الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة، وجامعاتنا، وبطانة السوء

أحمد زكارنه

2014 / 3 / 6
القضية الفلسطينية


قبل الخوض في أهمية البحوث العلمية التي باتت علماً قائماً بذاته، استوقفتني مقولة هامة لأول مدون لكتب الطب، وأهم أطباء عصره، هو ابن إقليدس بن أبُقراط المعروف باسم " أبُقراط " وهو يقول: " ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم " هذه المقولة قد يراها البعض إنها تؤدي بنا إلى نتيجة صفرية، يتساوى فيها العلم بالشيء والجهل بذات الشيء، وإن أردنا الإستناد إلى هذه النتيجة لإستكمال هذا المقال، سنخلص إلى أننا أمام مهزلة تدّعى البحوث العلمية، ذلك لكون الأخيرة أصبحت وكأنها مصدر رزق أو استرزاق لا علاقة لكاتبه أو كاتبته لا بالبحث العلمي ولا بماهية أهدافه وأهميه، قدر علاقته أو علاقتها بالإدعاء أنه باحث تمكن من إصدار عشرات الكتب البحثية، والكارثة الكبرى لا تكمن في الإصدار بحد ذاته، وإنما في تعامل بعض المؤسسات التعليمية، والثقافية، والمجتمعية، مع هذا المنتوج على أنه منتوج بحثي استند إلى منهجية علمية سليمة.
وكي لا نرمي الكلام لمجرد الرمي تعالوا لنتوقف أولاً أمام بعض متطلبات البحث العلمي بحسب الأختصاصيين في هذا الشأن، لا بحسب كاتب هذه السطور، لكوني أولا وأخيراً أؤمن تماماً بمقولة " أبُقراط " أعلاه، وبالتالي لا أدعي ما لا أعلم.
الكاتبة والباحثة المتخصصة الدكتورة ثريا عبد الفتاح ملحس، تختصر التعريف بالقول: إن البحث العلمي، هو محاولة الاكتشاف في المعرفة والتنقيب عنها وتطويرها وفحصها وتحقيقها، لعرضها عرضا مكتملا بذكاء وإدراك، وذلك يتطلب بحسب آخرين عدة خطوات بحثية أهمها: مرحلة تحديد القضية أو سؤال الانطلاق، مرحلة القراءة والمقابلات الاستقرائية، مرحلة وضع أو تحديد إشكالية البحث، مرورا بمرحلة بناء أو إدراج المعلومات، ومرحلة جمع وتصنيف المعلومات، وصولا إلى تحليل المعلومات ووضع الصياغة النهائية، ومن ثم الخلاصة.
وكل ما ذكر يعد خطوطاً عريضة للعمل على منهجية البحث العلمي، والذي يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا عضو المجمع العلمي المصري، أن البحث العلمي واحد من أوجه الأنشطه المعقدة، مشيراً إلى أن قراءة التراث الإسلامي على سبيل المثال يدلنا على أن المسلك الذي اتبعه علماء الأصول وعلماء الحديث في الوصول إلى الصحيح من الوقائع والأخبار والأقوال قد انسحب على أسلوب التفكير والتجريب في البحث العلمي فنرى مثلا - أن (الحسن بن الهيثم) يستعمل لفظ الاعتبار (وهو لفظ قرآني) ليدل على الاستقراء التجريبي أو الاستنباط العقلي ويستخدم قياس الشبه في شرحه لتفسير عملية الإبصار وإدراك المرئيات، كذلك نجد (أبا بكر الرازي) يستخدم الأصول الثلاثة: الإجماع، والاستقراء، والقياس في تعامله مع المجهول.
ويضيف فؤاد، أن عقيدة التوحيد الإسلامي لهذا التراث الإسلامي، هي نقطة الانطلاق في رؤية الإنسان الصائبة لحقائق الوجود قال تعالى: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ.خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ. الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ. عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) ( سورة العلق: آية 1 - 5 ).
وهنا نقف أمام قوله تعالى، واستدلال الدكتور لهذه الـ " اقرأ " لنطرح عدة أسئلة أظنها مشروعة تماماً، وأولها له علاقة بعامل الزمن، حيث من المتعارف عليه بحسب هؤلاء المتخصصين أن عملية البحث وكما ذكر الدكتور فؤاد عملية معقدة تحتاج إلى جانب الركون للمنهجية البحثية إلى وقت أظنه لا يقل عن سنة كاملة للبحث الواحد إن لم يكن أكثر لإنتاج مادة تمتاز بالنوع لا بالكم، فكيف بالله عليكم نصدق أن كاتبا ما تمكن بقدرة قادر، من إصدار ثلاثة أو أربعة بحوث علمية في عام واحد؟ متى قرأ؟ ومن أين جاء بالمقابلات الاستقرائية؟ وكم أخذ معه جمع المعلومات، وكم يلزمه لمراجعة كل ذلك وتفكيكه وتحليله فقط لتبدأ مرحلة الكتابة التي تدخل فيما بعد في مرحلة المراجعة والتصحيح إلى آخره من خطوات؟. والأهم من ذلك كله، هل مثل هكذا كاتب غير متفرغ، يمكنه أن يقدم لنا بحثاً نوعياً؟ خاصة حين نعلم أن بعض هؤلاء يتلبس شخصية ابن بطوطة في رحلات مكوكية بين هذه الدولة وتلك، ويتنقل للمشاركة في هذه الندوة وتلك الأمسية في الداخل والخارج وبمُدد زمانية لا تقل عن أسبوع كامل في الرحلة الواحدة.
أحد مُنتجي هذه الثقافة الهلامية الفارغة من أي مضمون، جلس قبل أيام يتفاخر أن له سبعة عشرة إصدارا اغلبها في الدراسات والابحاث، وأن هناك كتابين سيصدران قريباً، وأن بعض جامعات الأردن وفلسطين اعتمدت بعضها كمراجع علمية، وبعضها الآخر مُقدمٌ على ذلك في القريب العاجل، بحسب إدعائه.
وبنظرة سريعة على التاريخ الأدبي أو العلمي لهذا المُنتج، سنجدهُ بدأ ممارسة الكتابة الفعلية عام 2008 بعد توقف استمر سنوات كان قد أصدر خلالها كتابا واحدا أو أثنين بحسب أقوله، ما يعني أن الخمسة عشرة إصدارا إلى جانب الإصدارين الجديدين تم انجازهم في أربعة أعوام، بمعدل أربعة كتب سنوياً، وهو الكم الذي لا أعتقد أن لا ابن رشد، ولا ارسطو قد وصله في العام الواحد، قبل مئات السنين، أي في زمن لم يكن فيه تقدم تكنولوجي أو تلفاز ولا كل مظاهر التطور التي تسرق منا على أقل تقدير نصف اليوم.
وقد لا يفاجئ القارئ الكريم، حين يعلم أن هناك من يُقدم هذا المُنتج واشباهه لنيل تكريم أو جائزة أو دعم من هذه المؤسسة أو تلك الهيئة، وهنا يجدر الإشارة إلى أن الخطأ الأساس في مثل هكذا تكريم أو دعم، يقع على بطانة السوء التي تقدم مثل هذه النماذج، لا على المسؤول الأول في هذه المؤسسة أو تلك الهيئة، ذلك لكون المسؤول، أيُ مسؤول كبير حتما لديه من المشاغل والمهام ما لا يضعه في مكانة المتابع الجيد لكل تفصيلة صغيرة كانت أم كبيرة، فضلاً عن افتراضه الأمانة المهنية والأخلاقية في بطانته التي تقدم له هذه الاسماء إما للتكريم المعنوي أو الدعم المادي، أو حتى اللوجستي كطباعة إصدار مثلاً، وحديث المُذكر هنا، إنما هو حديثُ الفاعل سواء كان كاتباً أو كاتبةً.
ونحن إذ نقترب من الاحتفاء باليوم الوطني للثقافة الفلسطينية، والذي سيعلن فيه عن شخصية العام الثقافية والتي تم اختيارها بدقة محقة تماماً كما وصلني، هي شخصية لشاعر كبير، منتوجه الأدبي يتجاوز الثلاثين إصداراً أنجزهم خلال سبعين عاماً تقريباً من ممارسة فعل الكتابة، في هذا الوقت تحديداً يجب أن نُعلي الصوت نهاراً جهارا، أن انتبهوا لما يقدم لكم من أسماء ومنتوج علمي كان أم أدبي، هل كاتب هذا الكتاب أو تلك الدراسة هو نفسه الكاتب المرصع اسمه على الغلاف، أم أن هناك آخر يكتب بمقابل مادي، وبالطبع حتى هذا الذي يكتب بمقابل فهو بكل تأكيد لا يمكن أن يتمكن مما يقدمه، فقط لضيق الوقت، وارتفاع كم الطلبات التي يجب انجازها في وقت قياسي.
وكذا يجب أن نُعلي الصوت لرؤساء الجامعات والهيئات المحلية التي تدعم وتعتمد مثل هذا الانتاج، أنْ ارحموا ابناءنا ولا تضعوهم في جرة المجاملات والعلاقات الاجتماعية التي ستودي بهم بلا أدنى شك.. راجعوا المنتوج الذي قد يبدو صحيحاً من جهة المعلومة في بعض اجزائه التي تُؤخذ نسخا ولصقا من آخر أياً كان هذا الآخر.
قارئ الكريم أنا فعلاً لا أعتب على المسؤول الأول هنا أو هناك، ولكننا يجب أن ندرك تمام الإدراك أن هذا هو قانون سكسونيا الثقافة الجديدة، وهذا هو حال جامعاتنا، وبطانة السوء، والذي يجب أن نفتح لفعلهما بيت أجر ونقول: عظم الله أجركم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح