الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الدكتور فاضل التميمي

سعدون هليل

2014 / 3 / 31
الادب والفن


الدكتور الناقد فاضل عبود التميمي
"الرواية تجسيد للوعي المديني في العصر الحديث"
حاوره:سعدون هليل
حين يبلغ الشاعر نهر الشعر.ينفتح الواقع الثقافي في محافظة ديالى على ممارسات شعرية، واخرى سردية، وفنون تشكيلية، ومسرحية...اما في النقد فقد برز اسمان جديدان د. علي متعب جاسم،وخالد علي ياس وهما من الوجوه الأكاديمية في المحافظة، ولهما مشاركات نقدية واضحة داخل المحافظة وخارجها، فضلا عن د.فاضل التميمي الذي نحاول محاورته عبر أسئلتنا:الدكتور الناقد فاضل عبود التميمي حاصل على الدكتوراه في النقد والبلاغة"1995" الجامعة المستنصرية،كلية التربية أستاذ البلاغة والنقد في كليّة التربية للعلوم الإنسانيّة جامعة ديالى.شارك في مؤتمرات علمية عديدة داخل العراق وخارجه.نشر أكثر من 20بحثا علميا في مجلات اكاديمية. ناقش"120" رسالة واطروحة.أشرف على "16" رسالة ماجستير في البلاغة والنقد والادب الحديث أشرف على أطروحات عدة للدكتوراه في البلاغة والنقد والادب الحديث.وهو استاذ مادة البلاغة والنقد:الدراسات العليا كليّة التربية للعلوم الإنسانيّة جامعة في ديالى.له مؤلفات عديدة في النقد نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر "أحزان صائغ الحكايات" "دراسات في أدب القاص الروائي احمد خلف". "جماليات المقالة عند د.علي جواد الطاهر" "بواكير محيي الدين زنكنة القصصية" "البناء السردي في شعر شيركو بيكه س" 2008. "قراءات بلاغية" "رؤيا الملك أو ماندانا وستافروب "إضاءات سردية":"قراءات في نصوص عراقية" "حفيد أوروك"قراءات في أدب زيد الشهيد" "حضور النص":قراءات في الخطاب البلاغي النقدي عند العرب "الإعجاز القرآني عند الباقلاني" "جذور نظرية الأجناس الأدبية في النقد العربي القديم" " إضاءات في القصة والرواية والنص" "
* يتّسع نتاجك المنشور ليشمل قراءة الخطاب البلاغي والنقدي القديم والحديث...الا تجد ان هذا التنوع المعرفي يشتت جهدك ليضعك عند مفترق طرق؟
بودي أن اقول لك أيها الصديق انني "معلم نقد" أولا، وان من مهام عملي الاكاديمي ملاحقة المتن الادبي بغض النظر عن زمانه ومكانه،وان عملي في الجامعة يفرض عليّ ان استعير ادواتي المعرفية من مظانها المختلفة لكي اقرأ النصوص القديمة والحديثة، ثم انني قارئ يأخذني النص الجيّد مهما كانت علاماته،وخصائصه البنائية والاسلوبية، ويبدو أن هذه السعة التي لازمت ممارساتي القرائيّة فرضت عليّ نسقها الشكلي في مجال الاشراف على طلبة الدراسات العليا في جامعتي "جامعة ديالى" فقد اتسعت عنوانات رسائل طلبتي واطاريحهم لتكون في النقد القديم والحديث معا متوقفة عند عنوانات واضحة: نظرية تراسل الحواس في النقد العربي الحديث، ووظيفة الشعر في النقد العربي القديم، وعلي جواد الطاهر ناقدا قصصيا،والنقد الاجتماعي القصصي، وشعرية المقالة عند حسين مردان، واشعار الصعاليك والفتاك،فضلا عن رسائل الخطاب البلاغي التقليدي، وغيرها..
*على مدار عشرين سنة ماضية كنت سبّاقا في عقد ندوات اكاديمية تعنى بالأدباء المعاصرين، وادبهم...الى اي حدّ استطاعت تلك الندوات ايفاء حق الادباء المحتفى بهم؟
الندوات التي عقدتها في جامعتنا هي صدى لفكرة تدريس نتاج الادباء العراقيين المعاصرين في قسم اللغة العربية في كلية التربية التي اعمل فيها، بدأتها في العام الدراسي "1998 -1999" حين وافقت الجامعة على تدريس رواية "سابع ايام الخلق" للروائي المبدع عبد الخالق الركابي في المرحلة الرابعة فكان ان دعونا الركابي في نهاية الفصل الدراسي ليواجه بأسئلة الطلبة ومقاربات الاساتذة، ثم جدّدت التجربة مع الكاتب المسرحي محيي الدين زنكنة في العام الدراسي"1999- 2000" حين درّسنا مسرحيته الشهيرة "رؤيا الملك" لننظّم له ندوة مشابهة لندوة الركابي في نهاية السنة الدراسيّة مع بروز فكرة الافادة من احد ادباء المحافظة الذي تولى تدريس مادة المسرح على الطلبة انفسهم اعني: الناقد المسرحي والمخرج صباح الأنباري الذي قام بإلقاء محاضرات على الطلبة تُعنى بتاريخ المسرح العالمي، والعربي، وصولا إلى المسرح العراقي، وأثر زنكنة فيه... قام الرجل بالمهمّة على أتم وجه، تطوعا منه بلا ثمن يذكر، سوى ثمن حبّ المسرح، فاستحق الاشارة والاشادة، ثمّ تعاقبت التجارب لتشمل:الروائي احمد خلف، والقاص سعد محمد رحيم، والشاعر ياسين طه حافظ، واخرين.
*وهل اثمرت تلك الندوات عن شيء؟
بالتأكيد نعم فقد كان الطلبة لا يدركون فاعلية الادب الحديث،ثم انفتحت مخيلاتهم على انواع ادبية مهمة مثل: الرواية والقصة القصيرة، والمسرحية والمقالة، لتتوالى دراساتهم الاكاديمية فيما بعد لهذه الانواع الادبية..
*برحيل القاص والمسرحي محي الدين زنكنة فقدت الساحة الأدبية في العراق ساردا مهما ومتميزا هل تستطيع أن تحدثنا عنه؟
كما تعلم أن"محيي الدين زنكنة"وُلد في مدينة كركوك حي "شاطرلو" في العام 1940،وعاش طفولته،وشبابه في تلك المدينة الجميلة، ولمّا أنهى دراسته الإعدادية قُبل في قسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة بغداد ليتخرج في 1962م،ويُعين في العام1964م مدرسا لّلغة العربية في محافظة ديالى، ومنذ ذلك التاريخ وحتى أواسط العام 2006 لم يغادر زنكنة مدينة بعقوبة, صار والمدينة هذه توأمين لا يفترقان،وعلامة دالة من معالم حياتها الثقافيّة. ظل"محيي الدين زنكنة" في سنواته"البعقوبيّة" وفيّا للكتابة،والكتاب لا يكاد يخرج من داره إلا لعمل مهم، كان شغله الأول الكتابة، ففي داره تلك الواقعة في الطرف الغربي من المدينة كان يسهر ليله قارئا،وكاتبا حتى قُيض له أن ينجز أكثر من خمس وأربعين مسرحية،وأربع روايات، فضلا عن ثلاث مجاميع قصصية،والعشرات من القصص القصيرة،والمقالات المنشورة. كانت داره تلك أشبه بصومعة ناسك لا يمارس فيها إلا الكتابة،والقراءة،والعناية بالكتب،فقد كان الرجل عاشقا وَلِها للكتاب،وكانت مكتبته عصيّة على الكثير من أصدقائه، وأدباء ديالى،كنت أزوره في صباح كل خميس لاسيّما في العامين "2004"و"2005" لأجد عنده الكثير من الجديد المفيد،من الكتب،والمجلات،وفي واحدة من تلك الزيارات عرضت عليه أن ازور المكتبة،وأن أشرب الشاي فيها،كان ذلك طلبا مستحيلا فيما أحسب،لكنّ الاستحالة فيه تبدّدت في ابتسامة "زنكنة" الوادعة النقية.كانت المكتبة تشغل غرفة كاملة في الطبقة الثانية من البيت،فضلا عن ممرّ طويل فيها،وقد هالني ما فيها من المصادر،والمراجع التي تبحث في مختلف العلوم،والفنون ثم جلب انتباهي شيء آخر:"ملفات" داكنة اللون،كانت بمجملها تحتوي على عشرات القصص،والمسرحيات التي كان"زنكنة" قد انتهى من كتابتها لكنّها لم تأخذ دورها في النشر،ثمّ لفت انتباهي بين تلك الملفات دفتران متميزان قديمان تبين لي في لحظتها أنهما يضمان بواكير قصصه التي كتبها في سن الدراسة المتوسطة،واذكر أنني وقفت عندهما مليّا دون أن أنبس ببنت شفة، لكن الرجل اللمّاح فهم غايتي فقد أعارني الدفترين، فوجدت فيهما قصصا تبوح بنضج شاب أراد أن يكون قاصّا، فكان أن حرّرت القصص،وصنعت لها مقدمة،وخاتمة،وقدمتها في العام "2006" الى دار سردم للنشر في السليمانية فظهرت الى الوجود في العام 2007 كتابا بعنوان"بواكير محيي الدين زنكنة القصصية". كان"محيي الدين زنكنة" في سنواته"البعقوبية" يعيش عزلة مبدعة لم تمنعه من الاختلاط بأدباء المحافظة،ومثقفيها،فقد كانت علاقاته الأدبية،والاجتماعية تمتد الى العشرات منهم،فضلا عن أنه كان عضوا في اتحاد أدباء المحافظة حتى خروجه منها الى السليمانية في العام 2006،لكنه - وهذا ما لا أستطيع نكرانه- كان محيرا للكثيرين ممن كانوا لا يفهمونه لاسيما أولئك الذين لم يقرؤوا ما كتب،أو كانوا على مبعدة من أفكاره،وتصوراته الأدبية، والإنسانية. وكانت جامعة ديالى قد كرمت محيي الدين زنكنة ثلاث مرات. "محيي الدين زنكنة" بطبعه الإنساني البسيط لم يكن يعبأ بأي تكريم،ذلك طبع جُبل عليه منذ نعومة أدبه، فقد كان مأخوذا بفكرة الإنسان الذي يعيش داخل إنسانيته المجردة من هوس السلطة في أي زمان ومكان،وكان كثيرا ما يعلن عن تواضع نتاجه الأدبي حين يهمّ أحد الأدباء في إجراء لقاء صحفي معه،وقد ظل"زنكنة" وفيّا لهذه الفكرة حتى اليوم الأخير من حياته؛ ولهذا كانت اللقاءات الصحفية معه نادرة جدا،وقد لا أبالغ حين أقول: انه يمقت الشهرة،وان كانت حقا للأديب المبدع قبل أن تكون لغيره!،وهو في موقفه هذا كان يحيّر حساده قبل أن يحير معجبيه.لقد كان "محيي الدين زنكنة" أديبا كبيرا،لم تشغله في حياته فكرة الحصول على منصب كبير،أو الوصول الى مركز إداري مؤثر، كان كلّ همه ينصبّ في الكتابة من اجل الإنسان،والوفاء لمبادئه التي ظل أمينا لها حتى نَفَسَه الأخير، وهي مبادئ لا تغادر إنسانية الإنسان.




*نلاحظ عنايتك بالنثر أكثر من الشعر...لماذا؟
نعم هذا صحيح فقد شهد العقد الأوّل من النصف الثاني من القرن العشرين وقائع مهمّة في تاريخ الأدب العربي لعلّ من أهمّها تحقّق منطلقات فكرة التجديد في الشعر على الساحة الثقافيّة العربيّة على نطاق واسع، بعد أن كانت الإرهاصات الأولى منطلقة من المهجر، ومصر، والعراق، ولبنان غير أنّ تحقق تلك الفكرة تمّ في بغداد بشكل واضح على يد مجموعة من الشعراء:بدر شاكر السياب"1964م"، وعبد الوهاب البيّاتي "1999م"، ونازك الملائكة "2007م"، وقد بارك الفكرة مجموعة من النقاد العرب على رأسهم د. إحسان عباس "2003م" الذي أصدر كتابه الرائد "عبد الوهاب البياتي والشعر الحر" عام 1955م الذي كان له أثر ايجابي واضح في إشاعة النقد الموازي لحركة الشعر الحر.
ثمّ عمل على الأخذ بفكرة التجديد مجموعة كبيرة من الشعراء على مستوى الوطن العربي، والمهجر، جعلت كتابة الشعر "الحرّ" يوم ذاك نمطا مقبولا من أنماط الثقافة الشعريّة، ولعّل فكرة التجديد يومها انبعثت لتحطم فكرة الشكل القديم،وصولا الى تحقيق معان جديدة تنصبّ عنايتها الأولى نحو شكل القصيدة ومحتواها،ففي الشكل كانت اهتمامات الشعراء تتجه نحو القافية التي عملت جهودهم على التخفيف من درجة تكرارها،وتجاوزها في ما بعد،وهذا يعني أنّ الشعر بدأ يتجه بعيدا عن ظاهرة التصويت التي عُرف بها قروناً لتصير المسافة بين الشعر، والنثر الأقرب في كلّ عصور الشعر العربي، وممّا زاد من تقريب المسافة ذاتها قيام أنماط فنيّة من الشعر على بنية نثريّة كما في: قصيدة النثر، أو النثر المركز، أو الشعر المنطلق، والنص المفتوح.
واقترب الشاعر الحديث من فضاء النثر حين سمّى ما يكتبه "سطراً" شعريّاً، وليس "شطراً" فدلالة "السطر" نثريّة، ودلالة "الشطر" شعريّة، وهذا يعني أنّ القصيدة تتشكّل بعيدا عن البهرجة الصوتيّة للقافية التي ترن عادة في أذن المتلقي.
ممّا سبق يتبين أنّ انكسار عمود الشعر العربي أدّى إلى بروز أجواء نثريّة، وإن كانت بثوب شعري لكنّها كانت تتّجه بشكل واضح نحو استثمار النثر لتعلي من أنساقه،وتأخذ من تقاناته؛ ولهذا أخذت القصيدة المعاصرة من السرد: الحوار، والوصف، ولاذت بالأسطورة، واتّجهت نحو الصورة،وعلامات الترقيم،وأخذت من الفنون السمعيّة، والبصريّة ملامح تشكّلها الجديد لكي تعوّض خسارة شكلها القديم، وصوتيّتها العالية، ويبدو أنّ نجاح فن الرواية وهي نثر- كما فهمت من رأي قرأته- في تجسيد الوعي المديني في العصر الحديث هو الذي دفع الشعراء إلى الإقبال على الكتابة السرديّة، واستغلال مرونة الشكل الروائي في توصيل أفكارهم ضمن الشعر، ولهذا شاعت القصائد السرديّة الطويلة، وبرزت في المشهد الشعري. بمشاركة أنواع أدبيّة نثريّة لعلّ من أهمّها: الرواية،والقصة القصيرة،والمسرحية،والمقالة.
ما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين يسترعي الانتباه بعد أن تولّت الحكم في مصر، والعراق حكومتان جمهوريتان استبدلتا النظام الملكي بنظام جمهوري أراد التغيير، والانتقال من الحاضنة الزراعيّة:الإقطاعيّة التي تتشكّل ثقافتها تشكلاً شفاهيّاً شعرياً إلى الحاضنة المدينيّة التي تتمثّل بالاستقرار،والتوثيق،وبروز اقتصاد السوق الذي اعتمد نمطاً مغايراً من الإنتاج الأمر الذي أدّى إلى صعود البرجوازيّة الوطنيّة، و بروز ثقافة النثر بكل أنواعها،واستحواذها على عناية المشهد الثقافي بمؤازرة من الصحافة التي كان لها أثر في نشر القصة، والمقالة، والروايات التي كانت تنشر مسلسلة.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين اقترنت الثقافة النثريّة بظهور ثقافات فنيّة معروفة مثل: الفن التشكيلي، والسينما، والمسرح، والاذاعة والتلفزيون، وتطور وسائل الاتصال الأمر الذي جعل من هذه الفنون مجتمعة وسائل ثقافة لا يمكن مقاومتها،والتغاضي عن بريق أنساقها، هذه مسوغات عنايتي بالنثر وهي على اهميّتها لا تسوغ لي،ولا للآخرين اهمال الشعر.
* يقال إنك تعتقد أن النقد العربي القديم يشتمل على اضاءات نقدية وفكرية لمّا تزل تعين الباحث المعاصر على حلّ بعض الاشكالات... الى اي مدى يمكن الوثوق بالنقد القديم؟
إنّ ما وصل إلينا من"كم" بلاغي و نقدي ما زال يُشرِع للباحثين أبواب التأمل، والتحليل، والتأويل، فهو متجدّد متصل في الحاضر بأسباب كثيرة، ولك أن تدقق النظر مليّا في القضايا التي حامت حول مسألة "اللفظ والمعنى" قديما حتى تكتشف أن لها اليوم مساساً مع موضوعات "الشكل والمضمون"، كذلك"السرقات" فهي تتصل الآن بموضوعة "التناص" التي شغلت الباحثين المعاصرين بالياتها، وطرائق اتصالها بالخطابات، فضلا عن موضوعات البلاغة الأخرى التي ارتبطت بالمجاز، والتراكيب التي تتصل اليوم بالانحراف، والانزياح، والشعريات... ناهيك عن الدراسات البلاغية التي سعت يوم ذاك إلى القبض على جمرات اللغة الأدبية التي لا يمكن للباحث المعاصر المنصف إلا أن يكشف عن قربها من الدراسات الأسلوبية التي تهدف هي الأخرى إلى الكشف عن جماليات الصوت، والتركيب، والدلالة. لا أدّعي أنّ النقد العربي القديم امتلك نظرية متكاملة في الموضوعات القديمة،ولكنني أرى انه خلال سنوات تفجره المعرفيّ، والإجرائيّ كان قد قال بمقولات مهمّة سأشير حصرا الى المقولات الأجناسيّة منها التي توقفت عندها في كتابي "جذور نظرية الاجناس الادبية في النقد العربي القديم" الذي أصدره المجمع العلمي العراقي وهي – المقولات الأجناسيّة - في حقيقة أمرها استجابة لطبيعة الحاجة النقديّة التي فرضت نفسها يوم ذاك من زاويتين متقاربتين الأولى: استحضر فيها الناقدُ القديمُ فكرة الأجناس الأدبيّة، وهو يعاين لغة النصّ القرآنيّ الكريم، ويحاول تحديد لغته من خلال قراءة الأجناس الأدبيّة المعروفة يوم ذاك لكي يثبت أنّ جنسيّة القرآن لا علاقة لها بالأجناس الأدبيّة السائدة، وقد مثّل هذه الزاوية خير تمثيل الباقلاني"403هـ" في كتابه "إعجاز القرآن".الأخرى: استحضر فيها الناقد القديم فكرة الأجناس الأدبيّة من فضاء الحاجة النقديّة للأجناس نفسها، وقد مثّلها أبو هلال العسكري"395هـ"في كتابه المهم:"كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر".والمقولات الأجناسيّة العربيّة القديمة بعامّة تشكّل اليوم جذراً نقديّاً يمكن الوقوف عند عتباته المفضية إلى قراءة نمط من التفكير النقدي الذي لا يمكن إهماله،أو القفز على منجزه، مهما كانت درجة تشخيصه النقدي، بل التدقيق في طبيعة تشكّله اللسانيّ الذي يحيل على مجموعة أفكار يُنظر إليها –اليوم- على أنها جزء من خطاب.
* تُسجل لك عنايتك بالأدباء الاكراد كيف تمت لك تلك العناية؟
الادباء الاكراد جزء اساسيّ من بنية العقل الادبي العراقي الذي يتّسع للجميع،شاءت الاقدار أن يُعين "محيي الدين زنكنة " في العام1964م مدرسا لّلغة العربية في محافظة ديالى، ومنذ ذلك التاريخ وحتى أواسط العام 2006 لم يغادر زنكنة مدينة بعقوبة, صار والمدينة هذه توأمين لا يفترقان، وعلامة دالة من معالم حياتها الثقافيّة، وكانت لي علاقة متينة به اثمرت كتابين الاول يرصد بواكيره القصصية، والاخر دراسة اسلوبية لمسرحيّته "رؤيا الملك" فضلا عن بعض المقالات،وقد أسمهتُ شخصيّا في دراسته اكاديميا في عدد من الرسائل المعروفة التي اشرفت عليها او اشرف زملائي عليها في الجامعة وكنت من اقترح عنواناتها، وعن طريق الكاتب المسرحي والقاص والروائي محيي الدين زنكنة عرفت الشاعر الكردي الكبير شيركو الذي كتبت عنه كتابي"البناء السردي في شعر شيركو بيكه س" الذي نشر في كردستان، وقيل لي أنه اول كتاب عربي عن شاعر كردي،ولي علاقات طيّبة مع جامعة السليمانية لا سيّما قسم اللغة العربية في كليّة اللغات.
*في الفترة الأخيرة صدرت روايات عراقية عديدة عن دور نشر مختلفة،هل هناك رواية عراقية أثارت انتباهك،ومن مدينتك تحديدا؟
أعتقد أنّ الرواية العراقيّة بعد العام "2003م" أخذت منحى جديداً ظهرت من خلاله وهي تعمل على تمثيل قضايا كانت حتى الأمس القريب خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه،أو الوقوف عنده مثل: الحديث عن الأقليّات،و الإثنيات، والهويات الفرعيّة، والمسكوت عنه تاريخاً وجغرافية،بمعنى أنّها تستعيد اليوم بوساطة التمثيل السردي أوضاعاً ثقافيّة مرّت عليها أنامل التاريخ، وبقيت لصيقة النسيان، فضلاً عن قضايا فكريّة ذات أطر إجتماعيّة،أو اقتصاديّة لتضعها أمام تخييل المتلقي تاركة له حريّة الانسجام معها، أو رفضها فهي في النهاية ليست سوى أفكار مخيّلة،وإنْ كانت تستند إلى مصادر معلومة الزمان، والمكان.
فلو أخذنا رواية"مَتَاهَةُ أَخِيْرِهِم" للكاتب محمد الأحمد على سبيل المثال وليس الحصر لوجدنا انها اقتربت كثيراً من مدينة "بَعْقوبَة"،لاسيّما من زمانها الحديث ممثلاً بوجود الطائفة اليهوديّة فيها، لتضع ذلك "الوجود" تحت مجهر التكبير السردي الذي أتاح للمؤلف رؤية سبرت أغوار العلاقات الإنسانيّة التي ربطت يهود "بَعْقوبَة" بمن سكن المدينة،وصار جزءاً من نسيجها الإقتصادي، والاجتماعي.فالرواية تنفتح على "عتبات" نصيّة ترافق المتلقي لتكون مفاتيح إجرائيّة يستعين بها للكشف عن الستراتيجيّة التي يمكن أن يسير عليها النص لغرض إطلاقه، أو تأويله،فهي عناصر ضروريّة لفكّ مغاليق الدلالة،وإيضاح الخارج قصد إضاءة الداخل، فالرواية اليوم تُقرأ من خارج المتن لكي يكون الدخول إليها ميسورا بعد اجتياز سلسلة العتبات الأولى التي يكمن خلفها فضاءٌ مفعمٌ بالاستعارات،والتمثيلات التي تجد لها صدى في تخييل المتلقي.
•ألا تعتقد أنها رواية تنحو منحى تاريخياً؟
نستطيع أن نقول انها عتبة التاريخ التي حاول المؤلف فيها أن يثبت أنّ التاريخ ليس محكيّا واحداً فكلّ أمّة تحكي حكايتها على وفق ما يناسب غرورها، وهي عتبة تأويل أخرى تفضي إلى تقرير أنّ التاريخ لا يمكن أن يكون وجهة نظر واحدة، وأنّ ما مدوّن منه يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المنتصر المغرور، وأنّ ما مُشَفّه منه يشتمل على حقائق كبرى مغيّبة الحضور.
فالرواية من حيث البنية تنتمي إلى النصوص المتعدّدة الرواة تلك التي يتنازع السرد فيها أكثر من سارد، لكنّ السرد فيها يلتقي عند بؤرة واحدة هي "بَعْقوبَة" التي احتضنت أجيالاً حديثة تعاقبت على العيش فيها لتشكّل مجتمعاً متجانس الثقافة، والرغبات.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما