الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اقرؤوا في المكتبات العامة
محمد هشام فؤاد
2014 / 4 / 15التربية والتعليم والبحث العلمي
القراءة متعة عقلية خالصة؛ إذ أنها تبحر بك دومًا في شواطئ الثقافة والمعرفة، وترسو بك في ميناء العلم والفهم والإدراك والبصيرة، ويا حبذا إن كانت هذه القراءة في المكتبات العامة! فالقراءة بصفة عامة ضرورية لكل إنسان: من يبحث عن الثقافة، ومن يبحث عن المتعة ولذا أرى دومًا: لا يهم لمن تقرأ! ولا أي كتاب تقرأ! وفي أي حقل ومجال تقرأ! ولكن المهم أن تقرأ .. فالعقاد – 1889: 1964 – كان يقول دومًا فيما معناه: إنه إذا قرأ كتابًا تافهًا ولم يخرج منه بشيء فإنه يستفيد ويتعلم كيف تُكْتَب الكتب التافهة؟! وما هي مواصفات الكاتب التافه؟!
وأكثر ما يفتقده القارئ الآن هو المكان الذي يقرأ فيه، إذ أنه قد خلت كافة الشوارع والأحياء من المكتبات العامة، فالقراءة في تلك المكتبات لها رونقها الخاص وقيمتها الخالصة، فعندما تقرأ في المكتبات العامة تجد نفسك محاطًا بأسوار من الكتب، وتري حولك خالص ما جادت به القرائح والمعارف .. فأنت تجلس بمقعدك وتحني ظهرك على الكتاب، وترى الأرفف على جانبيك وقد امتلأت بلواعج العقول وخلجات النفوس وخالص التجارب، وكافة الآداب والثقافات .. فوقتها لا بُد وأن تشعر بأنك قد وصلت لحالة النيرفانا – التي تحدث عنها غوتاما بوذا المولود في عام 483 ق.م – التي تنعدم فيها الأحاسيس بكل شيء، فعندما يصل الإنسان لهذه الحالة الروحانية الخالصة تتساقط رغباته تِباعًا ولا يتبقى منها إلا الرغبات السامية الرفيعة، ففي المكتبة لا تشعر بمن حولك .. لا تشعر بنفسك .. فلا صوت يعلو على حفيف الأوراق وصرير الأقلام .. فلا صوت يعلو على صوت كاتب السطور التي تقرأها؛ إذ أنك تشعر بالانتشاء الروحي والصفاء النفسي والذهني .. وتجدك وقد تصالحت مع نفسك التي تضيع وقتها كثيرًا خلال اليوم.
فداخل هذا المكان تشعر وأن القراء قد جاؤوا من كل صوب وحدب للحج والطواف حول هذه التلال الثقافية لينالوا من بركاتها وينهلوا من زادها ومعارفها، فداخل المكتبة العامة تسمو بنفسك وتنزهها عما تسمعه وتراه وتخالطه كل يوم من الترهات والتفاهات الناتجة عن الوسط العفن المُغَبَر دومًا بالحديث عن السياسة والمصالح والضغائن والأحقاد الذي نحيا فيه، بيد أنك تنأى بنفسك عن هذا الجو العَفِن لتجده يتتبعك في كل وِجهة تولي إليها وجهك؛ فتراه يلاحقك وينجذب إليك كجزيرة المغناطيس – المذكورة في ألف ليلة وليلة – إذ تقترب منها المراكب الخشبية فتسحب المسمامير ويتبقى الخشب وتغرق السفينة ومن فيها.
فهكذا القراءة في المكتبات العامة تشعرك وأنك ناسكًا .. متأملًا .. زاهدًا .. متعبدًا في حضرة الكتب في ساحة الثقافة والمعارف .. فترى يدك وقد فرغت من كتاب لتمتد إلى كتاب آخر تتلقاه في حماسة وشغف؛ لتقرأه أو لتقلبه وتأخذ أهم ما ورد فيه؛ حتى تظفر نفسك المُأَمَلة بالمعرفة بمؤلفٍ آخر.. فتشعر وقتها أن الكتب والمؤلفات التي تحيط وقد أصابتها الغيرة على القارئ الذي يجلس بين جنباتها وينتقي ما يريد غير آبِهٍ بالكتب والمؤلفات الأخرى التي تشعر وأنها تحاول أن تتقدم الصفوف فتزين وتتجمل وتراقص عينيه لعلها تظفر بيده القارئة وبعينه المتصفحة وبلمساته الحانية على وريقاتها أخر .. وهكذا إلى أن تشكوك عيناك ورأسك آذِنة بالمغادرة والرحيل.
ولكننا الآن افتقدنا تلك المكتبات التي تقتصر فقط على الجامعات وكافة المراكز التعليمية، فقد انتشرت الآن ثقافة الكافيهات والإنترنت والوجبات السريعة، وأصبح الكتاب أيضًا وجبة تُلْتَهَم لعدم وجود وقتٍ كاف للحفظ والفهم ودراسة الكتب والإطلاع على مزيدٍ منها في اليوم الواحد، فبدلًا من أن يُسعى إلى تلك المعارف وما تحويه تلك الآداب والثقافات والحضارات أصبحت هي من تبحث عنا وتسعى إلينا، فأنت تجلس في بيتك وتقرأ على حاسوبك ولي هاتفك، بإمكانك الحصول على أي كتابٍ تريد في أي وقتٍ تريد، فاختفت أشياء كانت تمتعنا وتشجعنا على النهل من تلك الكتب والمعارف وهي استعارة الكتب من المكتبات، والخروج لشراء الكتب من تلك المعارض التي تقيمها تلك المكتبات، فيا ليتنا نتوسع في إنشاء المكتبات العامة، ويا ليت القُراء يذهبون إليها!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. حرب غزة.. هل تتسبب في تفاقم الأوضاع في الأردن؟ | المسائية
.. 16 قتيلاً حصيلة 24 ساعة من القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب ا
.. العراق.. توجه لحجب تطبيق -تيك توك-! • فرانس 24 / FRANCE 24
.. الرهائن ووقف إطلاق النار.. آخر تطورات المفاوضات بين إسرائيل
.. واشنطن.. نتنياهو وافق على إعادة جدولة اجتماع رفح