الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في معضلة الحركة السياسية العربية (2)

حسن عماشا

2014 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


حالة من التيه والتخبط في جدران العتمة تسود في الأوساط "الوطنية – التقدمية" من الحركة السياسية العربية. وهي تعجز عن مغادرة مستنقع الكيانية القطرية، الا في اطار من المواقف العامة المجردة. والتي لا تتجاوز حدود الأمنيات والرهان الطفولي على رموز وأشخاص هم اصلا لا يتجاوزون حدود الأدوار المتاحة لهم في التوازنات الدولية على قاعدت التكيف مع مقتضياتها.
إذ تبرز معضلة الدور الذي يمكن ان تلعبه شريحة تيتمت إثر "انهيار الاتحاد السوفياتي .حيث أن" القسم الأكبر منها استبدل أئمته وانتقل دون حاجة لتبرير تحوله من "مناضل" ضد الامبريالية الى طامع تأخذه أدواتها بصفوف مرتزقتها. وآخر أصابه الافلاس وان كان لا يزل يحفظ باعتزاز تاريخ كفاحي بمواجهة الاستعمار وادواته. إلا انه يعجز عن تلمس طريقه ليعود ويلعب دوره في سيرورة الكفاح الوطني بمواجهة التحديات الوطنية من جهة والارتقاء - تبعا لمعتقداته- في منظومات الحراك السياسي وآليات الانتظام العام . معتمدا على أشكال وانماط عمل، إعتاد عليها في زمن مضى. دون النظر في الظروف الموضوعية للصراع وطبيعة الأدوات المستخدمة بدءا من انماط التعبئة والإصطفافات السياسية القائمة وصولا الى أشكال المواجهات وتعقيداتها.
في حين ان من يتصدر الأحداث منذ ثلاثة عقود هي قوى من طبيعة مختلفة في معتقداتها وأساليب عملها. الا انها تتصدى للقضية ذاتها، والتي تتمحور في اطار التحرر الوطني، وقد نجحت الى حد بعيد في تحقيق شعاراتها . وان كان لأحد ان يرى في ادائها من قصور قياسا بطبيعة التحديات. فهي ترى انها قدمت النموذج والمثال ولا تنتظر ارشادا من أحد.
لقد كشفت الأحداث ماهية أوجه النقص في التصدي للتحديات على غير صعيد. الذي لم ترتقي القوى الرائدة لمقتضياتها وذلك لاعتبارات عدة منها العقائدية ومنها الاستراتيجية والتكتيكية. غير ان الرهان على احداث تحول نوعي من خلال الوهم في التأثير بهذه القوى عبر الارشاد والنصح لتصل الى حد تبني رؤى وتكتيكات من خارج ادواتها المفهومية هو رهان بينت التجارب التاريخية عقمه وهامشية حامليه والحالمين به.
وجه أخر من وجوه أزمة الوعي لدى هذه الشريحة ( الوطنية التقدمية). اعتقادها بانها ان ظلت في دائرة التصدي للقضايا الثانوية وتحت سقف الهياكل السياسية والحقوقية القائمة في كل قطر على حدى وتصدر القضايا المطلبية الاقتصادية والاجتماعية. يجعلها حاضرة لـ"تعود" القوة الرائدة والمتصدرة للأحداث عندما تتوفر لها مرجعية تشبهها من حيث المعتقدات والمفاهيم على العالمي او الاقليمي. ما يكشف عن فقر عميق بالمعرفة التاريخية والثقافية.
حيث ان العلاقات السياسية الدولية وحتى الجبهوية لا تقوم فقط على أساس الروابط العقائدية والمفاهيم المشتركة. بل تقوم أساسا على المصالح المشتركة وتبعا لموازين القوى تتحدد صيغ وطبيعة التحالفات.
نحن نعيش الطور الأخير في هذه الحقبة التاريخية التي تتسم في انتقال المركز الرأسمالي من معسكر قوى الاستعمار الذي حكم العالم طوال القرن السابق (القرن العشرين) الى دول اخرى كانت في ما مضى مستعمرة وخاضعة لأشكال مختلفة من الهيمنة وتتزعمها قوتين عالميتين هما روسيا والصين. بعد حربين عالميتين وما كان بينهما وتلاهما من حروب اقليمية نجحت بنسب متفاوتة العديد من الأمم في تحقيق اقدار مختلفة من السيادة والاستقلال. وحافظت معظمها على وحدتها القومية وسلطتها على أراضيها. في حين نجحت أمم أخرى في بسط نفوذ لها ضمن المجال الحيوي للأقاليم التي تحيطها.
اما نحن العرب وبسبب ضعف بنياننا الاجتماعي وتخلف اقتصادياتنا وتبعية النخب الثقافية والاجتماعية كان مصيرنا التجزئة والتقسيم. والذي بات اكثر النخب في مجتمعاتنا تقس حال التجزئة والكيانات التي انبثقت عنها. في حين ان الاستعمار الذي جزئنا في الحقبة السابقة يعمل اليوم على تفتيت نسيجنا الاجتماعي – القومي. بغية احكام السيطرة على مقدراتنا والهائنا بصراعات قبلية. تعويضا عن ما فقده بفعل الانتقال المتنامي للرساميل الصناعية التي كان يستأثر بها الى دول اخرى.
ويسقطتنا في هواجس تجاه أمم تجمعنا معها علاقات تاريخية وحضارية يمكن ان تقوم بيننا وبينها علاقات تكامل رغم ما اختزن هذا التاريخ من صراعات. تبقى اقرب الينا من قوى الاستعمار الغربي. دون وهم بان اي من هذه الأمم القريبة او البعيدة ستقوم عنا في حماية مصالحنا وحقوقنا لأنها هي نفسها تواجه غطرسة وهيمنة المستعمر الغربي. وتسعى لتحقيق اكبر مساحة ممكنة تحفظ مصالحها وتؤمن لها مجال اوسع لتحقيق المكتسبات التي تحتاجها في مسيرة تطورها وتقدمها.
ونحن هنا امام خيار واحد لا ثاني له وهو ان البقية الباقية من قوى سياسية اجتماعية في نسيجنا القومي. والتي تسعى للحفاظ على الوحدة الوطنية والتصدي للإستعمار الغربي بغض النظر عن طبيعتها السياسية الأيديولوجية هي الحليف الموضوعي في التصدي لأولوية التحرر الوطني وبناء الدولة القومية. وكل ما دون هذا الهدف التاريخي يكون من حيث نتائجه في خدمة المستعمر بغض النظر عن النوايا والرغبات. وبضوء ما سينتج عن الحراك والصراع القائم وطبيعة الأدوار التي تلعبها القوى السياسية الاجتماعية سوف تكون صيغة وشكل الصورة المستقبلة لأمتنا. وكل ما يبحث عنه اليوم من صيغ ورغبات يبقى في دائرة الترف الفكري ليس الا. ما دام قاصرا عن تحقيق التحرر الوطني القومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي