب كان او حقدا دفينا. وأما في مجالات الصحافة الموجهة كصحافة الاحزاب وغيرها فالاولى ان يقوم الكاتب بالتزام الموقف لا التعلق بعباءة المسؤول.

2. أدب الخلاف. في حال الاختلاف مع مسؤول حكومي او حزبي، على الكاتب ان يختار كلماته بدقة ولا يطعن فيه كفرد في المجتمع، لان امتهان الكتابة او القدرة عليها ليس ترخيصا لكيل الاهانات. الهدف من الكتابة هو تبيان الحقيقة بحيادية تامة للقارئ لاتخاذ موقفه بنفسه، بدلا من فرض موقفك عليه. نأسف ان نرى ان الكثيرين يأخذون في كتاباتهم مسلك الشتائم الصريحة ما انزل بها من سلطان حتى وصل الامر باحدهم ان ينهي مقالاته بعبارة "واللعنة على حميرنا" وواضح من هو المقصود بالحمير، وكأن الصفحات التي كتبها لا تثلج صدره حتى يصل الى اللعنة. وهناك من يكتب عن "ثقافة القندرة" وآخر عن اهمية القندرة في الثقافة العراقية، وغيرهم كثيرون.

3. التعصب: بعد سقوط النظام البعثي بدأ الارهاب يدق اسافينه في صفوف الشعب العراقي ويغذي الفكر المتعصب بجميع انواعه، وخاصة المذهبي والقومي. ومما لاشك فيه، ان للارهاب دورا كبيرا في الاعلام وخاصة المرئية والمسموعة منها، فهناك جهات تمول نشاطاتها الاعلامية كجزء مبرمج من النشاطات الارهابية ككل. ان الفعل الخطأ لا يبرر رد الفعل الخطأ. ولذلك نعتقد ان واجب الصحافة الحرة هو الاعتدال والحيادية في عرض الفكر التكفيري ونقده والنشاطات الارهابية لتفرض (الصحافة) مصداقيتها على ارض الواقع وتتميز عن غيرها في الساحة. ولا يختلف الامر كثيرا عندما نتكلم عن التعصب القومي. لا يمكن دحر التعصب والارهاب الا بكسب الحرب الدائرة رحاها في ادمغة وقلوب الجماهير اولا، ومن ثم الانتصار العسكري وهذا ليس من شأننا في هذا المقال المقتضب. اليس استهداف الصحفيين من قبل الاهابيين الا دليلا دامغا على اهمية هذا الجانب في الصراع مع الفكر التكفيري!

4. اللغة وسلامتها في التعبير والكتابة. اللغة اداة التعبير الوحيدة التي تقف عندها الادوات الاخرى. مع الثورة الثقافية-الاعلامية في العشر سنوات الاخيرة، يزدحم اليوم حقل الكتابة بشكل عام بكل من هب ودب. نعم، هناك عدد من الصحافيين والاعلاميين والكتاب يتميزون باللغة الرصينة والفكر الرصين وهم الذين يحملون لواء الاعلام والصحافة العراقية، وهم رواد الثقافة والفكر في العراق. واما الاخرون، وهم كثر، يواجهون مشكلات جمة في التعبير واللغة. أن من متطلبات اللغة الرصينة ان تكون سليمة لغة ونحوا وترقيما. لا بد ان نذكر في هذا الباب تأثير الانترنت على هبوط مستوى الكتابة ليس في العراق او في اللغة العربية فحسب، فهذه الظاهرة موجودة في اللغات والبلدان الاخرى ايضا. في العراق بشكل خاص، يبدو ان سهولة النشر وكثرة المواد لا يسمح المحررين في الكثير من الاحيان بالقيام بدورهم بشكل تام، حتى ظهر العديد من المواقع التي تنشر المواد من دون تدقيق اوتحرير. يبدو لي، ان حال الصحافة المطبوعة على ما اعتقد افضل من قرينتها على مواقع الانترنت لان الصحف لا تزال توظف محررين كفوئين للمراجعة والتحرير.

نعمت شريف
[email protected]

الهوامش:

(1) عبد الحسين شعبان، احقا هي السلطة الرابعة؟ (صوت العراق)، 03-01-2014
(2) المصدر السابق.
(3) للمزيد عن دور الصحافة ومهام الصحفي أنظر:
جــودت هوشـيار، من هو الصحفي؟ صوت العراق، 23-12-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اين الطاووس ونافخ ريشه ؟؟؟
علي العبيدي ( 2014 / 2 / 13 - 06:49 )
موضوع شيق وفيه حقائق لايمكن غفلانها اطلاقا من قبل رجالات الاعلام والصحافه وارجو ان يكون قد تمت قرائته من قبل اكبر عدد من الصحفيين اللذين يتعرضون في كل وقت الى مخاطر جمه من كل الاطراف المتصارعه في الساحه العراقيه
ولكن مادور نقابة الصحفيين ومالكها الطاووس النافخ لريشه دائما وابدا؟؟؟؟؟
الم يصرح مره انه يتفوق على الجواهري نفسه؟؟؟؟
والغريب ان طاووسنا البطل لاينطق الابما يريده ولي نعمته فنراه يسكت ويطبق شفتيه او يغلق عينيه حينما يقتل صحفي يساري او يختفي احد الدمقراطيين او يلقى القبض على صحفي ذا توجهات علمانيه ولبراليه او يسكت لطرد صحفي لانه تجرا وذكر حقائق سرقة الزويه المشهوره
يخرس الطاووس حينما تستهدف حياة صحفيي الصباح الجديد ولكنه يزعق مطقطقا حنجرته وهو يحمد ويشكر بسلطة الاسلاميين المريبه
يتوارى الطاووس حينما تهاجم جريدة طريق الشعب في وضح النهار ولكنه ينفخ ريشه وهو يزعم ان الجواهري الخالد لايستطيع منافسته لو كان حيا


2 - شكرا على تعليقكم
نعمت شريف ( 2014 / 2 / 13 - 16:36 )
أخي علي:
شكرا على تعليقكم وملاحظاتكم عن الوضع العام للصحافة العراقية. أنا اكتب عن ما ارى واسمع واشعر به عن مأسي الشعب-الضحية. انا لا اكتب ارتزاقا ولا هدف لي الا النفع العام، لعلما اساهم بما اقدر عليه بهدف رفع الوعي العام ومن اجل تقدم الوطن.

اخر الافلام

.. جيش الاحتلال يستهدف النازحين الذين يحاولون العودة لشمال قطاع


.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا




.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل


.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار




.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل