الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرد النفسي الشاعري في -امرأة ما- رواية لهالة البدري

أماني فؤاد

2014 / 3 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أنطلاقا من أن كل علاقة حب هي بصمة فردية خاصة للغاية ، يبلورها سياقها المباشر، ومعطياتها التي ينتجها تفاعل طبيعة الشخصية ، مع البيئة الحاضنة ، والطبقة التي تنتمي إليها النماذج البشرية امرأة أورجل ، ومجموعة القيم والعادات والتقاليد التي تحكم ثقافة المجتمع وموروثاته ، تنقب الروائية "هالة البدري" عن تلك العلاقات المتفردة ، وترصد خصوصية كل حالة علي حده في كل نص إبداعي تكتبه ، فمنذ روايتها "منتهي" 1995 م تبرز الكاتبة في سرديتها شبكة العلاقات الإنسانية العميقة في إحدي قري الريف المصري ، من خلال نموذج الفتاة الريفية المنفتحة تجاه العالم ، في فترة زمنية ثرية بالتحولات منذ الحرب العالمية الأولي وحتى ثورة 1952 م .
في " امرأة ما " تغوص الروائية في التابوهات المجتمعية الجنسية دون الوقوع في شرك الابتذال ، تعالج أدق تفاصيلها النفسية والعاطفية لدي كل من المرأة و الرجل ، دون خشية من زوابع الانتقاد من كهنة حراس القيم الأخلاقية و الدينية ، و محاذير العادات والتقاليد في المجتمعات الشرقية شديدة المحافظة ، وشديدة الزيف في تناولها لبعض القضايا الإنسانية ؟
هذا ما استطاعت " هالة البدري " القبض عليه "في امرأة ما " ، روايتها التي صدرت في مايو 2001 م ضمن إصدارات روايات الهلال ، لكن حتي الأن يمكن قراءة النص عملا حيويا ومعاصرا لانتماء جوهره السردي للقضايا الإنسانية التي لا يفتأ الفن يجد خصوبتها المتجددة في الديمومة الزمنية ، لا الانقطاع اللحظي .
تختار الروائية لنصها عنوان "امرأة ما" لتضعه في منطقة مفتوحة ، الشيوع المطلق المقصود ، الذي لا يتحدد فيه أي معلوم ، فبدأت "بامرأة" اسم النكرة لمطلق جنس المرأة ، وثنت "بما" أي أنها قد تكون أي امرأة ، ذلك لتؤكد علي خصوصية حالة شخصية نصها ، لكن حال شيوعها وتكرارها في الحياة ، وإمكانية حدوث هذه القصة في مجتمعاتنا للنساء و أيضا للرجال ، العيش تحت كثافة الازدواج الذي أصبح طابع حيواتنا التي تقع في شرك ثنائية المعلن والمستتر .
ــ 1 ــ

يتميز نص " امرأة ما " بلغة شديدة الرقي والانتقاء ، لغة تنزع إلي الشاعرية المكثفة في بعض الفقرات ، هذا لخوضها في أدق المشاعر العاطفية و الجنسية ، والفروق الحساسة للغاية في تفاصيل تلقينا لمشاعرنا ، ودرجة تقبلنا لمن نحيا معهم في دائرة الحميمية ، ونتبادل معهم فاعليات الحياة ، وكيفية ممارسة الحب ، وأليات التعبير عنه .
ولقد تراوحت اللغة بين عدة مستويات : اتسمت بالحدة والجفاف حين صورت الكاتبة تلقي ناهد بطلة النص للعلاقة بينها وبين زوجها مصطفي تقول : "يصحو فزعا ، ينزرع أمامي دون مقدمات ، أذهب دون كلمة ، وأنا أعرف النتيجة مقدما .." ص127 ، ثم تتحول هذه اللغة إلي قمة عذوبتها وهي تقص مع عمر حبيبها مشاعرهما لحظة تواصلهما ص 158 ، كما تتحول لغة ناهد إلي مفردات قلقة ومضطربة يحاصرها فعل الاستفهام والاستنكار حين يقص عليها عمر نزوته ، وتشعر بتردده تجاه أوضاعهما معا ص249 .
هذا فضلا عن وقوع العمل في منطقة معالجة اجتماعية هي الأصعب من نوعها ، فالعمل يحكي : مأساة فتاة ترتبط برجل دون علاقة حب ، تجمعهم مؤسسة الزواج وتفاصيل الحياة التي تضم الأولاد والأهداف المشتركة ، وتستمر هذه العشرة التي تتميز بالاحترام فيما بينهما ، لكن دون إشباع لعواطف الزوجة أو احتياجاتها ، إلي أن تشعر" ناهد" الشخصية الرئيسية بالعمل بحب يجتاح كيانها " لعمر" الروائي والصحفي ، المتزوج هو الأخر من "ماجي" ذات الأصول المصرية اليونانية ، والذي كان يربط بينهما حب ، ثم وجود ابنهما شريف .
نجحت الروائية أن تستبطن المشاعر البشرية في مناطقها الشائكة المسكوت عنها ، وأن تصور متغيرات مشاعر المرأة والرجل وفق مراحلهما الزمنية ، وأحداثهما المحورية بحياتهما ، أن تعبر عن كل ما هو متداخل وبيني من مشاعر الأنثى التي مهما لاقت من نجاحات بحياتها يظل الحب عمادا جوهريا يحقق السواء والسعادة الحقيقية ، هذا غير جانب الأمومة ، الذي يعد محورا غير هين التغاضي عنه بحياة المرأة متي تحقق .
وتواجه الكاتبة السؤال الأصعب بحياة المرأة الشرقية حين يعترض طريقها علاقة حب جديدة طرأت علي حياتها ، هل من الامثل الاستمرار زيفا في علاقة مع الزوج ؛ من أجل الأولاد والبيت والشراكة المؤسسية التي بين الطرفين ، أم أنه من الأفضل المكاشفة والمصارحة ؟ ومن ثم تقويض كل هذه الكيانات التي بنيت علي مدي سنوات عمرية متراكمة ، أم أن هناك طريقا ثالث ، فيه تتحايل كل من المرأة والرجل علي ارتباطاتهما ، ومحاولة عيش حياة موازية لحياتهما الأساسية ؟ وهنا تتكشف الكثير من المناطق التي تقع تحت وطأة المحرمات وازدواجية المشاعر ، أو عيش مشاعر لا تتسم بالصدق لدي كل من الرجل والمرأة ، تلك القضايا التي تواطأ الجميع على عدم الخوض فيها أو مواجهتها .
تصور "البدري" في تلك المنطقة أيضا حياة التوازي مع الواقع المعلن ، تلك التي تقع في منطقة الأسرار الخاصة بطرفي العلاقة ، العذاب المقيم بنفس كل من المرأة والرجل نتيجة للازدواج ، كما أنها تكشف عن جانب من سيطرة الثقافة الذكورية في المنظومة الأخلاقية للمجتمع ، فتلقّي "عمر" لعلاقة "ناهد" بزوجها "مصطفي" تختلف عن تلقّي "ناهد" لعلاقة "عمر" بزوجته "ماجي" ، وإن كانا يقعا في المنطقة النفسية ذاتها ، هذا اتساقا مع كوننا كلنا إنسانا امرأة أو رجل ، هذا فضلا عن كيفية تلقي البطلة لنزوات زوجها مصطفي ، المتناقض تماما مع تلقّي مصطفي أو استشعاره لمجرد علاقة بين ناهد ورجل أخر .
ــ 2 ــ
استطاعت الكاتبة أن توائم بين جوهر ومضمون عملها ، والبناء الفني الروائي الذي اعتمدته لنصها ، فقد اتكئت علي تقنية تعدد الأصوات ؛ لتستطيع أن تنقل الواقعة وما كوَّنها واحاط بها من مشاعر من أطرافها الأربعة ، والتي يمتلك كل طرف منها ثقافته ، ونوع عواطفه ،وموقعه في المجتمع ، الذي يهب حقوقا للبعض ويمنعها عن الطرف الأضعف .
ولقد استطاعت الروائية باستخدامها لتلك التقنية أن تستبطن الذات الإنسانية رجلا أو امرأة ، وتعري أدق التفاصيل التي يخفيها الأفراد في كهوفهم العميقة ، تصور انقسامات الذات بل وتعدد أقنعتها وحالاتها المتباينة أو المتداخلة ، فلكل نماذج الشخوص بالنص حياة تشبه السفن ، هناك الجزء الظاهري الذي يرتضيه المجتمع ، ويصدّره الفرد إلي الجميع وهناك الجزء المخفي " الغاطس " والذي يظل في عمق البحر ، منطقة الأسرار التي نمتلكها جميعا ، ونحيا في جداولها التي ما تلبس وأن تتحول إلي أحراش تسكنها وحوش تكتسب أنيابها من قيود المجتمع .
ولعلنا هنا نتساءل لماذا نحيا تلك الازدواجية المعذبة ، ولم لا نستطيع المواجهة وتحمل تبعاتها ، في ظني أنه يعود لأننا إفراز مجتمع لا يتمتع بالحرية ولا القدرة عن التعبير عن نفسه ، وتقبل التعددية والتغيير بسهولة ، ومحاولة التكيف مع هذه التغيرات ولذا نأتي ونحن نحمل الجينات الوراثية لمجتمعنا ، الذي لم يؤصّل لفعل الحرية وتحمل تبعاتها بذواتنا ، أقصد أننا نحمل نفس ملامح وتشوهات مجتمعنا .
تتبدي بطلة القصة غير قادرة علي اتخاذ قرار بالمواجهة بما تريده ، وتصور الكاتبة مناطق الطمع البشري ، تريد ناهد أن تحتفظ بكل شيء : بيتها وأمان أولادها وحبيبها ، شخصية مريضة لا تستطيع الاختيار وتحمل تبعاته ، ولذا تبقى معذبة ومنشطرة طيلة السنوات التي ارتبطت فيها بمصطفي ، وأيضا بشخص حبيبها عمر .
ربما تنشأ الحيرة والتردد أيضا من طبيعة علاقات الحب الحرة ، التي تظل تحت وطأة التغير والتبدل في أحيانا كثيرة ، علاقات لا تحمل قدرة الاستمرار إلا تحت ضمان الحب ذاته ، الحب الذي نادرا ما يبقي أبديا ، لذا فهي علاقات غالبا ما تقوّض سريعا ، فيكون الدائم الموثق العلني لدى المرأة ــ رغم حياده ــ أبقي من المتوهج الصادق لتبخره مع الزمن .
مكنت تقنية تعدد الأصوات أيضا الروائية من تنوع تصوير الحيوات الخاصة بالشخصيات ، وتنوع نماذج مشكلاتهم النفسية ، بما يشبه معرضا للاختلافات البشرية ، وصورت من خلال هذا تباين التخصصات فأثرت النص معرفيا ، وأثارت ذهن المتلقي : فناهد الأثرية التي تعد الدكتوراه تربط بين حياتها الخاصة الحميمية ، والقضايا الفكرية والبحثية التي تخلق حالة ضفر مع الشأن العام ؛ فتتعرض للتفسير الجنسي للتاريخ ، وترصد لبعض الكشوف الأثرية ، والمشكلات التي يواجهها الأثريون في مجتمع لا يدرك تماما ثقافة الأثر وقيمته ، فتتعرض الأثار للسلب والنهب وغيرها من معوقات .
في المناطق السردية التي تستنطق الروائية "عمر" نشعر أننا نعيش واقع الكتاب الروائيين والصحفيين ، خاصة وأن هذا نفس مجال الكاتبة ، فنجد أسماء أعلام الكتابة الروائية في الواقع ص135 ، كما نجد أصداء لقضية الكتابة عن الكتابة وهي من القضايا الجدلية التي تحتمل تناقضات وسياقات مختلفة ، كانت شخصية عمر دافعا للحديث عن علاقة الكاتب بإبداعاته ومدي تورطه فيها ، عن مساحة الحرية أو القيد التي تفرض علي إبداعه وسرده من المحيطين بالكاتب ، قضايا علاقة الشأن العام بالخاص في حياة الكاتب ونزواته .
ــ 3 ــ
كما يمكنني أن أرصد تنوع إيقاع الرواية الزمني في السرد ، ففي أول النص كان هناك استرسال لعرض أطراف تلك الحكاية ، ونقل الأبعاد النفسية لكل طرف ، وخاصة مشاعر ناهد وعمر ، وفي الثلث الأخير اعتمد العمل علي الإيقاع السردي السريع الذي يشبه الومضات ، كأنها مشاهد سينمائية تعتمد علي تقنية المونتاج المتسارع ، لتنقل التطورات المتباعدة زمنيا في لقطات متسارعة لكنها تحمل المخزون العاطفي الرئيسي المعبر عن أبعاد العلاقات المتشابكة وتنوع تداخلها لدي كل شخصية من شخوص النص ، ويظل السؤال أين هو حدود المقيم والعابر في حياة المرأة والرجل ؟ وهل هناك اختلاف في تلقي الحياة والحب لدي كليهما ؟ أم أن المجتمع بثقافته الذكورية هو من صنع تلك الاختلافات بما يمكن أن يمنحه من حرية للرجل ويسلبها من المرأة ؟ بل ويضعها في منطقة المحرمات التي قد تصل لأن يستحل قتلها والإجهاز عل حياتها ، ووصمها هي وكل طرفها بالعار .
الوقوع في شرك المحرم الذي فرض نهاية العمل ، التي انتهت بحرق ماجي للرواية التي ظل عمر يكتبها لسنوات ، بعد أن اكتشفت أبعاد متعددة لعواطفه ، وعلاقات معقدة بحياته ، هكذا تكتب الروائية النهاية بعد أن كانت بدايتها انتظار ناهد للحظة انتقام متوقعة ، يمكن أن تصل إلي القتل من زوجها ؟
يظل السؤال القائم لم يرتض المجتمع أن نعيش ما يحفظ الكيان الشكلي الظاهري ، ونخشي جميعا مواجهة الحقائق ، ونصاب بالرعب لو أن تلك الكيانات التي منحناها صفة التقديس قد نقوم بتقويضها أو استبدالها لنحيا حقائق مشاعرنا ؟
وهل المشاعر البشرية يمكن أن نعوَّل علي ديمومتها ، وإمكانية الوثوق فيها في عالم كل الأشياء فيه تخضع للتغيير والتبدل ؟ حتي علاقات الحب المتحررة غير الخاضعة للمؤسسية يمكن أن تنتابها فترات الوصول إلي ذروة العواطف ، ثم خفوتها وانطفائها في أوقات أخري مثل ما حدث في علاقة ناهد بعمر ودخول سلمي العابد المؤقت بحياة عمر ؟
وبرغم وقوع النص في التيارالواقعي إلا أنه يتميز بتبحره في الاستبطان النفسي ، و من خصائصة السردية شاعرية الأداء اللغوي ، خاصة وأن الروائية اصطنعت طريقة في الكتابة في فقرات الحوار بين ناهد وعمر تشي بالقرب النفسي الشديد بين تلك الشخصيتين ، فلقد استمر تدفق الأسطر الكتابية دون فاصل ، سوى شرطة صغيرة أو شرطتين ، لتبيان اللغة التي يتجاذبون أطرافها ، ودون أن توضع جمل الحوار في أسطر منفصلة ـ ويستمر الحوار وكأنه مونولوج داخلي لاندماج الشخصيتين ، وتمازجهما النفسي والعقلي ، كما يتسم الحوار بينهما بدرجة من الشفافية والعمق في استبطان الذات البشرية ، بأدق ما تحتوي من تناقضات وأسئلة وحيرة دون أن يخفت الحب أو ينتهي حتي وأن ظنا ذلك لفترة ، ذلك لأن تلك المكاشفة تعد كأنها تطهير ، وبلورة الحقائق والبحث فيها ، وفهمها لا الهروب من مواجهتها .
يظل لنص هالة البدري قدرته علي خلق نماذج بشري حيوية ونابضة ترفض الخنوع ، تصر علي عيش الحياة اليقظة الحيوية ، في درجات توترها وتحققها واخفاقاتها ، لا التي يتخللها الملل إلي أن تصاب بالسكتة القلبية والدماغية .
هذا فضلا علي قدرتهم علي التطور والمواكبة والنجاح في المجال المهني ، ومحاولة بحثهم عن التحقق والحقيقية في المجال العاطفي ، لا الرضوخ للحيوات الزائفة ، وهنا أشير إلي مايمكن أن نطلق عليه الرواية المعلوماتية في أعمال هالة البدري ، ففي هذا العمل تخوض الكاتبة في الآثار نظرا لتخصص ناهد في الآثار الفرعونية ، وكثير من الكشوف فيها ، ولنا أن نلاحظ اختيار الكاتبة للمجال المهني لشخصية العمل وهو الكشف عن كل ما هو متحفي ، وينتمي للضرورة التاريخية ، التي تبدل كل الحيوات وتتعاقب عليها التغيرات ، كما تبدي تخصص عمر الصحفي في كثير من الموضوعات أهمها بحثة في قضايا الألغام ، والكتابة عن الكتابة الروائية وأعلامها في بعض البلاد العربية وهو ما يزيد من شعور المتلقي بواقعية العمل وتخلل النبض به كما الحياة .
في نص الكاتبة " مطر علي بغداد " أفردت الصحفية ، شخصية العمل الرئيسية ، التي جاء السرد علي لسانها ما يشبه أوراق العمل عن : التكوين الطائفي والعرقي للتشكيل المجتمعي العراقي ، وفقرات كاملة عن تاريخ حزب البعث في سوريا والعراق ، هذا فضلا عن تأريخ إنساني لفترة الحرب في العراق والتغيرات المجتمعية التي لحقت بالمجتمع .
يبقى أن للروائية تلك القدرة علي القبض علي المشاعر البشرية شديدة السرية ، ومحاولة دفع البشر امرأة أو رجلا إلي المواجهة والقدرة علي الاختيار وتحمل تبعاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواية النصف الحي


.. زواج القاصرات كابوس يلاحق النساء والفتيات




.. خيرات فصل الربيع تخفف من معاناة نساء كوباني


.. ناشطة حقوقية العمل على تغيير العقليات والسياسات بات ضرورة مل




.. أول مسابقة ملكة جمال في العالم لنساء الذكاء الاصطناعي