الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر البعث: محاولات بائسة لضمان -الاستمرارية-

حازم نهار

2005 / 7 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كلمة حزب العمال الثوري العربي التي كانت ستلقى في منتدى الأتاسي يوم 2/7/2005
مؤتمر البعث: محاولات بائسة لضمان "الاستمرارية"
د. حازم نهار
عضو المكتب السياسي

انعقد المؤتمر الذي تمتع دائما بصفة "التاريخي" و سوريا في وضع لا تحسد عليه، حيث الضغوط الخارجية في تصاعد، و إخفاقات السياسة الخارجية السورية في تزايد ، خاصة ما يتعلق بالأداء السوري في لبنان و العلاقة مع الولايات المتحدة، و حيث المزيد من الإخفاقات الاقتصادية و ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، و تنامي الاحتقان السياسي و الاجتماعي بفعل نقص الحريات و عودة الاعتقالات، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه النتائج الاقتصادية السلبية لعودة عشرات الآلاف من العمال السوريين من لبنان، و مقاطعة مستثمري الخليج للبلاد منذ اغتيال رفيق الحريري، في الوقت الذي تنضب فيه عملياً احتياطات النفط، مما يضع البلاد في ظروف عامة معقدة تتطلب تدبيرات لها صيغة الضرورة المستعجلة.
الرأي العام السوري عول على نتائج المؤتمر كما يتعلق الغريق بقشة، و توقع تحسن أوضاعه الاقتصادية على الأقل، أما الطيف المعارض في سوريا فلم يكن يأمل خيرا أو يتوقع تغييرا جديا، فكما يقال "المكتوب يقرأ من عنوانه" ،إذ كانت المؤشرات السابقة لانعقاده كافية للوصول إلى هذه القناعة، كاعتماد الآليات التقليدية المعتادة في انعقاده، و الاعتقالات السياسية العديدة في الأشهر الأخيرة، و إصرار النظام قبل المؤتمر على العناوين التي شكلت عماد تجربته، كالمادة الثامنة من الدستور و قانون الطوارئ و صيغة "الجبهة الوطنية التقدمية"، و هو ما عنى أن المؤتمر لن يخرج بشيء ذي وزن حقيقي مؤثر في مستقبل البلد، و هذا ما كان.
أعطيت أهمية كبيرة للتغييرات على مستوى القيادة القطرية للحزب، لكن هل يكفي خروج غالبية من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في سوريا ممن ارتبطت أسماؤهم بتاريخه، للقول أن مرحلة جديدة قد بدأت ؟ خصوصا أن الأسماء الجديدة، وتلك التي استمرت، لم تبرز أو تمثل خلال السنوات الخمس الأخيرة، تيارا جديدا مختلفا ومتمايزا عمن رحلوا، لا بل إن الغالبية منهم، رغم أنهم غير معروفين بالنسبة إلى الكثير من السوريين ومراقبي الشأن السوري، تنتمي إلى السياق الحزبي البعثي ذاته الذي كان يشرف عليه ويقوده الخارجون من القيادة السابقة .
إن تغيير بعض الوجوه لا يبدل في العقلية والنهج والممارسات، لأن ما هو حادث ليس مجرد "أخطاء و عثرات" أو "قصور في الأداء" كما يحلو للبعض القول، بل هو أزمة بنيوية عميقة ، فمشكلة سورية لم تكن محصورة في الحرس القديم حتى تحل بزواله ، بل في النهج السياسي السائد و تركيبة النظام ذاته وسيطرة الهاجس الأمني عليه، الأمر الذي يجعل إمكانيات الإصلاح بشقية السياسي والاقتصادي شبه معدومة.
الجميع، من رحل منهم و من بقي، اعتبروا أنفسهم من دعاة "التطوير والتحديث والإصلاح"، فيما يكتشف السوريون في كل مرة حالات جديدة من الفساد، الأمر الذي يدفع إلى الإقرار بالبنية المغلقة للنظام، و بعجزها عن إفراز الإصلاحيين من داخلها، و بعدم وجود برنامج حقيقي للإصلاح. أما إشارات و وعود الإصلاح التي أطلقت فقد كانت تأتي جنبا إلى جنب مع إشارات أخرى مناقضة لها، إشارات بالعسف والمنع وأخرى بالتراخي والسماح، إشارات بقبول الرأي الآخر وأخرى بمصادرته ، و لعل الهدف منها كان تشتيت الداعين للمشروع الإصلاحي، أو جعل الداخل مشتتاَ إزاء العهد الجديد ، و منع تبلور حركة اجتماعية ثقافية سياسية موحدة إزاء أطروحاته وآلياته وممارساته. إن كان ثمة جديد في ذلك فهو زوال المقولة أو الحجة التي سادت خلال السنوات الخمس الماضية التي كانت تردد دائماً أن الحرس القديم هو الذي يحكم فعلياً، أو أن هذا الحرس يقف حجر عثرة في طريق الإصلاحات التي يبشر بها رئيس الجمهورية.
المادة الثامنة هي المفتاح الحقيقي لإخضاع المجتمع وفرض الإذعان عليه وتخليد تهميشه و هامشيته، و هي الضامن لعدم خروج الأمور عن السيطرة أو لمنع تعرض النظام للخطر. على الرغم من القرار بفصل الحزب عن الدولة، فقد تم ربط السلطة بالحزب من خلال إقرار المؤتمر أن رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب (أي أهم سلطتين تنفيذية وتشريعية) يجب أن يكونا من أعضاء القيادة، بما يعني أن هذا القرار لن يكون له أي أثر، ليتكرر ما حدث منذ نحو عامين عندما جاء قرار القيادة القطرية للحزب رقم /408/ ليؤكد على "ضرورة ابتعاد الرفاق البعثيين و المؤسسات الحزبية عن العمل التنفيذي اليومي ، وعدم التدخل في عمل المؤسسات والمديريات ودوائر الدولة"، ثم غاب دون أن يترك أثراً. المادة الثامنة و هيمنة الحزب على الدولة يتصلان بمبدأ التداول السلمي للسلطة، و استمرارهما يخالف آليات الديمقراطية التي من ضمنها مبدأ التداول السلمي للسلطة.
أما التوصية بإصدار قانون جديد للأحزاب والسماح بتشكيلها ضمن شروط وضوابط صارمة للغاية، أي شرط ألا تقوم علي أساس عرقي أو طائفي أو ديني أو إقليمي ، فهي تدخل فاضح في عملية تكوين الأحزاب قبل أن تتكون، و ستكون عملية كبح لما هو قائم أصلا في الحقل السياسي، مما يعني أن المسموح هو قيام تعددية شكلية غير مؤثرة في الوضع السياسي على شاكلة ما حدث في مصر، بما يسمح بإطالة عمر النظام ومصالحه إلى أقصى فترة ممكنة. الطامة الكبرى هي التوصية الخاصة بمراجعة قانون الطوارئ وحصر أحكامه بالجرائم التي تمس أمن الدولة، مع العلم أن كل الذين اعتقلوا أو حكموا بالإعدام بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية المعارضة كانوا متهمين بجرائم أمن دولة . كل ذلك يعني أن ركائز النظام ثابتة لا يطالها أي تغيير ، و ما جرى لا يعدو كونه محاولات بائسة لضمان "الاستمرارية".
توقف المؤتمر عند ظاهرة الفساد، في محاولة لإرضاء جمهور محبط ينتظر حلولا لأزماته ، في الوقت الذي يتسلى فيه السوريون بحكايات الفساد التي تطال بعض الجالسين في المؤتمر، و غيرهم، لكن المؤتمرين أشاحوا بوجههم عن الحقيقة التي تقول أن كل الكوارث والأزمات تعود في المحصلة لسبب واحد يكمن في الآلية العامة الناظمة للسياسة والاقتصاد وسائر ألوان الحياة، فالفساد ما هو إلا نتاج خيارات سياسية محددة، في مقدمتها أسلوب ممارسة الحكم، الذي يعتبر العامل الأول في تشكيل أخلاق الناس ووعيهم وسلوكياتهم. إن فرص نجاح أي إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي يمهدَّ له ويرافقه تكاد تكون شبه معدومة في بلد كسورية، فالبقاء في الحيز الاقتصادي وحده-ومهما كانت الخيارات الاقتصادية, أي سواء تعلق الأمر باقتصاد السوق أم باقتصاد الدولة-يلغى أي أمل في المس بآليات الفساد ونظام النهب, ويزيل أية إمكانية لمراقبة وتوزيع الموارد وإدارتها أو لمراجعة السياسات المتبعة أو المحاسبة.
لم يعد هناك من يعتقد أنه من الممكن إصلاح الاقتصاد بالاعتماد على الأدوات الاقتصادية وحسب، إذ لا بد من توفير مجموعة من الشروط السياسية من أجل إعادة تأهيل المجتمع المنهك والمستترف ووضعه في بيئة جديدة من العمل والإنتاج والإبداع، فالفشل الاقتصادي والعجز الإداري وترهل الدولة إنما هي النتائج المباشرة لبنيان سياسي مترهل وفات أوانه, و لن يطول الزمن لنكتشف من جديد عقم الصيغ المطروحة لمكافحة الفساد و إصلاح الاقتصاد، خاصة أنه منذ الإعلان عن هذا الشعار قبل نحو خمس سنوات لم يبعد الفاسدون عن مراكز الفعل و التأثير، بل أنيطت بهم مهام الإصلاح و محاربة الفساد.
كان مجرد الحديث عن تحرير السوق وجذب الاستثمارات الأجنبية, يعتبر "خيانة وطنية" أو "عمالة", لكنه أصبح سائداً و واقعا منذ زمن عندما دخلت سوريا في نظام اقتصاد السوق رغم كل القوانين الاشتراكية بفضل الطبقة الجديدة التي تشكلت من رجال الأعمال الشباب الحديثي النعمة، وغالبيتهم من أبناء المسؤولين أو المقربين منهم أو شركائهم، فسوريا لم تعد اشتراكية إلا بالقوانين التي كانت تنتظر مؤتمرا قطريا ليعلن موتها، و هذا ما لم يحدث.
هذا الواقع أصبح متخارجا مع الخطاب السياسي للحزب الحاكم المرتكز إلى الاشتراكية والتخطيط المركزي, و على ما يبدو لم يكلف الرفاق البعثيون نفسهم عناء تجديد خطابهم السياسي، و هذا ليس غريبا فهم اعتادوا حالة الفصام بين الحديث و الواقع، لكن ثمة سؤال أخير يفرض نفسه عليهم، خاصة الذين أعلنوا أن "أهم التوصيات الاقتصادية كانت التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي": ألا يحتاج اقتصاد السوق الاجتماعي كآلية ونظام اقتصادي عرفته المجتمعات الغربية إلى بيئة ومناخ سياسي من الحريات يشكل حاضنا طبيعيا له؟
"التغيير"، كما ظهر في التجربة، لا حاجة له عند السلطة طالما لم يكن هناك عوامل خارجية تدفع باتجاهه. ويبدو أن الهاجس الرئيسي للنظام هو إعطاء إشارات بوجود إصلاحات جدية للخارج الضاغط، أو ربما انتظار هذا الأخير حتى يسعى لفرض "التغيير" على مقاسه ، و تعلن الولايات المتحدة نفسها وصية على الحريات وحماية حقوق الإنسان في بلدنا ، لنسلمَّ بعد ذلك قدرنا ومصيرنا للتاريخ وننتظر ما يتنعم به الآخرون علينا !!.
نتائج مؤتمر البعث، المتوقعة والمحبطة، بالإضافة إلى الضغط الأميركي المتزايد، والتراجع المستمر في المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يتوقع منها أن تؤدي في المدى القريب لحدوث تغيرات يصعب الإحاطة بها أو محاصرتها، مما يرتب مجموعة من الأعباء والمهمّات على الحركة الوطنية الديمقراطية, يأتي على رأسها السعي باتجاه وحدتها, من خلال الاندراج في مشروع تغيير ديمقراطي متدرّج , يتخذ من حاجات السوريين في هذه المرحلة مرتكزاً أساسياً, كما يأخذ بعين الاعتبار استحقاقات تغّير المناخ الدولي و اختيار الشعارات و الأهداف المتناسبة معه.
يحتاج المجتمع السوري للتغيير الديمقراطي من أجل استرجاع وعيه وإرادته وثقته بنفسه, وليتحول إلى ذات حاضرة وفاعلة بعد عقود من إقصائه وتهميشه. و لأنه , دون شك , الطريق الوحيدة لإنجاز جملة من الإصلاحات الهيكلية الأساسية والضرورية في العملية الاقتصادية شبه المتوقفة, و السبيل الوحيد للارتقاء بالمناهج التعليمية والتربوية القادرة على بناء الأفراد القادرين على التعامل مع الثورة العلمية والتكنولوجية في العالم، و يحتاج المواطن السوري للتغيير الديمقراطي بالدرجة الأولى من أجل إعادة تكوين شروط إنتاج إنسانيته وتحرّره من التشوهات الأخلاقية, وبناء الإنسان الحر والقادر والعفوي والسعيد. إنه أساسي كي يتخلص السوريون من شعورهم أنهم مجرد "أرقام هامشية" تتحرك كيفما يرادُ لها، وليحلَّ محله الشعور بأنهم عناصر فاعلة يتوقف عليها نجاح أي إصلاح أو فشله0
فإذا ما أردنا مخرجاً من "الاستقرار" السياسي البليد والركود الاقتصادي المزمن والفشل الاجتماعي المستديم , فإنه لن يكون دون جعل "الحرية" وسيلة وغاية كل خياراتنا في جميع المستويات ,ودون خلق ديناميات تنافسية جديدة و نواظم عمل وأنماط حكم عصرية.
هناك لحظات فاصلة في حياة جميع المجتمعات تقرر فيها طرح مفاهيم "التغيير" و "الإصلاح و "الانتقال الديمقراطي" , ومهما اختلف في تحديد مضمون هذه المفاهيم ومستوياتها , إلا أنها جميعاً تشكل دعوات معتدلة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه, قبل أن تكتمل عملية الغرق تحت الماء.
المشكلة ليست في طرح المفاهيم بقدر ماهي في التوافق حول طبيعة المشاكل التي يعاني منها المجتمع ومستوياتها وآليات تجاوزها، فهناك مجموعة من البديهيات التي أصبحت واضحة للجميع, ولا يمكن بدونها الادعاء أن ثمة إصلاحاً أو تغييرا في الأوضاع يجري على أرض الواقع. التغيير الديمقراطي هو الخيار الأمثل والوحيد، وهو بحاجة لإطلاق سريع قبل فوات الأوان ، وقبل أن تنعدم فرصه ، فيصبح من غير الممكن إجراء أي تغيير إيجابي أو إصلاح أي شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية