الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحلام - فرح - .. -قصة قصيرة-

أماني فؤاد

2014 / 2 / 21
الادب والفن


أحلام "فرح" ..
د . أماني فؤاد

منذ دقائق أرسل لها الطبيب الشهير يقول :" أفتقدك للغاية ، أين أنت ؟ هل تتعمدين تجاهلي ؟
لم ترد .. ربما شعرت أن الرسالة قد وصلتها خطأ ، لأن المساحة التي بينهما لا تسمح بحوار علي هذا النحو ، وإن كان يقصدها .. فهي لا تبالي ، تشعر أن كل نزوة بتلك الخفة تستهلك من أعمارنا القصيرة ، تُفضي إلي ابتذال ذواتنا إن لم تكن هناك مشاعر حقيقية .
لكنها فجأة تذكرت الحلم الذي رأته منذ فترة طويلة ، وقتها قصته علي حبيبها ، وضحكا منه معا ، هل يمكن أن تتيح لنا الأحلام أن نري المستقبل بصورة ما ؟ تلقي بومضات مما يمكن حدوثه بعد سنوات ؟
اعتاد "عليّ" دوما أن يفكك أحلامَها ؛ ليتركها بيضاء نقية بلا قلق كلون بشرتها التي عشقها ، وربما كان يفضل أن تقص عليه أحلامها ليعرف المناطق المسكوتة عنها في حواراتهما ، عالمها الذي لا يمتلك كل تفاصيله .
رويدا بدأت ذاكرتها تستحضر الحلم الذي كان .. ، ما تطويه الأيام في لفائفها السحرية ، ويقتات منه الزمن بشراهة .
المشهد الأول :
كانت قد رأت حبيبها قادما نحوهما مسرعا ، ألقي تحية مقتضبة ، والتفت إليها قائلا : "فرح" تعالي معي ، أريدك في التو واللحظة ، استمهلته بعينيها لحين الانتهاء من حديثها مع أستاذها د . "مختار الفيومي" بعد انتهاء المؤتمر الذي أعدته معه ؛ فلقد سبب لها حرجا ، الرجل الذي بدوره دعاه للجلوس معهما بلا تردد .
بابتسامة مقتضبة أنهي " عليّ " الحديث مستأذنا في الانصراف ، وعقد أصابعه علي يدها وأخذها واستأذنا.
استوقفته ــ بعد أن ابتعدا قليلا ــ تريد أن تستفسر صنيعه المباغت ، قالت له : لم أكمل قهوتي ، أغمض عينيه ووقف عنيدا ، قال : أنتي لي وحدي ، لا أطيق رؤيتك تجلسين مع بشر سواي .. همت أن تنطق .. وضع يده علي فمها وجذبها وتوالت خطواتهما ، دون أن يقص عليها شيئا ذا بال .
حين وصلا إلي باحة الانتظار بالفندق الذي عقدت فيه جلسات المؤتمر وجدت سيارته قد تبخرت ، وإذا بهما في المشهد الثاني مباشرة :
في ساحة أحد القصور الباريسية المطلة علي البحر يقفا و السعادة تتقافز من أعينهم ، يحتضن خصرها بأحد ذراعيه ، وبالأخري يحاكي وضع أحد التماثيل الناطقه بالحياة والقوة ، كان جسده جميلا يضاهي شراعا يخترق موجة صاخبة بثقة وإصرار ، يشرح لها مسترسلا فلسفة الحرية في نحت الحضارة اليونانية القديم ، تبتعد عنه خطوة ، ثم تأخذ الوضع المستقيم لتمثال الملكة الفرعونية " نفرتاري" ، تضحك وتقول له أعشق فكرة مقاومة المصريين للفناء ، نحت بلا حركة ، فن للبقاء ، يقترب منها ثانية ويجذبها إليه : لا أطيق أن تستنشق أنفي سوي رائحتك ، لا تبتعدي ثانية .. فتلتصق به سعيدة . تعلم أنه يؤرقه دائما أنه لا يعيشها إلا نُذرا ، إلا قليلا كما كان يقول ، وحينما تسمح ظروفها هي ..
تهمس في أذنه : تفتنك الحرية ، وتؤمن بالثقافة أسلوب حياة ، وفي حبك لي تتبخر الحرية..هل تعشقني أم تستولى عليك غريزة التملك ؟
التقط شفتيها قبل أن تنهي كلماتها وهو يضمها إلي صدره بقوة ، حتي كادت عظامها تشكو إليه ، ثم قال : إلا أنتِ ، لا يعنيني امتلاك شيء من هذا العالم سوي الاستحواذ علي قلبك ، أن تظلي في عيوني ، أشعر أني أغار حتي من ملابسك ، هذا الحرير الذي تضعينه علي رقبتك ، أرقبه تُري طرفه يمكن أن يلامس فيكِ أكثر مما يمكن أن أسمح له به .
هل تعلمين لم أسخر من معنى في حياتي قدر سخريتي ممن يعتقدون في الديمومة والأبدية ، حين عشقتك صرت أكثر تعاطفا مع القيمتين ، لكني لم أزل أحسبهما هُراءا ، يحارب بهما البشر فناء كل الأشياء ، سطوة الزمن وتغير محتواه .
لذا أعبئ لحظاتي معك بكل زخم الحياة ، أقبض عليها لأني لا أدرك ماذا تخبئ اللحظة التي بعدها .
المشهد الثالث :
أمام كوخ صغير علي الشاطيء ، وتحت هياج لموج المحيط الصاخب ، كانت بمفردها تستمع للحن رحباني ، تضفره "فيروز" بصوتها فيتصاعد مع رذاذ الموج إلي السماء ، تنتبه لتبحث عنه فيطل وجهه من القمر ، ثم يأتيها .. فتقف لتضمه بين يديها ، وتلامس شفتيها عاشقة كل ملامحه ، حتى فكه السفلي الذي كان يكتنز مناطق القسوة والتحدي فيه ، يقول وكلماته تستقر بين شفتيها : وجهك مثل صفحة البحر، جميل حد التلون بألوان قوس قزح، ورقراق في تمهل ، يغري في البداية بالسير فوقه ، لكن حتى المتصوفة ليس بوسعهم سوى السقوط في نشوة كائناتك الداخلية .
يتجهان نحو الكوخ وأمواج المحيط الثائر كجدران الحياة ، هادرة لكنها ذات سيولة ، لا تمكَّن من الإتكاء عليها ، ما أن تدلف من باب الكوخ حتى تجد نفسها قد ارتدت زي غرفة العمليات ، ومريض مسجى علي الطاولة يناديها قلبه أن تستأنف عملها ، وهناك من يناولها المشرط وأحد المقصات ، التفت تبحث عن حبيبها لم تجده ، فقط وجدت " مختار الفيومي " يستحثها أن تبدأ في إجراء الجراحة ... ثم تصحو من نومها .
تعجبا بعد أن قصت عليه الحلم وقتها ، وضحكا معا من سرياليته ، ثم قال : لن يستطيع أحد أن يشغلك عنا حتى هذا " الفيومي" ، فاعترتها نشوة غامرة .
قطع جرس الهاتف ذكرياتها ، فألقت عيناها نظرة علي ساعة الحائط وجدتها الحادية عشر ، هو نفس الموعد الذي كان " عليّ " منذ زمن يستهل به يومه مع صباحاتهما الخاصة وصوتها قبل أن يبدأ محاضراته في علم النفس ، التقطت السماعة وقلبها يرتجف .. لعله يكون هو ، جاءها صوت عميق خشن : لم لا تردين علي رسائلي ؟ أين أنت ؟ هل أنت بغرفة العمليات يتكلم يخبرها بترشيح "الجمعية الجراحية العالمية" لهما لإعداد المؤتمر السنوي لأبحاثها الدولية معه بعد ثلاثة أشهر ، يتكلم .. وأذنيها تسترجع آخر مكالمة لها مع "علي" : عفوا لن أستطيع أن أكمل ، كيف يمكن أن تستمر الحياة أحلام وأحلام ..، لا يكفيني هذا القليل.
تلتقط القلم لتكتب عنوان الفندق الذي سيقام به المؤتمر ، ثم تكتب في السطر الأخير " إن هي إلا سريالية الحياة " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في