الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية (إستيلاء) هيمنة ذكورية غائبة .. وحضور أنثوي مستلب !

صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)

2014 / 2 / 18
الادب والفن


مسرحية (إستيلاء) :
مقدمة

إحملوا ماتبقى من أرواحكم .. فالحرب لم تنتهي بعد..!
تنتمي (الحرب) إلى ذلك النوع المستحيل من الافعال التي لازمت البشرية منذ تكوينها الأول ذلك أنها إ رتبطت إبتداء بإمتلاك القدرة على البقاء كما هو الحال في الصراع بين الإنسان والطبيعة ، ومع تحولات الزمن باتت الحرب وسيلة للسيطرة على الآخر والهيمنة على ثروات الشعوب وفي ذلك أمثلة كثيرة على الحروب الإستعمارية التي قسمت المنطقة العربية على وفق إتفاقيات سياسية، ولم تنتهي الحرب بعد؛ بل إنها غيرت شكلها فحسب ، مستبدلة رداءها العسكري القديم برداء ناعم يمنحها قدرة السيطرة على الآخر تحت مسميات الحرية والديمقراطية وغيرها من الملفوظات التي يسهم مثقفوا السلطة في تشكيل بنيتها ومفاهيمها.
ولم يزل المشهد المسرحي في العراق غيرقادر على إنتاج فضاءات مغايرة تمتلك حضورها على مستوى البنية النصية أولاً وليس إنتهاء بالرؤية الإخراجية المستقبلية التي من شأنها أن تسهم في إنتاج ثقافة تنسجم مع حركة العالم المتسارعة بما تحمل من طروحات وإشكالات معرفية لاتقف عند حدود الإرتهان إلى الذاكرة الجمعية المشبعة برائحة الحرب ؛ بل أن تكون فاعلة في إنتاج ثقافة تمتلك حضورها في تشكيل الواقع وبناء المستقبل .
إن إعادة إنتاج (الحرب) على خشبة المسرح يطرح العديد من الإشتراطات تقف في مقدمتها جماليات الرؤية الإخراجية التي نفترض أن منتجها يقدم مقترحاً جمالياً وفكرياً متفرداً ومغايراً عن كل الرؤى الإخراجية التي أطاحت بالحرب في مراحل سابقة من تأريخ المسرح في العراق ، حيث تنوعت التجارب المسرحية مثلما تنوعت (الحروب) ففي (حرب الثمانينات ) ظهرت تجارب مسرحية تناهض الحرب من وجهة نظر السلطة ، إلا أن هذه الرؤية سرعان ما تمت إزاحتها بعد (حرب التسعينات) حيث بدأت التجارب المسرحية تتوالى للكشف عن بشاعة الحرب وماتخلفه وراءها من دمار ، بمعزل عن طروحات السلطة ، ونذكر بخاصة تجارب (منتدى المسرح) الذي أريد له ان يكون صوتاً للسلطة إلا أنه إنقلب عليها من خلال إنتاج عروض مسرحية يطغى على رؤاها الإخراجية حضور فاعل للرمز هروباً من سلطة الرقيب ، وبعيداً عن تجارب (منتدى المسرح) لابد لنا من ذكر تجارب (فلاح شاكر) في التأليف ورؤية (فاضل خليل ) في الإخراج التي كشفت عن قسوة الحرب في عروض مسرحية عدة، فضلا عن تجارب (كاظم النصار) التي حملت معها مشروعاً مسرحياً عنوانه (مسرح الحرب ) وغيرها من التجارب المسرحية التي أغنتها الدراسات البحثية والاكاديمية .
وبعد أنتهاء حقبة الحروب التي عصفت بالشعب العراقي في مراحل سبق ذكرها وليس إنتهاء بالإحتلال الأمريكي ، يعود المسرح العراقي إلى تذكير المتلقي بان ثمة (حرب) لم تنتهي بعد ، كان آخرها في العرض المسرحي( إستيلاء) تأليف (هوشنك الوزيري) إعداد وتعريق(حيدر جمعة) إخراج (إبراهيم حنون) دراماتورج(رائد محسن) تمثيل ( سمر محمد ، آلاء نجم ، ميلاد سري) مع مجموعة من شباب المسرح العراقي الواعد، والذي قدم على خشبة المسرح الوطني في بغداد مؤخرا.

النص الدرامي بين مقترحات المؤلف وإشتغالات اخرى :

أن فعل المزاوجة بين طروحات المتن الاساسي للنص المسرحي الذي انتجه (هوشنك الوزيري) وبين مقترحات الاعداد والتعريق التي تصدى لها ( حيدر جمعة) لم تستطع الإبتعاد بالتناصات التي بدت حاضرة في العرض المسرحي والتي أعلن عنها المخرج (ابراهيم حنون) في مشاهد العرض الاولى ، والتي إرتبطت مع فضاءات نصية أخرى تمثلت في مسرحية (بيت برناردا ألبا) للشاعر الاسباني (فيديريكو غارسا لوركا) حيث يكشف لنا المتن النصي عند حضور فاعل لنص (لوركا ) في مواضع عدة على الرغم من وجود لغة محلية بعيدة عن الفضاء الشعري الذي ينتمي إليه الشاعر الإسباني، وقد أتاحت الدراسات النقدية التي قدمتها (جوليا كرستيفا) التعاطي مع النصوص التناصية بوصفها تشاكلات معرفية تنتمي إلى مقولة ( إن الأسد هو مجموعة خراف مهضومة) ومن جهته فإن الفعل الإخراجي عمد على تعزيز الفضاء النصي من خلال علامات بصرية متنوعة تمثلت بالأزياء السوداء (الحداد) وهيمنة السيدة (الزوجة) وغير ذلك.
فضلا عن ذلك فإن (الوزيري) قد إختار التعاطي مع شخصية السلطة العسكرية التي تشكلت في الذاكرة الجمعية وظلت حاضرة على الرغم من غيابها عن العرض ، الامر الذي يؤكد أن نص المؤلف ينتمي إلى تلك الحقبة الزمنية الماضية التي كان حضور الرمز فيها مهيمناً على النص المحلي كما هو الحال مع العرض ، بمعنى ان الخوف من السلطة تحول من سلوك خارجي يمارس على نحو معلن كانت الحرب أبرز تمظهراته ، إلى أن تحول إلى سلوك داخلي يضرب أعماق الوعي الإنساني ويراقب سلوكه ، ويذكرنا ذلك برواية (جورج اورويل) ( 1984 ) المعروفة وبخاصة في حضور السلطة الابدي متمثلا بمقولة ( الاخ الكبير يراقبك)، وفي نص (هوشنك) تحولت السلطة الغائبة إلى حضور مادي تمثل في شخصية الزوجة التي حولت غياب زوجها إلى سلوك حاضر في فضاء العرض الأمر الذي يحسب للمخرج قدرته في التعامل مع مقترحات المؤلف .

سينوغرافيا العرض بين الدهشة البصرية والوظيفة الإخراجية:

إختار المخرج تقسيم فضاء العرض إلى ثلاث مستويات شكل كل واحد منها منطقة للتعبير البصري ، حيث كان للمنطقة العليا أو ( المنصة / الجسر ) حضور مهيمن على باقي المناطق حيث بدا واضحاً أن إشتغال المخرج فيها من أجل التأكيد على الزمن الماضي وقد بدا ذلك واضحاً من خلال المتواليات البصرية التي كشف عنها العرض متمثلة إبتداء بالدخان والشخصيات (مجاميع الممثلين) الذين قدموا متواليات حركية تجعلهم متشابهين في السلوك الذي إرتبط بطبيعة الحال بشكل السلطة في تلك المرحلة ، فضلا عن تشاركهم في أزياء الحرب التي سيطرت على سلوكهم الذي جاء منسجماً مع المقترح الإخراجي لحضورهم ، إلا ان حضورهم الإيقوني على مستوى الحركة والزي العسكري جعل المخرج يغفل عن أشكالهم التي بدت متناقضة فيما يتعلق بالهيئة التي تمثل عليها الجندي على نحو بات ملازماً للذاكرة الجمعية سواء في ملابسه أو رأسه الحليق، على العكس من جنود (إبراهيم حنون) الذين طلعوا علينا بشعور طويلة جعلتنا نحيلهم في مواضع عدة إلى عارضي الأزياء ، الذين يؤرشفون لمرحلة تاريخية في زمن ما .. فضلا عن ذلك فإن متواليات الحركة الإيقونية التي إعتمدها المخرج في حركة (مجاميع الممثلين) احالت المتلقي إلى صورة تشكلت في زمن سابق عن واحد من أكثر الأفلام إشتغالاً على الجانب البصري في التعبير عن هيمنة السلطات القمعية ألا وهو فلم (الجدار) للمخرج (ألين باركر) وبخاصة المشاهد التي إرتبط بإرسال الجنود إلى محرقة الحرب الذي جاء تناصياً أو كما يقول (د.يوسف رشيد) (تعرضنياً) مع مشاهد المخرج (إبراهيم حنون) وقد يكون ذلك على نحو غير قصدي .
وقد إختار المخرج منطقة عمق المسرح من اجل تشكيل (المطبخ العسكري) الذي تتم فيه صناعة الأزياء العسكرية وضروريات الحرب المكتنزة برائحة الموت ، وعلى الرغم من الشكل البصري الذي كان متحققاً في هذه المنطقة إلا أنها لم تمتلك حضوراً يسهم في تفعيل الأفكار الدرامية المتوافرة في المتن النصي وتحويلها إلى فرضيات إخراجية ،على الرغم من أن مقترح الإخراج إختار ترك هذه المنطقة خالية من(الممثلين) الأمر الذي منح المتلقي مساحة اخرى للتفكير والتأويل بقصدية ذلك الغياب ، الامر الذي جعلها تنسجم مع فكرة الإبقاء على (المطابخ العسكرية) بوصفها ذاكرة تمنح من يتخذ الحرب إسلوباً في الحياة ومنهجاً في السلطة.
إقتصر حضور الحركة على نحو مستمر داخل فضاء العرض على المنطقة التي إختارها المخرج لتكون بيئة للشخصيات (الممثلات) سوف نأتي على ذكرها في موضع آخر ، إلا ان ما يهمنا هنا هو إشتغال المخرج (إبراهيم حنون) على منطقة وسط المسرح بوصفها مرتكزاً سينوغرافياً يمتلك فعل الحضور، فضلا عن ذلك فإن المعنى الدلالي الذي بدا واضحاً في توزيع الكراسي داخل منطقة التمثيل منح العرض بعداً تأويلاً مزدوجاً ، فإذا كان الكرسي يمتلك دلالة السلطة فإن حضور اللون بأنساق مختلفة قد منح الكرسي إشتغالات أخرى كما هو الحال مع الكرسي الذي إصطبغ باللون الاحمر على نحو مغاير للكراسي الاخرى التي إتشحت بالسواد كما هي أزياء الشخصيات ، الأمر الذي كشف عن مركزية السلطة ودمويتها التي تمثلتها شخصية (الزوجة) ، من جهة أخرى فإن توظيف المخرج (للمانيكان) الذي تنوعت أشكاله بين قطع رجالية كاملة وقطع نصفية متشحة بالسواد ؛ بدت القصدية واضحة الملامح في ذلك من اجل التعبير عن انصاف السياسيين الذين ظل مصيرهم مجهول الهوية كما هو حال ضحاياهم ، إلا ان مايثير الإنتباه تأكيد المخرج على (المانيكان ) النسائي النصفي ، الذي ينفي وجوده فرضية الشخصية التسلطية التي اكد عليها المخرج في (المانيكان) الرجالي الكامل والشاخص في فضاء العرض.

الاداء التمثيلي بين الجسد الانثوي والفعل الذكوري:

تنوعت إشتغالات المخرج والدراماتورج من اجل إنتاج أداء تمثيلي يكشف عن سلوك السلطة الذكوري والمهيمن من خلال جسد الانثى ، ويمكن ان يحسب ذلك لصالح صناع العرض ، ذلك ان القدرة على تحويل فعل ذكوري إلى سلوك تتمثله أنثى ليس بالأمر اليسير ، وخصوصاً بالحديث عن نوع محدد من الشخصيات التي تمتلك جميع النقائض النفسية والجسدية والإجتماعية التي تجعلها بعيدة عن سلوك (المرأة/الانثى) ، على الرغم من ان وجود مثل هذا النوع من الشخصيات ليس غريباً على المجتمعات التي تمتلك فيها المرأة حرية التعبير، كما هي الحال مع شخصية (مارغريت تاتشر) التي أثارت الكثير من الجدل في الاوساط السلطوية، ولم تتسق مسيرتها (الأنثوسلطوية) إلا بعد أن تحصلت على لقب (المرأة الحديدية) ، ويبدو أن شخصية (الزوجة) التي جسدتها الفنانة (آلاء نجم) تنتمي لذلك النوع من الشخصيات ، حيث إنها تمثلت السلطة الذكورية بكامل سلوكها ، على مستوى التعبير الصوتي والحركي ، الذي بدا منسجماً في مواضع عدة ، إلا ان صوت الانثى إنفلت من سلطة الشخصية الذكورية في مواضع اخرى، حتى إنها تحولت إلى مسخ( أنثى/ذكورية) برداء نسائي فضفاض كان على المخرج إدخاله ضمن النسق الادائي للشخصية من خلال إختيار ملابس رجولية كما هو الحال مع قبعة الرأس (البيرية) والحذاء العسكري، من جهة أخرى فإن اداء الممثلة (ميلاد سري) جاء تعبيراً عن (المرأة/ الأنثى / الضحية ) التي كانت تبحث في الذاكرة عن زوج خطفه جنرال الحرب المزعوم ولم يبقي منه سوى رسائل تثير مشاعر (الأنثى)، وبين شخصية سلطوية واخرى هائمة وقفت الممثلة (لبوة عرب) التي جسدت شخصية (الخادمة/ الأخت) التي تنكرت السلطة لشرعيتها حائرة بين ماضٍ فاقد للعذرية ومستقبل مجهول الهوية،في اداء تمثيلي حاولت من خلاله الحفاظ على الشخصية وعدم إنجرارها وراء أداء الشخصيات الأخرى ، ولم يدخر المخرج جهداً في توظيف الأفكار التي بدت واضحة للتلقي على الرغم من إعتماد المخرج على الترميز والغموض لأسباب لم تكن به حاجة إليها ، كما هو الحال في تقسيم الشخصيات الثلاث التي تغيرت عناوينها وإنسلخت عن معطياتها بسبب دخول شخصية (صاحبة البيت/ المحتل) والتي جسدتها الفنانة (سمر محمد) ، حيث كان دخولها سبباً في تغيير الفكرة الأساسية للعرض ، كما هو الحال في الهجمات المفاجئة التي إستخدمتها قوات الأحتلال في إقتحام بلادنا ، وعلى الرغم من ان دخول هذه الشخصية قد كسر من افق التلقي إلا ان المخرج لم يتواصل مع بنائها لتكون ختاماً لجميع الحروب التي قادها جنرالات الماضي الموهمين بالبطولة ، وبذلك تنتهي حدود الرؤية الاخراجية عند سنوات الماضي الذي لانستطيع الفكاك من جحيمه إلا بمستقبل أفضل ... لم يزل مجهولاً حتى الآن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع