الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطاء شائعة واجبة التصحيح

وليد الحلبي

2014 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مما لا شك فيه أن جميع اللغات تحفل بأخطاء شائعة، توارثها الخلف عن السلف، فاستعملت خطأً بدل المفردات الصحيحة، وهنا ليس للمستخدم ذنب في استعمال الخطأ طالما أن السلف قد نقله إليه على أنه الصحيح، لكن الذنب ذنبه إن هو علم التصحيح واستمر على الخطأ، وفي بعض المجالات، ربما يتجاوز المرء عن الأخطاء الشائعة نظراً لأن التصحيح مثل عدمه: لا يقدم ولا يؤخر، إذ ليس في الخطأ حل ولا حرمة، لكن أن تتوارث الأخطاء اللغوية في مجال الفقه والتراث الديني، فذلك أمر ينبغي التنبه إليه، وتصحيحه ما أمكن، خصوصاً في مجال مفردات القرآن الكريم. والتعقيب هنا سوف يدور حول كلمتين قرآنيتين اختلط مفهومهما في أذهان المسلمين، فاستخدموهما بشكل خاطيء شاع حتى انطمس المفهوم الصحيح لهما، وبما أن واحداً من الفروض الواجبة على المسلم التلفظ بالصحيح المطلق من مفردات القرآن الكريم، وعدم جواز أن يحل مفهوم مفردة مكان أخرى بمعنىً مغايرٍ البتة، وجب تصحيح الكلمتين موضع النقاش كالتالي:
أولاً- كلمة (الروح): فقد درج المسلمون على استعمال هذه المفردة على أنها تدل على تلك القوة المجهولة التي تغادر الجسد حين الموت، أي التي هي محرك الحياة، وهذا خطأ فادح، إذ أن القرآن الكريم يطلق على هذا المحرك لفظة (النفس) في آيات كثيرة منها مثلاً: (كل نفس ذائقة الموت – آل عمران 185)، (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية – الفجر 28)، (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله – آل عمران 145)، (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها – البقرة 72) لذا من الخطأ القول عن فلان إذا توفى أنه (صعدت روحه إلى بارئها)، بل الأصح أن يقال (رجعت نفسه إلى بارئها). أما المعنى الحقيقي لكلمة (الروح) في القرآن الكريم فهو (الإرادة الإلهية)، حيث تقول الآية الكريمة (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا – الإسراء 85)، لذا عندما تنزل القرآن الكريم على قلب سيدنا محمد ص، قالت الآية الكريمة (نزل به الروح الأمين – على قلبك لتكون من المنذِرين – الشعراء 192/193) يقصد جبريل عليه السلام الذي مثل الإرادة الإلهية في التنزيل، تماماً كما مثلها البشرُ الذي أرسله الله تعالى إلى السيدة مريم العذراء عليها السلام لكي تحمل منه بسيدنا المسيح عليه السلام (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا – مريم 17)، كما أن معنى (الروح)، والذي يعني الإرادة الإلهية، يبدو واضحاً في الآية الكريمة (وإذ قال ربك للملائكة أني خالق بشراً من طين - فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 71/72)، هنا لا يمكن أن تكون لفظة (الروح) تعني ما تعارفنا عليه خطأ بأنه سر ومحرك الحياة، إذن لكان لله تعالى – وحاشى لله – روح كروح البشر، أي أنه – حاشاه – يحيا ويموت مثل البشر الذين خلقهم. نخلص إلى أن معنى كلمة (الروح) في القرآن الكريم تعني الإرادة الإلهية، وأن محرك الحياة الذي بدونه يموت الإنسان هو (النفس).
ثانياً- كلمة (النفس): للنفس معنيان مختلفان في القرآن الكريم، تتشابهان في حالة الإفراد، وتختلفان أحياناً في حالة الجمع، فكما ورد سابقاً، النفس هي محرك الحياة في جسد الإنسان، يموت عندما تغادره، أما المعنى الثاني لهذه الكلمة، فهو ما يعتمل في صدر الإنسان من خير وشر، ففي الآية الكريمة (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 7) (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت – البقرة 286)، أما الاختلاف في حالة الجمع فيتجلى في قوله تعالى (الله يتوفي الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها – الزمر 42) والأنفس هنا تعني ما تعارفنا عليه خطأ (الأرواح)، بينما تجمع النفس التي هي دواخل الإنسان من خير وشر بلفظة (نفوس):( ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا – الإسراء 25)، كما أن (أنفسهم) تأتي للتدليل على الذوات الإنسانية المادية، أي أشخاصكم:(وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – النحل 118) (فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف – البقرة 240) (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم – البقرة 44)، (لقد جاءكم رسول من أنفسكم – التوبة 128)، كما تأتي (نفس) للتدليل على الذات الإلهية (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد – آل عمران 30)، وفي المحصل، ربما تكون كلمات (النفس – الأنفس) من أكثر الكلمات الواردة في القرآن الكريم عدداً، وتفاوت معانيها من حالة إلى أخرى يعكس بوضوح مدى الإعجاز اللغوي في مفردات هذا الكتاب العظيم.
لا شك أن القرآن الكريم هو أكثر كتاب في التاريخ البشري دراسة وبحثاً وتمحيصاً ، وأرجو أن يكون ما ذكرته في هذا المقال صحيحاً على ما اجتهدت، فإن أصبت فيه، فبتوفيق من الله تعالى، وإن أخطأت، فمن نفسي التي تصيب وتخطيء، حيث تتجلى صعوبة مهمة كل من يتصدى للحديث في هذا الأمر – ألفاظ القرآن الكريم - في قوله تعالى (وهم يجادلون في الله وهو شديد المِحال – الرعد 13) والحمد لله في الأولى والآخرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري


.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد




.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب