الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقوق ليست بحاجة لتراخيص بمناسبة إغلاق منتدى د. جمال الأتاسي

كمال اللبواني

2005 / 7 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كل شيء في بلادنا معكوس ، القول عكس الفعل والشكل عكس المحتوى ، والظاهر عكس الباطن ، وهكذا ... حتى أن رياض سيف كان يقول لي أنا أشعر بالحزن والأسى على كل من يرفع اسمه على الشعارات البعثية ، لأنه سوف يصاب بنكبة ، أنظر مثلاً للعمال فمنذ أن رفع اسمهم أصابهم الفقر والحاجة , وكذلك المعلمين فبعد أن أصبحوا بناة حقيقيين على الشعار ، أمسوا بحاجة ليشاركوا في التهام صندويتشات طلابهم كي لا يموتوا من الجوع .. وقس على ذلك ، كل شرائح المجتمع التي ارتفعت على الشعارات البعثية ( ، فلاحين ، مهندسين ، أطباء ، محامين ، صناعيين ) كلها أفقرت وتدهورت حالتها ، بينما أولئك الذين نراهم اليوم في أحسن حال ، هم الذين ولا مرة رفع اسمهم على الشعار ، اقصد السماسرة والمهربين وتجار السوق السوداء وصناعيي الفساد والشبيحة والمتطفلين والمحتالين ، وتجار الدعارة ....
وقد كنت أوافقه على ذلك لمجرد أنني أشعر بالخوف والتوجس من سماع كلمة أمن ، أو حتى عندما أشعر بقرب من له علاقة به مني ( فلكي تكون آمناً عليك أن تبتعد قدر الإمكان عن الأمن وأزلامه والعياذ بالله ) ، وقد كنت أرى أن الجمارك هم أكثر من يهرب ( ومن يهرب المهرب ) ، والقضاة هم أكثر من يأكلون حقوق الناس وحقوق الدولة ، والموظف هو أول من يخرق القانون ، وبمقدار خدماته لأسياده وأقربائه ( خارج القانون المكلف بتطبيقه وضده ) بمقدار رضاهم عنه وترقيته فشعار كل مسؤول هو ( القانون لنا وليس علينا ) .
واليوم أيضاً وعندما رفع البعث مجدداً شعار الإصلاح ، استعذت بالله وقلت أي مصيبة ستحل بالمجتمع السوري ، ( فالمجتمع السوري سبق له و دفع غالياً فاتورة شعار التحرير ، فطارت أراضي جديدة ، ثم شعار الصمود والتصدي ، لأنه مورس تصدياً لكل من يريد الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة أو محاربة الفساد ) ، وهذا ما حدث بالفعل فكانت النتيجة التي جاءت مؤشراتها سريعا بعد المؤتمر الإصلاحي التجديدي ، هي المزيد من الفساد والاستبداد والفوضى وانعدام المسؤولية ، والمزيد من البطش والتنكيل بكل القوى الوطنية والمزيد من الفقر والتخلف ، والغلاء ..
ولأن كل شيء في بلدنا معكوس ، لو هداهم الله ، و رفعوا شعار التخريب والاستبداد بدل الوحدة و الحرية ، لكان بإمكاننا أن نتفاءل قليلا ، لكنهم للأسف ، أصروا على أنهم اصطلاحيون يسيرون في مسيرة الإصلاح منذ عشرات السنين ، وهنا المصيبة ، المصيبة في أن مسيرة ( الإصلاح ) هذه مستمرة ومتجددة ، بمقدار استمرار وتجدد معاناتنا ، عافاكم الله ، وفرج عنكم كل غم .
ولأن كل شيء معكوس ، فلا يطلب من السلطة أن تحصل من المواطنين على أي قبول أ و اعتراف ، بل يطلب من المواطن أن يحصل على رخصة وجود من السلطة ، على المواطن أن يستمد مشروعية وجوده من ولائه للسلطة الأمنية , التي تمنح نفسها حق تمثيل الوطن وإطلاق شهادات الوطنية على من تريد والخيانة على من تريد ، ثم تقسم الثروة والمنافع والمناصب والتراخيص والاستثناءات حسب رغبتها هي ، رغبتها الحرة التي لا تخضع لأي ضغوط لا من الضمير ولا الأخلاق ولا الدين ( لا من الداخل ولا من الخارج ) لأنها سلطة ( قوية !!!! ) متحالفة مع الشيطان الر جيم الذي حتى الله سبحانه لا سلطان له عليه قبل يوم الدين ، أما المارق الذي لا يبرهن على ولائه وطاعته ، فمصيره مثل مصير عشرات الآلاف الذين دخلوا المكان الوحيد الذي يمكنك أن تتعلم فيه معنى الحرية ( أي السجن ) ، أيضاً يحدث هذا لأن كل شيء عندنا معكوس .
مؤخراً وليس أخيراً ، طلعت علينا السلطات ( بذكائها المعهود الذي سبق له وأرسل طلاب الجامعة لضرب المشاركين في اعتصام يوم الطوارئ 10 آذار ) طلعت علينا بقرار إغلاق منتدى د. جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي . لماذا لأنه بحاجة لترخيص ؟؟؟ ( منتدى حوار / وليس قمار / بحاجة لترخيص ؟؟ ) ، هكذا تذكرت السلطة أنه بحاجة لترخيص بعد أربع سنوات من عمله المستمر ، و أربع سنوات من إغلاق جميع المنتديات وبشكل خاص منتدى الحوار الوطني ولذات السبب ، والذي اعتقلنا على خلفية إعادة افتتاحه ( من دون ترخيص طبعاً ) ، لكن منتدى الأتاسي استمر إلى اليوم وحيداً ، وعندما شعرت السلطة أن فائدته لها أصبحت أقل من أضراره ، بسبب نجاح ( مجموعة في إدارته ) في إنقاذه من هيمنة السلطة وتوجيهاتها ، وتمكنها بمعونة الأصدقاء من إعادة روح الأتاسي الحرة إليه ، لذلك قررت السلطة إغلاقه بحجة الحاجة لترخيص ترخيص ترخيص مرة أخرى .
الذي نستغربه في هذا أن المطلوب هو الشرعية ( أي الترخيص ) ؟؟؟ وممن ، من سلطة لم تعتني يوماً بمصدر شرعيتها هي ذاتها !! ، سلطة تقوم على الاستثناء والطوارئ ، سلطة جاءت بالقوة العسكرية ، واستمرت بالقمع ولم تحترم يوماً أي شيء حتى قانونها الذي وضعته هي رغم إرادة الناس ، وهي تعلم ذلك ، وتعلم أن انتخاباتها ليست أكثر من مسرحية صورية وطريقة لتبرير الاستبداد . وأن المطلوب هو طلب الترخيص من سلطة ليس لديها قانون لمنابر الرأي ولا للمشاركة السياسية ولا للأحزاب والجمعيات ، من سلطة لم تسأل نفسها ذات يوم إذا كانت بحاجة لطلب التفويض من شعبها ، فهي أخر ما تفكر به هو أن تطلب الثقة منه ، لأن الذي يحتاج للثقة في البلد المعاكس للحضارة والتاريخ ، هو المواطن الذي عليه أن يحظى برضا أجهزة الأمن ، الأمن الذي يرعى الفساد ويشجعه ويمارسه ، والمسؤول فقط عن البطش والتعذيب وكم الأفواه ، و تجميع الثروات وتوريثها .
جربوا اليوم وغداً وبعد غد وحتى بعد أن يصدر قانون الأحزاب العتيد الموعود ( الموعود على طريقة عبد الحليم حافظ ) ، أن ترخصوا أي مؤسسة أو نشاط لا يتلقى التعليمات من أجهزة الأمن ، بكل تأكيد لن يسمح لكم بالسير خطوة واحدة .. ، وسوف تستمرون لكن بدون ترخيص ... إذا نجحتم في جعل عملية قمعكم أقسى على السلطة من ترككم تعملون من دون إذنها ، وهذا يعتمد على قوتكم ، وعلى الضاغط الخارجي الذي ضيق الخناق لأول مرة على سلطة التعسف والفساد والاستبداد ( التي كانت تحظى برعايته وحمايته ودعمه طيلة 40 عاماً ) ، وصار يطالبها مؤخراً تحت ضغط تغير مصالحه ، بالتخلي عن سلوكها وشخصيتها ، وهذا أخر ما يمكنها فعله ، فالسلطة يا أعزائي لن تنتج إلا نفسها ، وعبثاً تنتظرون من سلطة الإفساد أن تقوم بالإصلاح أو حتى توافق عليه ( استغفروا الله ) ..
السلطة تستطيع حشد عدد كبير من الضباط ( بنجومهم ونسورهم الكثيرة ) ومن عساكر حفظ النظام لمنع القادمين من الدخول للمنتدى ، لكنها أبداً عاجزة عن وضع أي حد لأي من رموز الفساد الذين صرنا نسمع منهم (بسبب خلافاتهم ) عن ثروات جنونية ، والتي حصلت من عرق المواطن و جاءت من خيرات الوطن الذي يدعون حمايته ، ويقمعونا باسم الحفاظ عليه و على أمنه .
قبل إغلاق المنتدى كنت أتمنى أن اسمع عن ضابط واحد أدخل السجن لأنه مارس التعذيب على مساجينه ، أو صفاهم فيه ، وقاضي واحد لأنه باع حقوق الدولة ، ومرتشي واحد ، ووزير واحد .. لكن أول فعل إصلاحي ذو دلالة بالغة ، كان إغلاق أخر نافذة للحوار .. الحقيقة أنه لم يعد أمام السلطة أي شيء لتفعله سوى محاولة التستير على فسادها الذي بدأت رائحته تزكم الأنوف ، لذلك لن تهتم لا اليوم ولا غداً إلا بقمع حرية التعبير .. فهي الخط الأحمر الجديد القديم الذي يحرس الخط الأحمر الأهم وهو الفساد .
بعد أن حاكمونا بمحاكم لا أراكم الله ، وبعد أن وضعونا في الزنزانات الانفرادية التي قضينا فيها كل محكوميتنا ،وما يزال نصف رفاقي فيها إلى الآن ، وحرمونا من كل شيء حتى رؤية السماء وسماع صوت البشر .. طالبنا يومها ( الأمن ) فقط بحقوقنا كسجناء ضمن القانون : سألنا أليس لديكم قانون سجون ، ألسنا في سجن تابع للحكومة يقول رئيسها (ميرو في حكومته الثانية ) أن لا أحد فوق القانون وأن حكومته سوف تعمل على سيادة القانون وتفعيل المؤسسات ، ثم اقسم على احترام القانون والدستور .. فلماذا لا نعامل معاملة قانونية .. الجواب كان دوماً نحن القانون هنا ، أي باختصار إنه التعسف ، فإذا كان كل رجل أمن أو مسؤول هو القانون ، فذلك سيجعل كل مواطن هو القانون أيضاً ، وهذا يعني في النهاية إعلان الحرب ، وليس قيام الوطن .
نحن ببساطة آخر ما نفكر به هو طلب الترخيص والإذن بممارسة حقوقنا ، خاصة من سلطة تعسفية ، لأننا نرى أن حقوقنا هي شرط وجودنا كبشر وليس (بهائم ) ، وشرط لقيام الدولة ذاتها ، ومن دونها لن نقبل بأي نظام سياسي من أي نوع ، و لن نعترف بأي سلطة ، لأننا أبناء آدم الذي كرمه الله ، ثم لأننا أحفاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي قال : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، فنحن بشهادته التي نعتبرها أهم من أي دستور أو قانون : أحرار و أبناء أحرار ، أعزنا الله بدين الحق ، ولن نسجد إلا له سبحانه ، ولا نشرك به أحدا ، و نؤمن أنه لن يذل من اعتز بالله الحق العدل وأخلص في طاعته .
ببساطة يعني ذلك وبحسب ثقافتنا وهويتنا وتراثنا وديننا ، أننا لسنا بحاجة لأي ترخيص من أي كان لممارسة حريتنا ، وحقوقنا الطبيعية كبشر وهبنا إياها الباري عز وجل ، الخالق الذي لم يفوض أحد بوكالته ولا النيابة عنه ، وعلى هذا نحن سنمارس حقنا في التعبير وحقنا في المشاركة في الحياة السياسية ، و من ثم حقنا في انتخاب سلطة نريدها ونتوافق عليها بواسطة صندوق الاقتراع النزيه وعلى قدم المساواة مع الجميع . ومن يرفض إرادة الشعب ومن يرفض الاحتكام لصندوق الاقتراع هو الخاسر بكل تأكيد . حتى لو توهم أنه يمتلك القوة والأجهزة ، ونسي أن الله أكبر ، و أن الله قد حرم الظلم على نفسه ، وتوعد الظالمين .
المشكلة ليست في أنه علينا أن نطلب الرخصة من سلطة تعسفية غير شرعية فاسدة ( هي أحوج منا للترخيص ) ، أو أننا نحاول الاعتراض على إغلاق المنتدى أمام رأي عام مدمر ومقموع لا يملك من أمره شيئاً ً ، المشكلة في أن السلطة في سلوكها هذا تصر على إغلاق كل نافذة للحرية ، و كل باب للحوار ، وتصر على إبقاء رموز الضمير والحرية في السجون ، و تمارس حقها في التعبير عن نفسها كسلطة تعسف واستبداد لا تحترم ابسط حق من حقوق مواطنيها ، وتقطع ( حسب مفهوم السياسة ) شعرة معاوية ، بكل ما يعني ذلك من معاني رديئة ، لكن الأهم من هذه المعاني الرديئة ، هو رداءة الآتي ، الآتي الذي تبشر به هكذا تصرفات غير مدركة ، والتي أعماها غرور السلطة المطلقة ، وصلف الثروة الهائلة ، وصياح وزمجرة المرتزقة من حولها ... الآتي الذي سوف نراه قريباً ، وعندها سنسأل الله ألا يجعلنا من الشامتين ( أو كما هي العادة : بالعكس ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح