الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن: رد على سامي الذيب

محمد علي عبد الجليل

2014 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأخ والصديق العزيز سامي الذيب،
تحية طيبة،

أولاً، أشكركَ على جهودكَ العظيمة ونشاطكَ الإيجابي وغزارة إنتاجك في نقد القرآن. وهذا يصبُّ في مصلحة المسلمين أولاً والبشرية ثانياً.

ثانياً، بخصوص الأخطاء اللغوية والإنشائية التي تكشفها في القرآن، يبدو أنه مِن المُهمِّ التمييزُ بين عدة أنواع من الأخطاء. ويمكن التمييز بين نوعين منها على الأقل، هما: (1)-أخطاء نحوية لا تؤثِّـر على فهم العبارة، مثلُ رَفْعِ كلمةِ "الصابئون" بدلاً مِن نَصبِها في هذه الآية: (إنَّ الَّذينَ آمَنوا والَّذينَ هادُوا والصَّابِئونَ والنَّصارى) (المائدة، 69)؛ (2)-وأخطاء بلاغية أو أسلوبية أو إنشائية تتعلَّق بترتيب الكلمات في الجملة (التقديم والتأخير اللذانِ قد يؤدِّيانِ إلى سوء فهم الجملة)، وهذا النوع الثاني من الأخطاء ليس خطأً بالمعنى الحَـــرْفي للكلمة بمقدار ما هو عيبٌ أسلوبيٌّ يؤثِّـر على فهم الجملة فيعطي معنىً آخر أو يُربك القارئَ ويُــفقدِه الخيطَ المنطقي الذي يربط أجزاءَ الجملة بعضَها ببعض. وكثيرٌ مِن هذه العيوب البلاغية قد ذَكَــرْتَـــه أنتَ، مشكوراً، في مقالاتكَ عن "أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية"، مثل: (وامرأتُهُ قائِمَةٌ فضَحِكَتْ فبَشَّرْناها بإِسحاقَ) (سورة هود، 71) وترتيبها الأصح هو: (وامرأتُهُ قائِمةٌ فبَشَّرْناها بإسحاقَ فضَحِكَتْ).

ولكنْ من بين هذه الأخطاء، أو بالأصح هذه العيوب، التي ذكرْتَـــها في مقالاتك، هناك ترتيباتٌ استثنائيةٌ للكلمات في الجملة لا تؤثِّر سلباً على فَـــهْــــمِ العبارة وتُـعتبَر من باب التقديم والتأخير المقصود الذي لجأَ إليه واضعو القرآنِ لعدة أسباب، منها: (1)-أسباب أسلوبية موسيقية ترتيلية خاصة مثل ضرورة السجع، (2)-وأسباب نفسية خاصة بالمتكلِّم الذي يقدِّمُ الكلمةَ المهمةَ بالنسبة له على الكلمة الأقل أهمية.

(1)-أمَّـا المثال على تغيير ترتيب الكلمات لأسباب أسلوبية موسيقية سجعية ترتيلية فهو الآية: (إنَّ الذين كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُون) (سورة غافر، 10)، إذْ كان مؤلِّفو القرآن يُفضِّلون أنْ يختموا آياتِهم بِــمَـــدّ، أي بكلمة تنتهي بحرف مَـــدّ (حرف علة قابل للإطالة) يعقبه حرفٌ غيرُ علة يُـــتوقَّف عليه. أيْ: يُــحَــبِّذون أنْ يُنهوا الآيةَ بكلمة "فَتَكْفُرُونْ" لا بكلمة "أنفسكم". وبالتالي فقد تحاشَوا عن قصدٍ على ما يبدو الترتيبَ الأصليَّ الذي اقترحْــتَـــه أنتَ وهو: (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الإيمانِ فَتَكْفُرُونَ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ). وعدمُ استخدامِهم للترتيب الأصلي ليس خطأً ولا عيباً، على ما يبدو، بل أسلوب في الكلام له هدف ترتيلي. وهناك مثالٌ آخر يوضح أكثرَ كيف أنَّ تغييرَ الترتيب كان لضرورة سجعية موسيقية ترتيلية، وهو الآية: (فأوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) (سورة طه، 67)، إذْ إنَّ مؤلفيْ القرآنِ مضطرُّون لتأخير الفاعل "موسى" إلى آخر الآية ليتوافق مع قوافي الآيات السابقة (مثل: استعلى، ألقى، تسعى، إلخ.) ومع قوافي الآيات اللاحقة (مثل: الأعلى، موسى، وأبقى، إلخ.)، ولا يمكنهم بالتالي اعتماد الترتيب الدارج أو المتعارَف عليه وهو (فأوْجَسَ مُوسَى خِيفَةً فِي نَفْسِهِ) لأنه أسلوب سردي قصصي يتعارض مع الأسلوب السجعي الذي تبنَّاه القرآنُ. فمن خلال أسلوب القرآن، نرى أنَّ مؤلِّفيه (أو مترجميه) كان يهمُّهم موسيقا النص أكثر من معناه، لأنَّ هدفهم كان وضْعَ نصٍّ ليتورجي ترتيلي لا نص فلسفي أو فكري أو أدبي.

(2)-وأمَّـا المثال على تغيير ترتيب كلمات الجملة لأسباب نفسية فهو تقديم المفعول به على الفاعل للتركيز على أهمية المفعول به أو خطورته، مثل الآية 137 من سورة الأنعام: (وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ من المُشْرِكِينَ قَـــتْــــلَ أولادِهِم شُرَكَاؤُهُم). فهذه الآية التي صنَّــفتَــها أنتَ ضِمْنَ الأخطاءِ اللغوية تبدو لا خطأَ فيها وذلك لعدة أسباب لغوية منها: (1)-أنَّ اللغة العربية ذات طبيعة إعرابية تَــقْــبَــــل الحركاتِ الإعرابيةَ في آخر الكلمات مما يعطي هامشَ حريةٍ أكبر للمتكلِّم في تغيير ترتيب الكلمات، (2)-وأنَّ تقديم المفعول به وتأخير الفاعل هنا في هذه الآية لا يسبِّب سوءاً أو صعوبةً في الفهم وبالتالي لا يمكن اعتباره خطأً، (3)-وأنَّ هذا النوعَ من التقديم والتأخير كان مألوفاً في لغة العرب آنذاك ومازال إلى يومنا.

بالمقابل، هناك ترتيباتٌ استثنائية مُربِكة فعلاً وتسيء إلى فهم الجملة أو تعطي معنىً مختلفاً وبالتالي فهي خطأ إنشائي صريح، وقد أشرتَ أنتَ إلى بعضِها مشكوراً، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (قالُوا وأَقْـــبَـــلُوا عليهِم ماذا تَفْقِدُون) (سورة يوسف، 71) وترتيبها الصحيح: (فأقبلوا عليهم وقالوا ماذا تفقدون)؛ (ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ من ربِّكَ لَكان لِزاماً وأَجَلٌ مُسَمًّى) (سورة طه، 129) وترتيبها الصحيح: (ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَاماً).

أخي سامي الذيب، أشكركَ وأشجِّعكَ على الاستمرار في نقد النص القرآني فالعالَم الإسلامي الذي يغِطُّ في نوم عميق في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الجهود الشجاعة.
محبتي،











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 8 - 19:54 )

القرآن هو مصدر اللغه العربيه , فاللغه العربيه ؛ أنبثقت قواعدها من القرآن , و أكتملت قواعده بعد نزول القرآن بأكثر من نصف قرن .
أما الرد على شبه المسيحيين حول لغوية القرآن , فراجعوا :
https://zakariahbotros.wordpress.com/tag/الرد-على-شبهة-الأخطاء-النحوية-والإعرا/
و
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=10296
و
http://www.ebnmaryam.com/vb/t167249-2.html
و
http://www.kalemasawaa.com/vb/t5862.html


2 - لماذا لم يكتمل الله قواعد القرآن قبل نزوله ؟؟؟
نور ساطع ( 2014 / 3 / 8 - 20:42 )

عبد الله خلف يقول : ( القرآن هو مصدر اللغه العربيه , فاللغه العربيه ؛ أنبثقت قواعدها من القرآن , و أكتملت قواعده بعد نزول القرآن...
===========================================

نور يقول : ) مجرد سؤال : لماذا لم يكتمل الله قواعد القرآن قبل نزوله ؟؟؟ .

: )


3 - تحريف ونقصان القرآن بالدليل والبرهان
نور ساطع ( 2014 / 3 / 8 - 20:47 )

تحريف ونقصان القرآن بالدليل والبرهان

http://www.youtube.com/watch?v=quwTyuH_fxQ
و
http://www.youtube.com/watch?v=ukrRsdfxZQ8
و
http://da3wat-mahabbah.blogspot.com.au/2008/04/blog-post_3130.html
و
http://www.alkalema.net/ekzoba/ekzoba15.htm
و
توجد اخطاء علمية فادحة بالقرآن

http://www.youtube.com/watch?v=quwTyuH_fxQ
و
http://www.youtube.com/watch?v=ukrRsdfxZQ8
و
http://da3wat-mahabbah.blogspot.com.au/2008/04/blog-post_3130.html
و
http://www.alkalema.net/ekzoba/ekzoba15.htm
و
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=172543

: )


4 - القرآن في ورطة
نور ساطع ( 2014 / 3 / 8 - 20:50 )

القرآن في ورطة

http://www.youtube.com/watch?v=glmr1Ed0bhY
و
http://www.youtube.com/watch?v=rBY_o7-iRIw
و
http://www.youtube.com/watch?v=Ap_IA-aFUXE
و
http://www.aramaic-dem.org/Arabic/Language/7.htm
و
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=326210

: )


5 - اساءة
بلبل عبد النهد ( 2014 / 3 / 9 - 05:29 )
والمسلمون ايضا في حاجة الى امثالك استاذ محمد علي عبد الجليل من اجل تنويرهم وايقاضهم من نومهم العميق الذي يغطون فيه مند قرون فمتى يفهمون ان هذا الكتاب المسمى القران بشكله السخيف يسيئ حتى الى الاههم ان كان حقا لهم الاه


6 - نعيد ما كتبنا لعبد الله خلف المحترم
قاسم ( 2014 / 3 / 9 - 07:16 )
كثيرون يكتبون إن القرآن هو الأصل و منه نحكم على اللغة و ليس العكس ، السؤال هو : هل عرف الناس اللغة العربية بعد نزول القرآن أم جاء القرآن وفق قواعد اللغة التي يتكلم بها أهلها ليفهموه ؟ هل كان من الممكن أن يفهموه لو قال لهم : كجل حبشتلك سمنهبب عشبوب ؟ و قال لهم كجل تعني الجنة و حبشتلك معناها حمير و سمنهبب تعني الأبل و عشبوب معناها الخمر و المعنى أنكم ستركبون الأبل و الحمير في الجنة و تشربون الخمر(الجنة فيها خيام فمن الجائز أن فيها حمير) ... احترموا عقولنا و لا تدّعوا أن هناك نصا واحدا يصنع لغة ، يمكن القول إن اللغة تتأثر بنص لكن لا يمكن صناعة لغة اعتمادا على نص .. الحروف المقطعة و بعض الكلمات لا يعرف أحد معناها و هآنذا أكتب إليكم : كلوكوبت حمنتشير .. و لأنكم لا تفهموها فأنا إعجازي .. أيّ قيمة لكلام لا يفهمه من كان الكلام موجه إليهم ؟ إن كان له قيمة فأنا إعجازي لكلامي الذي كتبته و لم تفهموه و لن أشرحه ، و لكم أن تقولوا : الكاتب أعلم بمراده ، على وزن : الله أعلم بمراده .. يا عبد الله خلف لا يمكن لعاقل أن يقول إن القرآن هومصدر اللغة العربية و قد جاء بها ، أي أنها كانت موجودة قبله


7 - التقديم والتأخير خمسة أنواع
سامي الذيب ( 2014 / 3 / 9 - 10:53 )

شكرا أخي محمد علي عبد الجليل على هذا المقال القيم

أشير للقراء بأنه هناك خمسة انواع من التقديم والتأخير توسعت في شرحها في مقدمة طبعتي العربية للقرآن
http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315

واختصرتها في مقالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=403849


8 - ضرورة الموسيقية الايقاعية للايقاع بالضحايا
محمد البدري ( 2014 / 8 / 9 - 00:13 )
تغييرَ الترتيب كان لضرورة سجعية موسيقية ترتيلية ايقاعية يظهر بوضوح جلي عندما يضرب قائل أو مدون القرآن قواعد اللغة المنطقية كما في -إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء-. الترتيب هنا مبتذل منطقيا بحساب المقدس مقابل الدنس. كان قبول الانقلاب في القاعدة اللغوية مشروط بقبول واعتماد طبقة من الكهان للنبوة وهم علي دراية بالموسيقي واللحن والايقاع باكثر مما يهمهم عن منطقية الترتيب. كان يكفي ان تصادق الصفوة الكهنوتية في قريش أو ما حولها علي بلاغة النص لحنا وايقاعا لتصبح فحوي النص المجحفة بالمنطق والمقدسات عاصفة بعقل الفرد العادي الذي لا يقرض الشعر أو يتكلم بسجع الكهان وخدمتها بكل همة ذات مصداقية. كان اعتماد جماليات الشكل علي حساب المضمون ذات اثر عميق ان لم يكن الوحيد في الاقناع بصحة الخطاب القرآني. وهذا هو السبب الحقيقي في عدم تمكن العرب من انتاج علوم حقيقية أو معارف فلسفية بسبب الحجب التي شكلتها الموسيقي علي حساب المنطق. تحية واحترام

اخر الافلام

.. رحيل أبو السباع .. 40 عاماً من إطعام زوار المسجد النبوي


.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال




.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..


.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام




.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-