الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مقولة الخاص والعام

سنان أحمد حقّي

2014 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مقولة الخاص والعام

هناك في الأدب الفلسفي ما يُسمّى بالنظريّة الفلسفيّة وهي نظرة الإنسان إلى الوجود والطبيعة وعلاقة الإنسان بهما وكذلك علاقته بالمجتمع ..إلخ وهناك علم الفلسفة الأساسي وهو علم المنطق الذي تحاكم به النظرية الفلسفية أفكارها وتوجد أنواع من المنطق تختص بأي منها كل نظرية فلسفيّة ، كما توجد مقولات فلسفيّة وهي تطبيقات للنظرية الفلسفية بموجب المنطق الذي تتخذه تلك النظرية .
ومن تلك التطبيقات والمقولات الفلسفيّة هي مقولة العام والخاص وهي المقولة التي تصلح للنقد الأدبي والفني وكذلك العلمي إذ أن هناك جدليّة أو علاقة من وجهة النظر الديالكتيكيّة بين الخاص والعام وكنا قد وضّحنا معنى هذا الكلام في عدة مناسبات ولا مانع من الإعادة المختصرة جدا فالعلم معني بدراسة الظواهر المختلفة من خلال حالات خاصّة وتكرارها ثم الوصول بها إلى مفهوم عام كما يفعل كل عالم في مختبره فهو يأخذ جزء من المادة ويُجري إختباراته ويُكررها لعدّة مرات ويحلل ما حصل أمامه لينطلق بها إلى مفهوم عام يقول فيه: كل جسم ( عام) إذا غمر في سائل ما ( عام ) يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المزاح وهذا مفهوم علمي عام ينطبق على كل ( عام) الأجسام المغمورة أو الطافية في أو على أي سائل أو مائع( عام) توصّل له العالم من خلال قطعة من جسم ( خاص) تم إلقاؤه إلى سائل محدد( خاص) وتم تكرار العمليّة لعدّة مرات مع الملاحظة( التأمّل) والرصد والقياس . وهذا هو المنطق والمنهج الذي يعمل به العلماء والذي يُسمّى أحيانا بالمنهج العلمي وهي نفس تطبيقات نظريّة المعرفة التي تحدثنا عنها سالفا في مناسبات عديدة .
ويُلاحظ أن العلم إنطلق من حالات خاصّة كما بيّنا للوصول إلى مفاهيم عامّة كما هو واضح
ولكن الأمر مختلف تماما فيما يختصّ بالأدب والفن
فكيف يكون الإختلاف يا تُرى؟
في الفن تجري العمليّة بالإتجاه المعاكس تماما حيث يأخذ الفنان أو الأديب حالة عامّة ويعمل عليها ويُحللها ليعود بها إلى الحالة الخاصّة التي بدأ أمر العام واستخلاص المفهوم العام بها ، أي يأخذ مثلا مجتمعا أو جزءا من مجتمع ( عام)أو معايير محددة ( عام)ويُحللها إلى أجزائها الأوليّة نزولا للوصول بها إلى أصل عناصر المفهوم العام ( تخصيص) فمثلا يأخذ مجتمعا قائما ثم يتغلغل فيه ( تخصيص) للوصول إلى الفرد أو أي فرد لا على التعيين ويقدمه لنا في ظل مقاييس وقيم ذلك المجتمع ( خاص)
اي أن الفن والأدب معني في عرض الخاص في ظروف عامّة كأن نتسائل عن حال المواطن الأمريكي في ظل النظام الرأسمالي مثلا أو الفرد الروسي في ظل النظام الإشتراكي أو السوفييتي ،او حال الفرد في ظل الحكم العثماني أو الإسلامي ،
وهكذا...
وبهذا الشكل ندرك ونفهم قصّة البؤساء لفكتور هوجو، وكذلك قصة مدينتين لتشارلس ديكينز ومسرحيات شكسبير وكل ما حواه سفر الأدب والشعر والفن على إختلاف أشكاله مثل الرسم والنحت والمسرح والسينما وتطبيقاتها أيضا كالتصميم والعمارة والديكور ( التصميم الداخلي) والطباعة والأنسجة وغيرها مما نراه ونلمسه ونحسّه في حياتنا المختلفة الجوانب.
ومن جانب آخر فهي نفس التطبيقات التي يقوم بها العالم في التطبيقات العلميّة أيضا كالهندسة والطب إذ أن عمليّة التصميم والتكوين تقوم على أساس أفكار ( العام) من مفاهيم ولكن التحليل يقوم على أساس مفاهيم التخصيص على سبيل المثال ونقصد بذلك الرجوع إلى الحالة الخاصة الأولية لمعرفة مصداقيّة التعميم الذي تم الوصول إليه
إن هذه المقولة توضّح العلاقة الدايلكتيكية المتبادلة بين الخاص والعام
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مواصلة الإعتقاد بمنطق محدد لا يمكن معه محاكمة ومماحكة فكر آخر أو نظريّة فلسفيّة أخرى تعتمد منطقا مختلفا فمثلا من يعتقد بالمنطق الشكلي أو الصوري الذي يتعامل مع المظاهر فحسب وينظر إلى الوجود والواقع على أنه واقع جامد لا يتحرّك ولا يتطوّر فإنه لا يمكنه فهم ما نرمي إليه من إعتماد منطق المتغيّرات والمتضادات والتجدد والتطوّر ما لم يدع جانبا منطقه السابق ويتعلّم منطق الأشياء من حوله باستمرار
قد أواصل عرض عدد من المقولات الفلسفيّة الأخرى في قابل الأيام ، لما أراه من خلط وضبابيّة في فهم كثير من أساسيات الفكر الفلسفي ولا سيما الفكر الماركسي مما يجعل من الضروري أن نعود إليها على أنني لا أقرّ التطبيق الميكانيكي للفكر بل هي مراجعة للدروس الأساسيّة التي تلزم كل مثقف قبل الخوض في الإجتهادات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشكر والتقدير
حميد خنجي ( 2014 / 4 / 24 - 11:48 )
شكرا زميل سنان على المقال والجهد والاختيار الأصعب، لكنه الأجدى!.. نعم من المستحسن الاستمرار- كما ذكرتَ بحق- في عرض وتحليل المقالات الفلسفية الرديفة الأخرى .. مثل المحتوى والشكل .. الخ.. واصعبها جميعا : الصدفة والضرورة / الضرورة والصدفة ! لعل مقالك الأوليّ هذا في حاجة إلى تامل من قٍبل من يريد التعليق أوالشرح أوالتطوير أو حتى النقض، ولكن بشرط أن يفهم ويدرك الموضوع (المساجل المعنيّ) ، بل والإمكانية - لديه- لتطوير السائد في مرامي المقولات تلك ، قبل أن يقفز في بحر لايدرك غوره!.. شكرا مرة أخرى


2 - حضرة الأستاذ حميد خنجي المحترم
سنان أحمد حقّي ( 2014 / 4 / 24 - 12:29 )
تحيّة معطّرة وبعد
أشكرك جزيل الشكر
وسأحاول جهدي أن أواصل تعريف القارئ بمثل هذه المفاهيم لإزالة الضبابية عن عيون بعض الأخوة الأصدقاء الأعزاء الذين لا يُشبعونها تدقيقا
تحية مرة أخرى مع مودّتي

اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة