الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البروليتارية الأممية و المسألة القومية(2)

شوكت جميل

2014 / 5 / 5
ملف الأول من أيار 2014 - تأثيرات الربيع العربي على الحركة العمالية وتطورها عربيا وعالميا


إستكمالاً للحديث السابق عن المسألة القومية من ناحية،و النزعة العالمية من ناحية أخرى، في ميزاني الماركسية و الرأسمالية،حيث تتجلى النزعة العالمية الماركسية في النزعة البروليتارية العالمية أو الأممية و في مفهوم البروليتاري العالمي،فيما تتجلى في الطرف الأخر في النزعة الرأسمالية العالمية،و في مفهوم الإنسان العالمي،و تظهر في المصطلح"cosmopolitisme"،و هو مصطلح يوناني الأصل مركب من لفظين يعنيان حرفياً:المواطن العالمي.

و هذه السطور عن مفهوم القومية و جوهر الصراع الحقيقي التي تحاول الرأسمالية التضليل عنه ،بالحديث عن صراع القوميات أو الحضارات،كمعطي أصيل و مبدئي ،و أنه العلة الأساسية في الحروب..

أما من ناحية المسألة القومية،فيتفق الفريقان ،الماركسي و الرأسمالي،في النظر إلى القومية كحقيقة موضوعية تاريخية،و هي التي تجمع بين شعبٍ ما،لغةً ،و أرضاً،و حياةً مادية أو اقتصادية،و حياة روحية أو معنوية. و إن اختلفا الاثنان في تناولهما لهذه العناصر،فترى الماركسية مثلاً،أن الحياة الروحية ليست سوى انعكاس لواقع المجتمع المادي،فإن الخلاف الحقيقي،في مقامنا هذا،يكمن في تفسير كل منهما لأسباب لنزاع و الاحتراب بين القوميات المتباينة؛إذْ تعزوه الرأسمالية إلى وجود الأمم أو القوميات بالأصل،كصفة لصيقة بها،بنفس النهج المثالي،الذي يفسر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان ،كطبيعة إنسانية أصيلة،فيما تعزوه الماركسية بمنهجها المادي الجدلي، وماديتها التاريخية،إلى الواقع الموضوعي،و تكشف أنه ثمره لصراع الطبقات و كصورة من صور الاستغلال.

و هكذا تستغل الرأسمالية مفهوم القومية لخدمة مصالحها،أو بالأحرى في خدمة رأس المال،فتصدر للعمال حديث المصالح الواحدة للأمة،و تقنع العمال بأن مصالحهم في مصالح الأمة،للتعمية عن حقيقة الصراع الطبقي،و للتعمية عن استغلالها و اضطهادها الطبقي،فالرأسمالية هنا،تتجاوز استغلال بروليتاري قوميتها إلى تعبئتهم لاستعباد بروليتاريا القوميات الأخرى،و التي تظهر في الحركات الاستعمارية،أو غزوات السلب و النهب،و لعل أناتول فرانس قد مس عصب الحقيقة في قوله:(يعتقد الجندي أنه يموت من أجل الوطن،بينما هو يموت من أجل الصناعيين).

و من ناحية الماركسية فإنها و إن نظرت للقومية في وضعها الآني،كحقيقة تاريخية موضوعية،إلا أنها بماديتها التاريخية،و التحليل المادي للمجتمع دللت على أن الحروب العالمية و الاحتراب بين القوميات،(ليس في وجود الأمم،بل في وجود الطبقة)كما يقول لينين،و أن انقسام الناس إلى طبقات هو الباعث على الصراع،أكثر من انقسامهم إلى أمم و قوميات،فإذا انتفى الاستغلال و زالت الطبقات،انتفى الصراع و الحروب بين الأمم..فليس الصراع إذن مكتوباً على القوميات كالخطية الأصلية للبشر كما ترى الرأسمالية.لذا تدعم الماركسية حركات التحرر "القومي"،و لكن ليس من قبيل القومية من أجل القومية،إنما تتجاوزها إلى ما هو أعمق ألا وهو النضال الطبقي الراسب أسفلها،و بادٍ هنا أن حقيقة القومية ليست مضادة للمادية الجدلية،كما يزعم اشتراكيو اليمين ،و الذين يروجون لمثل هذا الطرح،و الذي يفضي في النهاية،إلى ضرب حركات التحرر القومي لحساب الرأسمالية،و كما هو واضح أن هدف البروليتاري ليس ذا طابع قومي في الأساس،فمضمونه مضمون طبقي،و لكنه يرتدي نضال الطابع القومي لأن الرأسمالية قد نمت في الإطار القومي،و أنه طالما كانت القومية حقيقة موضوعية،فأي نضال لا يتم على المستوى القومي،بات ضجيجاً و لا طحيناً،و حينها ليس على الرأسمالية سوى أن تبتاع سدادة أذن،ففيها كل الكفاية،و ليس ثمة ما تخشاه من البروليتاريا في وطنها.

أما من ناحية موقف كليهما من النزعة العالمية،فنلمس تناقضاً كأشد ما يكون التناقض في موقف الراسمالية،و الذي لا يمكن فهمه سوى على أنه المعبر عن خضوعها التام لمصالحها الطبقية المستغلة،و كأن هذه المصالح هو الإله الذي يجب طاعته مهما تناقضت أوامره،فهي، كما قدمنا،تشجع القومية،و تذكيها لتحقيق مصالحها،كتمجيد القومية الأمريكية مثلاً،أو مشروع القومية الأوربية،تعود لتدعو إلى النزعة العالمية،إذا كانت تحقق أهدافها الطبقية،و تروج أن حكم الاحتكارات العالمي سيحقق للعمال أحلامهم الأممية!،و تستعير وجه النزعة البروليتارية العالمية لمحاربتها،و كما يقول ماركس:(أن تسمية الاستغلال في صورته العالمية باسم الإخوة الشاملة فكرة لا يمكن أن تولد إلا في قلب البرجوازية)،و التناقض الرأسمالي في هذا الشأن يبدأ كما ذكرنا،بالمقدمة الغير صائبة:إذا كانت الحروب الحديثة هي نتاج وجود القوميات و الأمم،فأنه يلزم صهر هذه القوميات في بوتقة واحدة،و أن مفهوم القومية رجعي و بالٍ،و يروجون للعمال أن القومية عائق في وجه السلم،بغرض ضرب الحركات القومية للبروليتاريا!..وهكذا تكون النزعة العالمية تزويراً للنزعة العالمية البروليتارية.

يتبقي السؤال الأخير و الشائك:هل تسعى حقاً البروليتارية العالمية أو قل"الماركسية"إلى محو القوميات و تجاوز الأمم؟
يتبع....










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عرض مُثير للتفكير
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 5 - 15:14 )
تحية طيبة أستاذ شوكت،

تناولك في هاتين الحلقتين لموضوع -الأممية- في الرأسمالية و الماركسية هو رؤية ثاقبة لا تعترف للمفاهيم بما تُعرِّف به عن نفسها، و تنشُد المعاني من ذات جوهر الأفعال.

أعتقد أننا عندما نتحدث عن نُظم سياسية اقتصادية فنحن نتحدث عن مناهج حُكم للشعوب تتساوى في رغبتها في فرض النظام و إدارة الإنتاج، سواء كان هذا الإنتاج ُ مملوكا ً للشعب أو لطبقة من الشعب، و هذه الدقائق و التفاصيل لا تغدو كونها نتاج اختلافات المنهج لكنها غير ذات تأثير على الشعب نفسه، فسواء ً كان النظام رأسمالياً أو ماركسيا ً فالعامل هو العامل، و المُتوفر من لوازم الحياة سيظل في نفس النطاق، و ستبقى النخبة موجودة في النظامين بفعل الطبيعة البشرية التي تحب إقامة الرؤساء و القادة و تنقاد ُ لهم، و هذا في الجينات بيولوجيا ً لأنه وسيلة لحفظ النوع.

كل الأنظمة تسعى لعولمة نموذجها، و أرى أن الفروقات ذابت بينها، فلم تعد الماركسية كما كانت، و أصبحت الرأسمالية تحرص على وجه ٍ اشتراكي، و غدا المواطن البسيط يدرك أن ما ينفعه هو مرتبه الشهري فقط.

ننتظر الجزء الثالث بشوق.

تحياتي المخلصة.


2 - الماركسية و النظام الماركسي
شوكت جميل ( 2014 / 5 / 5 - 17:42 )
تحية طيبة أستاذ/نضال
بالطبع تعلم أن الماركسية شيء و النظام الماركسي شيء أخر.
الماركسية ببساطة هي مذهب في التفكير هو المذهب المادي الجدلي،أي أننا باستطاعتنا فهم الواقع المادي و من ثم تغييره،بعد استنباط القوانين التي تحكمه،كعلوم الطبيعة فالمنهج العلمي منهج مادي جدلي،لا يخرج عن الواقع المادي في تفسير أي قضية علميةإنما تختلف الماركسية في أنها العلم الأشمل،و قد حاول ماركس تفسير التاريخ،في ماديته التاريخية،و معرفة هذه القوانين،و رأى أن نضال الطبقات هو محرك التاريخ،و ليس إرادة علوية أو طبيعة انسانية ثابتة( منهج مثالي!)و استنتج حتمية زوال الرأسمالية،و سيادة البروليتاريا و قد لا نتفق في كل ما توصل له،و لكن هذا ليس له علاقة بفرض نموذج انتاج أو نظام و لا رغبة ماركس في الشيوعية أو رفضه للرأسمالية،بل هو يراها كحقيقة علمية توصل إليها .

بالطبع لا يوجد نظام ماركسي تسود فيه البروليتاريا الأن،و لكن هذا لا يعني أن الماركسية لم تعد كما كانت(كما تفضلت)الماركسية منهج فكري و ليس نظام حكم.
الماركسية لم تنف الفروق الفردية،إنما ترى أنها ليست السبب في استغلال الإنسان،و إنما السبب هو طريقة الإنتاج
تحياتي


3 - تصحيح
شوكت جميل ( 2014 / 5 / 5 - 21:01 )
نعتذر عن تكرار التعقيب رقم 2 و 3،و كذلك عن تبادل خانات الارسال..بؤساً للتكنولوجيا!!!!!

اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س