الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية -الاختفاء العجيب لرجل مدهش- للكاتب المصري اسامة علام

جاسم نعمة مصاول
(Jassim Msawil)

2014 / 2 / 25
الادب والفن


قراءة في رواية "الاختفاء العجيب لرجل مدهش" للكاتب المصري اسامة علام
بقلم: جاسم نعمة مصاول

يقول الروائي ليو تولستوي في اعترافاته بأن: " الحياة الروحية تُعاش ولاتلقن وكسب الحياة يكون بخدمة الناس لا بإعتزالهم وفهم الكتاب المقدس هو بحرية العقل ونقاء القلب لا بالترديد".
يقول الروائي غابرياغارسيا ماركيز: " المسألة ليست اذن في كتابة رواية أو قصة قصيرة وإنما في كتابتها بجدية حتى ولو لم تُبع فيما بعد ولم تنل أية جائزة".
يقول هنري جيمس : " الرواية طبقاً لأوسع تعريف لها، انطباع شخصي مباشر عن الحياة".
يرى ميخائيل باختين: " ان الرواية هي ذلك الخلق الذي يتحقق فيه الحوار بأكمل أشكاله".

تدور أحداث رواية "الاختفاء العجيب لرجل مدهش" في مدينة مونتريال، المدينة الصاخبة في ليالي الصيف في الــ Old Port وشارع Cresent وشارع Saint Catherine والمدينة الغافية في ليالي الشتاء القارس، وتحلم بربيع قادم ...
لقد جرت الاحداث بشكل متشابك وتنتقل بنا من مونتريال الى رومانيا ثم الى باريس وتعود الى مونتريال القديمة قبل عقود من الزمن ثم تقفز الى الحاضر المخفي خلف الكواليس والشوارع الخلفية للمدينة ليروي لنا وجه آخر من حياة المونترياليين اليومية، مما نتج عنه تنامي الحبكة القصصية.
أما الحوارات التي جرت خلال الرواية سواء التي حكتها لنا شخصيات الرواية الرئيسية والثانوية أو التي جرت بينهم، قد كشفت لنا عن نفسية الشخصيات بشكل عميق وحددت سلوك ودوافع كل واحد منهم على امتداد الرواية.
الازمة التي مرت في الرواية هي كيفية قيام الشخصيات النسائية الثلاثة بخطف البطل الرئيسي للرواية فرانسوا ليكو دون أن ينتبه أحد لذلك، واختفاء البطل في ظروف غامضة بالنسبة لهن دون أن يظفرن به.
لقد اختار الكاتب في أحداث وشخصيات الرواية أشياء مبتكرة لم يعتد عليها القارىء العربي وكانت تمتاز بالعمق والابعاد الفكرية الذاتية والاجتماعية والصراعات النفسية الهائلة التي كشفت عن السلوك الحقيقي لكثير من الناس في المجتمعات الغربية، فضلاً عن أراء هذه الشخصيات بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية للدولة، مثلاً ذكر الضرائب وتأخر وسائط النقل والبطالة ومشاركة الحكومة في حرب أفغانستان ...



الشخصيات الرئيسية للرواية :
1. فرانسوا ليكو: فنان شوارع ومهرج يمثل أحياناً في المهرجانات ويقدم عروضاً قصيرة مضحكة للأطفال، وهو يمارسها كهواية تسمح له بأن يشاهد الأطفال ضاحكين ومندهشين، أي أنه يستمتع بهذه المناظر وهو يدخل الفرحة والانشراح لهؤلاء الاطفال الأبرياء.
أما مهنته الأساسية هي مزين الموتى. صحيح أنها مهنة تتعب القلب وتثير الأسى في النفس، لكن الكاتب يقول على لسان بطله بأنها مهنة نبيلة لاتخلو أحياناً من مُزح سوداء، لان هذه المهنة تحتاج الى الدراسة والكثير من الموهبة.
ويتمثل عمله في تزيين الموتى أن يطلب مجموعة صور للمتوفى من ذويه في أكثر لحظات حياته سعادة كي يساعده على أن يُظهر المتوفى ترحابه الشخصي بضيوفه المعزين وهو يلقي عليهم نظرة وداعهُ الاخيرة ص23. ويعلل ذلك بأن بهاء الصور هو محاولة اعادة بعض من الكرامة لهؤلاء الذين قهرهم الموت وجعلهم باردين بلا روح وبلا ابتسامات وهذا يعطي عمله بُعداً انسانياً جديداً ص23.
أبدع ماكان، أن بطل الرواية، فرانسوا ليكو وعندما كان أمام جثة أماندا الخضراء المسجاة في بيت تزيين الموتى، عمل مقارنة بين الاحياء والاموات إذ قال: ما الذي يدفع ملاكاً مثلك يعيش في ملكوت الرحمن بلا فواتير ولا ضرائب ولا معاناة من أجل لقمة عيش، ويضيف : أنتم كائنات محظوظة لا تعرف معنى الجوع والعطش والبرد. لاتنتظرون الاوتوبيسات التي تأتي متأخرة دائماً بسبب جليد مونتريال القاس، فتذهبون الى العمل متأخرين متحاشين نظرات مديركم القذرة. أنتم مخلوقات من نور لاتعرف معنى الظلام ص53، بينما نحن نعيش حياتنا في الظلام. أنتم كائنات لاتحتاج الى قلوب لأنكم قريبون جداً من الرب . أما نحن فلم نعرف عن الرب إلا اسمه ورحماته التي لايشعر بها إلا المختارون المحظوظون القليلون جداً .
وفرانسوا ليكو متمرد على الواقع الأليم الذي يعيشه فهو يفضل الموت على أن يبقى حياً. فهو يخاطب الملاك أن يقبض روحه الأن لانه لن يستطيع الحياة بعد أن أشرق في قلبه نور أماندا القديسة ص54 .
وأغرب شيء عن حياة فرانسوا ليكو أنه تعرض الى الموت المحقق في حالات ٍ خمسٍ، الاولى عند ولادته، والثانية في عمر5 سنوات عندما نجا بإعجوبة من أن تسحقه كاسحة ثلج، والثالثة عندما ألقى بنفسه من علو في حوض سباحة خالٍ من الماء عندما كان طالباً في الثانوية، والرابعة أراد الانتحار تحت عجلات المترو بعد قصة حب خائبة، والخامسة عندما انقذه رجل اطفاء من بيته الذي احترق بالكامل وهو في غفوة عميقة.
ومن جهة اخرى نرى فرانسوا ليكو تلك الشخصية الرومانسية،عندما يقول: علاقتي بنتالي شيء شبيه بملامسة جرح متوتر ومؤلم ينتج عنها شعور رهيب باللذة ص80، ويضيف: بأن حبي لنتالي وسحرها الذي لاحدود له كعرافة وساحرة وامرأة ليس لها مثيل بين كل النساء قد أضاع عقلي ص81.
فرانسوا ليكو هذه الشخصية الحالمة المجنونة أحياناً والقلقة أحياناً أخرى، يحلم بالحب الحقيقي الذي غاب عن مونتريال المعاصرة، إذ يقول حلمت بالأمس بنتالي سان بير ورأيتها وكأننا عدنا الى أيامنا الخوالي ص104، ويضيف : أستيقظ فأجد المكان الذي بجواري في السرير دافئاً والملاءة مكرمشة ورائحة الزعتر الجبلي المميز لنتالي تُغرق الغرفة .. كان الوقت مازال فجراً، ومع انني موقناً بأنني فقط أحلم ص105.
اختفى بطل الرواية فرانسوا ليكو ذاهباً في رحلة مع أحد شخصيات الرواية، وهو من المهاجرين الحالمين بمونتريال التي اصطدم بواقعها المر، ورغم ذلك فضلها على قريته الافريقية البعيدة جداً، ذهب فرانسوا ليكو معه الى بيت جبلي صغير يحوي أرواح الموتى كي يرى كيف تتكسر وتموت أحلام المهاجرين واحداً بعد الآخر في مدينة غريبة عنهم، ويريد أن يخلصها من همومها التي أربكت حياة سكانها.
هي رحلة روحية خالية من الاجساد المتعفنة بعد الموت لتنكشف أمامه السلوكيات اللطيفة المتزنة للبشر الموتى...
2. نينا جانيون: هي الشخصية المتهمة بالاختفاء المفاجيء والمدهش لبطل الرواية فرانسوا ليكو خلال مهرجان من أجل الضحك فقط. وهي امرأة عجوز تبلغ من العمر 70 عاماً، وتسكن في دار العجزة، قضت حياتها عاشقة للأحذية بمختلف أشكالها وألوانها، وهي شخصية نوعاً ما مريضة نفسياً، لان ظاهرة مراقبتها لأحذية الناس وهي تسير في شوارع مونتريال يثير الاستغراب والشفقة في الوقت نفسه لهذا المرض النفسي، وكأن الاحذية لديها باقات ورد أو كنوز تخفيها في خزانات بيتها. وهي التي تقول: الاحذية عمر كامل من التاريخ الانساني بشقائه ورفاهيته، إذ تفنن في صنعها الفراعنة والصينيون وبعدهم الاوربيون ص11، وقد جذبها شكل حذاء فرانسوا ليكو وهو يقوم بحركاته البهلوانية، لذا فأنها تقول: (( تتعجبون لأنني قد اختطفت شخصاً لمجرد أنه يمتلك حذاء يعجبني )) ص171.
ثم نرى كيف أن نينا تضع خطة بالاتفاق مع أخريات في دار العجزة لمصادرة حذاء فرانسوا ليكو. وحاولت نينا بأي ثمن الحصول على حذاء فرانسوا ليكو لانها كانت مهووسة بهذه العادة.
3. نتالي سان بير: وهي مرشدة روحية لاحدى المتوفيات شنتال موباكو، والتي فضحت كذب مزين الموتى الذي كان على علاقة حب مع المتوفاة ص27 في حين ذكر هو خلاف ذلك عندما قام بتزيينها .
نتالي سان بير شخصية مصابة بهوس الترحال لمشاهدة العالم ص39، وكانت شغوفة جداً بعلوم السحر والتنجيم، ومسكونه بهاجس مقابلة أرواح الساحرات العظيمات اللواتي دفعن أجسادهن ثمناً باهضاً لتنتقل لنا شعلة نور علوم التنجيم، فأحرقهن المتدينون الباحثون عن قرابين لآلهة كراهيتهم وجهلهم الخالص ص40، وكانت رومانيا وجهتهالهذا السبب.
وتقول عن نفسها: لم أكن امرأة نافرة وغير وفية كما يحب أصدقائي دائماً نعتي، كنت أعرف فقط أن هناك لحظات لاتتحقق إلا في وقتها أو تختفي للأبد تاركة لنا الحسرة، ولم تكن فتاة تضيع وقتها في النظر الى الماضي ص44.
هناك صرخة ألم ومعاناة حقيقية لهؤلاء البشر المونترياليون الذين لم يشعروا بالحياة الحقيقية يوماً ما، اذ أن حياتهم التي بلا روح لها قالب خاص لايمكن الخروج منه، ونظام صارم لايجوز خرقه...
إذ تقول احدى شخصيات الرواية : كيف تستطيعين يا نينا أن تركبي الحافلة بلا إنتظار للصف الذي يسبقك مطأطيء الرأس وخاضعاً للنظام؟ كيف ستفكرين بالالتزام والوداعة والخوف الممل ... صرخة في وجه مونتريال التي امتصت أعمارنا بلا دفء خاص لنا في شتاء سنيننا الاخيرة، وبلا أزهار جميلة ومبهجة تنبتها أرضها الاسمنتية المغطاة بالثلج ص58.
لا ينسى مؤلف الرواية أن يعرج بنا على لسان احدى الشخصيات من الحياة الصعبة في مونتريال مثل تقرير الضرائب المجحف الذي يلتهم نصف مدخولات العاملين في هذه المدينة، وبالرغم من ذلك فأن الشعب يبقى مرفهاً للغاية، لذا فأنه يحتاج الى القليل من الجوع أو الخوف ليعود الى طبيعته الأدمية لأن الجميع أصبح غارقاً في المادية ص117.
كما أثار الكاتب انتباهي الى أن مونتريال ورغم الغنى والترف ونظام الرعاية الاجتماعية المتقدم الذي تتمتع به، فأن هناك من يبحث عن لقمة من بقايا الطعام يسد بها رمقه من صناديق القمامة ص130 ص132.
يؤكد الروائي إن على الانسان أن يعمل خيراً في دنياه قبل رحيله الى العالم الأخر، أن يتعلم الحكمة وأن يكون التسامح هو العرف السائد بين الناس، وأن نزرع الحب من حولنا لجميع البشر وبدون هذه الصفات العالية فلن تجد أرواحنا إلا العذاب ص208.
وفي الختام يضع الكاتب شخصياته في صورة رائعة أمام أنفسهم الحقيقية ليرووا لنا مافي دواخلهم من أزمات نفسية في عالم يقتل الروح والأحاسيس لاينتج عنها غير الألم والمعاناة والتشرد، ونرى تلك الشخصيات تخلو من الانسانية الحقيقية ولاتعرف إلا القتل والموت، إلا انها تحاول العودة الى حياتها الطبيعية بلا ماضي ولكن بعد قتل انسان وديع ومرهف كان يحاول أن يزرع الابتسامة على وجوه الاطفال وأن يُظهر الموتى بأبهى صورة لمودعيهم ... إذن عملية القتل والموت هي دورة الحياة التي لاتنتهي حتى لو تناسيناها.
لقد قدم لنا اسامة علام رواية متميزة بحبكتها السردية وتتابع الاحداث وتميزها بالابتكار والعمق والصور الرائعة للشخصيات وسلوكياتها والحوارات الذاتية لهذه الشخصيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض


.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا




.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه