الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين تتجه مصر؟

محمود يوسف بكير

2014 / 5 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


العالم كله يتساءل إلى أين تتجه مصر بعد أن سلم شعبها الطيب مقاليد أموره مرة أخرى إلى المجلس العسكري والأجهزة الأمنية والمخابراتية فيما يشبه الاعتذار عن ثورة يناير 2011 التي كان من أهدافها تحجيم دور هذه الاجهزة في السياسة وإخضاعها للحكم المدني كما هو الحال في الأنظمة الديموقراطية الحديثة حيث ثبت تاريخيا أن إقحام العسكر في لعبة السياسة هو أقصر الطرق لضمان عدم الاستقرار في أي دولة. والسبب في هذا هو أن العقلية العسكرية مؤسسة على القتال حتى الموت أو الاستسلام إزاء أي تحدي يواجهها، وحتى إن اضطرت للتفاوض فإنها تلوح باستخدام القوة عند الفشل.

والحال أنه لا يمكنك التفاوض مع شخص يجلس امامك على الطاولة ممسكا بالبندقية وجميع من بالمقهى يخشى سطوته ويخضع لإرادته لأنهم يعلمون أنه يحمل رخصة تخوله القتل.

بعض المحللين يرون أن الحكم العسكري في مصر أصبح مسألة حياة أو موت لأن البديل هو عودة الاخوان المسلمين للسيطرة على الساحة السياسية من جديد. ونحن نرى أن الواقع على الأرض يكذب هذا الادعاء حيث أثبتت الملايين التي خرجت في 30 يونيو 2013 أنها ضد توجهات هذه الحركة وأنها ترفض استمرارها في الحكم،
ناهيك عن العداء الهائل الذي تضمره أجهزة الدولة العميقة ممثلة في الجيش والامن والقضاء والاعلام ورجال أعمال مبارك لحركة الاخوان. وحاليا يصعب تصور أن ينجح أي رئيس أو حكومة في مصر صد إرادة هؤلاء.

كان بمقدور المؤسسة العسكرية الحاكمة والمسيطرة أن تستغل شعبيتها في الدفع باتجاه مدنية الدولة وخلق نظام سياسي ديموقراطي حقيقي ولكنها فضلت البقاء في الساحة السياسية من أجل حماية مصالحها الاقتصادية وضمان استقلالها عن الدولة المصرية. ومن ثم فقد شرعت هذه المؤسسة في استهداف كل المعارضين لحكم العسكر حتى وإن كانوا من المعارضين للحكم الديني أيضا وينادون بدولة لا عسكرية ولا دينية.

ولكن طالما أن أغلبية المصريين اليوم على ما يبدو يعتذرون عن ثورة يناير التي نالت إعجاب العالم الحر أجمع ويرغبون في عودة الحكم العسكري والأمني فإن دعاة مدنية الدولة لم يعد بمقدورهم فعل الكثير سوى الاستمرار في التنبيه والتنديد بما يحدث من تجاوزات حتى تنجلي الحقائق ويستيقظ الغافل.

ولكن المخيف والمقلق هذه الأيام هو النزعة الانتقامية المسيطرة على السلطات العسكرية والأمنية ضد كل من كانت له صلة أو تعاطف مع ثورة يناير وسلاحهم الباتر في هذا هو القضاء، حيث أصدر القضاء المصري والذي يشار له عادة في مصر بالقضاء الشامخ مؤخراً أحكاماً بالإعدام بالجملة على المئات من المعارضين لنظام الحكم العسكري الحالي في محاكمات سريعة لم يشهد لما العالم مثيلا في التاريخ المعاصر.

وفي الدولة الشمولية كما هو الحال في مصر يعتبر التعليق على أحكام القضاء جريمة خطيرة وهو ما يعني إضفاء صفة الألوهية على هذه الأحكام حتى ولو كان بها عوار واضح.
أما في الدول الديمقراطية فإن الناس لا تمنع من التعليق على مسار القضايا التي تهم الشأن العام وما يصدر عنها من أحكام ، والعالم كله يتذكر قضايا شهيرة مثل قضية أوجي سيمسون لاعب البيسبول الأمريكي الذي اتهم بقتل زوجته ،وحالياَ قضية اوسكار بيستيريوس العداء الجنوب أفريقي الشهير الذي قتل زوجته بالفعل وأن كان يدعي أنه قتلها خطأ ، وقضية وفاة المغني العالمي مايكل جاكسون وكل القضايا السياسية الشهيرة مثل قضية الحزب الديمقراطي في أمريكا المعروفة ب ووترجيت لعزل الرئيس نيكسون وكذا القضية التي باشرها الحزب الجمهوري لعزل الرئيس كلينتون كانت تبث على كل تليفزيونات العالم وتخضع لتحليل شبه يومي من الصحافة المحلية و العالمية أثناء وبعد صدور الأحكام الخاصة بها . ولم يؤدي هذا إلى تلويث سمعة القضاء في كل هذه الدول بل كان هناك دائماً حوار ديمقراطي رائع عادة ما يؤدي إلى تعزيز ثقة الشعوب في نظامها القضائي واستقلاله ونزاهة احكامه حتى وإن حدثت بعض الأخطاء لأنها في النهاية أحكام بشرية.

كما أصدر القضاء الشامخ أيضاً حكماً بحظر ووقف أنشطة حركة سياسية في مصر أسمها 6 أبريل وهي حركة مؤيدة لثورة يناير ومعارضة للانقلاب العسكري بدعوى أن هذه الحركة تسيء لسمعة مصر في الخارج!

وباعتباري مغترباَ في هذا الخارج فإنني أقول وبكل أمانة أن من أساء الى سمعة مصر هو هذا الحكم وليس ما تقوم به هذه الحركة من أنشطة سياسية مشروعة شأنها شأن كل الأحزاب السياسية في الخارج والتي لا نشاط لها سوى معارضة الحكومة وتصيد أخطائها ومحاولة اسقاطها في البرلمان. ولا تجرؤ الحكومات الغربية في أوروبا على اتهام أحزاب المعارضة بأنها غير وطنية وتسيء لسمعة البلاد.

وبدون مبالغة فإن أحكام القضاء المصري منذ إزاحة الطاغية مبارك عن الحكم إبتداءا من تبرئة عصابة مبارك وكل من عاونه في نهب مقدرات شعب مصر ثم التغاضي عما تم تهريبه من ثروات مصر وانتهاءا بالتنكيل بكل من شارك أو أيد ثورة يناير، كل هذه الاحكام أصبحت موقع تندر واندهاش العالم لما فيها من انتقائية وتناقض فاضح
إذ لا يعقل أن يصدر حكماً بإعدام 529 شخصاً بتهمة قتل ضابط شرطة يتيم بينما يصدر حكماً بحبس ضابط لمدة 10 سنوات فقط لقيامه بقتل 37 شابا مصرياً وهم رهن الاعتقال في سيارة ترحيلات مغلقة !!

إن العدل بالفعل ليس في نص القانون ولكن في ضمير القاضي وما يحدث من تعسف في استخدام القانون يعني أن ضمير القاضي غائباً وأن العدالة المصرية تحتضر وهو ما يهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي.

إن مسألة استقلال القضاء المصري أصبحت موضع تساؤل العالم كله وتمثل إساءة بالغة لسمعة مصر على الساحة الدولية وسوف يكون لهذا تبعات سلبية على علاقة مصر بالعالم كله وعلى الاقتصاد المصري الذي يعاني من الافلاس والعديد من المشاكل الهيكلية التي لم يعد بمقدور أي حكومة ان تعالجها دون دعم خارجي. وحالة الاستهتار واللامبالاة التي يتحلى بها العسكر والأمن هذه الايام يدفع بمصر الى هوة سحيقة من الصراع والاقتتال الداخلي والمزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

عندما نجح العسكر في انقاذ مصر من الاستبداد الديني الذي حاولت حركة الاخوان المسلمين دفع مصر إليه في أكبر خطأ تاريخي وقعت فيه هذه الحركة السياسية الانتهازية، بشر العسكر المصريين بدولة مدنية تحترم فيها القوانين والدستور حقوق الانسان وأكدوا في أكثر من مناسبة أنهم لا يطمحون الى الحكم وأنهم سيعودون إلى معسكراتهم ولكن الحاصل يثبت أن المصريين تعرضوا لعملية خداع كبرى تتكشف معالمها يوما بعد يوم فلا المصريين حصلوا على العيش والاستقرار ولا هم حصلوا على حريتهم وكرامتهم.

والخلاصة أن التحالف الجهنمي بين العسكر والأمن والقضاء والإعلام يقود مصر بكل استهتار وعدم مسئولية إلى خراب محقق.

أدعوا الله أن يحفظ مصر وأن أكون مخطئا، ولكننا تعلمنا من التاريخ إن أمة يحكمها العسكر هي أمة غير حرة ومآلها الفشل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بداية الخراب في مصر
ياسين المصري ( 2014 / 5 / 1 - 21:32 )
لا شك أن بداية خراب مصر والمصريين ماديا ومعنويا كانت باستيلاء العسكر بزعامة عبد الناصر على السلطة في انقلاب عسكري مشؤوم.
منذ ذلك الوقت دب الفساد والانحطاط كل أرجاء البلاد ولأنهم عسكر ويجهلون فنون السياسة وأساليبها راحوا يمارسونها بالفهلوة وتعبئة الغوغاء لإلهاء الشعب التعيس عن همومة اليومية التي كانت تتزايد يوما بعد يوم ، حتى أصبحت مصر على ما هي عليه الآن.


2 - تصحيح مش بشيط
عادل الليثى ( 2014 / 5 / 1 - 21:43 )
الإعدام لم يكن بالجملة على المئات من - المعارضين - لنظام الحكم العسكري
الإعدام كان لإرهابيين قتلوا وسحلوا ومثلوا بجثث رجال الشرطة وسرقوا ونهبوا أسلحة الشرطة من قسم شرطة مطاى وانت تعلم أن الفاعل والمحرض سواء أمام القانون بنفس العقوبة


3 - العسكر والخراب
على سالم ( 2014 / 5 / 1 - 22:14 )
انا اتفق معك تماما فى هذا الطرح ,لقد كان اسوأ شئ حدث لمصر هى عصابه العسكر التى استعمرت مصر على مدى اكثر من ستين عام ,الاشكاليه انهم جهله واغبياء وغوغاء وبلطجيه وفى نفس الوقت لصوص وحراميه ومن بيئه واطيه ,مصر تحت هذا الحكم التعسفى الظالم يعتبر كارثه الكوارث


4 - المشكلة في الليمون
محمد بن عبد الله ( 2014 / 5 / 2 - 15:43 )
المشكلة في عاصري الليمون كحمدي قنديل والاسواني وحتى حمدين من الذين سارعوا إلى بيع ضمائرهم للاخوان مثلهم مثل حركة 6 ابليس

للأسف الشديد نحن أمام نارين الاسلام الأصولي (الحقيقي) من جهة والاسلام أيضا في زي عسكري فهؤلاء لا يقلون تعصبا دينيا عن الاخوان ورأيناهم في الماضي يسحلون المسيحيين بالمجنزرات ويستعينون بالمشايخ أمام جرائم حرق الكنائس فلا يبدو الجيش أنظف من الاخوان

الحل: سيفضل البعض وأنا منهم حكم عسكري دكتاتوري اسلامي متعصب أيضا وإن كان أقل فجرا من حكم الاخوان الديني الصريح ...


5 - s.o.s حقوق الانسان
أحمد عليان ( 2014 / 5 / 2 - 21:53 )
يؤسفني أن أعتبر التعاليق السابقة بعيدة كل البعد عن قيم حقوق الانسان .. اذ المتمعن في مضمونها يتخيل أنه يقرأ شيئا من أدبيات عصر الاقطاع . و أنا واحد من المعترضين على فلسفة الحكم الاخواني و المعترضين أكثر على سياسة القمع التي جاء بها الانقلاب العسكري حيث تهان انسانية الانسان بشكل أفظع من حكم الاخوان القابل للزوال ديموقراطيا . أ

اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟