الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضور الكتاب .. غياب القارئ

أماني فؤاد

2014 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك بعض من الأسئلة التي أود طرحها ؛ لنفكر معا فيما شكل ظواهرها ، وأبعادها الثقافية ــ أولها : لماذا لم تحقق ثوررة 25 يناير 2011 م ، وماتلاها من مد في ثلاثين يونيو 2013 م النتائج المرجوة منهما ؟ لماذا انسحب الشباب والجماهير الغفيرة من الميادين دون أن يرسموا خريطة ممكنات وبدائل لمستقبل لمصر ، بعد أن أسقطوا سلطة الطغاة القديمة في الثورة الأولي ، أو يمثلوا في إدارة حكم البلاد . وفي المد الثاني لم تزل الدولة تتأرج خوفا من طغيان حكم له أصول عسكرية ، أو عوده لما يطلقون عليه دولة الفلول ، أو الوقوع مرة ثانية في ربقة التيارات والجماعات الإسلاموية المتشددة والإقصائية ، التي تتخذ الدين وسيلة لتحقيق مآرب أخري سياسية واقتصادية تختص بمصالحها لا مصالح الوطن .
البؤس كل البؤس هو أن نعجز عن صنع عالم جديد في مقابل القديم الذي هدمناه .
أتصور في الحقيقة أن ثقافة هؤلاء الشباب ، ومن ورائهم الشعب ، كانت تلك امكاناتها ، مع كونهم يمثلون الطبقة الوسطى المتعلمة وشبه المثقفة ، فالأرض السياسية والحزبية كانت قد جرفت منذ ما يزيد عن ستين عاما ، وتشكّل وعي الشباب في حدود ثقافة الإنترنت والفضاء الإلكتروني غير المتبحر لا فلسفة القراءة الحقيقية التي تربي رؤى ، أعني أنها ثقافة العنوانات والرتوش ، لا الكتب مكتملة المادة ذات المحاور التي ترتكز علي منهج وفلسفة العلم .
ــ لماذا يخرج أحد المتخصصين بالعلوم ، والمفترض أنه يحمل درجة الدكتوراه ويثير موضوع اكتشافه لجهاز كشف الفيروسات المرضية في الجسد البشري ، وقدرته علي معالجة أخطر الأمراض , بغض النظر عن صدق دعاويه أم لا ، لكن الطريقة التي تحدث بها وركاكتها ، من حيث المنهج العلمي أو عاطفية اللغة ولا موضوعيتها ، وأسلوب الإعلان عن هذا الاكتشاف وتوقيته دون أن يتم اختباره علي الوجه الأكمل تنبئ أن هناك عوارا في الأسلوب والمنهج .
لماذا تظهر على صفحات الفيس بوك ، وبعض المنشورات ، حتي الأن قوائم لمجموعة من أسماء المفكريين والمبدعيين والإعلاميين ورجال الأمن المطلوب تصفيتهم واغتيالهم ، ماذا حدث للمجتمع المصري ؟ وما مدى فداحة هذا الانقسامات والفرقة والعنف ، وأكثر ما يعبر عن حالة الوطن الأن ساحات الجامعات المصرية وأحداثها الفوضوية العنيفة .
هناك غياب ثقافة الفكر العميق ، المنهج والفلسفة التي تكون رؤي متسقة ، ثقافة تنسق بين الواقع ومعطياته ، وكيفية التعامل معه وفق رؤية وخريطة محددة ، ترسم فيها خطوات العمل التي تعتمد علي الموضوعية والإدارة المنظمة دون العناصر الفاسدة .
الأمر أكثر اتساعا من أن نجمله في ندوة أو مقال أو دراسة فمن المهم أيضا أن نحدد أي كتاب نعني ، ونوع المادة المعرفية المطروحة به ، وأي قارئ أيضا ، وهل ربيناه أن يحاور الكتاب ويستنطقه ، أم علمناه أن يستذكره ويحفظه ، أي يقوم بترديده ثم تفريغه في الامتحان ، ونعود كأننا لم ننجز علما أو تربية .
فكثيرة هي الكتب التي توزع علي الأرصفة أمام المساجد ، وفي جمعيات شباب الإخوان المسلمين و المكتبات وجميعها تكرس للتلقين والتوجس والانغلاق ، لخلق قطيع ينقاد ، لا عقول تبتكر وتبدع وتفكر .
هناك غياب للثقافة بمعناها الشامل حيث أنها مجموعة المعارف والعادات والتقاليد والموروثات والعلوم التي تشكل وعي الإنسان وتنظم سلوكه ، وغيابها بمعناها الخاص الذي هو كل منتج إبداعي من فكر وعلم وفن من خيرة عقول الوطن ، هذا الغياب الذي نراه في كل مظاهر القبح والفوضى والعشوائيات التي باتت هي الملمح الرئيسي الذي نواجهه كل يوم .
فبالرغم من خروج آلالاف الكتب من المطابع المصرية والعربية إلا أن هناك غياب شبه تام لفلسفة الكتاب ومعرفته ، غياب للقارئ والمتلقي ، تهميش متعمد للعقل الناقد ، الموضوعي ، المبدع القادر علي الابتكار والتجدد ، تقول الإحصاءات أن الوقت الذي يحصله الإنسان المصري من قراءة الكتب لا يتجاوز ست دقائق في العام ، في مقابل أن ما يحصله الغربي يقترب من مائتين ساعة ، وأن هناك قارئ واحد من كل ثلاثين ألف مصري يحرص علي الكتاب ويقرأه .
احصاءات لو تم تقييمها لكانت مؤشرا خطيرا لتدني غير مسبوق في مستوى ثقافة الإنسان المصري والعربي ، وهو ما يؤشر علي شيوع ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف ، وتكفير الآخرين ، والانقسامات والنزعات الانتقامية التي نري تجلياتها كل يوم .
الثقافة والقراءة تتيح تعدد الأفكار والرؤى وقبول الآخر ، وخلق مساحة من الحوار معه ، خلق مساحة من التسامح والحب رغم الاختلاف ، التعدد الذي يثري لا الذي يقوض ويهدم .
كثير من الأكاذيب تواجهنا وتتلاقفنا وتمكر بنا ، بحسبان أن أصحابها يطلقون عليها أنها ركائز بنيان وما هي إلا خدع أوقعوا نفوسهم وأوقعونا فيها ، كثيرا ما سمعنا أن هناك تقسيما لرجال الدين ، وأن منهم الوسطي ومنهم المتطرف والمتشدد ، لكن تحليل أسس الخطاب لديهم ، ومنهاج فكرهم في تفسيرهم وتأويلهم لقضايا الحياة يمكن أن ينبئنا أن جميعهم إلا نادرا لا يعولون علي تاريخية الظواهر ، وأنهم حتي هذه اللحظة التي نعيشها في القرن الواحد والعشرين يغلقون عيونهم وعيوننا ، بل يفرضون علينا عيونا محنطة ومتحفية ، لا تمتلك معطيات اللحظة المعاشة ، فيقدسون السلف الذي لا أنكر عليه إسهاماته بل أقدرها في سياقها ، هؤلاء السلف الذي ينبغي أن نبني فوق إنجازهم ، نحاوره فنتفق أو نختلف معه ، فتلك معطيات عصور قد تطورت ، وعلوم قد استحدثت ، وواقع طرأ عليه كثير من التغيرات .
علينا أن نتسع بأفق الممكنات ونفارق الثقافة الأولية أو ما يطلق عليه ثقافة الجلد ، لنصنع إنجازنا الذي يعتمد الإبداع وتنمية العقل والوصول به لأقصى طاقاته ، لا النقل والترديد والتكرار ، علي رجال الدين الوسطي منهم والمتشدد أن يدرك أن هناك فارق وبون شاسع بين رحابة النص الديني وتأويله هو له ، فهم جميعهم وأن قالوا في نهاية أحاديثهم جملتهم الأثيرة " الله وأعلم " إلا أنهم يأثرون أيما تأثير علي عقول البسطاء من هذا الشعب ، الذي تجاوزت نسبة الأمية فيه أكثر من خمسين بالمائة ، وثلاثين بالمائة من من نساءه يتسربن من التعليم ، حتي المتعلمات و المتعلمين منهم لا يمتلكون ثقافة حقيقية ؛ لأسباب متعددة يمكن أن نسهب في شرحها في موضع أخر ، رجال الدين الذين يملكون يقينا ذهنيا وحسما فكريا يستطيع أي شخص صاحب فكر موضوعي علمي أن يحسدهم عليه ، خاصة وأن النصوص الدينية ذاتها نصوص تفكيكية بامتياز ، أي أنها حمالة أوجه متعددة في التفسير والتأويل ، كما أنهم يكفرون كل ما عاداهم من نظريات أو تيارات فكرية ، ويختصرون تلك النظريات في مبدأ واحد ، ويكفرون عل أساسه ، ويغفلون جوانب الإضاءات الفكرية والمنجز البشري في تلك الإسهامات العقلية والنظرية الفلسفية للعقل البشري .
هذا بالإضافة إلي محور مهم أود الإشارة فنظرا لتاريخ من الإمبريالية الاستعمارية ، الواضحة أو المقنعة ، تعرضنا لكافة أنواع التجهيل وتغييب الوعي فالأمم الجاهلة والطائفية المتصارعة أسلس في القيادة والاستغلال .
تعد أزمة الثقافة المصرية من أولي الأزمات التي ينبغي علي الجميع الالتفات لها ؛ لكون مصر قاطرة لكل الأمة العربية ، وعلينا أن نرصد للتغيرات التي ظهرت علي الشخصية المصرية ، وميلها إلي العنف والتواكل والتوجس من الأخر ، خضوعها لثقافة الصحراء والخيمة ، فنحن أكثر عراقة وحضارة من أن نقف عند حدودها وشروطها المجحفة بالعقول المبدعة المفكرة .
للقضية أبعاد كثيرة وأهمها فيما أتصور وضع هيكلة تعليمية جديدة يكون تنمية العقل الناقد المبتكر فيها هو أهم الأولويات ، والاتكاء علي منظومة إعلامية حقيقية غير تابعة للسلطة التي علي رأس الدولة ، ولا لأصحاب رؤوس الأموال التي تمتلك القنوات الفضائية ، فالإعلام المرئي من أهم الجسور والقنوات للتأثير وخلق ثقافة حقيقية في عصر الصورة .
أخيرا الأم المتعلمة التي تقرأ لطفلها قبل النوم ، المكتبة المدرسية والحصص المخصصة لها ، مسابقات القراءة ، الكتاب ذو المحتوي المميز ، هذا بالإضافة إلي مناهج دراسية تخلق عند المتعلم العقل الناقد المبدع ، وسائل أولية يجب الانتباه إليها ضمن وسائل أخري متعدده أهمها الإنفاق علي الثقافة ووصول هذا الميزانيات إلي المستهلك الحقيقي من الشعب المصري لنرسخ لثقافة العقل والإبداع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح