الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوفاق الودي بين بريطانيا وروسيا 1907

إسلام موسى

2014 / 4 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أولاً : عوامل التقارب

دفعت سياسة التحالفات الدولية - التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر - بريطانيا في عام 1894 على الخروج من عزلتها السياسية ( 1 ). حيث كانت سياسة العزلة وعدم الدخول في أحلاف وتكتلات هى السمة البارزة للسياسة البريطانية طوال القرن التاسع عشر ( 2 ). و بعد إنتهاء حرب البوير عام 1902 أيقنت بريطانيا أنها كانت مخطئة في إتباع ما يسمى بسياسة " العزلة المجيدة" ( 3 ).

لذلك حاولت بريطانيا منذ نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين إيجاد صلة تفاهم ووفاق مع ألمانيا، حيث تمت بينهم ثلاثة مفاوضات متعاقبة، في أعوام 1898، و1899، و1901، ولكنها جميعاً باءت بالفشل، ويرجع السبب الرئيسي لهذه الإخفاقات المتكررة إلي حالة النفور الحاد بين شعبى البلدين، التي أفشلت جميع المساعي السياسية الرامية لإقامة تحالف بين البلدين ( 4 ).

ومع تزايد التهديدات الألمانية داخل القارة الأوروبية، وإنشاء التحالف الثلاثي الذي ضم النمسا والمجر وعلى رأسهم ألمانيا، شعرت بريطانيا بخطورة قوة ألمانيا المتصاعدة، وأدركت أن تنافسها مع فرنسا في شمال أفريقيا، وروسيا في الشرق سيصب في مصلحة ألمانيا. لذلك عملت بريطانيا على تهدئة الأوضاع مع فرنسا، حيث بدأت الدولتان في التقارب والتفاهم لخلق جبهة موحدة تقف أمام تهديدات ألمانيا المتزايدة علي مصالحهم. وفي الثامن من أبريل من عام 1904، عقدت الدولتان إتفاقية سميت بالوفاق الودي، وبموجبه تم تسوية جميع المشاكل العالقة بينهما ( 5 ).

هدأت حدة التنافس بين بريطانيا وروسيا في مطلع القرن العشرين، وحلت محلها عوامل الود والتقارب بسبب المتغيرات التي طرأت اْنذاك على الساحة السياسية الدولية، كبداية التقارب بين فرنسا واليابان بدعم من بريطانيا بهدف تأمين مصالحها في الهند. وبالتالي كان الوضع مهيئ لحدوث تقارب بين بريطانيا وروسيا بتشجيع ودعم من فرنسا الحليفة المشتركة للطرفين ( 6 ). حيث أن الوفاق الفرنسي البريطاني في 1904 كان خطوة تمهيدية لعقد وفاق مماثل بين بريطانيا وروسيا بعيدا عن ألمانيا ( 7 ).

ثانياً : مناطق النزاع والمفاوضات

كانت دوافع بريطانيا بإتجاه التصالح والتقارب مع روسيا تتمثل في تقويض جهود ألمانيا في مساعيها الرامية لإنشاء عصبة قارية ضدها، حيث أن تفاهمها مع روسيا سيمكنها من محاصرة ألمانيا وإضعافها، سواء داخل القارة الأوروبية أو خارجها ( 8 ). وساهمت الأزمة المغربية التي وقعت بين فرنسا وألمانيا في عام 1906 في مزيد من التقارب والمصالحة بين بريطانيا وروسيا، بإلاضافة إلي ذلك أرادت بريطانيا تسوية جميع نقاط الخلاف التي أبقتها عالقة لسنوات مع روسيا ( 9 ).

نتيجة لتداعيات هزيمة روسيا علي يد اليابان في 1905، وتداعيات الثورة الداخلية التي حدثت في البلاد من نفس العام. أضحت روسيا في مطلع القرن العشرين أكثر ضعفاً من ذي قبل، ولسنوات عديدة ألقت هذه الهزيمة بظلالها السلبية علي مكانة روسيا الدولية ( 10 ). حيث أدركت روسيا بأنها يتوجب عليها التوقف عن إثارة العداوات، وإيجاد الأصدقاء عوضاً عن ذلك. لذلك أيقنت أن الوسيلة الوحيدة لفتح الطريق أمام مشروعاتها التوسعية هى محاولة التوصل لإتفاق مع دول الحلف الثلاثي، أو مع بريطانيا. ولما كان واقعياً أن أى محاولة للتقارب مع دول الحلف الثلاثي بقيادة ألمانيا تعني بديهياً إنهيار تحالفها الثنائي مع فرنسا، كانت بريطانيا هى الوجهة البديلة لروسيا لإقامة حوار مشترك يجمع وجهات نظر البلدين، و ينهي خلافاتهم في منطقة الشرق الأقصى ( 11 ).

لم يكن التحالف البريطاني الياباني الذي تم بين البلدين في عام 1902 - وعلى الرغم من أهميته - السبب الوحيد الذي جعل روسيا أقل تصلباً في سياساتها تجاه بريطانيا، ولكن تعنت بريطانيا ضد توسع روسيا في إيران والتبت، وأيضا مخاوف روسيا من حدوث تقارب بين بريطانيا وألمانيا وتلاقي مصالحهما في منطقة الشرق الأوسط، مما قد يهدد ويقلص من نفوذها في تلك المنطقة، ساعد على جعل السياسة الروسية أكثر إستعداداً للحوار والتفاهم مع بريطانيا ( 12 ).

كانت دوافع روسيا من سياسة التقارب مع بريطانيا هي تأمين مصالحها في منطقة الشرق الأقصى، حتي تتفرغ لمواجهة منافسة المجر والنمسا لها في منطقة البلقان، ومواجهة منافسة ألمانيا لها في منطقة الشرق الأوسط ( 13 ).

كانت المصالح البريطانية والروسية ممتدة عبر مساحات شاسعة من قارة أسيا - إبتداءاً من الصين في الشرق وصولاً إلى القسطنطينية في الغرب - تتقاطع في بعض الأحيان، وتتشابك في أحياناً أخرى ( 14 ). كانت التبت وأفغانستان وإيران مناطق تنافس بين كلاً من بريطانيا وروسيا، حيث نظرت إليهما بريطانيا بإعتبارهما إمتداداً طبيعياً لنفوذها بالمنطقة، ومناطق عازلة بين مستعمراتها في الهند وبين الإمبراطورية الروسية، لذلك عكفت بريطانيا على بذل الجهود لفرض سيطرتها على تلك المناطق، خصوصاً بعد زيادة حدة التنافس بينها وبين روسيا على إيران، مما أدى إلى تدخل الدولتين في الشئون السياسية والإقتصادية لإيران، تارةً بإستخدام القوة العسكرية، وتارةً أخرى بالتهديد بإستخدامها ( 15 ). بالإضافة إلى ذلك خشيت بريطانيا من سيطرة روسيا علي مضيقى البوسفور والدردنيل مما قد يشكل تهديداً علي حركة السفن والتجارة البريطانية ( 16 ).

في يناير 1898 بدأت بريطانيا في التقرب من روسيا بهدف عقد إتفاق يشمل تسوية خلافتهما في الشرق الأقصى، ولكن مع قبالة بدأ المفاوضات إنسحبت روسيا منها فجأة، ولم تكتفي بذلك وإنما إستولت على ميناء أرثر في منشوريا وحولته إلى قاعدة بحرية لها، مما هدد حركة التجارة البريطانية في الصين ( 17 ).عادت المفاوضات مرة أخرى بين بريطانيا وروسيا في عام 1903 ( 18 ). ولكن واجهت المفاوضات هذه المره نفس الصعوبات التي واجهتها المفاوضات الفرنسية الروسية في عام 1891، وأخرت إبرام التحالف بينهما أربع سنوات كاملة حتى عام 1895 ( 19 ).

شكل إختلاف الأنظمة السياسية والتوجهات الفكرية في كلتا الدولتين، عاملاً رئيسياً في صعوبة التفاهم والتوافق بين العقليتين الروسية والبريطانية، حيث كان القيصر والقوى المحافظة في روسيا يعدون النظام القيصري الوراثي المتبع في روسيا هو الأكثر ملائمة للبلاد بالمقارنة بالنظام النيابي الديمقراطي المطبق في بريطانيا. بينما نظرت القوى الليبرالية الحاكمة في بريطانيا بكثير من التحفظ علي العديد من السياسات الروسية، كالممارسات العنصرية التي تتبعها روسيا علي غير الروس، والتدخل السياسي غير المشروع من القيصر في عمل مجلس الدوما الروسي. حيث كان رئيس الورزاء البريطاني الليبرالي كامبل بانر هو أكثر المعبرين صراحةً عن هذه التحفظات، ولكن من ناحية أخرى كان الملك إدوارد السابع ملك بريطانيا ميالاً إلى التقارب مع روسيا، في المقابل كان وزير الخارجية الروسي اْنذاك ألكسندر إيزفولوسكي من أكبر المدافعين عن ضرورة إيجاد صيغة تفاهم مع الجانب البريطاني ( 20 ).

وبعد سلسلة الإصلاحات السياسية التي أعقبت الثورة الروسية في 1905، أبدت الحكومة الليبرالية الحاكمة في بريطانيا بعضا من المرونة تجاه السلطة الأتوقراطية الحاكمة في روسيا. حيث منحت الحكومة البريطانية قرضا ماليا لروسيا في عام 1906، وذلك للمرة الأولى منذ حرب القرم في عام 1853 ( 21 ).

كانت قضية المضايق - البوسفور والدردنيل - واحدة من القضايا الشائكة خلال المحادثات بين الطرفين، حيث أكدت بريطانيا أنها غير قابلة للتفاوض حول مقترح التنازل عن إدارتها للمضايق، لذلك ترك الوضع كما هو عليه دون تغير في إطار الترتيبات الدولية القائمة ( 22 ).

ثالثاً : بنود الوفاق

بعد نجاح مساعي التقارب بين بريطانيا وروسيا، عقدت الدولتان في عام 1907 وفاق ودي لوضع حد لمشاكل التنافس بينهما في التبت، وأفغانستان، وإيران، حيث نصت بنود الوفاق على إعتراف بريطانيا وروسيا بسيادة الصين على إقليم التبت، والتعهد بالحفاظ على حكمها الذاتي وعدم التدخل في شئونها الداخلية. وإعتراف روسيا بالوصاية البريطانية على أفغانستان، وعدم التعامل مع حكومتها إلا من خلال الحكومة البريطانية. وتقسيم إيران إلى ثلاث مناطق، المنطقة الشمالية والجنوبية والوسطى، حيث تكون المنطقة الشمالية خاضعة تحت الإشراف الروسي، بينما تخضع المنطقة الجنوبية المجاورة للهند تحت الإشراف البريطاني، وإتفق الطرفان على أن تكون المنطقة الوسطى منطقة محايدة بينهم مع فتحها لتصبح منطقة حرة للتجارة والتنافس بين الدولتين ( 23 ).

كما تعهدت بريطانيا بألا تتطالب بأى إمتيازات تتعلق بها أو برعاياها البريطانيين، كالإمتيازات الخاصة بإقامة البنوك والتلغرافات وإنشاء الطرق ووسائل النقل كالسكك الحديدية، وذلك شمالى خط يمتد من قصر شيرين مارا بأصفهان، ويزد، وقفشاة، وينتهي عند نقطة تقابل الحدود الروسية الأفغانية، وألا تمانع بريطانيا في حصول روسيا على إمتيازات تقوي من وضعها ومركزها في هذه المنطقة. أما روسيا فتعهدت بألا تطالب بأى إمتيازات تتعلق بها أو برعاياها، أو برعايا الدول الأخرى، وذلك جنوبى خط يمتد من الحدود الأفغانية ماراً بجازيف، ويزدشان، وقرمان، وينتهي عند بندر عباس ( 24 ). بالإضافة إلى ذلك إعترفت روسيا بمصالح بريطانيا في الخليج العربي، بينما وعدت بريطانيا روسيا بتسهيل السبل لفتح مضيقى البسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية ( 25 ).

______________________

المصادر والمراجع

( 1 ) . K.Perry : Modern European History ,P.100, Cornerstone, London,1967
( 2 ) عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم : التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر،ص232 ،الطبعة الثالثة،دار الكتاب الجامعي ، القاهرة ، 1986.
( 3 ) عبد العظيم رمضان : تاريخ أوروبا والعالم الحديث ، ص188، ج2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997.
( 4 ) تمبرلي و جرانت : أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين،ص86 ،ج2،ترجمة أبو وردة ولويس إسكندر، مؤسسة سجل العرب،القاهرة،1978.
( 5 ) عبد العظيم رمضان : مرجع سابق، ص 188.
( 6 ) ماجدة السيد يوسف : تاريخ العالم الحديث والمعاصر،ص79.
( 7 ) تمبرلي و جرانت،مرجع سابق،ص87.
( 8 ) ماجدة السيد يوسف : مرجع سابق،ص ص79-80.
( K.Perry : Optic,P.102. ( 9
(10 ) Rene Albrecht -Carrie : A Diplomatic History of Europe Since the Congress of
.Vienna,P.255,Methuen & Co Ltd,London,1970
( 11 ) عمر عبد العزيز عمر : أوروبا 1815-1919،ص340،دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية،2000.
( J.M.Roberts : Europe 1880-1945,P.249,Longmans,UK,196. ( 12
( 13 ) ماجدة السيد يوسف : مرجع سابق،ص79.
( 14 ) .Rene Albrecht -Carrie : Optic,P.256
( 15 ) ماجدة السيد يوسف : مرجع سابق،ص79.
( 16 ) عمر عبد العزيز عمر : مرجع سابق، ص340.
( 17 ) .K.Perry : Optic,P.100
( 18 ) .j.M.Roberts : Optic,P.250
( Rene Albrecht -Carrie : Optic,P.256. ( 19
( Rene Albrecht -Carrie : Optic,P.256. ( 20
( 21 ) .j.M.Roberts : Optic,P.250
( Rene Albrecht -Carrie : Optic,P.256. ( 22
( 23 ) ماجدة السيد يوسف : مرجع سابق،ص80.
( 24 ) عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم : مرجع سابق،ص ص 233-234.
( 25 ) عمر عبد العزيز عمر : مرجع سابق،ص 241،242.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر