الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمل .. كيان امرأة - رؤية نقدية لرواية -زينة- لنوال السعداوي

أماني فؤاد

2014 / 3 / 12
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


الأمل .. كيان امرأة
رواية "زينة"
نوال السعداوي
د. أماني فؤاد

لإبداعات د. "نوال السعداوي" قدرتها علي تشريح منظومة موروثات وعادات وتقاليد مجتمع يتداعى ، يخضع واقعه إلي النقل والتكرار لا العقل والإبداع ، وتلجأ نماذج السلطة فيه إلي تحالفات خبيثة ، تضم شبكات الفساد التي لاتراعي سوي مصالحها ، فتضرب السعداوي بدأب وإصرار وجرأة ــ من خلال مؤلفاتها الفكرية والإبداعية ــ في قصور رؤية وفساد السلطة السياسية بأطيافها المختلفة ، وجمود الكهنوت الديني و رجعيته ، المتمثل في الجماعات والتيارات السلفية ، سواء كانت وسطية ، أو متطرفة إرهابية ، ومنهج تعاملهم مع النصوص ، وسلطة الإعلام ، وما يمارسه من التأثير في الرأي العام وفقا لمصالح اقتصادية رأسمالية .
ولا تنفصل الروائية في كتابتها الإبداعية عن دورها ومهامها التي آمنت بها ، وأخذتها علي عاتقها كمناضلة لحقوق الإنسان والمرأة ، وطبيبة عالمة تؤمن بالعلم وقدراته ، مع إعمال العقل ومناهج بحثه ، وتمكينه من خلخلة منظومة معرفية بالية ، تتحكم في ثقافة مجتمع يزخر بموروثاته القديمة التي تخشي الغالبية من غربلتها ؛ لأنها تحولت إلي ما يشبه المقدسات في العقل الجمعي ، الإحجام عن التغيير الذي تحكمه كثير من المعطيات المعوقة كالأمية ، والمرض ، والفقر ، وفساد السلطات .
في روايتها " زينة " التي صدرت طبعتها الأولي 2009 م ، تستطيع الروائية تحويل إيماناتها واقتناعاتها إلي نصوص إبداعية تحاكي فيها ماترصده في الحياة ، وتفكك من خلالها كثير من التابوهات التي تتحكم في ثقافة المجتمعات الشرقية ، التي تسيطر عليها غطرسة الذكورية وتحكّمها وتميّز استحقاقاتها ، وتشير إلي القهر الجنسي الذي يمارس علي المرأة ويرتبط بالقهر الاقتصادي والديني والطبقي ، وتتجمع هذه المحاور فتتسبب في وضعها في مرتبة أدنى ، كما تلمح إلي بقايا التمييز السلبي تجاه المرأة في الثقافة الغربية نظرا للثقافة الذكورية التي تسود العالم ، وإن كانت أكثر وطأة من المجتمعات الشرقية.
ــ 1 ــ

في نص "زينة" تقدم الكاتبة نموذجا للمرأة الحلم التي عنونت الرواية باسمها ، تقول " لأنها جاءت من قاع المدينة وصعدت إلي قبة السماء ، لأنها حولت أصعب مأساة إلي انتصار مفعم بالبهجة والثراء ، لأنها تعزف النغمة الصحيحة في اللحظة الصحيحة في هذا الزمن الردىء ، لأنها تخلع الأقنعة عن الوجوه المحجبة ،تفضح الكذب والزيف " 271 ، زينة الإنسان غير المنتمي لسلطة أبويه ، أو لطبقة سوى لذاتها وإمكاناتها الطبيعية ، موهبتها التي تم ثقلها من خلال دراسة حرة للموسيقى والفن ، المرأة التي طالما تمنتها السعداوي للنساء ، حين يتمتعن بالإرادة والحرية وقوة الشخصية ، جمال الطبيعة وبساطتها ، عملية الحياة لا التكلف فيها بإبراز جانب الأنوثة فقط في المرأة وتشييئها .
وهو الجانب الذي ترفضه مناضلة حقوق المرأة ، أن تختزل النساء في الجسد الذي يُسخّر أداة لمتعة الرجل وشعوره بالتفوق ، بل أن يكون ذاته ، دون مبالغة في تجميله بتحويله إلي كيان مزيف ، أو سلعة تخضع للتسويق ، الغرض منها مجرد مخاطبة غرائز الرجل لا مشاركة عقله ووجدانه ، المرأة الشريك لا الطرف الخانع الخاضع ، النموذج الذي سعت له السعداوي طيلة حياتها ، ورصدته في سيرتها الذاتية ، التي قدمتها في ثلاثة أجزاء بعنوان : "أوراق حياتي ".
يتنامي السرد من خلال الساردة " مجيدة الخرتيتي " ابنة "زكريا الخرتيتي" و"بدور الدامهيري" ، التي كانت تحب الشاب الثوري " نسيم " الذي اعتقل في المظاهرات ثم مات من جراء التعذيب ، كان نتاج هذا الحب "زينة" الطفلة التي أصبح مصيرها حياة الشارع بعد أن تخلت أمها عنها ، ولم تستطع أن تواجه بها المجتمع ، من خلال هذا النموذج ترسم الكاتبة كل مقومات المرأة أبنة الطبيعة ، الفنانة التي تؤمن بالحرية ، وكافة القيم التي تعلي من شأن كرامة الإنسان ورقيه ، لا نمطيته وغرائزيته .
ويتراوح السرد بين اللحظة الآنية التي تقص فيها مجيدة ، وبدور ــ والدة "مجيدة" و"زينة"ــ الرواية ، وبين حكي يعود في الزمن " فلاش باك " ليلتقط منه الأحداث وسياقاتها التاريخية التي أسفرت عن هذا الواقع المحبط والمزيف للشخصيات التي يجسدها النص .
تتزوج" بدور" أبنة الضابط الذي صار مدير مؤسسة صحفية بعد ثورة 1952 م من "الخرتيتي" الصحفي الإنتهازي ، الوصولي القادر علي تلوين قلمه ليتوافق مع تغير الإيديولوجيات ، تصبح أستاذة نقد مرموقة في الجامعة ، وتنجب مجيدة التي ترث مهنة الصحافة دون رغبة أو موهبة ، لكنها مقدرات طبقتها ، وفساد منظم يسير شئون مجتمعها ، تظل تحلم بحرية وقدرات "زينة" أبنة زينات ، أو أبنة الشارع ، لكنها بعيدة عن هذا النموذج ، لا تملك مواهبها الطبيعية ، ولا ملامحها المتحررة ، ولا شخصيتها الصلبة غير الخانعة .
تكتب بدور رواية سرية تعاني شخصيتها الرئيسية انفصام ، وتنقسم علي ذاتها فتصبح بدور وبدرية الثائرة ، التي تصارع ضعف بدور وقهرها ، يراقبها زوجها إلي أن يسرقها في نهاية الرواية وينسبها إلي ذاته.

ــ 2 ــ

تخيرت المبدعة لعملها الروائي سردية غير مقسمة إلي فصول ، أو عنوانات ، أو أرقام ، وكأن السرد المسترسل الذي يفضي بعضه إلي الآخر مقصودا من الروائية ؛ لاندياح الظواهر المجتمعية وتشابكها ــ فيما أري ــ ، فكل ظاهرة تسلم إلي الأخري دون أن نحدد بدايات أو نهايات ، كما أن فساد كل مؤسسة يسلم إلي بعضها الآخر : السياسية والدينية والإعلامية .
ــ من اللافت للنظر في سردية النص ظاهرة التكرار ، هناك فقرات ومواضع متعددة تكرر فيها الروائية ذات الأحداث والأوصاف ، ونفس القضايا التي تريد التأكيد علي وضعها المنافي للعقل والعدل في المجتمع ؛ تكرر بقصد انتقادها وكشفها ، تسلط النظر علي طريقة رؤية مغايرة ، تفسر أصول ومرجعيات تلك الظواهر متوسلة بالعقلانية والموضوعية ، رؤية المنطق .
ــ كما أتصور أن الروائية تستخدم تقنية تكرار بعض المعاني والأحداث ص23 ، 56 ، 134 ، وغيرها ؛ لتحاكي أو تشابه طريقة صياغة النصوص المقدسة ، التي تعاد وتكرر فيها بعض المعاني والقيم والقصص لمرات ، لكن بصياغات مختلفة ، تلك التقنية التي تفسر علي أنها للعظة والاعتبار، ولفت الأنظار لها لبحثها المتكرر ، أو للإعجاز .
ــ جعلتني ظاهرة التكرار اتساءل هل تقصد من خلالها الروائية التنبيه إلي ظواهر حياتنا المكررة والمعادة والمنقولة عن السلف ؟ نستهل الوجود ، وتستمر حياتنا إلي الموت ونحن نعيش نفس الظواهر والأفكار ، نناقش نفس القضايا ولا نقطع فيها برأي ، ودون أن نستطيع تغيير شيء ، ذلك لأننا لا نرسخ لثقافة العلم ، ونقد وغربلة موروثاتنا .
كأننا نسير في دوائر تتكررفيها ذات الدراما الحياتية ، معادة الأحداث ، لانستطيع أن نمشي قدما إلي أمام .
ــ كما أن أزمات حياة الشخوص بالنص تتكرر مهما اختلفت الأسماء ، ذلك لعدم الإعلاء من قيمة الإنسان ولا العدل ، وتطوير بعض القضايا في الخطاب الديني وثقافة المجتمع ، ، والبعد عن تأصيل ثقافة العلم والعقل والتساؤل في نسيج ثقافتنا وحياتنا .
هل لأننا لم نزل في طور ثقافة الجلد ، طور طفولة الثقافة ، لذلك تحكمنا نصوص مقدسة تخنق حياتنا أحيانا بحسب سقفها شديد الانخفاض ، هذا السقف الذي تفرضه تفسيرات المؤسسة الدينية بكل مسمياتها ، لدرجة أننا لو هممنا نقف لنلتقط نسمات الحرية ؛ لانكسرت أعناقنا حين نواجه بالمتاريس والمقاصل التي يشيدها كهنة الأديان ، الذين يرفضون تأويل وعصرنة تلك النصوص .
يحدث تطور المجتمعات تدريجيا ، نتيجة التراكم الكمي الذي يؤدي في النهاية إلي تغيّر نوعي ، ذلك حين يفارق الإنسان ثقافة الجلد ، حين لايقتصر علي الضمير الخارجي الذي نزل إليه بوحي من خارجه ؛ ليربي ويطور ضميره الداخلي ، وعقله الناقد ، لذاته والوجود من حوله.
لذا تحث سردية الرواية علي البحث عن فلسفة الدين لا قشوره ، مفارقة سطح ظواهر المعاني للغوص في جوهرها لتنميتها وتطويرها .
قد توحي ظاهرة التكرار والمباشرة تلك في بعض الفقرات بميل السردية إلي الخطابية ، وتوجيه رسائل مباشرة ، كما توحي بمنظور الروائية لدور الفن والإبداع في الحياة ، وكونه رسالة تقع علي عاتق الكاتب بحسبانه نبيا أومصلحا اجتماعيا ، هذا المنحي علي قدر ما تحتاجه مجتمعاتنا لمستوى ثقافتها وتعليمها المتدني ، إلا أنه ينتقص من فنيات السردية ، ويبعدها عن منطقة الغموض الشفيف التي تدفع القارئ للمشاركة في إبداع العمل ، بل ويصيب النص ببعض الفقرات التي تحمل ذات المعنى بتنوعاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف منين إن عملك اتقبل في رمضان؟..الداعية عمرو مهران: نجاح


.. Danai Gurira on preventing conflict-related sexual violence




.. تفاعلكم | جديد عجائب إيران.. -سفراء للمحبة- يعتدون على النسا


.. #تفاعلكم | -سفراء المحبة- بإيران يعتدون على النساء في الشوار




.. ولادة طفلة من رحم امرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة | بي